دراسات علمیة - 14 : مجلة نصف سنوية تعنى بالأبحاث التخصصية في الحوزة العلمية

هویة الکتاب

الهيأة العلمية

عدد من أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف

رئيس التحرير

السيد جواد الموسوي الغريفي

هيأة التحرير

السيد علي البعاج

الشيخ محمد الجعفري

الشيخ قاسم الطائي

- دراسات علمية -

العنوان: مجلة دراسات علمية / العدد الرابع عشر

الطبعة: الأولى

تاريخ الطبع: 2018 م -- 1440 ﻫ. ق

الكمية: 2000

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1614 لسنة 2011

صورة الغلاف: صفحة من تعليقة المحقق الداماد (رضوان الله علیه) بخطه الشريف على رجال النجاشي (رضوان الله علیه) والمنشورة في هذا العدد.

ص: 1

اشارة

دراسات علمية

مجلة نصف سنونية تصدر عن المدرسة العلمية الاخون الصغرى في النجف الأشرف

تعنى بالابْحَاتِ التَّخَصُصِيَة في الحوزة العلمية

العدد الرابع عشر. صفر الخير 1440 ﻫ.

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحیم

﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾

التوبة 122

ص: 3

الأسس المعتمدة للنشر

1. ترحّب المجلَّة بإسهامات الباحثين الأفاضل في مختلف المجالات التي تهمّ طالب الأبحاث العليا في الحوزة العلميّة, من الفقه والأُصول والرجال والحديث ونحوها.

2. يُشترط في المادّة المُراد نشرها أُمور:

أ. أنْ تكون مستوفية لأُصول البحث العلمي على مختلف المستويات (الفنيّة والعلميّة), من المنهجيّة والتوثيق ونحوهما.

ب. أنْ تكون الأبحاث مكتوبة بخطّ واضح أو (منضَّدة).

ت. أنْ توضع الهوامش في أسفل الصفحة.

ث. أنْ يتراوح حجم البحث بين (12) و(50) صفحة من القطع الوزيري بخطٍّ متوسّط الحجم, وما يزيد على ذلك يمكن جعله في حلقتين أو ثلاث - بحسب نظر المجلَّة - شريطة استلام البحث كاملاً، ويمكن للمجلّة في ما زاد عن ذلك أن تنشره مستقلّا ً مع نشر قسمٍ منه في بعض أعدادها.

ج. أنْ لا يكون البحث قد نُشر أو أُرسل للنشر في مكان آخر.

ح. أنْ يُذيَّلَ البحث بذكر المصادر التي اعتمدها الباحث.

3. يخضع البحث لمراجعة هيأة علميَّة, ولا يُعاد إلى صاحبه سواء أنُشر أم لم يُنشر.

4. للمجلَّة حقّ إعادة نشر البحوث التي نشرتها.

5. يخضع ترتيب البحوث المنشورة في المجلَّة لاعتبارات فنّيّة لا علاقة لها بمكانة الكاتب أو أهميّة الموضوع.

6. ما يُنشر في المجلَّة لا يعدو كونه مطارحات علميّة صرفة, ولا يُعبّر بالضرورة عن رأي المجلَّة.

ص: 4

المحتوی

كلمة العدد

إدارة المجلّة ................................................................................................. 7

جزئية البسملة

الشيخ رافد الزيداوي (دام عزه)..............................................................................13

إبداء المرأة وجهها وكفّيها ونظر الرّجل إليهما / 2

الشيخ جعفر اليعسوبي (دام عزه) .............................................................................61

حجّيّة الوجدان

الشيخ محمّد أمجد رياض (دام عزه) ........................................................................... 135

نظرية الحكومة / 2

الشيخ نجم الترابي (دام عزه) .................................................................................. 195

تطبيق حساب الاحتمالات على ما رواه جميل بن درّاج (عن بعض أصحابنا)

الشيخ صلاح الرمّاحيّ (دام عزه) ............................................................................ 245

تعليقة على رجالي الطوسيّ والنجاشيّ (علیه السلام) للمحقّق الداماد (قدس سره)

تحقيق: السّيّد جعفر الحسينيّ الإشكوريّ (دام عزه) .................................................... 279

ص: 5

ص: 6

کلمة العدد

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصّلاة والسّلام على أشرف النبيّين، وعلى آله الطيّبين الطّاهرين.

أربعة عشر عدداً صدر إلى الآن من مجلّة (دراسات علميّة) على مدى أكثر من سبع سنين، فُسح المجال فيها أمام كثيرٍ من الباحثين، يكتبون وينشرون أفكارهم وإسهاماتهم الذّهنيّة المتّصلة بسعيهم العلميّ والثّقافيّ المتنامي نتيجة تلقّيهم المستمر والمتفاعل لما يتدارسونه من العلوم الشّرعيّة وما يرتبط بها من ثقافات وقراءات.

وكانت المجلّة طيلة هذه الفترة نافذةً يطلُّ منها عدد من روّاد البحث والكتابة على أروقةٍ وساحاتٍ تتجاوز ما تعوّدوا عليه في أروقة ومعاهد الدّراسة في الحوزة العلميّة، كما كانت نافذةً يطلُّ منها القُرّاءُ الآخرون من خارج تلك المعاهد على طبيعة الحركة الفكريّة فيها.

رأيٌّ في مستقبل الكتابة

ومن طبيعةِ كلِّ حركةٍ فكريّةٍ مدوّنةٍ ومكتوبةٍ بشكلٍ دوريٍّ وتريدُ مخاطبةَ مَن يتّصل بمحيطها والتّفاعل معه، النّموُّ والتّطوّرُ أُفقيّاً وعموديّاً.

ص: 7

أمّا أُفقيّاً، فالمتوقّع أن نرى إقبالاً على تطوير الكتابة في كلِّ الاتّجاهات، في الأسلوب، والتّناول، والمنهجة، وتكريس صياغاتٍ جديدةٍ للأدلّة تبتعدُ - ولو قليلاً - عن القولبة المتعارفة، وأخذ وسائل الاستدلال نحو رؤية منهجيّة متحرّكة من دون مغادرة جوهر محتوى الأدلّة المتعارفة، بل يمكن تحرّي القرائن والشواهد والمقايسات الاستقرائيّة لتقوية جانبٍ أو تضعيف آخر اعتماداً على التّطوّر الكبير الحاصل في تيسّر المعلومات والمصادر، وسرعة تجميعها كقاعدة بياناتٍ واسعة للمسألة المبحوث عنها وأثرها على نتائج مناقشتها والاستنتاج منها بسبب الوجود الرّقميّ للمصادر والمعلومات الّذي أصبح متيسّراً بقدرٍ معقولٍ لأغلب الكتّاب والباحثين.

وأمّا النّموُّ والتّطوّرُ عموديّاً، فلأنّ مقدّمات عددٍ لا بأس به من المسائل الشّرعيّة والفكريّة في الكتابات المناسبة في المجلّة ترتبط بنحوٍ أو بآخر بالمحتوى الفكريّ والعلميّ خارج الصّناعة الدائرة في معاهد الدّراسة الحوزيّة.

ويبدو أنّ الإصرار على تجاهل هذا الربط يُبقي كتاباتنا تدور في فلك التّراث، ولا تنهض شاهدةً على سعيٍ فكريٍّ ينتمي لعنوان موضوعات العصر ومشاكله.

وحتّى لا يُساء فهمنا نضرب مثالاً يتّضح فيه بعض الغاية الّتي نرمي إليها، فمثلاً ربّما لا يكون الموقف الفقهيّ ممّن يوصفون حديثاً بثنائيي الجنس (الخنثى المشكل) هو العمل على العلامات المشهورة في باب الميراث والاحتياط في باقي أبواب الفقه - كما هو المشهور - بعد النظر إلى التّطوّر الحاصل في الكشوفات الطّبيّة وإمكان توجيه هؤلاء جراحيّاً أو طبّيّاً نحو جنس معيّن ورفع الاشتباه فيهم بإبراز علامات داخليّة تخصُّ أحد الجنسين كانت مخفيّة، ولم يكن بالإمكان الكشف والحديث عنها في عصر الدّليل الشّرعيّ، ممّا يؤول إلى تحديد جنسٍ معيّنٍ، ومن ثمَّ ترتيب الآثار الشّرعيّة عليه. فهذا نوعٌ من اتّساع أُفق البحث الفقهيّ يرتبطُ بجهاتٍ خارجيّةٍ يستدعي طرحاً آخر في بحث

ص: 8

المسألة الفقهيّة بغضّ النّظر عن النّتيجة الّتي ينتهي إليها الباحث بمراقبةٍ موضوعيّةٍ للأدلّة النّقليّة في المسألة، فربّما يكتشف تفصيلاً في موضوع المسألة أو ينتهي إلى تحكيم إطلاق دليل الحكم المشهور لمطلق الموضوع من دون تفصيل، ولكن بثراءٍ في الجوانب التّصوّريّة للموضوع.

فيلاحظ أنّ كثيراً من أمثال هذه البحوث المرتبطة بانفتاح أسرار بعض المكنونات التّكوينيّة الخارجيّة تقدّم مادّة فكريّة وأُطراً قانونيّة تقرّب علم الأحكام ومصداقيّة أدواته من ضمير الإنسان المعاصر على المستوى النّظريّ، وتزيد من قناعته باتّصال منهاج عقيدته وبرنامجها العمليّ بمشكلاته، ومعالجتها بإطارها الزّمنيّ وفق معطياته التّصوريّة والتّصديقيّة بموازين صحيحة.

وبكلمةٍ أخرى: ليست أصالة الفقه منحصرة في إسقاط لسان أدلّة الأحكام بإطلاقها الزّمنيّ على عناوينها التّصوّريّة، بل في تحقيق الحيثيّة أيضاً، الّتي من أجلها شمل إطلاق الحكم ذلك الموضوع، أو المناسبة الّتي بها استحقّ ذلك الحكم أن يكون في حدود إطارٍ خاصٍّ أو جهةٍ معيّنةٍ من هذا الموضوع.

ومعلوم لدى الفقهاء أنّ نفس المداليل التّصوّريّة والتّصديقيّة للألفاظ في دليل الحكم لا تكشف - دائماً - عن تطابق تلك الجهات والمناسبات معها في كثير من مناسبات الأحكام، وربّما كان لتغيّر طبيعة الاجتماع أو طبيعة التّلقّي للمفاهيم وارتكازاتها دور في الكشف عن دائرةِ الحكم - سعةً وضيقاً - المختزنةِ سابقاً في الدّليل بتنقيح أمثال تلك المناسبات.

ووظيفة الباحث أن يهيّئ بجرأته في البحث والتّفتيش والكتابة وجهات نظر لتقييم تلك الجهات والمناسبات، فربّما كانت مثل هذه المناقشات تؤدّي مع مرور الزّمن لثقافة عامّة وبيئة معرفيّة تكون أحد الروافد الّتي يستقي منها الفقيه الجامع للشّرائط نظرته في

ص: 9

تقييم موضوع المسألة أو حدود الحكم في دليله، وبالتّالي نوع الإفتاء في المسألة.

في خصوص هذا العدد

ولا غرو أن يجد القارئ المتتبّع في هذا العدد أقلاماً جديدة واسهامات أبكاراً في مجال الإنشاء والكتابة، بعد حسن الأثر الّذي تركته أعداد المجلّة الماضية على مشاركات أصحابها وتشجيعهم في التقدّم أكثر، لا سيّما وأنّهم وجدوا أنّ المجلّة معنيّة بتطوير أدوات الكتابة التّخصّصيّة لديهم عبر البرامج الّتي ترعاها، فنرجو لهم ولمن سبقهم التوفيق في مسعاهم.

فنقرأ لهم في هذا العدد بحثاً يتناول جزئيّة البسملة للسّور القرآنيّة، وثانياً يتناول حجّيّة الوجدان ودليليّته، وثالثاً حول تطبيق حساب الاحتمالات على الراوي جميل بن درّاج.

بالإضافة إلى بعض الموضوعات الّتي تقدّم جزء منها في العدد السّابق، مثل نظريّة الحكومة، وحكم إبداء المرأة لوجهها وكفّيها للأجنبيّ ونظر الأخير إليهما.

وكما تعوّد القارئ في الأعداد السّابقة، نذيّل بحوث المجلّة بتحقيق أنيق لمخطوطةٍ مهمّةٍ ومختارةٍ من تراثنا الّتي دبجتها يراعات علمائنا الأعلام (رضوان الله تعالی علیهم)، فوقع الاختيار في هذا العدد على تعليقة المحقّق الدّاماد (قدس سره) على كلٍّ من كتاب الشّيخ الطّوسيّ في الرّجال وفهرست الشّيخ النّجاشيّ (علیه السلام).

هذا، ونتقدّم بالشّكر دائماً وأبداً لأصحاب السّماحة أعضاء اللّجنة العلميّة المستمرّين في رعاية البحوث ومراجعتها، وكذلك نشكر الأفاضل المساهمين في تنقيح وتصحيح وإعداد البحوث وإخراجها بالضّبط الفنّيّ والمنهجيّ بالشّكل المرضيّ الّذي تظهر به في كلّ عدد.

ص: 10

كما نرجو ممّن يلاحظ على المجلّة - بشكل عام - ملاحظة مهمّة أو نقداً بنّاءً يراه واقعاً في طريق استكمال نقصٍ في جهةٍ من جهاتها، أو يكمل جانباً منها ألّا يبخل علينا بالإشارة إليه والإرشاد نحوه، فنكون له شاكرين.

سائلين الله تعالى التّوفيق في استمرار هذا العمل واستكمال عناصر نجاحه، والله من وراء القصد.

إدارة المجلّة

النجف الأشرف

21 صفر الخير 1440ﻫ

ص: 11

ص: 12

جزئيّة البسملة - الشيخ رافد الزيداوي (دام عزه)

اشارة

إنّ أهمّيّة البحث في مسألة ما تكمن وراء أمور عديدة كما لا يخفى، منها مستوى ابتلائيّة المسألة.

ومن هنا صار البحث في جزئيّة البسملة ذا أهمّيّة واضحة؛ فهو - مضافاً إلى جهاته: العقديّة، والتاريخيّة، والتفسيريّة وغيرها - ذو جنبة فقهيّة تترتّب عليها ثمرات عديدة.

وما بين يديك - عزيزي القارئ - محاولة في تقصّي كلمات علماء الإسلام في هذه المسألة، واستجلاء الأدلّة النافية والمثبتة، ودراستها وفق نظريّات الأعلام.

ص: 13

ص: 14

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين.

وبعد: فقد وقع الخلاف في أنَّ البسملة جزء من كلّ سورة أو أنَّها خارجة عن السور, فتكون بداية السورة من بعد البسملة دائماً، وكلامنا في هذا البحث ينصبّ على جزئيَّة البسملة في أوائل السور عدا الفاتحة.

ولا يخفى أنَّ هذه المسألة من المسائل التي تترتَّب عليها ثمرات فقهيّة عديدة:

منها: أنَّها إذا كانت جزء سورة التَّوحيد فلا يجوز عندنا العدول عنها إلى سورة أخرى بمجرّد قراءة البسملة، بناءً على ما هو المشهور من عدم جواز العدول عنها ولو قبل بلوغ النّصف.

ومنها: أنَّها إذا كانت من السورة فتعدُّ آيةً منها، فلا يجوز العدول عن السورة إذا بلغ بضميمة البسملة النِّصف.

ومنها: أنَّها إذا كانت من السورة فلا بُدَّ - على المعروف بين فقهائنا - من قصدها مع تلك السورة، أي قصد بسملة السورة الخاصَّة، وإلَّا فيجوز قراءة البسملة بلا قصد

ص: 15

السّورة.

ومنها: أنَّها إذا كانت من السورة فيجوز الرُّكوع بعدها في صلاة الآيات.

ومنها: أنَّها إذا كانت من السورة فلا تشرع للجنب قراءتها بقصد إحدى سور العزائم، بناءً على تحريم كلّ السورة على الجنب.

وهكذا تعدُّ من السَّبع آيات المكروه على الجنب قراءة الأكثر منها.

إلى غير ذلك من الثَّمرات الّتي يمكن تصيّدها من ثنايا المباحث الفقهيّة.

منهجيّة البحث

ويقع الكلام في مقامين:

المقام الأوَّل: ذكر أقوال فقهاء الإسلام في المسألة.

المقام الثَّاني: ذكر الرّوايات الواردة من طرق الخاصَّة في المسألة.

ص: 16

المقام الأوَّل: أقوال فقهاء الإسلام في المسألة

أمَّا فقهاء الجمهور: فقد نصّ في بداية المجتهد على أنّ المسألة قد كثر الاختلاف فيها. وقد يفهم من كلامه أنّ القول بجزئيّتها من السور ليس مشهوراً بينهم، وكذلك عدم جزئيّتها(1). ونظيره ما في عون المعبود(2).

ويظهر من النووي شهرة القول بالجزئيّة عندهم، حيث نسبه إلى خلائق لا يحصون من السلف، ونقل أقوال كثير من الصحابة والتابعين في ذلك(3).

والمعروف عن مالك أنّها ليست من القرآن حتّى في الفاتحة(4)، والمشهور عن الشافعي أنَّها جزء من كلّ سورة أو بعض آية(5).

نعم، ذكر ابن رشد(6) أنَّه اختلف قول الشافعي هل هي جزء من كلّ سورة أم لا؟

ص: 17


1- يلاحظ: بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 1/ 102.
2- يلاحظ: عون المعبود شرح سنن أبي داود: 2/ 345.
3- يلاحظ: المجموع شرح المهذب: 3/ 334.
4- ممَّن نقل عنه ذلك المجموع شرح المهذب: 3/ 334 ونقله أيضاً عن الأوزاعي وداود. والمحلّى: 3/ 251، والمبسوط: 1/ 15، والمغني: 1/ 520.
5- يلاحظ: عمدة القاري: 5/ 291، عون المعبود شرح سنن أبي داود: 2/ 345، المغني: 1/ 522، المبسوط: 1/ 15.
6- يلاحظ: بداية المجتهد ونهاية المقتصد: 1/ 102.

وأمَّا أبو حنيفة فقد اختلف النقل عنه وعن أتباعه، فنقل عنه السرخسي: (أنَّ المصلّي يسمّي في أوَّل صلاته، ثُمَّ لا يعيد؛ لأنَّها لافتتاح القراءة كالتّعوذ)(1)، ومعنى هذا أنّها ليست من القرآن، بل هي كالاستعاذة، ومثله ما في المجموع من أنّ قوله قول مالك، أي (ليست البسملة في أوائل السور كلّها قرآناً لا في الفاتحة ولا في غيرها)(2)، وهو أيضاً الذي نقله عنه الشيخ في الخلاف(3)، لكن نقل عنه العيني أنَّها آية من كتاب الله تعالى مقترنة مع السورة(4)، فنسب إليه أنَّها في كلّ موضعٍ وقعت تكون آية من القرآن غايته أنَّها ليست جزءاً من السورة، وهو قول آخر منسوب إليه، ونسب في عون المعبود القول الأوَّل - أي أنَّها ليست من القرآن - إلى بعض الحنفية(5)، والقول الآخر

- أي أنَّها آية من كتاب الله مقترنة مع السور - إلى بعضٍ آخر من الحنفية.

إذن، هناك شكّ في رأي أبي حنيفة وأتباعه، ومن ثَمَّ قال الشيخ البهائي في مشرق الشمسين: (وقال بعض المتأخّرين: إنّ أبا حنيفة لم ينصّ في البسملة بشيء لكن لما كان كوفيّاً وقد نصّ الكوفيّون على جزئيّتها دونه، ظنّ أنّها ليست من السورة عنده، ولا يخفى أنّ عدم نصّه فيها لا يدلّ على ما ظُنَّ بشيء من الدلالات؛ لاحتمال توقّفه في أمرها)(6)، وقال الفخر الرازي في تفسيره: (وأمّا أبو حنيفة فلم ينصّ عليه، وإنّما قال:

ص: 18


1- يلاحظ: المبسوط: 1/ 16.
2- يلاحظ: المجموع شرح المهذّب: 3/ 334.
3- يلاحظ: الخلاف: 1/329.
4- يلاحظ: عمدة القاري شرح صحيح البخاري: 19/ 302.
5- يلاحظ: عون المعبود شرح سنن أبي داود: 2/ 345.
6- مشرق الشمسين: 391.

يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ويسرّ بها، ولم يقل: إنّها آية من أول السورة أم لا - إلى أن قال - وقال بعض فقهاء الحنفيّة: تورّع أبو حنيفة وأصحابه عن الوقوع في هذه المسألة؛ لأنّ الخوض في إثبات أنّ التسمية من القرآن أو ليست منه أمر عظيم، فالأولى السكوت عنه)(1)، وقريب منه ما ذكره ابن عبد البر(2).

واختلف النقل أيضاً عن أحمد، فقد قال النووي: (وقال أحمد: هي آية في أوَّل الفاتحة، وليست بقرآن في أوائل السور، وعنه رواية أنَّها ليست من الفاتحة أيضاً)(3).

فتحصّل من هذا أنَّ رأي أئمّتهم الأربعة كالآتي:

أوّلاً: المعروف عن مالك نفي جزئيَّتها من القرآن في أوائل السور.

ثانياً: المعروف عن الشَّافعي عكس ما عن مالك.

ثالثاً: أبو حنيفة وأحمد قد اختلف النقل عنهما.

ومنه يتَّضح عدم ثبوت شهرة عندهم على نفي جزئيَّتها من جميع السور. ومن ثَمَّ يمكن الخدش فيما ذكره السّيّد الخوئيّ (قدس سره) (4) من أنّ المشهور عندهم جزئيَّتها في الفاتحة دون سائر السور(5)؛ إذ دعوى ثبوت شهرة نفي جزئيَّتها من جميع السور عندهم غير

ص: 19


1- تفسير الفخر الرازي: 1/ 194.
2- يلاحظ: التَّمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد: 20/ 207.
3- المجموع شرح المهذّب: 3/ 334، ويلاحظ: المغني: 1/522.
4- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 14/ 326.
5- لا يقال: إنَّ كلام السيّد الخوئي (قدس سره) في شهرة جزئيّتها في الفاتحة فقط، فلا يرد عليه ما أوردتم. فإنَّه يقال: إنَّ كلامه ناظر إلى قول صاحب العروة (قدس سره): (البسملة جزء من كلّ سورة)، وليس الكلام في بسملة الفاتحة ليقال: إنَّ دعوى الشهرة ناظرة لها فقط. إذن، دعوى الشهرة منه (قدس سره) تشمل كلا3 4العقدين، أعني شهرة جزئيَّتها من الفاتحة، وشهرة عدم جزئيّتها من جميع السور، فلاحظ.

واضحة. نعم، تكرَّر نقل ذلك عن مالك، وهذا ممَّا لا يحقِّق الشهرة(1).

ثُمَّ إنَّه (قدس سره) استدلَّ على عدم جزئيَّتها عندهم في باقي السور بما نصَّه: (والمشهور بين العامَّة أنَّها جزء لخصوص الفاتحة دون سائر السور، وعلى هذا جرت المصاحف حتَّى اليوم؛ فإنَّهم يذكرون علامة الآية بعد بسملة الفاتحة دون غيرها من بقية السور).

فكأنَّه (قدس سره) يريد استكشاف عدم جزئيَّة البسملة لباقي السور عندهم بأنَّ المصاحف جرت على عدم ذكر علامة الآية بعد بسملة السور، ويذكرونها بعد بسملة الفاتحة، فكأنَّ وجه ذلك أنَّهم لا يرونها جزءاً من السور.

ولكن يمكن أن يقال: إنَّ هذا لا يدلُّ على معروفيَّة عدم جزئيَّتها عندهم، فعدم وضع العلامة بعدها في السور لا يستلزم ذلك؛ إذ قد يكون وضعها بعد ما يتلوها من

ص: 20


1- بل البعض ادَّعى أنَّ الأكثر عندهم على الجزئيَّة، حيث قال: (وبالجملة فأصحابنا - كأكثر المخالفين - على عدّها آية جميع السور؛ ولذا أثبتوها في المصاحف بخطّ القرآن مع شدّة اهتمامهم بعدم كتابة غيره بخطّه) يلاحظ: (تفسير الصراط المستقيم): 3/ 103. لكنّ هذا ممَّا لا مثبت له، فقد رأيت كلامهم، ولم يتَّضح منه أنّ القول بالجزئيَّة قول أكثرهم، بل المسألة عندهم محلّ خلاف، ولا يمكن اقتناص الشهرة عندهم على أيٍّ من طرفي البحث. نعم، يظهر من كلام النووي في المجموع الذي نقلناه أوّلاً أنّ المشهور ذلك، ولكنّنا لم نعثر على ذلك في غير كلامه، ولعلَّ الحامل له على ذلك تقوية رأي إمامه الشَّافعي. وفي (الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 1/29) نقل كلاماً عن تفسير المنار يقرب ممَّا في المجموع شرح المهذّب، وقال بعده: (ومن مجموع ما ذكر يستفاد أنَّ الأكثرية الساحقة من أهل السنّة يرون أنَّ البسملة جزء من السورة كذلك). وممَّا قدّمنا تعرف ما فيه فلاحظ.

الكلام قائم على أساس اعتقاد أنَّها بعض آية لا آية مستقلَّة، كما هو موضع خلاف بين علمائهم على ما نقل العلّامة في المنتهى، حيث قال: (وفي كونها آية من كلِّ سورة قولان: أحدهما: أنَّها آية من كلِّ أوَّل سورة، والآخر: أنَّها بعض من أوَّل كلِّ سورة، ويتمّ بما بعدها آية)(1)، ومثله ما عن النَّووي في المجموع (2).

ثُمَّ إنِّي لم أجد من علمائنا - عدا ما يظهر من السيّد ابن طاووس(3) - مَن نسب نفي جزئيّتها من السور إلى مشهور العامَّة، فقد نقل الشيخ في الخلاف أقوالهم(4)، وأكثر الأقوال الَّتي نقلها عنهم أنَّها آية من كلِّ سورة، وهكذا العلَّامة في المنتهى(5). هذا من ناحية أقوالهم.

أمَّا فقهاؤنا فلهم قولان في المسألة:

الأوَّل: ما ذهب إليه المشهور - كما في المعتبر والحدائق(6) - من أنَّها جزء من جميع السور، ونفى عنه الخلاف في المبسوط (7)، بل ادَّعى عليه إجماع الفرقة في الخلاف(8)،

ص: 21


1- منتهى المطلب: 5/ 56، وهكذا نقله الشيخ في الخلاف: 1/ 228، وفي عمدة القاري: 5/ 291، قال: (وقالت طائفة: إنَّها آية من كلِّ سورة أو بعض آية، كما هو المشهور عن الشّافعي ومَن وافقه).
2- يلاحظ: المجموع شرح المهذّب: 3/ 333.
3- يلاحظ: سعد السعود: 145.
4- يلاحظ: الخلاف: 1/ 328 وما بعدها.
5- يلاحظ: منتهى المطلب: 5/ 56.
6- يلاحظ: المعتبر: 2/ 180، الحدائق الناضرة: 8/ 107.
7- يلاحظ: المبسوط في فقه الإماميَّة: 1/ 105.
8- يلاحظ: الخلاف: 1/ 328.

ومثله في التبيان(1)، ومجمع البيان(2)، ومنتهى المطلب (3)، وذكرى الشيعة(4)، وروض الجنان(5)، وروضة المتقين(6).

فأوّل من ادّعى الإجماع على جزئيّتها في جميع السور - بحسب ما بأيدينا من المصادر - الشيخ الطوسي (قدس سره) في الخلاف والتبيان، ولعلّ الباقين ممَّن تأخَّر عنه اعتمد عليه فيها.

الآخر: ما نسب إلى ابن الجنيد من القول بعدم جزئيَّتها فيما عدا الفاتحة(7)، وإليه ذهب جماعة من الأعلام في العصور المتأخِّرة، كشيخ الشريعة (قدس سره) على ما نُقل عنه في تقريرات بحثه(8)، والسيِّد الداماد (قدس سره) (9)،، وتوقَّف السيِّد السيستاني (دام ظله العالی) في المسألة على

ص: 22


1- يلاحظ: التبيان في تفسير القرآن: 1/ 24.
2- يلاحظ: مجمع البيان: 1/ 50.
3- يلاحظ: منتهى المطلب: 5/ 48.
4- يلاحظ: ذكرى الشيعة: 3/ 298.
5- يلاحظ: روض الجنان: 2/703.
6- يلاحظ: روضة المتقين: 2/ 289.
7- يلاحظ: المعتبر: 2/ 180، مدارك الأحكام: 3/ 340.
8- أحكام الصلاة، تقرير بحث شيخ الشريعة الأصفهاني: 68.
9- يلاحظ: كتاب الصلاة: 4/ 75. نعم، هو (قدس سره) ذهب إلى لزوم قراءتها مع السورة في الصلاة، لكن لدلالة الأدلّة على ذلك، لا من جهة كونها جزءاً، فقال: (فتلزم قراءتها معها لسلامة نصوص الإثبات عن المعارض. نعم، لم تثبت جزئيّتها لها - كالفاتحة - حتّى تنتج جواز التقسيط في صلاة الآية مع قطع النظر عن الدليل الخاصّ؛ إذ أقصى ما كان مستفاداً من تلك الروايات هو أصل لزوم قراءة البسملة لا جزئيّتها). كتاب الصلاة: 4/ 180.

ما يظهر من رسالة منهاج الصّالحين (مسألة 603).

المقام الثَّاني: الروايات الواردة في المسألة

اشارة

وهي على طائفتين:

الطائفة الأولى: الروايات التي يمكن أن يستدلَّ بها على جزئيَّة البسملة لجميع السور

اشارة

وهي ثلاث روايات:

الرواية الأولى

وهي رواية معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟ قال: (نعم). قلت: فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال: (نعم)(1)

استدلّ بها كثير من الأعلام(2)، وقال السيِّد الخوئيّ (قدس سره) إنَّها عمدة الأخبار(3)، وسندها صحيح، بناءً على ما هو المشهور من وثاقة محمّد بن عيسى واعتماد روايته عن يونس.

أمَّا دلالتها على المطلوب فقد قرَّبها السيِّد الخوئي (قدس سره) (4) بما يرجع إلى مقدّمتين:

الأولى: أنَّ سؤال معاوية ليس عن الجواز؛ إذ لم ينقل عن أحد حرمة قراءتها في

ص: 23


1- الكافي: 3/ 313 باب قراءة القرآن، ح1، تهذيب الأحكام: 2/ 69 ح251.
2- يلاحظ على سبيل المثال: تذكرة الفقهاء: 3/ 133، مجمع الفائدة والبرهان: 2/ 200.
3- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 14/ 326.
4- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 14/ 326 - 327.

الصلاة؛ لأنَّها قرآن بلا إشكال، لا أقلّ في سورة النمل والفاتحة بإجماع علمائنا، ومشهور العامَّة، ولا حرمة في قراءة القرآن في الصلاة. وليس السؤال عن الاستحباب أيضاً؛ لأنَّ جوازها يساوق رجحانها؛ إذ هي عبادة، فتعيَّن أن يكون السؤال عن الوجوب.

وإلى هذه المقدّمة أشار (قدس سره) بقوله: (فإنَّ السؤال ليس عن الجواز؛ فإنَّه مسلّم عند الكلّ، بل من الضروريات، ولا عن الاستحباب؛ لوضوحه أيضاً، لا سيّما لمثل معاوية ابن عمار؛ فإنّ جواز قراءة القرآن مساوق لرجحانه، فلا محالة يكون عن الوجوب).

والأخرى: إمضاء الإمام (علیه السلام) لما هو مرتكز عند السائل من وجوب البسملة، ومن الواضح أنّ الوجوب في أمثال المقام ظاهر في الجزئيّة؛ لعدم احتمال النفسيّة.

ودعوى أن لا مثبت لعدم إرادة الوجوب النفسي من الرواية، وإنّما الثابت أصل الوجوب، وهو الذي يمكن دعوى الإجماع عليه، وكونه من المسلّمات دون الجزئيّة(1).

مدفوعة بأنّا إذا سلَّمنا دلالتها على أصل الوجوب فالحقّ مع السيّد الخوئي (قدس سره)؛ إذ السؤال حينئذٍ عن وجوبها في الصلاة التي هي من المركبات، وقد بنى (قدس سره) وكثير من المحقّقين على أنَّ الأصل الثانوي في الأوامر الواردة في المركبات هو الإرشاديّة، فيكون وجوبها - الذي أقرّ الإمام (علیه السلام) السائل عليه - إرشاداً إلى جزئيَّتها.

وقد يكون مقصود المعترض (دامت برکاته) ما قاله السيّد الداماد (قدس سره) من: (أنّ مجرّد الحكم بقراءة البسملة مع السورة أعمّ من جزئيّتها لها، لاحتمال جزئيّتها للصلاة أو شرطيّتها لها، فلا مساس لها بالسورة مساس الجزء بالكلّ)(2).

ويمكن أن يؤيّد هذا بأنَّ السائل عندما سأل عن البسملة مع الفاتحة عبّر ب-(في)

ص: 24


1- يلاحظ: دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي: 1/ 223.
2- كتاب الصلاة: 4/ 174.

المشعرة بدخول المظروف في الظرف، حيث ورد هكذا: (إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة القرآن؟)، ولمَّا سأل عن البسملة في السورة عبَّر ب-(مع) المشعرة بالمصاحبة وعدم الدخول، حيث ورد فيها هكذا: (فإذا قرأت فاتحة القرآن أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟).

وعلى هذا فتسليم ظهور الوجوب في الجزئيَّة في هكذا مقام لا يستلزم أن تكون جزءاً من السورة، بل يمكن أن تكون جزءاً من الصلاة أو شرطاً لها.

اللهم إلّا أن يقال: إنَّ ملاحظة الجوّ الفقهي الذي صدرت فيه الرواية يقتضي أنَّ السؤال كان عن جزئيَّتها من السورة، حيث إنَّ ذلك هو مورد الخلاف بيننا وبين الجمهور، فسؤال السائل عن قراءتها مع السورة الذي فرضنا أنّه سؤال عن الوجوب المساوق للجزئيّة ناشئ عن أنَّها هل تكون جزءاً من السورة فتقرأ، أو لا تكون كذلك فلا تقرأ؟ فجواب الإمام (علیه السلام) ب-(نعم) يكون ظاهراً في جزئيَّتها للسورة، فتأمَّل.

والذي يخطر بالبال إمكان الإيراد على قوله (قدس سره): (ولا عن الاستحباب؛ لوضوحه أيضاً لا سيّما لمثل معاوية بن عمار؛ فإنَّ جواز قراءة القرآن مساوق لرجحانه): بأنَّ الاستحباب الواضح الذي لا يخفى على مثل معاوية بن عمار هو ما كان بعنوانه العامّ، كقراءة القرآن في الصلاة التي هي عبادة، وجوازها مساوق لاستحبابها. أمَّا إذا كان السؤال عن استحبابها قبل السورة بنحو التوظيف فهذا قد يدّعى عدم وضوحه لدى السائل، وهو احتمال لا دافع له، ومعه تكون الرواية مجملة. ولعلّه لهذا أو غيره توقَّف المحقّق السبزواريّ (قدس سره) في دلالتها على المدّعى(1).

الرواية الثانية
اشارة

رواية يحيى بن أبي عمران الهمداني، قال: كتبت إلى أبي

ص: 25


1- يلاحظ: ذخيرة المعاد: 1 ق 2/ 275.

جعفر (علیه السلام): جعلت فداك ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أمّ الكتاب فلمّا صار إلى غير أمّ الكتاب من السورة تركها، فقال العباسي: ليس بذلك بأس. فكتب بخطّه: (يعيدها، مرّتين على رغم أنفه. يعني العباسي)(1).

وقد استدلَّ بها جملة من الأعلام، منهم السيّد الحكيم (قدس سره) في مستمسك العروة الوثقى(2)، والسيّد الخوئي (قدس سره) في البيان(3).

والكلام في هذه الرواية يقع من جهتين:

الجهة الأولى: في السند

فقد يشكل فيه من جهة الراوي المباشر، والكلام فيها يقع في أمرين:

الأوَّل في تشخيصه: فإنَّ الموجود في الكافي المطبوع (يحيى بن أبي عمران الهمداني)، وكذا في الاستبصار(4)، والوسائل(5)، والوافي(6)، ومرآة العقول(7)، كلّها نقلاً عن الكافي.

ولكن في نسخة من الكافي - كما في طبعة دار الحديث(8) - ( يحيى بن عمران

ص: 26


1- الكافي: 3/ 313 باب قراءة القرآن، ح2، تهذيب الأحكام: 2/ 69 ح252.
2- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 6/ 174.
3- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 50/ 442.
4- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 311.
5- يلاحظ: وسائل الشيعة: 6/ 58.
6- يلاحظ: الوافي: 8/ 647.
7- يلاحظ: مرآة العقول: 15/ 106.
8- يلاحظ: الكافي: 6/ 147.

الهمداني)، وكذا في التهذيب(1)، وموضع آخر من الوسائل(2) نقلاً عن الكافي.

و(يحيى بن أبي عمران) ذكره الصدوق في المشيخة، وقال عند ذكر طريقه إليه: (كان تلميذ يونس بن عبد الرحمن)(3)، وأيضاً ذكره البرقي في أصحاب الرّضا (علیه السلام) (4)، ولم يعنوَن في غيره من كتب الرجال، وإنَّما المعنوَن في رجال الشيخ (يحيى بن عمران)(5)، كما وقع في الرواية محلّ البحث بنقل التهذيب، لا (يحيى بن أبي عمران).

و(يحيى بن أبي عمران) وإن أمكن ذكر بعض الوجوه لتوثيقه - كما سيأتي - إلّا أنّ (يحيى بن عمران) مجهول، وليس هناك وجه لتوثيقه، فحينئذٍ قد يقال بأنَّ الرواية على فرض التعدّد مردّدة بين شخصين أحدهما مجهول، فتسقط عن الاعتبار.

ولكن الظاهر أنّ الصحيح في محلّ الكلام هو (يحيى بن أبي عمران)، كما بنى عليه جملة من الأعلام(6).

وقد يشهد له أنَّ الرواية المبحوث عنها هي مكاتبة له إلى الإمام الجواد (علیه السلام)، وقد رويت مكاتبة أخرى ليحيى إلى الإمام الجواد (علیه السلام) بعنوان (يحيى بن أبي عمران)(7)،

ص: 27


1- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 2/ 69.
2- يلاحظ: وسائل الشيعة: 6/ 87.
3- من لا يحضره الفقيه: 4/ 450.
4- يلاحظ: رجال البرقي: 334، والملاحظ أنَّ السيّد الخوئي (قدس سره) في معجم رجال الحديث: 21/ 29 قال: (إنَّ البرقي عدّه من أصحاب الجواد (علیه السلام))، مع أنّني لم أجد ذلك في النسخة المتوفّرة من رجال البرقي، بل الموجود فيها ذكره في أصحاب الرضا (علیه السلام) كما ذكرنا.
5- الأبواب (رجال الطوسي): 369.
6- كالمحقّق الأردبيلي في جامع الرواة: 2/ 334، والمحدّث النوري في خاتمة مستدرك وسائل الشيعة: 5/ 378، والسيّد الخوئي (قدس سره) في معجم رجال الحديث: 21/ 30.
7- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 1/ 262.

وكذا توجد مكاتبة للإمام الرضا (علیه السلام) إليه بهذا العنوان(1)، ولم تنقل مكاتبة في مورد بعنوان (يحيى بن عمران).

بل يمكن أن يقال - كما بنى عليه جملة من الأعلام(2) -: إنّ (يحيى بن أبي عمران) و(يحيى بن عمران) شخص واحد، وقد سقطت لفظة (أبي) من التهذيب في الرواية محلّ البحث، وكذلك من رجال الشيخ، قال السيّد الخوئي (قدس سره): (إنّ الشيخ ذكر في رجاله في أصحاب الرضا (علیه السلام) يحيى بن عمران الهمداني، وقال: يونسي، والظاهر أنّه هو يحيى بن أبي عمران، وقد سقطت كلمة (أبي) من قلم الشيخ، أو من قلم النسّاخ)(3).

وقد يشهد لذلك أنّ (يحيى بن عمران) يونسي، ومن يروي عن يونس مكرّراً في الأسانيد جاء بعنوان (يحيى بن أبي عمران)(4)، ولم يقع بعنوان (يحيى بن عمران) عن يونس إلَّا في موردين: أحدهما في الكافي(5)، ولكن في التهذيب عنه وكذلك الوافي (يحيى ابن أبي عمران)(6) أيضاً، وثانيهما في بصائر الدرجات(7)، ولكن في جميع الموارد الأخرى

ص: 28


1- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 828.
2- يلاحظ: جامع الرواة: 2/ 324، 334، خاتمة مستدرك الوسائل: 5/ 378، 9/ 197، معجم رجال الحديث: 21/ 29.
3- معجم رجال الحديث: 21/ 30.
4- يلاحظ: الكافي: 1/ 265، 5/ 21، 7/ 244، الخصال: 42، علل الشرائع: 1/ 132، 200، معاني الأخبار: 1/ 23، من لا يحضره الفقيه: 4/ 280، تهذيب الأحكام: 6/140، 9/ 315، 10/ 33.
5- يلاحظ: الكافي: 5/ 31.
6- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 6/ 140، الوافي: 15/ 102.
7- يلاحظ: بصائر الدرجات: 43.

من البصائر جاء بعنوان (يحيى بن أبي عمران) عن يونس(1).

وإذا ثبت أنّهما شخص واحد فقد يقال: لا وجه لما ذكره الشيخ محمد حفيد الشهيد الثاني (قدس سرهما) من: (أنّ العلَّامة في الخلاصة ذكر في القسم الأوّل ما هذه صورته: يحيى بن عمران الهمداني: يونسيّ، ولم أقف عليه في غير الخلاصة)(2)، فإنَّه نفسه الذي ذكره الشيخ الصدوق في المشيخة، وعنونه الشيخ والبرقي في الرجال، كما مرَّ، فليتأمَّل.

الأمر الآخر في وثاقته: فإنّه لم ينصّ على وثاقة يحيى بن أبي عمران في كتب الرجال، ويمكن أن يذكر لإثباتها وجهان:

الأوَّل: ما ذكره السيّد الخوئيّ (قدس سره) في المعجم(3) من وقوعه في أسانيد تفسير القمّيّ، فتكون الرواية عنده معتبرة.

لكن هذه الكبرى غير تامّة عند جملة من الأعلام(4)، والملاحظ أنّه (قدس سره) حكم في فقهه(5) بضعف الرواية؛ لجهالة يحيى هذا، مع أنَّه (قدس سره) قد استقرّ رأيه إلى آخر حياته الشريفة على وثاقة مَن وقع في أسانيد تفسير القمي.

والآخر: أنَّه من وكلاء الإمام الجواد (علیه السلام) (6)، كما في بصائر الدرجات: (حدّثنا

ص: 29


1- يلاحظ: بصائر الدرجات: 28، 130، 136، 158، 165، 168، وغيرها.
2- استقصاء الاعتبار: 5/ 99.
3- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 21/ 28.
4- منهم سماحة السيّد السيستاني (دام ظله العالی) على ما في تقرير بحثه، يلاحظ: القواعد الفقهيّة: 305 - 306، والسيّد الأستاذ السيّد محمّد رضا السيستاني (دامت افاداته)، يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 1/ 124.
5- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 14/ 273.
6- أشار إلى هذا الوجه المحقّق الداماد (قدس سره) في كتاب الصلاة: 4/ 178، قال: (لعدم توثيقه صريحاً في الرجال إلَّا من باب وكالته عن المعصوم (علیه السلام)).

محمّد بن عيسى، قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد، قال: كان أبو جعفر محمّد بن علي (علیه السلام) كتب إليّ كتاباً وأمرني أن لا أفكّه حتّى يموت يحيى بن أبي عمران، قال: فمكث الكتاب عندي سنين، فلمّا كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن أبي عمران فككت الكتاب فإذا فيه: قم بما كان يقوم به، أو نحو هذا من الأمر. قال: وحدّثني يحيى وإسحاق ابنا سليمان بن داود أنّ إبراهيم قرأ هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى، وكان إبراهيم يقول: كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى بن أبي عمران حيّاً. وأخبرني بذلك الحسن بن عبد الله بن سليمان)(1).

وهذه الرواية تامّة السند على رأي(2)؛ فإنَّ (محمّد بن عيسى) هو (ابن عبيد)، و(إبراهيم بن محمّد) هو (الهمداني)، وهو وإن لم ينصّ على وثاقته إلَّا أنّه كان وكيلاً - على ما نصّ عليه الكشي والنجاشي(3) -، والوكالة تستلزم الوثاقة.

ص: 30


1- بصائر الدرجات: 282.
2- تبنّى ذلك الوحيد البهبهاني (قدس سره) في تعليقته على منهج المقال: 323؛ فإنَّه يرى وثاقة محمّد بن عيسى ابن عبيد المبدوء به سند الرواية، هذا من جهة. ومن جهة أخرى: أنّه (قدس سره) صرّح في ص: 55 بأنّ إبراهيم بن محمّد من الوكلاء، وبنى في ص: 45 على أنّ الوكالة تستلزم الجلالة والوثاقة، فيكون هذا السند تامّاً عنده. وقد بنى على كلّ ذلك السيّد الحكيم (دام ظله)، كما في مصباح المنهاج (كتاب الطهارة): 1/ 474، و(كتاب الشفعة): 226-227 وبذلك بنى على وثاقة إبراهيم بن محمّد الهمداني. وقد بنى على ذلك كلّه أيضاً أستاذنا الشيخ هادي آل راضي (دامت برکاته) على ما تلقّيناه منه مراراً في مجلس البحث الشريف.
3- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 867، ح: 1131، فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 344، رقم: 928.

أمَّا دلالتها على وثاقة (يحيى بن أبي عمران) فلأنَّها تدلّ على أنّه كان وكيلاً للجواد (علیه السلام) - على ما ذكره السيّد الخوئي (قدس سره) (1) -، والوكالة - كما ذكرنا على قول بعض - تستلزم الوثاقة، فيكون (يحيى بن أبي عمران) ثقة.

هذا كلّه بلحاظ سند رواية يحيى بن أبي عمران، وقد رأيت أنَّها معتبرة على مبنى السيّد الخوئي (قدس سره) وأيضاً على بعض المباني الأخرى.

الجهة الثانية: في الدلالة

ويمكن تقريب دلالتها في المقام بأن يقال: إنَّ السائل سأل الإمام عمّن ترك البسملة في السورة، والإمام أمره أن يعيدها، فدلَّ ذلك على وجوبها؛ إذ لو لم تكن واجبةً لما كان وجه للأمر بالإعادة.

هذا ما اتَّضح لي من كلماتهم في تقريب الاستدلال بهذه الرواية على جزئيَّة البسملة.

ولكن من الواضح أنّ هذا المقدار لا يكفي لإثبات المطلوب إلَّا بضمّ المقدّمة الثانية التي ذكرها السيّد الخوئيّ (قدس سره) في الاستدلال بالرواية الأولى؛ إذ بدونها لقائل أن يقول: سلّمنا الدلالة على الوجوب ولكنّها لا تدلّ على الجزئيَّة، بل لعلّها واجب نفسي.

ويحسن بنا هنا أن نشير إلى أنَّ قوله (مرّتين) الوارد في الرواية قد ذكرت وجوه لتفسيره في كلماتهم.

منها: ما ذكره جماعة من الأعلام(2) من أنَّه متعلّق بالكتابة، فالسائل يقول: إنَّه (علیه السلام) كتب ذلك مرّتين، وليس متعلّقاً بإعادة الصلاة؛ إذ لا معنى لإعادتها مرّتين، ولعلّ وجه التكرار في الكتابة من قبل الإمام (علیه السلام) هو المبالغة في الإنكار على العباسيّ أو

ص: 31


1- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 21/ 28.
2- يلاحظ: الوافي: 8/ 648، روضة المتقين: 2/ 290، الحدائق الناضرة: 8/ 105 وغيرها.

العياشيّ كما ذكره المجلسيّ الأوَّل (طاب ثراه)(1).

ومنها: ما ذكره المحقّق الهمدانيّ (قدس سره) (2) من أنَّ ضمير (يعيدها) ليس راجعاً للصلاة، بل للبسملة، والمعنى يعيد البسملة مرَّتين: مرَّة في الركعة الأولى، وأخرى في الثانية.

لكنّه بعيد، بل ظاهر الرواية رجوعه إلى الصلاة بسبب ترك جزء السورة وهو البسملة، كما عن جملة من الأعلام(3).

ووجه بعده أنّ السائل سأل الإمام (علیه السلام) بعد وقوع الصلاة من الرجل، ولا معنى لأن يأمره بإعادة البسملة حينذاك، قال السيّد الخوئيّ (قدس سره): أنَّ (عود الضمير إلى السورة بعيد غايته، ومخالفة للظاهر جدّاً؛ فإنَّ المسؤول عنه قضيّة خارجيّة استفتي عنها العباسي أوّلاً ثُمَّ الإمام (علیه السلام) فحكم بخلافه، وكلّ ذلك بطبيعة الحال بعد فراغ المصلّي عن صلاته، لا حين الاشتغال بها كي يتّجه الأمر بإعادة السورة خاصّة، فلا يمكن التدارك بعد فرض وجود الخلل لترك البسملة عن السورة عمداً إلَّا بإعادة الصلاة رأساً كما لا يخفى، ومنه تعرف ضعف احتمال عود الضمير إلى البسملة)(4)، فبيَّن وجه بُعد عود الضمير إلى السورة بما أشرنا إليه.

وكيفما كان: يمكن أن يلاحظ على الاستدلال بالرواية أنَّه قائم على أنَّ ضمير (تركها) الوارد في السؤال عائد إلى الصلاة.

ولكن يمكن أن يقال: إنَّ ضمير (تركها) عائد إلى السورة؛ إذ الأغلب في عود

ص: 32


1- يلاحظ: روضة المتقين: 2/ 290.
2- يلاحظ: مصباح الفقيه: 2ق1/ 276.
3- يلاحظ: الوافي: 8/ 648، روضة المتقين: 2/ 290، الحدائق الناضرة: 8/ 105.
4- موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 14/ 274.

الضمير أن يكون على الأقرب إلّا مع وجود القرينة على خلاف ذلك. وحينئذٍ يكون مورد سؤال السائل هو عن وجوب قراءة السورة بعد الفاتحة في الصلاة، ومعه تكون الرواية أجنبيّة عن محلّ الكلام.

إلّا أنّه قد يتأمّل في ذلك، فيقال: إنّ مرجع الضمير هو البسملة لا السورة؛ إذ الظاهر اهتمام السائل بالسؤال عن حكم البسملة في السورة؛ ولذا قدّم ذكرها، ولو كان يريد السؤال عن حكم الاتيان بالسورة بعد الفاتحة لما كان داعٍ إلى هذا التطويل.

ويمكن الجواب عنه بنفي التطويل؛ إذ مآل السؤال إلى أنّه أتى بالفاتحة مع البسملة فهل يكتفى بها إذا ترك السورة؟

أي أنَّ المصلي عندما أكمل الحمد وجاء للسورة تركها، وحينئذ يكون جواب الإمام (علیه السلام) دالّا ً على وجوب السورة في الصلاة، وعلى هذا الاحتمال تكون الرواية أجنبية عن محلّ الكلام، ومن أدلّة وجوب السورة في الصلاة.

هذا، مضافاً إلى الإيراد الذي ذكره السيّد الداماد (قدس سره) على الرواية المتقدّمة، فإنَّه قد أورده هنا أيضاً قائلاً: (وعلى أيّ تقدير: لا يكشف عن جزئيّتها للسورة؛ لاحتمال شرطيّتها لها، أو جزئيّتها للصلاة بلا مساس لها بالسورة)(1).

الرواية الثالثة: صحيحة عمر بن أذينة الطويلة، حيث ورد فيها: (...قطعت ذكري فسمِّ باسمي، فمن أجل ذلك جعل بسم الله الرحمن الرحيم في أوّل السورة، ثمّ أوحى الله عزَّ وجلَّ إليه اقرأ يا محمّد نسبة ربك تبارك وتعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾)(2).

ص: 33


1- كتاب الصلاة: 4/ 174.
2- الكافي: 3/ 485.

وتقريب الاستدلال بها: هو أنَّ الرواية قد ورد فيها الأمر للنبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) بقراءة البسملة في أوَّل السورة فتدلّ على أنَّها جزء منها؛ لأنّ أوّل الشيء منه، فعندما تقول دخلت في أوّل الطريق يدلّ على أنّك دخلت في الطريق، وحمل أوّل الشيء على ما كان خارجاً عنه خلاف الظاهر، لا يحمل الكلام عليه بلا قرينة.

لكن يمكن أن يورد عليه بأنّه: لا يسلّم دلالتها على الجزئيَّة؛ لأنَّ التعبير ب-(أوَّل السورة) ورد في الرواية بنقل الكليني، لكن الصدوق نقلها في العلل بلفظ (في استقبال السورة)(1)، وهذا التعبير لا ظهور له في أنَّ البسملة جزء من السورة إنْ لم نقل بظهوره في خروجها عنها.

ومنه يظهر التأمّل فيما ذكره السيّد الداماد (قدس سره) إشكالاً على الاستدلال بهذه الرواية، حيث قال: (أضف إلى ذلك إشعاره بخروجها عن السورة، حيث عبّر فيها باستقبال السورة الظاهر في أنّ السورة هي ما يأتي بعد البسملة)(2)، فإنّه وإنْ ذكر هذا بلسان الإشعار لا الظهور لكنَّك عرفت أنّ لفظ الاستقبال كلفظ أوّل السورة لم يثبت على أيٍّ منهما صدرت الرواية؛ لاختلاف النقل فيها، فلا يصحّ الاستشهاد بهذه الفقرة لا على الجزئيَّة، ولا على عدمها.

هذه هي الروايات التي استُدلّ بها على جزئيّة البسملة للسورة.

فإنْ قلنا بعدم نهوضها لإثبات جزئيَّة البسملة للسورة:

إمَّا لعدم تماميّتها سنداً بأن لم نقل في الرواية الأولى بوثاقة محمّد بن عيسى، أو قلنا بوثاقته ولكن لم نأخذ برواياته عن يونس. ولم نقل في الرواية الثانية بوثاقة يحيى بن أبي

ص: 34


1- يلاحظ: علل الشرائع: 2/ 315.
2- كتاب الصلاة: 4/ 174.

عمران. فتسقط الروايتان الأولى والثانية عن الاستدلال وإن تمّت دلالتهما.

وإمّا من جهة الدلالة فتسقط الثالثة وإن تمّ سندها، فحينئذٍ نفقد الدليل على جزئيَّة البسملة فيها.

وإن سلّمنا بها سنداً ودلالةً على ذلك تمَّ الدليل على جزئيَّتها، لكن حينئذٍ ننتقل إلى الطائفة الثانية - الدالّة على عدم جزئيَّتها فيها - لنرى كيف يتمُّ التعامل بينها وبين هذه الطائفة.

الطائفة الثانية: الروايات الدالّة على عدم جزئيّة البسملة في باقي السور غير الفاتحة

اشارة

وهي ثلاث روايات أيضاً:

الرواية الأولى

صحيحة الحلبيَّين - أي عبيد الله بن علي ومحمّد بن علي - عن أبي عبد الله (علیه السلام)، أنَّهما سألاه عمّن يقرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) حين يريد يقرأ فاتحة الكتاب، قال: (نعم إن شاء سرّاً وإن شاء جهراً، فقالا: أفيقرأها مع السورة الأخرى؟ فقال: لا)(1).

وهذه الرواية من حيث السند لا إشكال فيها، وهي من حيث الدلالة لا تدلّ على مجرّد عدم وجوب قراءتها مع السورة، بل ظاهرها النهي عن قراءتها، قال في الذخيرة: (ولا يخفى أنّ حمل هذا الحديث على التقيّة أولى؛ لأنّ ظاهره نفي رجحان قراءتها مع السورة الأخرى، وليس الأمر كذلك)(2)، فحملها (قدس سره) على أحد الوجوه الآتية؛ لأنَّها تدلّ على النهي.

ص: 35


1- تهذيب الأحكام: 2/ 68.
2- ذخيرة المعاد: 1 ق 2/ 269.

وكيفما كان فسواء قلنا بظهورها في عدم وجوب القراءة أو النهي فعلى كلا التقديرين تدلّ على أنَّها ليست جزءاً من السورة؛ إذ لو كانت جزءاً لما صحّت السورة بدونها، فكيف يقول الإمام بعدم وجوبها أو ينهى عنها؟! ومن ثَمَّ تعارض روايات الطائفة الأولى إنْ تمّت.

وللأعلام في التعامل معها وجوه:

منها: ما ذكره في الاستبصار حيث قال: (يجوز أن يكون المراد به مَن كان في صلاة نافلة وأراد أن يقرأ من بعض سورة جاز له أن لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم)(1). واستشهد على هذا الحمل بما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: (نعم إذا افتتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح، ثُمَّ يكفيه ممّا بعد ذلك)(2).

واختار هذا الجمع أيضاً السيّد الداماد (قدس سره) (3)

أقول: هذا الحمل خلاف الظاهر، فلا تحمل الرواية عليه بلا شاهد، وما استشهد به (قدس سره) غير واضح؛ فإنَّ الرواية التي ذكرها ليس فيها ما يدلُّ على اختصاصها بالنافلة، بل هي من روايات الطائفة الثانية محلّ الكلام، ولا تصلح شاهداً على ما رامه (قدس سره)، وبعد أن كتبت هذا اطَّلعت على ما يقرب منه في كلام الشيخ محمّد حفيد الشهيد الثاني، حيث قال: (حمل الشيخ على صلاة النافلة من البعد بمكان. والثاني [يعني الخبر الذي استشهد به] كما ترى إن أراد الشيخ به بيان حكم النافلة كما هو الظاهر، فالخبر لا يدلّ عليه

ص: 36


1- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 312، وقريب منه ما ذكره في تهذيب الأحكام: 2/ 69.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 73، الاستبصار: 1/ 313.
3- يلاحظ: كتاب الصلاة: 4/ 178.

بخصوصه)(1)، ولعلّه إلى ما ذكرنا يشير الشيخ حسن في منتقى الجمان بقوله: (ثُمَّ إنَّ الشيخ (رحمة الله) ذكر لتأويل هذا الخبر في التهذيب وجهاً ضعيفاً)(2)، وصاحب الحدائق بعد أن نقل هذا الجمع عن الشيخ قال: (والظاهر بُعده)(3)، ولم يبيِّن وجه البعد، فلعلّه يشير إلى ما ذكرنا أيضاً.

بل قد يقال أكثر من ذلك: وهو أنَّ الرواية ناظرة إلى الصلاة الواجبة؛ لأنّ السائل عندما سأل كان فارغاً عن أنّ السورة يؤتى بها، وإنَّما يسأل هل يؤتى معها بالبسملة أو لا؟ وهذا - أي الفراغ عن الإتيان بالسورة - إنَّما يتأتَّى في الصلاة الواجبة، حيث تجب السورة فيها دون النافلة، فتأمَّل.

ومنها: أنّ ما تضمّنه هذا الخبر من كفاية تلاوة البسملة في الفاتحة عن تلاوتها مع السورة لا إشكال فيه على القول بعدم وجوب قراءة السورة؛ لأنّه إذا جاز تركها جاز تبعيضها.

فيمكن أن تكون الرواية متعرّضةً لجواز التبعيض في السورة، كما هو رأي جماعة من الأعلام(4)، وحينئذٍ لا تدلّ على عدم جزئيّة البسملة للسورة، وتكون أجنبيّة عن المقام.

ولعلّ هذا الوجه هو مقصود صاحب المدارك (قدس سره) بقوله: (والحقّ أنّ هذه الروايات إنّما تدلّ على عدم وجوب قراءة البسملة عند قراءة السورة، وربّما كان الوجه

ص: 37


1- استقصاء الاعتبار: 5/ 119- 120.
2- منتقى الجمان: 2/ 12.
3- الحدائق الناضرة: 8/ 108.
4- نقله العلّامة في مختلف الشيعة: 2/ 142 عن الشيخ في النهاية وابن الجنيد وسلّار، وإن كانت عبارة الشيخ - في النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى: 75 - لا تخلو من اضطراب.

فيه عدم وجوب قراءة السورة، كما هو أحد قولي الأصحاب، ولا دلالة لها على كونها ليست آية من السورة)(1).

أقول: إنَّ هذا الوجه يصحّ لو كانت الرواية دالّة على نفي وجوب قراءة البسملة، لكنّها لا تدلّ على ذلك، وإنَّما تنهى عن قراءتها معها، فهي إرشاد إلى عدم الإتيان بها، فلا تكون ناظرة إلى ذاك المطلب، بل دالّة على عدم جزئيَّتها للسورة.

ومنها: ما ذكره الفاضل الهندي (قدس سره) من قوله: (والظاهر عود الضمير في (فيقرؤها) على فاتحة الكتاب، وأنَّهما سألا هل يجوز أن يقرأ مع الفاتحة سورة أخرى ببسملة واحدة)(2) والإمام (علیه السلام) قال: لا يجوز ذلك، فهي حينئذ لا تنهى عن قراءة البسملة مع السورة، بل تنهى عن أنْ يقرأ الحمد والسورة ببسملة واحدة، وحينئذ تكون الرواية من أدلّة جزئيَّتها للسورة، لا أنَّها من أدلّة عدم الجزئيَّة.

وهذا الوجه خير مخرج إنْ تمّ أو احتملناه احتمالاً معتدّاً به بحيث يجعل الرواية مجملة فلا تدلُّ على أيّ من الطرفين، لكنَّه احتمال مخالف للظهور جدَّاً؛ إذ ظاهر الرواية صدراً وذيلاً السؤال عن قراءة البسملة فتارةً سأل عن قراءتها مع الفاتحة وأخرى مع السورة.

ومنها: ما ذكره كثير من الأعلام، وأوَّلهم مَن ذكره الشيخ في الاستبصار من أنَّ هذه الرواية محمولة على التقيّة(3)، وقد مرَّ أنّ أبا حنيفة قد نقل عنه غير واحد من أصحابنا ومن الجمهور القول بعدم وجوبها في السورة، وفقه أبي حنيفة هو السائد في

ص: 38


1- مدارك الأحكام: 3/ 314.
2- كشف اللثام: 4/ 8، 216.
3- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 312.

زمن صدور النصّ، وعلى أساسه يمكن حمل هذه الرواية على التقيّة؛ لموافقتها للعامّة، وإبقاء الطائفة الأولى على ما هي عليه من الدلالة على الجزئيَّة.

لكن في النفس شيء من هذا الحمل؛ لأنَّ أبا حنيفة أيضاً نقل عنه أقوال أخر، بل مرَّ نقل الشيخ البهائي (قدس سره) (1) عن بعض أنَّ أبا حنيفة لم يصرّح بشيء في المسألة. نعم، المنقول عن مالك قولاً واحداً وهو نفي جزئيَّتها حتَّى عن الفاتحة، ولكنَّه لا ينفعنا في المقام؛ لأنَّ التقيّة بلحاظه تقتضي أن ينفي الإمام جزئيَّتها حتَّى عن الفاتحة.

هذا، وقد ذكر السيّد الحكيم (قدس سره) (2) أنَّ هذه الرواية وما شاكلها لا مجال للعمل بها بعد حكاية الإجماعات القطعية على خلافها، فلتحمل على التقيّة.

أقول: أمَّا حمل هذه الرواية على التقيّة فقد عرفت ما يمكن أن يقال فيه، وأمَّا عدم إمكان العمل بها لمخالفتها للإجماعات القطعيّة فقد مرَّ أنَّ الإجماع أوّل مَن ادّعاه الشيخ في الخلاف والتبيان، ونفى عنه الخلاف في المبسوط(3)، وما وصل إلينا من كلمات فقهائنا السابقين ليس فيه تعرّض للمسألة لا نفياً ولا إثباتاً، كالفقيه الأقدم علي ابن بابويه(4)، وكذلك ولده الشيخ الصدوق في كتبه الواصلة إلينا كالهداية والمقنع، بل في

ص: 39


1- يلاحظ: مشرق الشمسين: 391.
2- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 6/ 175.
3- وقد حمل السيّد الداماد (قدس سره) نفي الخلاف الوارد في المبسوط على وجه لا يرجع إلى جزئيّتها للسور، قال: (وأمّا الإجماع المدّعى في الباب: فالمتيقّن من «المبسوط» هو انعقاده بالنسبة إلى جزئيّتها لسورة النمل، حيث قال: «وفي الروايات بسم الله الرحمن الرحيم آية من الحمد ومن كلّ سورة من سور القرآن وبعض آية من سورة النمل بلا خلاف» انتهى. إذ ما لم يقم الشاهد على رجوع قوله (رحمة الله): «بلا خلاف» إلى الجميع لكان المتيقّن هو الأخير). كتاب الصلاة: 4/ 175.
4- يلاحظ: قطعة من رسالة الشرائع، نشر مجلة دراسات علمية، العدد الرابع: 215.

الفقيه(1) لم ينقل روايات المسألة، والسيّد المرتضى في الانتصار تعرّض لمسائل خلافيّة مع العامّة في القراءة ولم يتعرّض للبسملة(2)، وكذا ابن إدريس في السرائر(3)، والسيّد ابن زهرة(4).

نعم، ظاهر الشيخ المفيد وجوب قراءتها في الصلاة مع السورة(5) إلَّا أنّه لم يظهر منه جزئيّتها لها، وهكذا أبو الصلاح الحلبي(6) وابن البراج(7)، وابن حمزة(8).

فيصعب الركون إلى أنَّه من الإجماعات القطعيّة التي تسقط الرواية معه عن الاعتماد عليها.

هذا، مضافاً إلى احتمال استناد المجمعين - إنْ تمّ الإجماع - إلى الروايات التي ذكروها في المسألة، فيكون الإجماع مدركيّاً لا تعبّديّاً كاشفاً عن رأي المعصوم.

الرواية الثانية

صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل يفتتح القراءة في الصلاة أيقرأ بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: (نعم، إذا افتتح الصلاة فليقلها في أوّل ما يفتتح، ثمَّ يكفيه ما بعد ذلك)(9).

ص: 40


1- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 1/ 300 وما بعدها.
2- يلاحظ: الانتصار: 142.
3- يلاحظ: السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي: 1/ 218.
4- يلاحظ: غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع: 77.
5- يلاحظ: المقنعة: 104.
6- يلاحظ: الكافي في الفقه: 117.
7- يلاحظ: المهذّب: 1/ 92.
8- يلاحظ: الوسيلة إلى نيل الفضيلة: 93.
9- تهذيب الأحكام: 2/ 69، ح250.

وهي دالّة على عدم وجوب البسملة فيما بعد الحمد - أي في السورة -، فلا تكون جزءاً منها؛ إذ لو كانت كذلك لما كانت السورة تكفي بدونها، بناءً على ما هو المعروف من وجوب سورة كاملة في الصلاة.

نعم، قد تدلّ أيضاً على عدم وجوب البسملة في الفاتحة في الركعة الثانية.

ولكن هذا لا يمكن الالتزام به، لا أقل من أنَّ دلالتها على ذلك بالإطلاق، فيقيّد بالروايات الدالّة على جزئيَّتها في الفاتحة.

مضافاً إلى أنَّ عدم وجوب البسملة في الفاتحة في الركعة الثانية لم يقل به أحد من الفريقين، ومنه يمكن الخدش فيما قاله بعض الأعلام (قدس سره): (والصحيحة الأولى [أي الرواية محلّ البحث] تدلّ على عدم وجوب البسملة في الحمد أيضاً في الركعة الثانية، وهو خلاف الإجماع والأخبار، وهذا شاهد قويّ على ورودها مورد التقيّة)(1).ووجه الخدش: أنَّ دلالتها على عدم جزئيَّة البسملة مع الفاتحة في الركعة الثانية بالإطلاق فيمكن فيها الجمع الدلاليّ، فلا تصل النوبة إلى الحمل على التقيّة من هذه الجهة كما لا يخفى.

هذا، مضافاً إلى ما قاله السيّد الداماد (قدس سره) من: (أنّ القول بمفاد تلك الرواية [أي الرواية محلّ البحث] من الاكتفاء بالبسملة في مجرّد الافتتاح لم ينقل عن العامّة أيضاً حتّى يحمل على التقيّة)(2).

فلا وجه لحمل الرواية على التقيّة.

وقد أجابوا عنها بوجوه:

ص: 41


1- كتاب الصلاة، الشيخ عبد الكريم الحائري: 171.
2- كتاب الصلاة: 4/ 179.

منها: ما ذكره كثير من الأعلام منهم السيّد الحكيم(1) والسيّد الخوئي (قدس سرهما) (2) اللذان حملا كل روايات هذه الطائفة - ومنها هذه الرواية - على التقيّة.

ولكن مرّ ما فيه، بل قد يكون حمل هذه الرواية - الواردة عن الباقر (علیه السلام) - أبعد في الحمل على التقيّة من الرواية المتقدّمة؛ لما مرَّ في المقام الأوّل من أنَّ القول بعدم جزئيَّة البسملة من باقي السور ثبتت نسبته لمالك، واختلف النقل عن أبي حنيفة، ففي زمن الباقر

(علیه السلام) لم يثبت أنَّ رأي العامّة على عدم الجزئيَّة، لتحمل هذه الرواية على التقيّة، بل قد نقلنا عن المجموع أنَّ القول بجزئيَّتها من جميع السور ممّا قال به كثير من الصحابة والتابعين.

هذا، مضافاً إلى ما نقلناه آنفاً عن السيّد الداماد (قدس سره) من أنّ القول بمفاد الرواية من الاكتفاء بالبسملة في مجرّد الافتتاح لم ينقل عن العامّة أيضاً حتّى يحمل على التقيّة.

ومنها: الحمل على النافلة، كما عن الشيخ في التهذيبين(3)، وتبعه عليه جماعة من الأعلام منهم السيّد الداماد (قدس سره) (4)، وحمل ما دلّ على اللزوم على الفريضة.

وقد مرَّ الجواب عنه.

هذا، ولو قيل: بأنّ الرواية محمولة على عدم وجوب قراءة سورة كاملة بعد الفاتحة، فحينئذٍ لا مشكلة في عدم وجوب قراءة البسملة بعد الافتتاح بها في الفاتحة.

قلت: إنّ الرواية تدلّ على عدم وجوب قراءة البسملة بعد أن افتتح بها أوّل الصلاة سواء أكانت السورة واجبة بعد الفاتحة أم لم تكن.

ص: 42


1- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 6/ 175.
2- يلاحظ: موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 14/ 327.
3- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 2/ 69، الاستبصار: 1/ 312.
4- يلاحظ: كتاب الصلاة: 4/179.
الرواية الثالثة

الرواية الثالثة(1): ما في التهذيب عن (محمّد بن علي بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن عبد الله بن بكير، عن مسمع البصري، قال: صلّيت مع أبي عبد الله (علیه السلام) فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، ثمّ قرأ السورة التي بعد الحمد، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثمّ قام في الثانية فقرأ الحمد، ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثمّ قرأ بسورة أخرى)(2).

وهذه الرواية ابتدأها الشيخ (قدس سره) بمحمّد بن علي بن محبوب، وطريقه إليه في المشيخة(3) وإن كان فيه أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار الذي لم ينصّ على وثاقته في كتب الرجال، إلّا أنَّه ممَّن ترضّى عليه الصدوق في جملة من كتبه(4)، وقد بنى جملة من الأعلام(5) على أنَّ الترضي في كلمات المتقدّمين آية الجلالة.

فإنْ بني على ذلك كان الطريق صحيحاً، وإلَّا فقد يقال بأنَّه يوجد للشيخ إلى جميع كتب محمّد بن علي بن محبوب في الفهرست طرق وبعضها معتبر(6)، وقد نصّ (قدس سره)

ص: 43


1- ممَّن عدّها من روايات هذه الطائفة المحدّث البحراني (قدس سره) في الحدائق الناضرة: 8/ 108، والمحقّق الداماد (قدس سره) في كتاب الصلاة: 4/ 179.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 288، الاستبصار: 1/ 311.
3- تهذيب الأحكام: 10/ 387.
4- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 4/ 427، التوحيد: 102، الأمالي: 327، عيون أخبار الرضا (علیه السلام): 240، علل الشرائع: 439، الخصال: 3.
5- ذهب إليه الوحيد البهبهاني في تعليقته على منهج المقال: الفائدة الثالثة: 30، والسيّد الحكيم (دام ظله) في مصباح المنهاج (كتاب الطهارة): 6/ 9، والسيّد الأستاذ السيّد محمّد رضا السيستاني (دامت افاداته) في قبسات من علم الرجال: 1/ 31.
6- لاحظ: الفهرست: 222- 223

في آخر المشيخة(1) على أنَّه إنَّما أورد بعض طرقه إلى مَن ابتدأ بأسمائهم في التهذيب، وقد استوفاها في الفهرست، وعلى ذلك يمكن الاعتماد على السند المعتبر المذكور في الفهرست لتصحيح ما ابتدأ فيه بمحمّد بن علي بن محبوب في التهذيب.

وقد ارتضى السيّد الخوئي (قدس سره) هذه الطريقة فصحّح عدّة روايات للشيخ اعتماداً على الطريق الذي يذكره في الفهرست، كما فعل في روايات إسحاق بن عمّار(2).

ولكن تأمّل السيّد الأستاذ (دامت افاداته) في ذلك بكلام ذكر في قبسات من علم الرجال(3)، فليلاحظ.

إذن، طريق الشيخ إلى محمّد بن علي بن محبوب معتبر بناءً على ما ذكر.

ومحمّد بن الحسين منصرف إلى ابن أبي الخطاب بقرينة الراوي والمروي عنه على ما ذكره السيّد الخوئي (قدس سره) في المعجم(4)، وهو أيضاً ثقة بلا إشكال، ومسمع هو ابن عبد الملك الملقّب ب-(كِردين) وقد وثّقه علي بن الحسن ابن فضّال(5)، وله مدح في رجال النجاشي(6) قد يستفاد منه الاعتماد عليه.

وعليه فالرواية تامّة السند.

ص: 44


1- تهذيب الأحكام: 10/ 88، حيث قال هناك: (قد أوردت جملاً من الطرق إلى هذه المصنّفات والأصول، ولتفصيل ذلك شرح يطول هو مذكور في الفهارس المصنّفة في هذا الباب للشيوخ (رحمهم الله) مَن أراده أخذه من هناك إن شاء الله وقد ذكرنا نحن مستوفى في كتاب فهرست الشيعة).
2- يلاحظ مثلاً: موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 23/ 221.
3- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/ 254، الهامش.
4- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 16/ 307.
5- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 598 ح560.
6- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 420 رقم: 1124.

أمّا دلالتها فهي تدلّ على عدم جزئيّة البسملة للسورة؛ إذ لو كانت جزءاً لما تركها الإمام (علیه السلام) في صلاته، وهذا أيضاً بناءً على ما هو المعروف من وجوب سورة كاملة في الصلاة، وحملها على صلاة النافلة خلاف الظاهر؛ إذ إنَّها ظاهرة في أنّ مسمعاً صلّى مع الإمام جماعة، كما أشار إلى ذلك السيّد الداماد (قدس سره) (1).

وأجابوا عنها بوجوه:

الأوَّل: ما ذكره الشيخ (قدس سره) في التهذيب بقوله: (لا ينافي هذا الخبر ما قدّمناه من تأكيد الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم؛ لأنَّه يتضمَّن حكاية فعل، ويجوز أن يكون مسمع لم يسمع أبا عبد الله (علیه السلام) يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم لبعد كان بينه وبينه)(2)، وهذا يعني المفروغيّة عنده (قدس سره) من عدم دلالتها على نفي الجزئيّة، بل لا تدلّ على عدم تأكّد الجهر؛ لما قاله.

لكن يبدو أنَّ هذا الحمل ضعيف، فإذا كان مسمع لم يسمع الإمام (علیه السلام) لبُعده عنه - كما ذكر الشيخ - فكيف سمع أنَّ الإمام قرأها مع الحمد. مضافاً إلى أنَّه قال: إنَّ الإمام (علیه السلام) لم يقرأها، فهو يخبر بذلك، فلو كان الإمام قد قرأ وهو لم يسمع فإخباره بأنَّ الإمام (علیه السلام) (لم يقرأ) خلاف الأمانة في النقل. وحمل (لم يقرأ) على أنّي لم أسمعه يقرأ خلاف الظاهر، لا يحمل الكلام عليه بلا قرينة، ولعلّه لذلك قال في الوافي: (حملها في التهذيب على محامل بعيدة، والصواب أن تحمل على التقيّة كما جوّزه في الاستبصار)(3).

ص: 45


1- يلاحظ: كتاب الصلاة: 4/ 179.
2- تهذيب الأحكام: 2/ 288، الاستبصار: 1/ 312، وارتضى هذا الحمل العلّامة المجلسي في روضة المتّقين: 2/ 292، حيث قال: (مع أنّه يمكن أن يكون قرأها سرّاً ولم يسمعها الراوي).
3- الوافي: 8/ 651.

الثاني: الحمل على ضرب من الاضطرار والتقيّة، كما قال الشيخ (قدس سره) في الاستبصار(1)، وتبعه على ذلك جماعة، منهم المحدّث الكاشانيّ كما مرّ نقل عبارته، ويبدو أنَّ مقصود الشيخ أنَّ الإمام (علیه السلام) لم يترك البسملة في السورة، ولكن ترك الجهر بها تقيّة، كما يظهر ذلك بمراجعة كلامه في الاستبصار، فالتقيّة في ترك الجهر بالبسملة لا في ترك أصل البسملة مع السورة.

وفيه: المفروض أنَّ الإمام (علیه السلام) قد جهر ببسملة الحمد، وحينئذٍ حملها على أنَّه (علیه السلام) لم يجهر بها مع السورة يقتضي أنَّ هذا التفصيل في الجهر هو حكم العامّة، ليتّقي الإمام (علیه السلام) بفعله، ويوافقهم به.

ولكنّني لم أجد هكذا تفصيل عند العامّة، قال في المجموع: (قد ذكرنا أنّ مذهبنا استحباب الجهر بها حيث يجهر بالقراءة في الفاتحة والسورة جميعاً، فلها في الجهر حكم باقي الفاتحة والسورة. هذا قول أكثر العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الفقهاء والقرّاء...وذهبت طائفة إلى أنّ السنّة الإسرار بها في الصلاة السرّيّة والجهريّة، وهذا حكاه ابن المنذر عن علي بن أبي طالب...وحكى القاضي أبو الطيب وغيره عن ابن أبي ليلى والحكم أنّ الجهر والإسرار سواء)(2).

فالنووي نقل الأقوال في مسألة الجهر، ولم ينقل قولاً بالتفصيل في الجهر بين بسملة الفاتحة والسورة.

وقال الشيخ (قدس سره) في الخلاف: (يجب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في الحمد وفي كلّ سورة بعدها كما يجب بالقراءة، هذا فيما يجب الجهر فيه، فإن كانت الصلاة لا

ص: 46


1- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 312.
2- المجموع شرح المهذب: 3/ 341 - 342.

يجهر فيها استحبّ أن يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، وإن جمع في النوافل بين سور كثيرة وجب أن يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع كلّ سورة، وهو مذهب الشافعي، إلّا أنّه لم يذكر استحباب الجهر فيما يسرّ فيه بالقراءة، ذكر ذلك في البويطي، وفي اختلاف العراقيين. وذكر ابن المنذر عن عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير أنّهم كانوا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وروي مثل ذلك عن ابن عمر أنّه كان لا يدع الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في أمّ القرآن والسورة التي بعدها، وذهب أبو حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي وأبو عبيدة وأحمد إلى أنّه يسرّ بها، وقال مالك: المستحبّ أن لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ويفتتح القراءة بالحمد لله ربّ العالمين)(1)، فأيضاً لم ينقل تفصيلاً عنهم في الجهر بين بسملة الفاتحة وبين بسملة السورة.

الثالث: حملها على التقيّة في ترك بسملة السورة، قال العلّامة المجلسي: (والظاهر أنّه للتقيّة لموافقته لمذاهب كثير من العامّة، مع أنّه يمكن أن يكون قرأها سرّاً ولم يسمعها الراوي)(2)، فيظهر أنّ مراده (قدس سره) بالحمل على التقيّة هو في ترك البسملة بقرينة ما ذكره بعد ذلك من قوله: (مع أنَّه يمكن...) الذي يظهر منه أنّ هذا توجيه آخر في قبال الحمل على التقيّة، فليست التقيّة في كلامه في ترك الجهر، وهكذا فعل غيره كالمحدّث البحراني(3)، والمحقّق الهمدانيّ(4) حيث ذكرا هذه الرواية في ضمن الروايات الدالّة على ترك البسملة، وحملا جميع الروايات على التقيّة.

ص: 47


1- الخلاف: 1/ 331 - 332.
2- روضة المتقين: 2/ 292.
3- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 8/ 109.
4- يلاحظ: مصباح الفقيه: 1 ق 2/ 276.

وفيه ما مرَّ من الكلام في الحمل على التقيّة حول الرواية الأولى فراجع.

ومن هنا يتبيّن أنَّ الروايات الدالّة على نفي الجزئيّة تامّة، ونحن قد ذكرنا سابقاً أنَّ الروايات التي استُدلّ بها على الجزئيَّة لم تكن دلالتها بذلك الوضوح، فلا يبقى لروايات الطائفة الثانية معارض، فيثبت عدم الجزئيّة.

ولو سلّم دلالة الطائفة الأولى على الجزئيّة يقع التعارض بين الطائفتين، وقد عرفت عدم وجود جمع عرفي بينهما. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى: يصعب ترجيح الطائفة الأولى بمخالفتها للعامّة؛ لما عرفت من إمكان التأمُّل في ذلك، فحينئذٍ تصل النوبة إلى التساقط، والرجوع إلى الأصل العمليّ، والأصل الجاري في المقام: استصحاب عدم الجزئيّة بنحو العدم الأزليّ، ولعلّه إلى ذلك أشار شيخ الشريعة الأصفهانيّ (قدس سره) بقوله: (إنّ الأصل في الموارد المشكوكة عدم الجزئيّة)(1)، أو استصحاب عدم وجوب البسملة الثابت قبل التشريع بناءً على جريانه.

نعم، لمَّا كان المشهور بين فقهائنا هو القول بالجزئيَّة، بل لم ينقل الخلاف إلَّا عن ابن الجنيد فيصعب الإفتاء بالخلاف، فيكون الأنسب هو الاحتياط؛ حذراً من مخالفتهم، كما صنع السيّد السيستاني (دام ظله العالی) في رسالة منهاج الصالحين (مسألة 603).

وقال المحقّق الأردبيليّ (قدس سره): (ولولا الإجماع لكان الحمل على جواز الترك، وفعلها ندباً أولى؛ لكثرة أخبار صحيحة صريحة في الترك)(2)، فيظهر منه أنَّ الصناعة تقتضي عدم الجزئيَّة لولا الإجماع الذي قد عرفت سابقاً أنَّ أوَّل مَن ادّعاه الشيخ (قدس سره) في المبسوط والخلاف.

ص: 48


1- كتاب أحكام الصلاة: 68.
2- مجمع الفائدة والبرهان: 2/ 201.

تذنيب

قد عرفت أنّ الأدلّة لا تثبت جزئيّة البسملة من جميع السور في الصلاة، وهنا يبقى بحث وهو أنّه هل يلتزم القائل بعدم جزئيّتها من السور بأنّ البسملة التي وقعت في افتتاح السور ليست قرآناً، أو يمكن التزامه بذلك وإن لم تكن جزءاً من السور، وإنَّما تكون - مثلاً - قرآناً جيء به لافتتاح السور، أو للفصل بينها؟

أقول: كلام ابن الجنيد: (هي من غيرها افتتاح لها)(1) لا يأبى عن الحمل على الثاني، والذي يبدو أنّ كونها آية من القرآن أينما ذكرت قريب، ويدلّ عليه ما ذكره السيّد الخوئي (قدس سره) من قوله: (لقد استقرّت سيرة المسلمين على قراءة البسملة في أوائل السور غير سورة براءة، وثبت بالتواتر أنّ رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) كان يقرؤها، ولو لم تكن من القرآن للزم على الرسول الأكرم (صلی الله علیه و آله و سلم) أن يصرّح بذلك، فإنّ قراءته - وهو في مقام البيان - ظاهرة في أنّ جميع ما يقرأ قرآن، ولو لم يكن بعض ما يقرأ قرآناً ثمّ لم يصرّح بذلك لكان ذلك منه إغراءً منه بالجهل وهو قبيح، وفي ما يرجع إلى الوحي الإلهي أشدّ قبحاً، ولو صرّح الرسول (صلی الله علیه و آله و سلم) بذلك لنقل إلينا بالتواتر مع أنّه لم يُنقل حتّى بالآحاد)(2).

ولكن الملاحظ أنّ غاية ما يثبته هذا الدليل أنّها أينما ذكرت في القرآن تكون منه، فلا ينافي ما قدّمنا في أصل البحث، وهذا ما نبّه عليه جماعة منهم المحقّق السبزواري (قدس سره) معلّقاً على دليل قريب ممّا ذكره السيّد الخوئي (قدس سره)، قال في الذخيرة: (وبأنّ السلف حافظوا على إثباتها في المصاحف مع مبالغتهم على تجريد القرآن من غيرها، وهذا دالّ

ص: 49


1- المعتبر: 2/ 180.
2- موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره): 50/ 447.

على كونها آيةً من القرآن في المواضع المثبتة فيه كما هو أحد الأقوال، لا أنّها جزء من السورة)(1).

ومنه يتّضح إمكان الخدش فيما ذكره المحقّق القميّ (قدس سره) بقوله: (ويدلّ على جزئيّتها للفاتحة مضافاً إلى ضبطها كذلك في المصاحف، واستمرار العمل بذلك، وعدم تركها الظاهر منه الجزئيّة)(2)، ومثله ما ذكره الشيخ البهائي (قدس سره) بقوله: (وأمّا الاستدلال بالإجماع على أنّ ما بين الدفتين كلام الله جلّ وعلا واتّفاق الأمة على إثباتها في المصاحف مع مبالغتهم في تجريد القرآن فنِعمَ الاستدلال على ما هو المدّعى من جزئيّتها)(3)، فإنّ هذا كلّه لا يدلّ على جزئيّتها من كلّ سورة، بل غاية ما يدلّ عليه أنَّها قرآن أينما ذكرت في الكتاب العزيز، وقد تكون للفصل بين السور أو للافتتاح أو غير ذلك، وقد ذكرنا أنّه قريب لا مانع من الالتزام به.

والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا محمَّد وآله الطّيّبين الطّاهرين.

* * *

ص: 50


1- ذخيرة المعاد: 1 ق 2/ 275.
2- غنائم الأيام: 2/ 499.
3- مشرق الشمسين: 392.

المصادر

القرآن الكريم

1. اختيار معرفة الرجال، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، المطبعة: بعثت - قم، 1404.

2. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان (قدس سره)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: خورشيد، ط الرابعة، 1363ش.

3. استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار، الشيخ محمّد بن الحسن بن الشهيد الثاني (قدس سرهما) (ت1030ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، المطبعة: ستارة - قم، ط الأولى، 1419ﻫ.

4. الأمالي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة - قم، ط الأولى، 1417ﻫ.

5. الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي (دامت برکاته)، الناشر: مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (علیه السلام)، إيران، قم، تاريخ النشر: 1421 ﻫ، ط1، المطبعة: أمير المؤمنين (علیه السلام) - قم - إيران.

6. الانتصار، السيد المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسويّ البغداديّ (قدس سره) (ت436ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم،

ص: 51

سنة الطبع: 1415ﻫ.

7. بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أبو الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبي الأندلسي (ابن رشد الحفيد) (ت595ﻫ)، تنقيح وتصحيح: خالد العطّار، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، 1415ﻫ.

8. بصائر الدرجات، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار (قدس سره) (ت290ﻫ)، تصحيح وتعليق: الحاج ميرزا كوجه باغي، الناشر: منشورات الأعلميّ - طهران، مطبعة الأحمديّ - طهران، 1404ﻫ.

9. التبيان في تفسير القرآن، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: أحمد حبيب قصير العامليّ، الناشر: مكتب الإعلام الإسلاميّ، ط الأولى، 1409، ط دار احياء التراث العربي.

10. تعليقة على منهج المقال، الشيخ محمّد باقر بن محمّد أكمل الوحيد البهبهاني (قدس سره) (ت1205ﻫ)، نسخة مكتبة أهل البيت الإلكترونية.

11. تفسير الصراط المستقيم، السيّد حسين البروجردي (قدس سره) (ت1340ﻫ)، تصحيح وتعليق: الشيخ غلام رضا بن علي أكبر، الناشر: مؤسّسة أنصاريان للطباعة والنشر، المطبعة: الصدر - قم، سنة الطبع: 1416ﻫ.

12. التفسير الكبير، فخر الدين الرازي (ت606ﻫ)، ط الثالثة.

13. التمهيد، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ (ت463ﻫ)، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلويّ, محمّد عبد الكبير البكري، طبع ونشر: المغرب - وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلاميّة، 1387ﻫ.

14. تهذيب الأحكام، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران،

ص: 52

المطبعة: خورشيد، ط الثالثة، 1364ش.

15. التوحيد، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسن ابن بابويه القمّيّ الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: السيّد هاشم الحسينيّ الطهرانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم.

16. جامع الرواة، المحقّق محمّد بن علي الأردبيليّ (قدس سره) (ت1101ﻫ)، الناشر: مكتبة المحمّديّ.

17. الحدائق الناضرة، الشيخ يوسف البحرانيّ (قدس سره) (ت1186ﻫ)، نشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم.

18. خاتمة مستدرك الوسائل، الميرزا حسين النوريّ الطبرسيّ (قدس سره) (ت1320ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: ستارة - قم، ط الأولى، 1415ﻫ.

19. الخصال، الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفّاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، سنة الطبع: 1403ﻫ.

20. الخلاف، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: جماعة من المحقّقين، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، سنة الطبع: 1407.

21. دروس تمهيديّة في الفقه الاستدلاليّ، الشيخ محمّد باقر الأيرواني (دامت برکاته)، الناشر: مؤسّسة الفقه للطباعة والنشر، المطبعة: باقري - قم، ط الثانية، 1420ﻫ.

22. دروس في علم الأصول، السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره) (ت1400ﻫ)، الناشر: دار الكتب اللبنانيّ - بيروت، ط الثانية، 1406ﻫ.

ص: 53

23. ذخيرة المعاد، الشيخ محمّد باقر السبزواريّ (ت1090ﻫ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

24. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشيخ محمّد بن جمال الدين مكّي العامليّ الجزيني المعروف ب-(الشهيد الأوّل) (قدس سره) (ت786ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: ستارة - قم، ط الأولى، 1419ﻫ.

25. رجال البرقي، الشيخ أبو جعفر أحمد بن أبي عبد الله البرقي (قدس سره) (ت274ﻫ)، تحقيق: حيدر محمّد علي البغدادي، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (علیه السلام)، ط الثانية، 1433ﻫ.

26. رجال الطوسي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط الأولى، 1415ﻫ.

27. رجال النجاشي، الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن العباس النجاشيّ الأسديّ الكوفيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط الخامسة، 1416ﻫ.

28. روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان، الشهيد الثاني الشيخ زين الدين بن علي العاملي (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلاميّة - قم، ط الأولى، 1422ﻫ.

29. روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه، الشيخ محمّد تقي المجلسيّ (قدس سره) (ت1070ﻫ)، نمّقه وعلّق عليه: السيّد حسين الموسويّ الكرمانيّ، والشيخ علي پناه الأشتهاردي، الناشر: بنياد فرهنك إسلاميّ حاج محمّد حسين كوشانپور.

30. سعد السعود، السيّد رضي الدين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمّد

ص: 54

ابن طاووس الحسنيّ الحسينيّ (ت664ﻫ)، الناشر: منشورات الرضا - قم، المطبعة: أمير - قم، 1363ﻫ.

31. علل الشرائع، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، منشورات المكتبة الحيدريّة - النجف الأشرف، سنة الطبع، 1385ﻫ.

32. عمدة القاري، أبو محمّد محمود بن أحمد العيني (ت855ﻫ)، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.

33. عون المعبود شرح سنن أبي داود، أبو الطيّب محمّد شمس الحقّ العظيم آبادي (ت1329ﻫ)، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، ط الثانية، 1415ﻫ.

34. عيون أخبار الرضا (علیه السلام)، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّيّ الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: الشيخ حسين الأعلميّ، الناشر: مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات - بيروت، 1404ﻫ.

35. غنائم الأيّام في مسائل الحلال والحرام، المحقّق أبو القاسم القمّيّ (قدس سره) (ت1231ﻫ)، تحقيق: الشيخ عباس تبريزيان، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، ط الأولى، 1417ﻫ.

36. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبيّ (قدس سره) (ت585ﻫ)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد - قم، ط الأولى، 1417.

37. قبسات من علم الرجال، السيّد محمّد رضا السيستانيّ (دامت برکاته)، نشر دار المؤرّخ العربيّ، ط الأولى.

38. قطعة من رسالة شرائع الإسلام، الفقيه الأقدم الشيخ علي ابن بابويه (قدس سره)، نشر

ص: 55

مجلّة دراسات علميّة (العدد الرابع).

39. القواعد الفقهية، تقرير أبحاث سماحة السيّد علي السيستانيّ (دام ظله العالی)، بقلم السيّد محمّد علي الربّاني، النسخة المرفوعة على موقع (www.taghrirat.net)

40. الكافي في الفقه، أبو الصلاح تقي الدين بن نجم بن عبيد الحلبيّ (قدس سره) (ت447ﻫ)، تحقيق: الشيخ رضا أستادي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) - أصفهان.

41. الكافي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازي (قدس سره) (ت329ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: حيدري، ط الخامسة، 1363ش.

42. أحكام الصلاة، تقرير بحث شيخ الشريعة الأصفهانيّ (قدس سره)، الشيخ محمّد حسين السبحاني، (ت1392ﻫ) منشورات مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) العامّة.

43. كتاب الصلاة، تقرير بحث السيّد المحقّق الداماد (قدس سره) (ت1388ﻫ)، الشيخ عبد الله الجواديّ الآمليّ الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط الثانية، 1416ﻫ.

44. كتاب الصلاة، الشيخ عبد الكريم الحائريّ (قدس سره) (ت1355ﻫ)، الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلاميّ - قم، 1362ش.

45. كشف اللثام، الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهانيّ (الفاضل الهنديّ) (قدس سره) (ت1137ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط الأولى، 1416ﻫ.

46. المبسوط، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (قدس سره) (ت460ﻫ)، تصحيح وتعليق: السيّد محمّد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء آثار

ص: 56

الجعفرية، المطبعة: المطبعة الحيدرية - طهران، 1387.

47. المبسوط، شمس الدين السرخسيّ (ت483ﻫ)، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، سنة الطبع: 1406ﻫ.

48. مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسيّ (قدس سره) (ت548ﻫ)، تحقيق: لجنة من العلماء والمحقّقين، الناشر: مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات - بيروت، ط الأولى، 1415ﻫ.

49. مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد الأذهان، المحقّق المولى أحمد الأردبيليّ (قدس سره) (ت993ﻫ)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقيّ، والشيخ علي پناه الأشتهارديّ، والشيخ حسين اليزديّ الأصفهانيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم.

50. المجموع، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي (ت676ﻫ)، الناشر: دار الفكر.

51. المحلّى، أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت456ﻫ)، الناشر: دار الفكر.

52. مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام، السيّد محمّد بن علي الموسويّ العامليّ (قدس سره) (ت1009ﻫ)، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - مشهد المقدسة، الناشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرفة، المطبعة: مهر - قم، ط الأولى، 1410ﻫ.

53. مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، المولى محمّد باقر المجلسيّ (قدس سره) (ت1111)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، المطبعة: مروي، ط الثانية، 1404ﻫ.

54. مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الطباطبائيّ الحكيم (قدس سره) (ت1390ﻫ)، ط الرابعة، مطبعة الآداب (النجف الأشرف).

55. مشرق الشمسين وإكسير السعادتين، الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسين بن عبد

ص: 57

الصمد العامليّ المشتهر ب-(البهائيّ) (قدس سره) (ت1031ﻫ)، الناشر: منشورات مكتبة بصيرتي - قم.

56. مشيخة الفقيه، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)،

طبع دار الكتب الإسلاميّة.

57. مصباح الفقيه، الشيخ آغا رضا بن محمّد هادي الهمدانيّ (قدس سره) (ت1322ﻫ)، الناشر: منشورات مكتبة الصدر - طهران.

58. مصباح المنهاج، السيّد محمّد سعيد الحكيم، المطبعة: جاويد، ط الأولى، 1415ﻫ.

59. معاني الأخبار، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق (قدس سره) (ت381ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، سنة الطبع: 1379ﻫ.

60. المعتبر في شرح المختصر، الشيخ نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن المشتهر ب-(المحقّق الحلّيّ) (قدس سره) (ت676ﻫ)، تحقيق: عدّة من الأفاضل، الناشر: مؤسّسة سيّد الشهداء (علیه السلام) - قم، المطبعة: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، 1364ش.

61. معجم رجال الحديث، السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) (ت1413ﻫ)، مطبعة مركز نشر الثّقافة الإسلاميّة، ط الخامسة، 1413ﻫ.

62. المقنعة، الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ المفيد (قدس سره) (ت413ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط الثانية، 1410ﻫ.

63. منتقى الجمان، الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن زين الدين الشهيد (قدس سرهما) (ت1011ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، المطبعة الإسلاميّة، ط الأولى، 1362ش.

ص: 58

64. منتهى المطلب، الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف المشتهر ب-(العلّامة الحلّيّ) (قدس سره) (ت762ﻫ)، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلاميّة، الناشر: مؤسّسة الطبع والنشر في الآستانة الرضويّة المقدّسة، ط الأولى، 1412ﻫ.

65. موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره) (ت1413ﻫ)، الناشر: مؤسسة الخوئي الإسلاميّة، ط5، تاريخ الطبع: 1434ﻫ.

66. الوافي، الشيخ محمّد محسن الفيض الكاشاني (قدس سره) (ت1091ﻫ)، تحقيق: السيّد ضياء الدين الحسينيّ، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي (علیه السلام) - أصفهان، طباعة أفست نشاط أصفهان، ط الأولى، 1406ﻫ.

67. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمّد الحسن الحرّ العامليّ (قدس سره) (ت1104ﻫ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: مهر - قم، ط الثانية، 1414ﻫ.

68. الوسيلة إلى نيل الفضيلة، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي الطوسيّ (ابن حمزة) (قدس سره) (ت560ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، الناشر: منشورات مكتبة السيّد المرعشيّ النجفيّ، مطبعة الخيّام - قم، ط الأولى، 1408ﻫ.

ص: 59

ص: 60

إبداء المرأة وجهها وكفّيها ونظر الرّجل إليهما (الحلقة الثانية) - الشيخ جعفر اليعسوبي (دام عزه)

اشارة

تتميّز الشريعة الإسلاميَّة بمراعاة قوانينها للقيم الأخلاقيَّة في العفّة والسَّتر من جهةٍ وعدم التَّضييق على المكلَّف من جهةٍ أخرى.

وما بين يديك - عزيزي القارئ - محاولةٌ لاستكشاف رؤية الإسلام في موضوعٍ ملحٍّ لعموم النَّاس ألا وهو كشف المرأة لوجهها وكفيّها أمام الرَّجل الأجنبيّ ونظر الرَّجل إليهما.

وذلك من خلال قراءة النصوص الشرعيّة وعرض آراء مَن يمثّلون الطوائف الإسلاميّة ومناقشتها.

ص: 61

ص: 62

بسم الله الرحمن الرحیم

ذكرنا في الحلقة السابقة أنّ في المسألة المبحوث عنها أقوالاً خمسة، وكان القول الأوّل حرمة كشف المرأة لشيءٍ من جسدها للأجنبي، وحرمة نظر الأجنبي إليه، واستُدلّ لذلك بعدّة أدلّة، كان أوّلها الكتاب العزيز الذي استُدلّ بأربع آيات منه. ووصل الكلام إلى الدليل الثاني وهو السُنّة الشريفة:

الدليل الثاني: على حرمة النظر إلى وجه المرأة ويديها هو السُنّة

اشارة

وهو عدّة روايات:

الرواية الأولى

اشارة

خبر الخثعمية: أتت رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) في حجة الوداع تستفتيه في الحج وكان الفضل بن عباس رديف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم)، فأخذ ينظر إليها وأخذت تنظر إليه، فصرف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وجه الفضل عنها، وقال: (رجل شاب وامرأة شابّة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان)(1).

ونظراً إلى ضعفها السندي مال المحقّق الداماد إلى صلاحيّة هذه الرواية لتأييد ما

ص: 63


1- المبسوط في فقه الإماميّة: 4/ 160، تذكرة الفقهاء: 2/ 573 (ط. ق).

ذهب إليه؛ باعتبار أنّ صرف النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) وجه الفضل كان من باب النهي عن المنكر، وهو بهذا العمل قد نهى الخثعميّة عن كشف الوجه أيضاً(1).

أقول: إنّه - مع قطع النظر عن ضعفها سنداً - لو جعل هذا الخبر مؤيّداً لأدلّة الجواز لكان أقرب من جعله مؤيّداً لأدلة المنع؛ وذلك من وجوه:

الوجه الأوَّل

أنّ اكتفاء النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) بصرف وجه الفضل وعدم ذمّه له على هذا النظر يدلّ على عدم حرمته؛ لأنّ الردع ينبغي أن يكون بما يناسب ما ردع عنه في شدّة القبح.

الوجه الثاني

أنّ قوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (خشيت أن يدخل بينهما الشيطان) يدلّ على أنّ صرف وجهه لم يكن لأجل حرمة النظر، بل لأجل الخوف من الوقوع في الحرام.

الوجه الثالث

أنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) لم ينه الخثعميّة عن كشف الوجه، وهو تقرير من المعصوم على الجواز، وصرف وجه الفضل لا يلازم ردعها عن عملها.

الوجه الرابع

أنّ هذا يدلّ على أنّ عدم ستر المرأة المسلمة لوجهها كان أمراً طبيعيّاً ولم يكن منكراً شرعيّاً.

الرواية الثانية

معتبرة مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (قال أمير المؤمنين (علیه السلام): لا تبدأوا النساء بالسلام، ولا تدعوهنّ إلى الطعام؛ فإنّ النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) قال: النساء عيّ وعورة، فاستروا عيّهنّ بالسكوت، واستروا عوراتهنّ بالبيوت)(2).

فقد يقال بدلالتها على حرمة الكشف عن الوجه واليدين؛ لإطلاق كون النساء عيّاً وعورة، ومطلق وجوب الستر يستلزم حرمة مطلق النظر إلى البدن.

ولكنّ هذا الكلام غير تامّ؛ فإنّ الرواية لا تدلّ على حرمة كشف وجه المرأة أمام

ص: 64


1- يلاحظ: كتاب الصلاة: 2/ 70.
2- الكافي: 5/ 534 - 535باب التسليم على النساء، ح1.

الأجانب، وإنَّما هو ترغيب وحثّ على عدم خروج النساء من البيوت، ولا يمكن الالتزام بحرمة خروجهنّ من البيت مطلقاً كالدعوة إلى الطعام؛ فإنّه غير محرّم في الشريعة، فغاية ما تدلّ عليه الرواية هو استحباب بقاء المرأة في داخل المنزل، أو كراهة خروجها، فهي مثل ما ورد عن علي (علیه السلام) في معتبرة غياث بن إبراهيم، قال مخاطباً لأهل العراق (يا أهل العراق، نُبّئتُ أنّ نساءكم يدافعن الرجال في الطريق، أما تستحيون)(1).

فإنّ اختلاط النساء مع الرجال في الطريق أو السوق لم يكن في حدّ نفسه محرّماً، لكنّه ممّا يكره في الإسلام، فلا مساس لأمثالها من الروايات بمقامنا.

الرواية الثالثة

صحيحة الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الذراعين من المرأة، هما من الزينة التي قال الله عزّ وجل: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾؟ قال: (نعم، وما دون الخمار من الزينة، وما دون السوارين)(2).

قال السيّد الخوئي (قدس سره): (إنَّ ظاهرها هو كون الوجه واليدين من الزينة التي لا يجوز إبداؤها إلَّا للزوج، حيث ألحق (ما دون الخمار) و(ما دون السوارين) إلى الذراعين، فجعل المجموع من مصاديق الآية الكريمة الدالّة على حرمة إبداء الزينة)(3).

أقول: الاستدلال بهذه الصحيحة على الحرمة مبني على أنّ قوله (علیه السلام): (ما دون الخمار) يشمل الوجه أيضاً، وكذلك (ما دون السوارين) هو ما يكون دونهما إلى أطراف الأصابع. وهذا غير تام:

أوَّلاً: لأنَّ المتفاهم العرفي من مثل هذا الكلام هو الموضع الذي يستره الخمار

ص: 65


1- الكافي: 5/ 336 - 337 باب الغيرة، ح6.
2- الكافي: 5/ 520 - 521، باب ما يحلُّ النظر إليه من المرأة، ح1.
3- موسوعة السيّد الخوئي (قدس سره): 32/ 48.

والسوار.

توضيحه: أنَّ كلمة (دون) تستعمل في معانٍ، أحدها هو الأسفل وتحت، المقابل للفوق، كما ذكر في الصحاح، حيث قال: (دون: نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية)(1)، قال في لسان العرب: (دون: نقيض فوق، وهو تقصير عن الغاية، ويكون ظرفاً)(2).

وكذلك تأتي بمعنى خلف وقُدّام، كما ذكره ابن منظور والفيروزآبادي(3).

ولها معنى ثالث، وهو بمعنى (عند، وأدنى مكان من شيء) كما يقال: (دونك هذا).

ولكن المدّعى أنّ المراد في الحديث هو أحد المعنيين الأوّلين.

وعلى كلّ حال يكون المراد هو ما يستره الخمار والسواران من بدن المرأة، فهذا المقدار من بدنها يكون من الزينة التي يجب سترها. أمّا الوجه والكفّان فهما خارجان عن هذه الزينة، بل هي زينة ظاهرة، فالإمام (علیه السلام) كان في مقام تحديد آخِر منطقة من جسم المرأة التي يحرم عليها إبداؤها للأجانب، وهو ما يستره الخمار والسوار، فيصحّ استعمال كلمة (دون) لأداء هذا المعنى؛ لأنَّ هذا المكان هو تحت الخمار والسوار، وكذلك هو خلف الخمار والسوار.

إن قلت: لِمَ لا يكون المقصود هو المعنى الثالث الذي قيل إنّه هو المعنى الحقيقي لكلمة (دون)، فيكون المراد: أنَّ المكان القريب من الخمار والسوار - وهو الوجه والكفّان - من الزينة المحرّم إبداؤها، بل حتَّى لو أريد المعنى الأوَّل والثاني فمن

ص: 66


1- الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية: 5/ 2115.
2- لسان العرب: 13/ 164. ويلاحظ أيضاً: مجمع البحرين: 6/ 248.
3- يلاحظ: لسان العرب: 13/ 165، القاموس المحيط: 4/ 213.

المناسب إرادة الوجه والكفّين منهما؛ لأنّ الوجه هو خلف الخمار وأسفل منه، وكذلك الكفّان بالنسبة إلى السوار، فماذا يمنع من قصد الوجه والكفّين من هذا التعبير؟

قلت: أمّا إرادة الوجه والكفّين باستعمال (دون) في الخلف أو الأسفل فهو بعيد جدّاً؛ فإنّ الوجه ليس أسفل من الخمار، بل ما يحيطه الخمار بشكل دائري، وليس خلف الخمار أيضاً، وكذلك الكفّ لا يقال فيه إنّه خلف السوار. نعم، يمكن أن يصدق عليه أنَّه أسفل من السوار، وكذلك يمكن قصد الوجه والكفّين لو استعمل (دون) بمعنى (قريب) و(عند)، ولكن ندّعي أنّ هذا التعبير ظاهر فيما قلناه.

والوجه فيه: أنّ هناك أموراً أربعة الالتفات إليها يقرّب هذا المعنى، ولاسيّما بضمّ بعضها إلى البعض الآخر.

الأوَّل: هو أنَّ كلمة (دون) إذا أضيفت إلى شيء ملبوس على بدن الإنسان أو غيره تكون ظاهرةً في المكان الذي تحت هذا الملبوس، أي محاطاً به من جسم اللابس، وقصد المعنى الآخر يحتاج إلى قرينة، كما ورد في معتبرة جميل، قال: سألته عن الجريدة توضع من دون الثياب أو من فوقها؟ قال: (فوق القميص ودون الخاصرة)(1). فهنا استعمل (دون) بمعنى المكان المستور بالثياب، أي توضع الجريدة ملتصقة بالبدن.

وفي صحيحة إسحاق بن عمّار، قال: قلت: لأبي عبد الله (علیه السلام): المرأة الحائض تعرق في ثوبها؟ قال: (تغسله). قلت: فإن كان دون الدّرع إزار فإنّما يصيب العرق ما دون الإزار؟ قال: (لا تغسله)(2). يعني أصاب العرق ما تحت الإزار فقط، ولم يصل إليه أصلاً وإلى الجانب الظاهري منه.

ص: 67


1- الكافي: 3/ 154، باب الجريدة، ح13.
2- تهذيب الأحكام: 1/ 270 ح794.

قال الشاعر أبو زبيد الطائي:

نِعْمَتْ بِطانةُ يَوْمِ الدَّجْنِ تَجْعَلُها *** دُونَ الثِّيابِ وقد سَرَّيْتَ أَثْواباً(1)

أي تحت الثياب.

وأمّا ما ذكره السيّد عليّ نقي النقويّ (قدس سره) - من أنّ تعبير (دون الخمار) و(دون القناع) كان يستعمل لإرادة الوجه منه(2) - فهو بلا شاهد؛ لأنَّ الشاهد الذي ذكره غير صالح، وهو قول الشاعر:

فأَلْقَت قِناعاً دونه الشمسُ واتّقَتْ *** بأحسَن موصولَين كفّ ومعصم

فقال: إنّ المراد من الشمس هو الوجه.

ووجه عدم صلاحيّته للشهادة على مدّعاه: هو أنّه هنا توجد قرينة على أنّ المتغزّل بها كانت ساترةً وجهها بالقناع، فلمّا ألقته احتاجت إلى ستر وجهها بالكفّ والمعصم، وعلى هذا يكون البيت المذكور شاهداً لنا، لا له؛ لأنّ دون القناع أريد منه ما كان مستوراً به.

الثاني: أنّه لو كان مراد الإمام (علیه السلام) هو بيان أنّ الوجه والكفّين أيضاً من الزينة المنهي عن إبدائها لكان من المناسب جدّاً أن يقول: (نعم، بل الوجه والكفّان من هذه الزينة)؛ لأنّه يكون في مقام دفع توهّم السائل بعدم وجوب ستر الوجه والكفّين. وأمّا التعبير عن هذا المعنى بقوله: (ما دون الخمار) و(ما دون السوارين) فيشبه أن يكون من باب الأكل من القفا، ولم أفهم ما ذكره السيّد عليّ نقي النقويّ من وجه التناسب بين هذا التعبير وبين هذا المعنى من قوله: إنّه لو لم يرد الإمام (علیه السلام) هذا المعنى لما ذكر حرف

ص: 68


1- نقلاً عن لسان العرب: 1/266.
2- يلاحظ: إثبات الحجاب باللغة الأورديّة: 47. الناشر: مصباح الهدى سنة 1411ﻫ.

العطف في قوله: (نعم، وما دون الخمار)، بل كان المناسب حينئذٍ أن يقول: (نعم، ما دون الخمار) بدون الواو العاطفة(1).

وقد تبيّن من خلال ما تقدّم الاحتياج إلى ذكر حرف العطف؛ لبيان المعنى الذي اخترناه للرواية، وهو بيان آخر منطقة من جسد المرأة يجب ستره عن الأجانب من جهة الرأس واليدين، فكان من المناسب جدّاً أن يعبّر عنه بهذا التعبير.

الثالث: أنّ هذا المعنى هو المنسجم مع بقية الروايات الواردة في تفسير هذه الآية كما في موثّقة زرارة، وصحيحة أبي بصير(2)، ومرسلة مسعدة(3).

الرابع: أنّها تدلّ على وجود الارتكاز عند السائل بعدم كون الوجه والكفّين من الزينة، والشكّ في الذراع، وإلّا لسأله عنهما، ولم يُعلم ردع الإمام (علیه السلام) عن هذا الارتكاز.

ولعلّ بالنظر إلى هذا أو ذاك ذهب كثير من الأعلام إلى ما اخترناه من المعنى، حتّى أنَّ بعض مَن ذهب منهم إلى عدم جواز إبداء الوجه والكفّين سلّم دلالة هذه الرواية على الجواز..

منهم: الفيض الكاشاني (قدس سره) في الوافي(4)، وكذلك السيّد الحكيم (قدس سره) (5).

واحتمل هذا المعنى للرواية صاحب الجواهر (قدس سره) (6).

ص: 69


1- يلاحظ: إثبات الحجاب باللغة الأورديّة: 47.
2- يلاحظ: الكافي: 5/ 521 باب ما يحلّ النظر إليه من المرأة، ح3، 4.
3- يلاحظ: قرب الإسناد: 72.
4- يلاحظ: كتاب الوافي: 22/ 817.
5- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 14/ 26.
6- يلاحظ: جواهر الكلام: 29/ 79.

وبهذا فسّر الرواية صاحب الحدائق (قدس سره) أيضاً(1)، والمجلسيّ (قدس سره) في مرآة العقول(2).

وقد جعل الشيخ الكلينيّ والشيخ الحرّ العامليّ (قدس سرهما) في الكافي(3) والوسائل(4) هذه الرواية من الروايات الدالّة على استثناء بعض أعضاء بدن المرأة من حكم حرمة النظر.

وعلى هذا فالرواية تصلح للاستدلال بها على القول بالجواز لا الحرمة. هذا أوّلاً.

وثانياً: أنَّه على تسليم عدم ظهور الرواية في المعنى الذي ادّعيناه، فإنّها لا أقل مجملة غير صالحة للاستدلال بها على شيء من الأقوال، كما اعترف به بعض آخر من القائلين بالحرمة(5).

الرواية الرابعة

خبر أبي هريرة وعبد الله بن عباس، قال: خطبنا رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) قبل وفاته... وقال: (ومن اطّلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل، أو شعر امرأة، أو شيء من جسدها كان حقّاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين)(6).

وقد أيّد الخاجوئي مدّعاه بها(7).

ولكن يمكن المناقشة فيها من جهات:

1. من جهة السند؛ فإنَّ الرواية ضعيفة لوجود أكثر من مجهول في سندها، ومن ثَمَّ

ص: 70


1- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 23/ 79.
2- يلاحظ: مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول: 20/ 340.
3- يلاحظ: الكافي: 5/ 520، باب: ما يحلّ النظر إليه من المرأة.
4- يلاحظ: وسائل الشيعة: 20/ 200 باب: ما يحلّ النظر إليه من المرأة بغير تلذّذ وتعمّد، وما لا يجب عليها ستره.
5- يلاحظ: كتاب الصلاة للمحقّق الداماد: 1/ 355.
6- ثواب الأعمال وعقاب الأعمال: 282.
7- يلاحظ: الرسائل الفقهيّة: 1/ 47.

فهي غير صالحة للاستدلال بها.

2. يحتمل أنّ الحرمة من جهة الاطّلاع على بيت الجار، لا لمجرّد النظر كما يقتضيه سياق الرواية.

3. وعلى تسليم أنّ الحرمة من جهة النظر، فلعلّها لأجل أنّ هذا النظر كان بالتعدّي وخرق الستر، ولا مانع من أن يُلتزم بحرمة مثل هذا النظر حتّى إلى الوجه واليدين، وليس هذا هو محلّ الكلام؛ لأنّ كلامنا في النظر إلى وجه المرأة ويديها إذا كانت هي كاشفة عنهما لا مطلقاً.

الرواية الخامسة

خبر محمّد بن سنان، قال: إنّ الرضا (علیه السلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله: (حرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وغيرهن من النساء؛ لما فيه من تهييج الرجال، وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما لا يحلّ ولا يجمل، وكذلك ما أشبه الشعور)(1).

قال المحقّق الداماد (قدس سره): (ووجه الدلالة: أنّه (علیه السلام) حكم بأنّ ما أشبه الشعور في التهييج فقد حرّم لذلك، ومعلوم أنّ النظر إلى جسد المرأة كلّه يهيّج الرجال فيدعو إلى الفساد)(2).

وفيه: أوّلاً: أنّ سند الخبر ضعيف بمحمّد بن سنان.

وثانياً: أنّه لم يعلم أنّ المراد ب-(ما أشبه الشعور) هو الوجه والكفّان؛ إذ إنَّ هذا اللفظ مجمل.

وثالثاً: لو أراد الإمام (علیه السلام) الوجه والكفّين لكانا أولى بالتصريح بهما، ويذكر الشعر

ص: 71


1- علل الشرائع: 2/ 565، عيون أخبار الرضا (علیه السلام): 2/ 97.
2- كتاب الصلاة: 1/ 339.

بقوله (وشبههما) لا العكس.

ورابعاً: أنَّ الإمام (علیه السلام) في ذيل الرواية استثنى من هذا الحكم النظر إلى شعور العجائز، فيعلم منه أنّ النظر إلى الوجه والكفّين لم يكن داخلاً في المستثنى منه، وإلّا لذكر في الاستثناء بالنسبة إلى العجائز.

الرواية السادسة

موثّقة سماعة عن أبي عبد الله (علیه السلام): أنّه سأله عن المحرمة، فقال: (إنْ مرّ بها رجل استترت منه بثوبها)(1).

فدلّت بالأولويّة على وجوب ستر الوجه لغير المحرمة(2).

لكنّه أمر ورد مورد الحظر فلا دلالة له على اللزوم، فالرواية تحمل على أنّ مَن أرادت من النساء المحجّبات ستر وجهها فلها أن تفعل بهذه الطريقة، ولا مجال لحملها على الاستحباب - كما فعله المحقّق الداماد(3) -؛ لوجود روايات أخرى تدلّ على رجحان كشف الوجه للمرأة تكون قرينة على أنَّ المراد من هذه الرواية هو الجواز لا أكثر.

هذا، وهناك طوائف أُخر من الروايات استدلّ بها على حرمة نظر الأجنبي إلى وجه المرأة ويديها..

الطائفة الأولى: ما دلّ على جواز النظر إلى وجه وكفّي بعض أقسام النساء كاستثناءٍ عن الحكم العامّ بعدم جوازه في غيرها

اشارة

وهذه النساء أقسام..

القسم الأوَّل
اشارة

المرأة التي أريد الزواج بها.

ص: 72


1- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 2/ 344 ح2635.
2- هكذا قرّب الاستدلال بها الشيخ علي الصافي الكلبايكاني (دام ظله) في تعليق له على تقريراته لبحث السيّد البروجردي المطبوعة باسم تبيان الصلاة. يلاحظ: تبيان الصلاة: 3/ 258.
3- يلاحظ: كتاب الصلاة: 1/ 360.

فإنّ هناك مجموعة من الروايات دلّت على جواز نظر الرجل إلى المرأة التي يريد الزواج بها، مثل صحيحة عبد الله بن سنان أنَّه سأل أبا عبد الله (علیه السلام) عن الرجل يريد أن يتزوج المرأة، أينظر إلى شعرها؟ فقال: (نعم، إنّما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن)(1).

وصحيحة هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وحفص بن البختري كلّهم عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (لا بأس بأن ينظر إلى وجهها ومعاصمها إذا أراد أن يتزوجها)(2).

وهناك روايات أُخر دلّت على هذا الحكم.

قال السيّد الخوئي (قدس سره): (الروايات الدالّة على جواز النظر إلى وجه المرأة ويديها إذا أراد تزويجها على نحو القضية الشرطيّة، فإنّ مفهومها هو عدم الجواز إذا لم يكن مريداً تزويجها، وحمل النظر في هذه الروايات على المقترن بالتلذّذ فلا تدلّ بمفهومها على عدم جواز النظر المجرّد إذا لم يكن قاصداً تزويجها بعيد جدّاً، ولا موجب له)(3).

قال المحقّق الداماد (قدس سره): (إنّ المرتكز في ذهن السائل والمجهول حكمه له هو النظر إليها، فكان في ذهنه أنّ النظر إلى المرأة إلى أيّ موضع منها محظور في سائر الموارد، فسأل عن جوازه عند إرادة النكاح، وهو (علیه السلام) قرّره على هذا الارتكاز)(4).

أقول: لا يتيسّر الاستدلال بهذه الطائفة من الروايات على المدّعى؛ وذلك لوجود فارقين بين النظر الذي جوّز لمن يريد التزويج، وبين النظر الذي هو مورد البحث:

الفارق الأوَّل

أنّ النظر إلى مَن أريد التزوج بها ليس نظراً عامّاً عابراً عادياً، بل نظر

ص: 73


1- من لا يحضره الفقيه: 3/ 412، ح4439.
2- الكافي: 5/ 365 باب: النظر لمن أراد التزويج، ح2.
3- موسوعة السيّد الخوئي: 32/ 48.
4- كتاب النكاح: 1/ 339.

تأمّل وفحص عن الميزات التي يريد وجودها في المرأة من الحُسن والجمال، ومن السمن أو الهزل، ومن الطول والقصر، وغير ذلك من الخصوصيات حتّى يستطيع أن يقدّر إمكان العيش معها أو عدمه، وهو لا يفارق حصول التلذّذ وإن لم يكن قاصداً له من الأوَّل، كما هو ظاهر قوله (علیه السلام): (إنّما يشتريها بأغلى الثمن).

وليس مثل هذا النظر هو مورد للبحث، فنفيه عن غير مَن يريد التزوّج بها لا يستلزم نفي النظر الخالي عن كلّ قصد.

الفارق الآخر

أنّ النظر الجائز بالنسبة إلى المرأة التي يريد الزواج بها لا يقتصر على الوجه والكفّين، بل يجوز النظر إلى جميع محاسنها وشعرها كما ورد في بعض الروايات.

واستفادة عدم جواز مثل هذا النظر الشامل للوجه والمعاصم والمحاسن والشعر إلى غير مَن يريد أن يتزوّجها لا يستلزم حرمة النظر إلى الوجه والكفّين فقط وإن كان بلا تلذّذ وخوف ريبة.

أمّا قضيّة الارتكاز فهو لا يظهر إلَّا بمقدار أنّه كان المرتكز عند السائل أنّ النظر إلى جسد المرأة ومحاسنها مع التأمّل فيه بهدف معرفة ملاءمتها معه أو لا، لا يجوز بالنسبة إلى الأجنبي إذا لم يكن يريد الزواج بها، وهذا غير ما نحن فيه.

إلى هنا تبيّن أنّه لا إطلاق لهذا القسم من الروايات في حرمة النظر إلى الأجنبية.

القسم الثاني

النساء التي لا حرمة لهن؛ إمّا لكفرهن، وإمّا لأنّهن لا ينتهين بالنهي عن كشف محاسنهنّ أمام الرجال، فإنّ هناك روايات دلّت على جواز النظر إليهنّ..

منها: موثقة عبّاد بن صهيب، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: (لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل تهامة، والأعراب، وأهل السواد، والعلوج؛ لأنّهم إذا نهوا لا

ص: 74

ينتهون)(1).

ومنها: خبر السكوني، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: (قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ وأيديهنّ)(2).

قال السيّد الخوئي (قدس سره): (وأوضح من هذه الأخبار ]الواردة في جواز النظر إلى من يريد التزوج بها في الدلالة على الحرمة[ ما ورد في جواز النظر إلى وجه الذمّيّة ويديها معلّلاً: بأنّهنّ لا حرمة لهنّ، فإنّه كالصريح في أنّ منشأ الجواز إنَّما هو عدم وجود حرمة لأعراضهنّ، فيدلّ على عدم الجواز إذا كانت المرأة مسلمة وذات حرمة)(3).

وقال المحقّق الداماد (قدس سره): (منها: ما في المستدرك عن «الجعفريات» قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): «ليس لنساء أهل الذمّة حرمة، لا بأس بالنظر إلى وجوههنّ وشعورهنّ ونحورهنّ وبدنهنّ ما لم يتعمّد ذلك»، فإنّ تفريع جواز النظر إلى المواضع المزبورة - التي منها الوجه - على عدم الحرمة لهنّ يدلّ بالمفهوم على عدم جوازه إليها في المسلمات التي لهنّ حرمة في الشريعة)(4).

ولكنّك خبير بأنّ التركيز في هذه الروايات ليس على النظر إلى وجوههنّ، بل على رؤوسهنّ وشعورهنّ، فاختصاص جواز النظر إلى شعورهنّ لا يستلزم عدم جواز النظر إلى وجه غيرهن.

نعم، ذُكر الوجه في خبر المستدرك، ولكنّه ضعيف سنداً ودلالةً..

ص: 75


1- الكافي: 5/ 524 باب النظر إلى نساء الأعراب وأهل السواد، ح1، وفي الفقيه (3/470 ح4636): (لأنّهن إذا نهين لا ينتهين).
2- الكافي: 5/ 524 باب النظر إلى نساء أهل الذمّة، ح1.
3- موسوعة السيّد الخوئي (قدس سره): 32/ 48.
4- كتاب الصلاة: 1/340.

أمّا الأوّل فلأنّه مأخوذ من الجعفريّات، ولم تثبت صحّة النسخة الموجودة منه.

وأمّا الثاني فلأنّ مفهومه - إذا قلنا به - مجمل، والقدر المتيقّن هو عدم جواز نظر الرجل إلى جميع هذه الأعضاء المذكورة من المرأة المسلمة، وأمّا إرادة حرمة النظر إلى كلّ عضو من هذه الأعضاء من المسلمة فهو مجرّد احتمال.

فاتّضح ممّا تقدّم عدم تمامّية دلالة الطائفة الأولى على مرام مَن ذهب إلى الحرمة.

الطائفة الثانية: ما دلّ على جواز كشف المرأة لوجهها لإقامة الشهادة عليها أو عدم جوازه

اشارة

وفي هذه الطائفة روايات..

الرواية الأولى

مكاتبة الصفّار، قال: كتبت إلى الفقيه (علیه السلام) في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها وهي من وراء الستر ويسمع كلامها إذا شهد رجلان عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهدك وهذا كلامها، أو لا تجوز له الشهادة حتّى تبرز ويثبتها بعينها؟ فوقّع (علیه السلام): (تتنقب وتظهر للشهود)(1). ومثلها في الفقيه(2).

الرواية الثانية

الصدوق بسنده، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل (علیه السلام)، قال: (لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة وليست بمسفرة إذا عرفت عينها، أو يحضر من عرفها، ولا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر فينظر إليها)(3).

قال الخاجوئي (قدس سره): فهما صحيحان صريحان في عدم جواز النظر حتّى وقت تحمّل الشهادة، وأنّ شهادة المرأة على إقرارها ليس من الضرورات التي توجب إباحة كشف

ص: 76


1- تهذيب الأحكام: 6/ 255ح696.
2- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 3/ 67 ح3347.
3- من لا يحضره الفقيه: 3/ 67 ح3346.

وجهها ونظر الشهود إلى وجهها مكشوفاً، بل ذلك حرام عليها وعليهم(1).

فهو اكتفى بدعوى وجود هذه الدلالة، ولم يقرّب وجهها.

وذكر السيّد الخوئي (قدس سره) في مكاتبة الصفّار: (فإنّ أمره (علیه السلام) بالتنقّب - الذي هو عبارة عن لبس ما يستر مقداراً من فوق الأنف فما دونه - عند الشهادة يدلّ بوضوح على عدم جواز النظر إلى وجه المرأة في حدّ نفسه، وإلّا فلم يكن وجه لأمرها بالتنقّب، وحمل الأمر على استحياء المرأة خارجاً مع قطع النظر عن الحكم الشرعي لا وجه له بالمرّة؛ فإنّ ظاهر الأمر هو بيان التكليف والوظيفة الشرعيّة، فحمله على غيره يحتاج إلى القرينة والدليل)(2).

وهذا التقريب غير سليم من الإشكال؛ وهو أنّ الأمر في مثل هذا المورد لا يدلّ على اللزوم؛ لأنّه قد فرض في المسألة أنّ المرأة محجّبة لا تظهر أمام الأجانب مكشوفة الوجه عادةً، فالسؤال وقع عن كيفيّة الشهادة عليها، والسائل ردّدها بين الاثنين: إمّا من وراء الستر، وإمّا بخروجها أمام الأجانب كاشفة وجهها، ولمّا كانت الكيفيّة الأولى غير جائزة، والكيفيّة الثانية توقع المرأة المحجّبة في حرج، طرح الإمام (علیه السلام) كيفيّة ثالثة، وهي أن تخرج متنقّبة. وبهذا تصحّ الشهادة عليها، وتراعى مشاعرها وأحاسيسها.

فالإمام (علیه السلام) لم يكن بصدد بيان جواز نظر الأجنبي إلى وجه المرأة وعدمه أصلاً، بل كان بصدد بيان عدم جواز الشهادة على المرأة من وراء الستر، بل يجب أن تُرى بعينها إذا كانت المرأة محجّبة وأرادت الحفاظ على تستّرها عن الأجانب، فيكون خروجها بطريقة تلائم حياء المرأة المحجّبة، فهي تجمع بين الأمرين بخروجها متنقّبة، فلا ظهور

ص: 77


1- يلاحظ: رسائل فقهيّة: 1/ 36، بتصرّف.
2- موسوعة السيّد الخوئي: 32/ 48.

لكلامه (علیه السلام) بأنّ النساء يجب عليهن ستر الوجه إذا خرجن أمام الأجانب، ويحرم على الأجنبي النظر إليهن.

وهذا مثل ما إذا سأل أحد الإمام (علیه السلام): إذا حكم الحاكم بالعيد، ولم يثبت عندنا هلال شوال، فهل يجوز أن أفطر مع القوم، أو يجب عليّ الصوم، وإلّا تلزم الكفارة؟ فأجابه (علیه السلام): سافر وأفطر.

فهذا الكلام غير ظاهر في أنّه كلّما صار كذلك يجب السفر والإفطار ولا يجوز الصيام.

والوجه فيه: أنّ الإمام (علیه السلام) لمّا لم يرَ جواز الإفطار في هذه الصورة ذكر له أمراً ثالثاً يجمع به بين التكليف بالصوم وبين رفع ما يجد فيه نوعاً من الحزازة من انفراده عنهم في موسم العيد.

وبتعبير آخر: إنّ هذا يشبه الأمر الوارد مورد الحظر؛ لأنَّه كان يحتمل عدم جواز ستر الوجه للمرأة في مقام الشهادة عليها ولزوم كشفه، فالأمر بالتنقّب لا يكون ظاهراً في اللزوم.

ومن الممكن أن يقرّب الاستدلال بها: بدلالتها على وجود السيرة للمتديّنين على أنّ نساءهم لم يكنّ يخرجن كاشفات الوجوه أمام الأجانب.

ولكنّه غير تام؛ فإنّ غاية ما دلّت عليه هذه الرواية وأمثالها هو وجود بعض النساء كنّ يتحجبنّ عن الرجال الأجانب في الجملة، وأمّا أنَّ هذه كانت سيرة المتديّنين كلّهم، وعن جميع الأجانب حتّى لو كانوا أقرباء، وكانت على نحو الالتزام الشرعي، فلا يمكن استفادته منها، وتفصيل الكلام فيه سيأتي في دليل السيرة.

كما يمكن أن يقرّب الاستدلال بوجه آخر: وهو أنّ الرواية تدلّ على وجود ارتكاز

ص: 78

عند السائل بعدم جواز كشف وجه المرأة أمام الأجانب، ولكنّه يسأل عن كون الشهادة من الأمور المجوّزة له أو لا؟

ولكن - أيضاً - لا دلالة فيها على مثل هذا الارتكاز؛ فإنّ السائل يسأل عن كيفيّة الشهادة الجائزة عند الشرع مع وجود هذه الحالة، وهل يجب أن تسفر المرأة المحجّبة عن وجهها أو تُمضى شهادتها وهي على حالها؟ لا إشعار في هذا السؤال على الارتكاز المذكور.

ومثلها في الاستدلال بها والجواب عنه خبر ابن يقطين عن أبي الحسن الأوَّل (علیه السلام) (1).

فاتّضح أنّ هذا القسم أيضاً لا يصحّ الاستدلال به على المدّعى.

الطائفة الثالثة: وهي التي دلّت على أنّ النظر سهم من سهام إبليس، أو من الشيطان، أو أنّه يوجب الفتنة، أو الحسرة

اشارة

وهي أيضاً روايات..

الرواية الأولى

خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سمعته يقول: (النظر سهم من سهام إبليس مسموم، وكم من نظرة أورثت حسرة طويلة)(2).

الرواية الثانية

مرسلة الصدوق، قال: قال رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم): (يا أيّها الناس، إنَّما النظرة من الشيطان، فمَن وجد من ذلك شيئاً فليأتِ أهله)(3).

الرواية الثالثة

خبر أبي جميلة عن أبي جعفرٍ وأَبي عبدِ اللَّه (علیهما السلام)، قَالا: (ما من أحد إلّا وهو يصيب حظّاً من الزنى، فزنا العينين النظر، وزنى الفم القبلة، وزنى اليدين اللمس)(4).

ص: 79


1- يلاحظ: تهذيب الأحكام: 6/ 255ح665.
2- الكافي: 5/ 559 باب النوادر، ح12.
3- من لا يحضره الفقيه: 4/ 19 ح4975.
4- الكافي: 5/ 559 باب النوادر، ح11.

استدلّ بها الخاجوئي (قدس سره) (1)، وببعضها المحقّق الداماد على حرمة النظر المبحوث عنه.

وتقريب الاستدلال بها بما يقرب من ألفاظ المحقّق الداماد(2): هو أنّ القدر المتيقّن من النظر المذكور في هذه الروايات هو النظر إلى الجنس المخالف، ولازم كون هذا النظر من الشيطان، أو من سهام إبليس، أو من زنا العينين، أو فتنة، أنّه حرام، ولمّا لم يقيّد بقيد الشهوة واللّذة فالحرمة تثبت مطلقاً، وكذلك ليس بمقيّد بما عدا الوجه والكفّين فيكون شاملاً لهما.

ويجاب عنه..

أوّلاً: أنّه لم يتمّ من هذه الطائفة رواية واحدة من حيث السند، فهي غير صالحة للاستدلال بها من هذه الجهة.

وثانياً: أنّها غير ظاهرة في الحرمة، بل هذه التعبيرات أقرب إلى الموعظة الأخلاقية منها إلى الحكم التكليفي. نعم، هي ظاهرة في أنّ النظر قد يؤدّي إلى الفتنة والحسرة، ويسبب الوقوع في شباك الشيطان، ولكن لا دلالة لها على أنّ النظر في حدّ نفسه حرام.

وثالثاً: وإذا سلّمنا دلالتها على الحرمة مع التسليم بالإطلاق فإنّها تدلّ على حرمة النظر إلى الوجه واليدين بالإطلاق، وهو قابل للتقييد إذا تمّ الدليل عليه، وسيأتي الكلام في المقيّد، وأنّه تامّ.

الطائفة الرابعة: وهي التي دلّت على المنع من تكرار النظر وتتابعه

اشارة

وهي عدّة روايات..

الرواية الأولى

معتبرة الكاهلي، قال: قال أبو عبد الله (علیه السلام): (النظرة بعد النظرة

ص: 80


1- يلاحظ: رسائل فقهيّة: 1/ 37.
2- يلاحظ: كتاب الصلاة: 2/ 26.

تزرع في القلب الشهوة، وكفى بها لصاحبها فتنة)(1).

الرواية الثانية

مرسلة الشعيري، قال: قال أمير المؤمنين (علیه السلام): (مَن أطلق ناظره أتعب خاطره، مَن تتابعت لحظاته دامت حسراته)(2).

الرواية الثالثة

مرسلة الصدوق، قال: قال (علیه السلام): (أوّل نظرة لك، والثانية عليك ولا لك، والثالثة فيها الهلاك)(3).

الرواية الرابعة

خبر أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن علي (علیه السلام)، قالا: قال (علیه السلام): (لكم أوّل نظرة إلى المرأة، فلا تتبعوها بنظرة أخرى، واحذروا الفتنة)(4).

قال المحقّق الداماد (قدس سره) - مستدلّا ً بمعتبرة الكاهلي على مرامه -: (والحاصل: أنّ نطاق الحكم سعة وضيقاً ليس بيد المكلّف، بكون المورد زارعاً للشهوة أو غير زارع له، بل الشارع حيث إنّه لاحظ كون النظر بذاته ولو خلّي وطبعه عرضة لزرع الشهوة حكم بعدم جوازه مطلقاً إذا كانت النظرة ثانية، أو مستدامة من الأولى)(5).

وقال السيّد الخوئي (قدس سره): (إنّ هذه النصوص ليست في مقام الفرق بين النظرة الأولى والثانية من حيث العدد، إنَّما هي بصدد الفرق بينهما من حيث إنّ الأولى اتّفاقيّة وغير مقصودة، بخلاف الثانية فإنّها مقصودة للناظر، فتحرم الثانية دون الأولى، ولا بُدَّ من تقييد إطلاق هذه الروايات؛ لأنّها تدلّ بإطلاقها على جواز النظرة الأولى متعمّداً إلى

ص: 81


1- من لا يحضره الفقيه: 4/ 18 ح4970.
2- جامع الأخبار: 94.
3- من لا يحضره الفقيه: 3/ 474 ح4658.
4- الخصال: 2/ 632 حديث الأربعمائة.
5- كتاب الصلاة: 2/ 28.

جميع أجزاء بدن المرأة، وهو ممّا لا يقول به أحد، وأمر التقييد يدور بين تقييدها بالوجه واليدين وبين تقييدها بالاختيار وعدمه، ولمّا كان الثاني بنظر العرف هو الأظهر تعيّن التقييد به)(1).

ويمكن الجواب عنها:

أوّلاً: بأنّها غير معتبرة سنداً ما عدا الأولى، وهي غير ظاهرة في الحرمة، بل غاية ما دلّت عليه هو أنّ النظرة المتكرّرة قد تؤدّي إلى الحرام بسبب خلقها شهوة في القلب، وتوجب الوقوع في الفتنة، وهذا وحده لا يستلزم الحرمة، بل يمكن دعوى عدم ظهور أيّ واحدة منها في الحرمة ما عدا الأخيرة؛ فإنّ العمل الذي قد يسبّب الوقوع في عمل آخر يوجب الندامة أو الهلاك أو الحسرة لا يكفي هذا في حرمته؛ فإنّ المتفاهم العرفي أنّ النظر بنفسه لا يوجب الهلاك أو الندامة والحسرة، بل ما يؤدّي إليه من الفجور والخيانة، بل حتّى الأخيرة يمكن الخدش في ظهورها في الحرمة.

والوجه فيه: هو أنّ قول الإمام (علیه السلام): (ولا تتبعوها) وإن كان نهياً عن تكرار النظر، وهو ظاهر في نفسه في الحرمة، لكن تعقيب النهي بقوله: (واحذروا الفتنة) سلب هذا الظهور؛ لأنّه دلّ على أنّ المنع من تكرار النظر لأجل الحذر من وقوع الفتنة، فالحرام هو تلك الفتنة وليس النظر في نفسه. فغاية ما يستفاد من الروايات هو كراهة هذا العمل ومبغوضيّته.

وثانياً: إذا سلّمنا دلالتها على الحرمة فنقول: إنّها تختصّ بالنظرة مع الشهوة واللّذة، لا مطلقاً؛ لأنّها هي التي توجب الشهوة في القلب، أو الحسرة والندامة.

وثالثاً: إذا سلّمنا إطلاقها لبدن المرأة كلّه فتصلح للتقييد إذا تمّ المقيّد، وهو تامّ كما

ص: 82


1- موسوعة السيّد الخوئي: 32/ 51.

سيأتي.

وقد اتّضح ممّا تقدّم أنّه لا توجد رواية تامّة سنداً ودلالة يمكن الاستدلال بها على حرمة النظر إلى وجه المرأة وكفّيها ولو بدون قصد التلذّذ والشهوة. وعلى تقدير التسليم فهي مطلقات يمكن تقييدها بما دلّ على جواز النظر إليها إن تمّ هذا المقيّد، وهو تامّ كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

الدليل الثالث: على الحرمة الإجماع

اختار الفاضل المقداد القول بحرمة كشف المرأة عن وجهها وكفّيها للرجل الأجنبي في تفسير آية الإبداء مدّعياً إطباق الفقهاء على أنّ بدن المرأة كلّه عورة إلّا على الزوج والمحارم(1).

وفيه..

أوّلاً: أنّ هذا الإجماع حجّة عليه، لا علينا.

وثانياً: كيف يمكن دعوى الإجماع مع ذهاب بعض الأعلام إلى خلافه، كما عرفت عندما ذكرنا الأقوال في المسألة.

وثالثاً: كيف يمكن دعوى الإجماع مع أنّه قد ادّعى الشيخ الطوسي (قدس سره) إجماع الفرقة على الجواز(2).

ورابعاً: أنّه لو كانت هناك شبهة إجماع لما انفرد هو في دعوى وجوده.

ص: 83


1- يلاحظ: كنز العرفان في فقه القرآن: 2/ 222.
2- يلاحظ: كتاب الخلاف: 4/ 247.

الدليل الرابع: على الحرمة العقل

اشارة

وله تقريبان:

التقريب الأوّل

أنّ النظر يهيّج الوساوس، وربّما يتعلّق القلب ويتعذّر الوصول، فيفضي إلى تعب شديد وهو ضرر يجب دفعه، ولا يمكن إلّا بكفّ النفس عن النظر(1).

أقول: إنَّ مآل هذا الكلام إلى أنّ النظر إلى الأجنبيّة مطلقاً يؤدّي إلى إدخال الضرر، وهو حرام فيجب دفعه، وهو متوقّف على ترك النظر فيجب تركه. أو المراد أنَّ النظر يؤدّي إلى الحرام فهو حرام.

وفيه:

أوَّلاً: أنّ ليس كلّ ضرر يحرم على الشخص إدخاله على نفسه، ويجب دفعه.

وثانياً: على تسليم كلّيّته يكون إدخال الضرر هو الحرام لا النظر؛ لأنّ مقدّمة الحرام ليست بحرام.

وثالثاً: على تقدير تسليم حرمة المقدّمة ليس كلّ نظر كذلك، بل كثيراً ما لا يؤدّي النظر إلى الضرر، وهو النظر الخالي عن قصد التلذّذ والشهوة، فلا يكون حراماً.

ورابعاً: أنّه حتّى النظر مع الشهوة لا يكون دائماً موجباً لإدخال الضرر، فلا يكون حراماً دائماً بهذا البيان وإن ثبتت حرمته بدليل آخر.

التقريب الآخر

ذكر البعض أنّ النظر إلى الوجه يوجب التفتّن والشهوة في القلب، وهو يؤدّي بالأخير إلى الفساد وارتكاب الحرام، فلا يمكن أن يسمح لنا الشارع بالنظر

ص: 84


1- يلاحظ: الرسائل الفقهيّة: 1/ 38.

إلى وجه المرأة الأجنبيّة، وقد عرفنا من ذوقه وبقيّة الأحكام المتعلّقة بالنساء أنّه يحتاط احتياطاً تامّاً في هذا الأمر، ويجنّب المكلّفين عن كلّ فعل له أدنى مساس بهذه القضيّة ككراهة السلام على الشابّة، وكراهة الجلوس في مكان المرأة ما دامت الحرارة فيه، وحرمة إظهار ما خفي من الزينة على المرأة بضرب رجلها، وكراهة الخروج إلى الجمعة والجماعة، وكراهة اختلاطهنّ مع الرجال في الأسواق وغيرها، ومع كلّ هذا كيف يمكن أن يجوّز النظر إلى وجوههن، وهو مركز الجمال ومثار الفتنة، والنظر إليه من مواقع التهلكة غالباً!!(1).

والجواب: أنّ هذا الكلام لا يصل إلى مستوى البرهان؛ لأنّنا لا نعلم ملاكات الأحكام الشرعيّة ومقتضياتها ومزاحماتها، فمن أين لنا أن نثبت أنّ في هذا الأمر - أي في كشف المرأة عن وجهها وكفّيها، ونظر الرجل إليها بدون شهوة - مفسدة تقتضي الجعل الشرعي بحرمته، وليس فيه مصلحة - ولو مصلحة التسهيل على العباد وعدم التضييق عليهم - تزاحم تلك المفسدة، وبدون الجزم بهذا الأمر كيف نجزم بالحرمة! وليس كلّ نظر يستتبع الافتتان، بل هو النظر مع الشهوة وقد حرم.

نعم، يمكن دعوى كراهة النظر إلى الأجنبية مطلقاً عند الشارع؛ بالنظر إلى مجموع الآيات والروايات الواردة في هذا المجال، والبيان المذكور لا يقتضي أكثر من هذا.

الدليل الخامس: على الحرمة السيرة

ادّعى أكثر من واحد وجود سيرة للمتشرعة على عدم خروج نسائهم من منازلهن

ص: 85


1- ممّن ذكر مثل هذا الكلام السيّد الخوئي في الموسوعة: 12/ 81، والخاجوئي في رسائله: 1/ 45، والعلّامة في التذكرة: 2/ 573، والسيّد علي نقي في إثبات الحجاب.

سافرات الوجوه، منهم العلّامة، قال في التذكرة ناقلاً عن الشافعية: (يحرم "النظر إلى الوجه والكفّين مطلقاً" لاتّفاق المسلمين على منع النساء من أن يخرجن سافرات، ولو حلّ النظر لنزّلن منزلة الرجال). ثُمَّ قال: (وهو الأقوى عندي)(1). وذكر مثل ذلك السيّد البروجردي أيضاً(2).

ويمكن أن تناقش دعوى السيرة بوجوه..

الأوّل: أنّها لم تثبت على نطاق واسع بحيث التزم بها جميع المتشرعة، بل يمكن أن يدّعى وجود السيرة على العكس من هذه الدعوى كما سوف يأتي بيانها. نعم، بعض البيوت التزمت بذلك مثل بيوت العلماء.

الثاني: بعد التنزّل وقبول السيرة نقول إنّها لم تكن على الستر عن غير المحارم كلّهم، بل عن غير الأقارب من الرجال فقط، وأمّا الأقارب مثل: أخ زوج المرأة، وابني عمّها وخالها فلم تكن تلتزم بستر الوجه عنهم.

الثالث: أنّنا لا نعلم ما هي النكتة في انعقاد السيرة، فهل هي مستمدّة من الشارع، أم كانت لأجل المبالغة في الاحتشام والغيرة؟

الرابع: وعلى تسليم عموم السيرة وأنّها كانت متلقّاة من الشرع لكن لا نعلم اتّصالها بزمن المعصوم (علیه السلام)، فلّعلها حدثت نتيجة فتاوى العلماء.

ص: 86


1- تذكرة الفقهاء: 2/ 573 (ط. ق).
2- يلاحظ: نهاية التقرير: 1/ 262.

أدلّة القول الثاني: وهو الجواز

اشارة

لمّا لم يثبت عندنا تماميّة الأدلّة على وجوب ستر المرأة وجهها وكفّيها عن الأجانب، وكذلك حرمة نظر الأجنبي إلى هذين الموضعين منها بدون قصد التلذّذ والشهوة وبدون خوف الفتنة والريبة نستعرض أدلّة القائلين بالجواز حتّى نرى هل أنّها تامّة أو لا؟ فإن تمّت فبها ونعمت، وإلّا تصل النوبة إلى الأصل العملي.

وهي عدة أدلّة:

الدليل الأوَّل: الكتاب

اشارة

وهو آيتان استدلّ بهما على جواز كشف المرأة لوجهها وكفّيها، وعدم حرمة نظر الأجنبي إليهما.

الآية الأولى
اشارة

قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾(1).

وقد عرفت فيما سبق أنّ الظاهر من لفظ الزينة مطلق ما تتزيّن به المرأة الشامل لأعضاء بدنها، وما تتجمّل به من الحلي والأصباغ، وقد حُرّم عليها إبداؤها إلّا ما ظهر منها، والذي هو ظاهر بالوضع الطبيعيّ للإنسان هو الملابس، ثُمَّ الوجه واليدان فلا يكون إظهارها محرّماً على المرأة، ثُمَّ ما حرّم على المرأة إبداؤه جُوّز لها الكشف عنه لبعض الأقسام من الرجال بقوله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ ﴾.

وللحصول على مزيد اطمئنان بأنّ هذا المعنى هو المراد بالآية نذكر الروايات الواردة في تفسير هذه الآية..

الرواية الأولى

خبر أبي الجارود عن أبي جعفر (علیه السلام): (في قوله: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ

ص: 87


1- سورة النور: 31.

إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ فهي الثياب والكحل والخاتم وخضاب الكفّ والسوار)(1).

تقريب الاستدلال: - مضافاً إلى التصريح بتطبيق ما يجوز إظهاره على خضاب الكفّ - أنّ جواز إظهار الكحل والخاتم أيضاً مستلزم لجواز إظهار الوجه والكفّين كما لا يخفى. وأمّا السوار فلا يمكن الالتزام بجواز إظهاره؛ لمعارضة هذه الرواية مع صحيحة الفضيل الآتية.

الرواية الثانية

معتبرة زرارة عن أبي عبد الله (علیه السلام) في قول الله تبارك وتعالى: (﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ قال: الزينة الظاهرة: الكحل والخاتم)(2).

وعبّرنا عنها بالمعتبرة مع وجود القاسم بن عروة، وهو لم يوثّق في الكتب الرجاليّة، ولكنّه قد روى عنه ابن أبي عمير عدّة روايات كما في الكافي(3)، وكذلك روى عنه ابن أبي نصر البزنطي(4)، فتثبت وثاقته بناءً على وثاقة من يروي عنه المشايخ الثلاثة، فيتمّ السند، وهذه الرواية أيضاً دلّت باللازم على جواز إبداء الوجه والكفّين.

الرواية الثالثة

معتبرة أبي بصير عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: سألته عن قول الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ قال: (الخَاتَمُ وَالمَسَكَةُ وهي القُلْبُ)(5). وهي واضحة الدلالة على المدّعى.

وأمّا من حيث السند ففيه سعدان بن مسلم، وهو غير موثّق في الكتب الرجاليّة، لكن يمكن الاعتماد على رواياته بالنظر إلى عدّة أمور:

ص: 88


1- تفسير القمي: 2/ 101.
2- الكافي: 5/ 521 باب: ما يحلّ النظر إليه من المرأة، ح3.
3- يلاحظ: الكافي: 2/ 232، 4/ 100، 5/ 470، وغيرها من الموارد الأخرى.
4- كما في تهذيب الأحكام: 2/ 27، والاستبصار: 1/ 262.
5- الكافي: 5/ 521 باب: ما يحلّ النظر إليه من المرأة، ح4. والقُلب - بضم القاف -: السوار.

الأوَّل: وجود رواية لابن أبي عمير عنه في الكافي(1).

الثاني: قال الشيخ في الفهرست: (سعدان بن مسلم، له أصل أخبرنا جماعة عن أبي المفضّل، عن ابن بطّة، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن صفوان بن يحيى، عن سعدان)(2). فصفوان بن يحيى هو راوي كتاب سعدان، أو على الأقل إجازةً، وصفوان من المشايخ الثلاثة الذين لا يروون ولا يرسلون إلَّا عن ثقة.

الثالث: أنّ أكثر من روى عن (سعدان بن مسلم) هو (أحمد بن إسحاق الأشعري) الذي قال الشيخ في حقّه في الفهرست: (كان كبير المنزلة من خواص أبي محمّد)(3).

وكلُّ من روى عنه (أحمد بن إسحاق) غير (سعدان) هو ثقة - وهم: ياسر الخادم، وعبد الله بن ميمون، وبكر بن محمّد - مضافاً إلى روايته عن الإمامين الهادي والعسكري (علیهما السلام)؛ فبالنظر إلى مكانته وإلى عمله يبدو بعيداً جدّاً أن يكثر عن شخص ضعيف، أو مجهول في نظره.

وعلى هذا يمكن اعتبار هذه الرواية.

الرواية الرابعة

صحيحة الفضيل، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾؟ قال: (نعم، وما دون الخمار من الزينة، وما دون السوارين)(4). فهي دلّت على أنّ آخر حدّ من الزينة الواجب سترها من بدن المرأة هو ما يستره الخمار والسواران، فتدلّ بمفهوم الغاية على خروج

ص: 89


1- الكافي: 1/ 178.
2- الفهرست: 226.
3- الفهرست: 63.
4- الكافي: 5/ 520 باب: ما يحل النظر إليه من المرأة، ح1.

الوجه والكفّين من هذا الحدّ.

وقد تقدّم تقريب وجه اختيار هذا المعنى للرواية دون ما ذهب إليه السيّد الخوئي وغيره من الأعلام من شمول هذا التعبير للوجه والكفّين، وجعلهما من الزينة المحرّم إبداؤها.

الرواية الخامسة

موثّقة مسعدة بن زياد، قال: وسمعت جعفراً (علیه السلام) وسئل عمّا تظهر المرأة من زينتها؟ قال: (الوجه والكفّين)(1).

والرواية معتبرة السند، واضحة الدلالة على عدم وجوب ستر الوجه والكفّين على المرأة.

الرواية السادسة

مرسلة تفسير جوامع الجامع، قال: عنهم ’ في تفسير: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ﴾ (الكفّان والأصابع)(2).

فبالنظر إلى مجموع هذه الروايات الواردة في تفسير الآية وأكثرها معتبر سنداً يحصل الاطمئنان بأنّ الزينة التي يجوز إبداؤها، وهي مصداق الزينة المذكورة في قوله سبحانه: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ﴾ شاملة للوجه والكفّين.

الآية الثانية

قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ﴾(3).

وقد تقدّم الكلام مفصّلاً حول هذه الجملة من الآية في أدلّة القول الأوّل، وقد قرّبنا دلالتها على القول الثاني، ومنعنا الاستدلال بها على الأوّل، فلا حاجة إلى إعادة الكلام فيها.

ص: 90


1- قرب الإسناد: 82.
2- تفسير جوامع الجامع: 3/ 103.
3- سورة النور: 31.
الآية الثالثة

قوله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ﴾(1).

وجه الاستدلال: أنّ الاكتفاء بالأمر بإدناء الجلباب عند بروز النساء أمام الأجانب يدلّ على عدم لزوم ستر الوجه عنهم؛ لأنّه قد عرفت فيما تقدّم عدم إفادة هذا التعبير للزوم ستر الوجه، فلو كان ستره واجباً لكان من المناسب جدّاً ذكره هنا، فيُفهم من عدم ذكره عدم لزومه.

الدليل الثاني: الروايات

اشارة

وهي - مضافاً إلى ما تقدّم من الروايات في تفسير قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ التي قرّبنا دلالتها على أنّ المراد من الزينة الظاهرة التي لا يحرم إبداؤها هو الوجه والكفّان - روايات كثيرة، قيل أو يمكن أن يقال بدلالتها على أنّ ستر الوجه والكفّين لم يكن واجباً على المرأة في حدّ نفسه، وكذلك النظر إلى هذين الموضعين منها لم يكن محظوراً إذا كان بلا شهوة وتلذّذ.

والروايات هي:

الرواية الأولى

مرسلة مروك بن عبيد، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن مَحرماً؟ قال: (الوجه والكفّان والقدمان)(2).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على جواز نظر الرجل الأجنبي إلى الوجه والكفّين. والكلام في إلحاق القدمين بالوجه والكفّين يأتي في القول الخامس.

ص: 91


1- سورة الأحزاب: 59.
2- الكافي: 5/ 521 باب: ما يحلّ النظر إليه من المرأة، ح2.

هذا من حيث الدلالة.

وأمّا من حيث السند فإنّها ضعيفة السند؛ لإرسالها.

الرواية الثانية

صحيحة علي بن سويد، قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام): إنّي مبتلى بالنظر إلى المرأة الجميلة، فيعجبني النظر إليها. فقال لي: (يا علي، لا بأس إذا عرف الله من نيّتك الصدق، وإيّاك والزنا؛ فإنّه يمحق البركة ويهلك الدين)(1).

والمراد من النيّة الصادقة هو أنّ النظر يكون بعدم قصد التلذّذ والريبة، بل لمجرّد إدراك حُسن المرأة، فهي دلّت على عدم البأس في هذا النظر من الأجنبي إلى جسد المرأة، وتقيّد بالنظر إلى الوجه والكفّين؛ لثبوت الحرمة قطعاً في ما عداهما - على كلام في القدمين -، وحذّرت من عواقب هذا العمل؛ لأنَّه قد يوقع الناظر في ما لم يكن قاصداً له في البداية من المحرّمات، وإليه أشار الإمام (علیه السلام) بقوله: (وإيّاك والزنا..).

ولكن ناقش جماعة من الأعلام في دلالة هذه الصحيحة على الجواز.

منهم: المحقّق النراقي (قدس سره) في المستند، حيث قال: (الظاهر من الابتلاء الاضطرار إليه، وعدم إمكان التحرّز، وقد يحمل على الاتّفاقي أيضاً)(2).

وفيه:

أوّلاً: أنّ هذا الكلام خلاف ظاهر الرواية جدّاً؛ فإنّ ظاهر الكلام أنَّه عرض حالته النفسية - الموجبة لارتكاب النظر - على الإمام (علیه السلام) حتى يعلم حكمه، فإن كان جائزاً فهو، وإلّا يتركه.

وثانياً: هل من الممكن أن يعتبر مثل هذا العذر اضطراراً ليسوّغ ارتكاب الحرام لو

ص: 92


1- الكافي: 5/ 542 باب الزاني، ح6.
2- مستند الشيعة: 16/ 50.

كان النظر محرّماً في حدّ نفسه.

وثالثاً: أنّ حمل هذا النظر على الاتّفاقي بعيد عن الظاهر كلّ البعد؛ فإنّ الظاهر هو تقصّده النظر لإعجابه بجمال النساء؛ ولذا قيّد النظر بالنظر إلى الجميلة من النساء التي تعجبه.

ومنهم: السيّد الداماد (قدس سره) في كتاب الصلاة، فإنّه فسّر الابتلاء ب-: الابتلاء الناشئ عن نوع عمل وكسب يؤدّي قهراً وضرورة إلى النظر، وفسّر الإعجاب ب-: الإعجاب الحاصل بعد الانتهاء عن النظر.

فالمسؤول عنه في الرواية هو لزوم التحفّظ، وقطع الربط المنتهي إلى النظر قهراً أو اختياراً عن ضرورة الكسب ونحوه، فأجاب (علیه السلام) بنفي البأس، وعدم لزوم التحفّظ الكذائي بقطع الربط إذا علم من نيّته عدم الانتهاء إلى الفاسد، وأنّ الإعجاب اللاحق لا يتعدّى عن طور الخيال إلى عالم الخارج. وعلى هذا لا مساس لهذه الرواية باستثناء الوجه والكفّين.

والوجه في حمله (قدس سره) الابتلاء المذكور في الرواية على الابتلاء القهري، أو الابتلاء الناشئ عن ضرورة الكسب هو: أنّ تفسير الابتلاء بمعنى الاشتياق المانع عن ترك النظر بحيث يكون مصبّ السؤال هو الاعتياد بالنظر المعجب، ويكون مفاد الجواب هو تجويزه ممّا لا يمكن الالتزام به؛ لحرمته قطعاً واتّفاقاً(1)، فتحمل الرواية على المعنى المذكور وإن لزم منه مخالفة ظاهرها.

وفيه:

أوّلاً: أنّ الحمل على الابتلاء القهري - كما قلنا - خلاف الظاهر، وكذلك حمل

ص: 93


1- يلاحظ: كتاب الصلاة: 2/ 36.

الإعجاب على الإعجاب الحاصل بعد النظر خلاف الظاهر، لا يصار إليه مع إمكان الحفاظ على ظاهر المعنى.

وثانياً: أنّ كون المرأة في الجوار أو المعاملة معها لا يستلزم النظر المتكرّر قهراً، ولا يعتبر هذا ضرورة مسوّغة للنظر، والظاهر من السؤال أنّه يكرّر النظر متعمّداً للإعجاب بالمرأة الجميلة لا لأجل الضرورة، ولو كان النظر ناشئاً عن ضرورة أو قهر لم يكن خاصّاً بالجميلة فقط.

وثالثاً: أنّ النظر الناشئ عن الشوق إلى جمال النساء لم تثبت حرمته بالاتّفاق والقطع إذا لم يقصد الشهوة، ولم يكن هناك خوف فتنة أو ريبة، فلا وجه لحمل الرواية على خلاف ظاهرها؛ فإنّ ظاهر الرواية هو أنّه كان يحبّ أن ينظر إلى جمال النساء، لكنّه بلا قصد شهوة وتلذّذ، كما يظهر من قوله (علیه السلام): (إذا عرف الله من نيّتك الصدق).

وبتعبير آخر: التلذّذ الحاصل من النظر إلى الأجنبية على قسمين يمكن إدراكهما وجداناً:

الأوَّل: التلذّذ والشهوة المحرّكة للغريزة الجنسيّة.

والآخر: التلذّذ غير الشهوي الذي لا يحرّك الغريزة، وهو التلذّذ الحاصل من النظر إلى أيِّ أمرٍ جميل بغضّ النظر عن كونه إنساناً أو غيره.

والمحرّم اتّفاقاً هو الأوَّل.

وكذلك حمل الإعجاب على الإعجاب اللاحق بعد الانتهاء عن النظر لا المقارن له للاتّفاق على حرمة هذا الأخير، وهذا الحمل غير واضح؛ فإنّ النظر إلى وجه المرأة مع الإعجاب بها وحده لم تثبت حرمته بالاتّفاق إذا لم يكن مقارناً للشهوة وخوف الريبة، فلا وجه لارتكاب هذا التكلّف.

وقريب ممّا ذكره المحقّق الداماد (قدس سره) ما ناقش به السيّد الحكيم (قدس سره) دلالة الرواية في

ص: 94

المستمسك(1). والجواب عنه هو الجواب.

ومن الغريب أنّ السيّد الخوئي (قدس سره) - بعدما سلّم وضوح دلالة هذه الرواية على الجواز في كتاب الصلاة(2) - ناقش في دلالتها في كتاب النكاح بمناقشات أجاب عنها في كتاب الصلاة: من لا بُدَّية حمل الرواية على النظر الاتّفاقي؛ لعدم إمكان الأخذ بظاهرها، وهو جواز النظر عمداً مع قصد التلذّذ من الأوَّل؛ لحرمته اتّفاقاً، وعدم إمكان صدوره عن مثل علي بن سويد، وعدم إمكان إقرار الإمام (علیه السلام) لعمله. فراجع كلامه في كتاب النكاح من شرحه على العروة الوثقى(3).

وقد عرفت الجواب عنه.

إن قلت: سلّمنا هذا، لكن كيف عرف الإمام (علیه السلام) أنَّ علي بن سويد لا ينظر بقصد الشهوة والريبة مع تصريحه أنّه تعجبه المرأة الجميلة؟ وكيف لم يمنعه الإمام عن هذا النظر ولو من باب الاحتياط وأخذ الحذر؟ فإنّ النظر قد يجرّ صاحبه إلى ما لم يكن قاصداً له من الأوَّل، فقوله (علیه السلام): (لا بأس) في مثل هذا المورد خلاف طريقة الأئمّة ’، وهذا كلّه إن دلّ فهو يدلّ على خلل في الرواية يسلب الوثوق عنها.

قلت: إنّ هذه قضيّة في واقعة لا نعلم ملابساتها، فيحتمل أنّ جلالة ومكانة (علي ابن سويد) كانت تمنع من احتمال كون نظره مع الشهوة والريبة، ولم يكن من الممكن أن يتجرّأ مثله على السؤال عن جواز مثل هذا العمل القبيح.

وأمّا عدم منعه (علیه السلام) عنه ورفع البأس فلعلّه لرعاية مقتضى عمله وكسبه، وأنّه كان

ص: 95


1- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 14/ 31.
2- يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئي: 12/ 80.
3- يلاحظ: موسوعة السيّد الخوئي: 32/ 43.

يبتلى بالنساء كثيراً أو غير ذلك. وأمّا تقديم النصح فإنّه قد قدّم بقوله: (إذا عرف الله من نيّتك الصدق)، وبقوله: (إيّاك والزنا فإنّه يمحق البركة، ويهلك الدين).

وهناك رسالة من الإمام الكاظم (علیه السلام) إلى علي بن سويد يظهر منها جلالته، رواها الكشّي(1)، ورواها الكليني بطرق ثلاثة(2)، وهذه الطرق وإن كانت كلّها ضعيفة، لكنّه يمكن الوثوق بها لتعدّدها، وفيها يقول الإمام (علیه السلام): (أمّا بعد فإنّك امرؤ أنزلك الله من آل محمّد بمنزلة خاصّة مودّة بما ألهمك من رشدك). مضافاً إلى توثيق الشيخ له في رجاله(3).

فالمحصّل: أنّ الرواية تامّة السند والدلالة على الجواز.

الرواية الثالثة

خبر علي بن جعفر، عن أخيه موسى (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل ما يصلح له أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال: (الوجه والكفّ وموضع السوار)(4).

وهذه الرواية واضحة الدلالة على جواز نظر الأجنبي إلى وجه المرأة وكفّها. واشتمالها على موضع السوار لا يضرّ، وتسقط عن الحجّيّة في هذا المفاد بمعارضة ما دلّ على وجوب ستر موضع السوار - وهي صحيحة الفضيل -، وبوجود الإجماع على وجوبه.

ص: 96


1- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 454.
2- يلاحظ: الكافي: 8/ 124. وهي: عدّة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن محمّد بن منصور الخزاعي، عن علي بن سويد، ومحمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمّه حمزة بن بزيع، عن علي بن سويد، والحسن بن محمّد، عن محمّد بن أحمد النهدي، عن إسماعيل بن مهران، عن محمّد بن منصور، عن علي بن سويد.
3- الأبواب (رجال الطوسي): 395.
4- قرب الإسناد: 227.

ولكنّها ضعيفة السند؛ لعدم ثبوت وثاقة راوي مسائل علي بن جعفر، وهو عبد الله ابن الحسن، فهي لا تصلح إلَّا للتأييد.

وناقش السيّد الخوئي (قدس سره) في دلالة هذه الرواية، واستغرب من صاحب الجواهر (قدس سره) تسليمه دلالة الرواية على الجواز، قائلاً: (إنّها واردة في المرأة التي يحرم نكاحها، ومن الواضح أنّها ليست إلّا المحرم، فلا يبقى لها ارتباط بمحلّ كلامنا، أعني الأجنبيّة، بل يمكننا استفادة الحرمة منها؛ نظراً إلى تخصيص الجواز بالمحارم)(1).

وهذا الكلام لا يمكن المساعدة عليه؛ لأنّ تعبير (المرأة التي لا تحلّ) يعبّر به عن المرأة الأجنبيّة لا المحرم، وأمّا المحرم فيعبّر عنها: إمّا بالمحرم، أو التي تحرم، أو يحرم نكاحها وأمثالها، فقوله: (لا تحلّ له) ليس معناه لا يحلّ له نكاحها، كما فسّر به السيّد الخوئي (قدس سره)، بل معناه لا يحلّ له مسّها ولا النظر إلى جسدها.

ويؤيّد ما اخترناه من التفسير أمور:

الأوَّل: أنّ سياق الأسئلة يقرّب هذا التفسير؛ لأنّ السؤال السابق على هذا السؤال هو سؤال عن مقدار ما تستره المرأة الحرّة من بدنها في الصلاة، والسؤال اللاحق لهذا السؤال هو سؤال عن حكم الرجل من حيث ستر بدنه، فالمناسب هو أن يسأل عن حكم المرأة من حيث ستر بدنها ونظر الأجنبي إليها مع قطع النظر عن الصلاة.

الثاني: أنّ الإمام (علیه السلام) جوّز النظر إلى الوجه والكفّ وموضع السوار فقط، مع أنّه من الثابت أنّ النظر إلى المحارم لا يقتصر جوازه على هذه الأعضاء.

الثالث: أنّ الأعلام من الفقهاء لم يحتملوا التفسير الذي ذهب إليه السيّد (قدس سره)، مثل:

ص: 97


1- موسوعة السيّد الخوئي: 32/ 44.

المحقّق الداماد في كتاب النكاح(1)، والسبزواري في الكفاية(2)، والسيّد الطباطبائي في الرياض(3)، والنراقي في المستند(4)، والشيخ الأنصاري في كتاب النكاح(5)، السيّد الحكيم في المستمسك(6)، وغيرهم (قدس سرهم).

ولم أجد مَن احتمل هذا المعنى فضلاً عن الجزم به كما حصل ذلك للسيّد (قدس سره).

فالرواية معتبرة السند واضحة الدلالة على عدم وجوب ستر الوجه والكفّين على المرأة.

الرواية الرابعة

صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا إبراهيم (علیه السلام) عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطّي رأسها ممّن ليس بينها وبينه محرم؟ ومتى يجب عليها أن تقنّع رأسها للصلاة؟ قال: (لا تغطّي رأسها حتّى تحرم عليها الصلاة)(7).

فهي دلّت على أنّ ما كان واجباً على المرأة بعد بلوغها بينها وبين غير المحرم هو تغطية الرأس، فلو كان يجب عليها ستر الوجه أيضاً لكان أولى بالسؤال، ولا أقلّ كان من المناسب جدّاً أن يضيفه الإمام (علیه السلام) إلى الرأس في وجوب التغطية.

الرواية الخامسة

صحيحة البزنطي عن الرضا (علیه السلام)، قال: (يؤخذ الغلام بالصلاة

ص: 98


1- يلاحظ: كتاب النكاح: 2/ 45.
2- يلاحظ: كفاية الأحكام: 2/ 86.
3- يلاحظ: رياض المسائل: 11/ 50.
4- يلاحظ: مستند الشيعة: 16/ 47.
5- يلاحظ: كتاب النكاح: 48.
6- يلاحظ: مستمسك العروة الوثقى: 5/ 241.
7- الكافي: 5/ 533 باب: متى يجب على الجارية القناع، ح2.

وهو ابن سبع سنين، ولا تغطّي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم)(1).

فهي دلّت بوضوح على أنّ الغلام إذا بلغ تُكلّف المرأة بتغطية الشعر عنه، وبالأولويّة بقيّة بدنها، وأمّا الوجه فلو كان - أيضاً - واجبَ التغطية لكان أولى بالذكر، أو يقع السؤال بلا تخصيص، فيقول - مثلاً -: (متى تغطّي المرأة عن الرجل).

والمراد من المرأة في الرواية هي الأجنبيّة قطعاً؛ لأنّ المحرم لا يجب على المرأة ستر رأسها عنه.

ومثلها صحيحة أخرى للبزنطي عن الرضا (علیه السلام)، قال: (لا تغطّي المرأة رأسها عن الغلام حتّى يبلغ الحلم)(2).

الرواية السادسة

صحيحة أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر (علیه السلام)، قال: سألته عن المرأة المسلمة، يصيبها البلاء في جسدها: إمّا كسر، أو جراح في مكان لا يصلح النظر إليه، ويكون الرجال أرفق بعلاجه من النساء، أيصلح له أن ينظر إليها؟ قال: (إذا اضطرّت إليه فليعالجها إن شاء الله)(3).

دلّت على وجود الارتكاز عند أبي حمزة الثمالي على أنّه ليس بدن المرأة كلّه ممّا لا يجوز النظر إليه، حيث قال: (في مكان لا يصلح النظر إليه)، والإمام (علیه السلام) قرّره عليه، والقدر المتيقّن من المكان الذي يجوز النظر إليه هو الوجه والكفّان.

لا يقال: إنّ ذكر هذه الصفة إنّما هو لمجرّد التوضيح، وليس لبيان أنّ المكان المصاب هو ممّا لا يجوز النظر إليه.

ص: 99


1- من لا يحضره الفقيه: 3/ 436 ح4507.
2- قرب الإسناد: 385.
3- الكافي: 5/ 534 باب: المرأة يصيبها البلاء في جسدها فيعالجها الرجال، ح1.

لأنَّه يقال: الأصل في القيد الاحتراز، فلو كان جسد المرأة كلّه غير صالح للنظر لكان من المناسب جدّاً أن يقول: (المرأة المسلمة يصيب البلاء جسدها: إمّا كسر أو جراح، ويكون الرجال أرفق بعلاجه) بدون ذكر قوله (في مكان لا يصلح النظر إليه)، بل لا يتيسّر حمل مثل هذا التعبير على مجرّد التوضيح، كما لا يخفى على المتأمّل.

وقد ناقش المحقّق الداماد (قدس سره) في دلالة هذه الرواية قائلاً: (إنّ التقييد بملاحظة جنس النساء بمعنى أنّ المرأة يجوز للرجل النظر إلى بعض أفرادها، وهي الزوجة والمحرم، ولا يجوز إلى بعض، وهي الأجنبية، فالتقييد لعلّه بهذه الملاحظة، فلا يصحّ الاستشهاد)(1).

وفيه ما لا يخفى؛ فإنّه خلاف الظاهر جدّاً؛ لأنّ قول السائل: (ويكون الرجال أرفق بعلاجه) ظاهر في أنّ السؤال عن علاج الرجل الأجنبي لا مطلق الرجل، وكذلك قوله: (المرأة المسلمة) ظاهر في أنّ مورد الابتلاء هو المرأة المحجّبة، حيث إنّ المرأة الملتزمة كانت تلتزم بعدم الكشف للمعالج الأجنبي مع إمكان العلاج بمراجعة النساء، أمّا غير المسلمة أو غير الملتزمة فما كانت تكترث بهذا الأمر، فالسؤال وقع عمّا إذا كان الرجل الأجنبي أرفق بالعلاج، فهل يجوز لها أن تكشف عن مكان من بدنها الذي لا يجوز النظر إليه في الحالة الطبيعية؟

ومن ثَمَّ قال السيّد الحكيم (قدس سره): (فإنّ الرواية كالصريحة في أنّ من جسد المرأة ما يصلح النظر إليه وما لا يصلح)(2).

الرواية السابعة

صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع، قال: سألت أبا الحسن

ص: 100


1- كتاب الصلاة: 1/ 346.
2- مستمسك العروة الوثقى: 14/ 27.

الرضا (علیه السلام) عن قناع الحرائر من الخصيان. فقال: (كانوا يدخلون على بنات أبي الحسن (علیه السلام) ولا يتقنّعن). قلت: فكانوا أحراراً؟ قال: (لا). قلت: فالأحرار يتقنّع منهم؟ قال: (لا)(1).

فهذه واضحة الدلالة على أنّ الواجب على المرأة أن تتقنّع عن الأجنبي إذا لم يكن خصيّاً، وأمّا إذا كان خصيّاً فلا يجب القناع سواء كان حرّاً أو عبداً.

والقناع هو ثوب يستر الرأس دون الوجه، كما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (علیه السلام)، يقول: (ليس على الأَمة قناع في الصلاة، ولا على المدبّرة)(2).

فدلّت بالمقابل على أنّ الحرّة يجب عليها القناع في الصلاة، ومعلوم أنّ الواجب في الصلاة هو ستر الرأس فقط دون الوجه، فلازم هذا الكلام أنّ القناع لا يستر الوجه.

وكذلك صحيحة حريز، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) عن محرم غطّى رأسه ناسياً. قال: (يلقي القناع عن رأسه، ويلبّي، ولا شيء عليه)(3). فأطلق القناع على ثوب يغطّي الرأس فقط.

وصحيحة محمّد بن مسلم الأخرى، قال: قلت: رحمك الله، الأَمَة تغطّي رأسها إذا صلّت؟ فقال: (ليس على الأَمَة قناع)(4).

وأمثال هذه الروايات روايات أخرى تدلّ على أنّ القناع في الروايات يعبّر به عن ثوب يغطّي الرأس فقط، لا الوجه معه.

ص: 101


1- الكافي: 5/ 532 باب الخصيان، ح3.
2- الكافي: 5/ 525 باب: قناع الإماء وأمهات الأولاد، ح2.
3- الاستبصار: 2/ 184.
4- الكافي: 3/ 394.

وكذا ذكره أهل اللغة، ففي جمهرة اللغة: (وكلّ مغطٍّ رأسه فهو مقنّع)(1).

وفي تهذيب اللغة: (قال الليث: المقنعة: ما تقنّع به المرأة رأسها. قال: والقناع أوسع منها. قلت: ولا فرق بينهما عند العرب، وهما مثل لحاف وملحفة، وقرام ومقرمة)(2).

وفي المعجم: (وقناع المرأة معروف؛ لأنّها تديره برأسها)(3).

قال في المخصّص: (المقنعة التي تغطّي بها المرأة رأسها، والقناع أوسع منه، وقد تقنّعت به، قال أبو علي: ومنه المقنِّع والمقنَّع وهو الذي قد لبس البيضة والمغفر. وقال: الصوقعة: خرقة تجعلها المرأة على رأسها كالقناع)(4).

وفي النهاية في غريب الحديث: (أتاه رجل مقنّع بالحديد: هو المتغطّي بالسلاح. وقيل: هو الذي على رأسه بيضة، وهي الخوذة؛ لأنّ الرأس موضع القناع)(5). وغيرهم من أهل اللغة على ذلك.

وعلى هذا تمّت دلالة الصحيحة على أنّ الواجب على المرأة أمام الرجل غير الخصي هو ستر الرأس دون الوجه.

وهذه الرواية وإن كان لها معارض في حكم المرأة تجاه الخصيّ، وهي معتبرة محمّد ابن إسحاق، قال: سألت أبا الحسن موسى (علیه السلام)، قلت: يكون للرجل الخصيّ يدخل على نسائه فيناولهنّ الوضوء، فيرى شعورهنّ؟ قال: (لا)(6).

ص: 102


1- جمهرة اللغة: 20/ 943.
2- تهذيب اللغة: 1/ 174.
3- معجم مقاييس اللغة: 5/ 33.
4- المخصّص: 4/ 38.
5- النهاية في غريب الحديث: 4/ 114.
6- الكافي: 5/ 532 باب الخصيان، ح2.

ولكن كلاهما يؤكّدان على أنّ الفارق الموجود أو الذي احتمله السائل هو جواز الكشف للمرأة عن رأسها أمام الخصيّ وعدمه، وحُملت الأولى على التقيّة للجمع بينها وبين هذه الثانية.

الرواية الثامنة

صحيحة البزنطي عن الرضا (علیه السلام)، قال: سألته عن الرجل أيحلّ له أن ينظر إلى شعر أخت امرأته؟ فقال: (لا، إلّا أن تكون من القواعد). قلت له: أخت امرأته والغريبة سواء؟ قال: (نعم). قلت: فما لي من النظر إليه منها؟ فقال: (شعرها وذراعها)(1).

فلمّا حرّم الإمام (علیه السلام) النظر إلى شعر أخت الزوجة فَهِم البزنطي أنَّه حينئذٍ لا فرق بينها وبين الغريبة، والإمام (علیه السلام) أيضاً أقرّه على هذا الفهم، فهي دلّت على أنّ الثابت المعلوم عندهم في الغريبة هو عدم جواز النظر إلى شعرها، ولا يحتمل الفرق بينهما بحرمة النظر إلى وجه الغريبة دون أخت الزوجة، بل أصل السؤال عن النظر إلى شعر أخت الزوجة فيه دلالة على أنّ المحرّم المرتكز عند السائل هو النظر إلى شعر المرأة دون الوجه. ولا يحتمل أنَّه لم يسأل عن النظر إلى وجهها للارتكاز عنده بعدم الجواز؛ لأنَّه مع هذا الارتكاز لا يشكّ في حرمة النظر إلى الشعر فإنّه أولى من الوجه، وكذلك ذيلها وهو قوله: (فما لي من النظر إليه منها؟) أي من القواعد بقرينة الصدر. فقال: (شعرها وذراعها) دلّ على أنّ غير القواعد يحرم النظر إلى الشعر والذراع منها دون الوجه.

الرواية التاسعة

صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (علیه السلام) في قوله عزّ وجل: ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ ما الذي يصلح لهنّ أن يضعن من

ص: 103


1- قرب الإسناد: 364.

ثيابهن؟ قال: (الجلباب)(1).

ومثلها صحيحة الحلبي مع إضافة الخمار إلى الجلباب(2).

فالمرخّص للقواعد هو وضع الجلباب والخمار دون الشابّة، وقد تقدّم أنّ الجلباب وكذلك الخمار لا يستر الوجه، فلو كان ستر الوجه واجباً على الشابّة لكان أولى بالذكر فيما يجوز وضعه للقواعد من ثياب المرأة.

ومثلها في الدلالة على المطلوب صحيحة حريز(3)، ومعتبرة محمّد بن أبي حمزة(4).

وقد ناقش السيّد الزنجاني (دام ظله) في دلالتها: بأنّه لا يلزم من عدم ذكر جواز الكشف للقواعد عن وجوههن أنّه ليس من مختصّاتهنّ، بل لعلّه أيضاً من مختصّاتهنّ ومع هذا لم يذكر(5).

لكنّك قد عرفت أنّه من غير المناسب جدّاً عدم ذكر جواز كشف الوجه للقواعد مع فرض حرمته لغيرها، بل كان هو أولى بالذكر، ولم يذكر ولا في رواية واحدة، فهذا إن دلّ فهو يدلّ على وضوح عدم لزوم ستره على المرأة، ومعلوميّة هذا الأمر بين السائل والمجيب.

الرواية العاشرة

صحيحة محمّد بن مسلم، قال: وسألته عن الأَمَة إذا ولدت، عليها الخمار؟ قال: (لو كان عليها لكان عليها إذا حاضت، وليس عليها التقنّع في

ص: 104


1- الكافي: 5/ 522 باب القواعد من النساء، ح3.
2- الكافي: 5/ 522 باب القواعد من النساء، ح1.
3- الكافي: 5/ 522 باب القواعد من النساء، ح4.
4- الكافي: 5/ 522 باب القواعد من النساء، ح2.
5- يلاحظ: كتاب النكاح: 2/ 598، باللغة الفارسية.

الصّلاة)(1).

فبلحاظ أنّ أمّ الولد تعتبر مشرفة على الحرّيّة تكون لها أحكام تختلف عن الأَمَة غير أمّ الولد، مثل جواز البيع وعدمه، فاحتمل السائل أنّ حكمها من جهة الحجاب حكم المرأة الحرّة، فقال هل عليها الخمار؟ فأجاب الإمام (علیه السلام) بعدم وجوبه، فتدلّ الرواية على أنّ الواجب على المرأة غير الأَمَة هو الخمار الذي يستر الرأس دون الوجه، فلو كان ستر الوجه أيضاً واجباً لكان أولى بالذكر.

ولا يحتمل أنّ ستر الوجه للحرّة كان واجباً، لكن لمّا احتمل السائل أنّ الواجب في حقّ الأَمَة هو ستر الرأس فقط، سأل عنه دون الوجه؛ لأنَّه لا وجه يستند إليه هذا الاحتمال المبني على أنّ حكم المرأة الأَمَة أمّ الولد هو بين الحرّة وبين الأَمَة غير أمّ الولد.

الرواية الحادية عشرة

خبر القاسم الصيقل، قال: كتبتْ إليه أمّ علي تسأل عن كشف الرأس بين يدي الخادم، وقالت له: إنّ شيعتك اختلفوا عليّ في ذلك، فقال بعضهم: لا بأس، وقال بعضهم: لا يحلّ. فكتب (علیه السلام): (سألتِ عن كشف الرأس بين يدي الخادم، لا تكشفي رأسك بين يديه، فإنّ ذلك مكروه)(2).

دلّت على أنّ المُسلّم الثابت عند الشيعة أنّ ما وجب ستره على المرأة أمام الأجنبي هو الرأس لا الوجه، ولكنهم اختلفوا في استثناء الخادم عن هذا الحكم وعدمه، ولا يحتمل أنَّه مع الاتّفاق على حرمة الكشف عن الوجه مطلقاً - للخادم وغيره - اختلفوا في جواز كشف الرأس للخادم وعدمه؛ لوضوح بطلانه، كما لا يحتمل أنّهم اتّفقوا على حرمة الكشف عن الوجه للأجنبي غير الخادم، وكذلك لا يحتمل أنّهم اتّفقوا على

ص: 105


1- من لا يحضره الفقيه: 1/ 373 ح1086.
2- تهذيب الأحكام: 7/ 457 ح1828.

جوازه للخادم، واختلفوا في حكم الرأس تجاهه؛ لأنَّ هذا الاحتمال مبنيٌّ على أنّهم احتملوا في حكم الخادم تفصيلاً بين وجه المرأة ورأسها، وأنّه يجوز الكشف عن الأوّل ولا يجوز عن الثاني، مع الاتّفاق على حرمة كليهما بالنسبة إلى غير المحارم، وهذا الاحتمال ممّا لا وجه يوجبه، لا رواية، ولا فتوى.

فالخبر واضح الدلالة على المطلوب، لكنّه ضعيف سنداً؛ لجهالة الراوي المباشر وهو القاسم الصيقل.

الرواية الثانية عشرة

خبر عبد العظيم الحسنيّ عن الإمام الجواد عن آبائه عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) الوارد فيما رأى عند معراجه من النساء المعذّبات، قال (صلی الله علیه و آله و سلم): (أمّا المعلّقة بشعرها فإنّها كانت لا تغطي شعرها من الرجال)(1).

ولا وجه للاقتصار على الكشف عن الشعر في عذابها لو كان ستر الوجه واجباً.

والخبر ضعيف السند؛ لوجود سهل بن زياد فيه، ومع هذا فهو صالح للتأييد.

الرواية الثالثة عشرة

خبر المفضّل بن عمر عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت: جعلت فداك فما تقول في المرأة تكون في السفر مع الرجال ليس معهم ذو محرم، ولا معهم امرأة فتموت المرأة فما يصنع بها؟ قال: (يغسل منها ما أوجب الله عليه التيمم، ولا تمسّ، ولا يكشف شيء من محاسنها الذي أمر الله عزّ وجل ستره). قلت: كيف يصنع بها؟ قال: (يغسل بطن كفّيها ووجهها، ويغسل ظهر كفّيها)(2).

وهذه الرواية دلّت على أنّ محاسن المرأة على قسمين: قسم أمر الله بستره فلا يجوز الكشف عنه للرجل الأجنبي حتّى لضرورة غسلها مع عدم وجود المماثل، وقسم لم يأمر

ص: 106


1- عيون أخبار الرضا (علیه السلام): 2/ 11.
2- الكافي: 3/ 159باب: الرجل يغسل المرأة والمرأة تغسل الرجل، ح13.

الله عزّ وجل بستره فيجوز غسله منها وهو الوجه والكفّان.

واستدلّ بها على جواز النظر إلى الوجه والكفّين كل من المحقّقَين النراقي والتستري (قدس سرهما) في المستند والنجعة(1).

ولكن الرواية ضعيفة السند أوَّلاً. ولها ما يعارضها من روايات الباب ثانياً. ولا يوجد مَن عمل بها ثالثاً، فلا يمكن الاستدلال بها على شيء. وهذا هو حال ما ورد في هذا المعنى من الروايات الأُخر.

الرواية الرابعة عشرة

مرسلة الشيخ الصدوق (قدس سره)، قال: (والمرأة إذا توضّأت ألقت قناعها عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة والمغرب، وتمسح عليه، ويجزيها في سائر الصّلوات أن تدخل إصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها قناعها)(2).

والتفريق بين صلاة المغرب والغداة وبين سائر الصلوات وهي الصلوات النهارية حيث أمر بإلقاء القناع عن موضع الرأس في الأولى، ونهى عنه في الثانية لا وجه له ظاهراً، إلَّا أنّ الأخيرة هي في وقت مظنّة ظهور شعرها للرجال الأجانب إذا ألقت القناع دون الأولى، فدلّت على أنّ المهمّ في ستر المرأة هو ستر شعر الرأس دون الوجه، وإلَّا لو كان ستر الوجه أيضاً واجباً لما كان لهذا التفريق وجه؛ لأنّ الكشف عن الوجه حاصل في كلّ صلاة، فلو كان ستره أيضاً واجباً فمع حصول الكشف عنه لا وجه لهذا الاحتياط في شعر الرأس. ولكن الرواية مرسلة لا تصلح إلَّا للتأييد.

الرواية الخامسة عشرة

قال الطبرسي روي عن النبي (صلی الله علیه و آله و سلم) أنَّه قال: (للزوج ما تحت الدرع، وللابن والأخ ما فوق الدرع، ولغير ذي محرم أربعة أثواب: درع، وخمار،

ص: 107


1- يلاحظ: مستند الشيعة: 16/ 49، النجعة في شرح اللمعة: 8/ 311.
2- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 1/ 49.

وجلباب، وإزار)(1).

وهذه الثياب الأربعة التي يجب على المرأة أن تكون لابسة لها إذا خرجت للرجال الأجانب تستر بدن المرأة كلّه ما عدا الوجه، ومن الممكن أن تستر الكفّين والقدمين أيضاً.

فهي دلّت على عدم لزوم ستر الوجه على المرأة، وبالتلازم بينه وبين الكفّين يثبت الجواز للكفّين أيضاً.

ولكنّها ضعيفة بالإرسال، ومع ذلك فهي تؤيّد المطلوب.

الرواية السادسة عشرة

موثقة عبّاد بن صهيب، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام) يقول: (لا بأس بالنظر إلى رؤوس نساء أهل تهامة والأعراب وأهل السواد والعلوج؛ لأنّهم إذا نهوا لا ينتهون)(2).

فالفارق بحسب ظاهر هذه الرواية بين النساء المحجّبات وبين النساء اللاتي لا ينتهين بالنهي هو جواز النظر إلى شعر الأخيرة دون الأولى، وليس من جهة النظر إلى الوجه؛ فإنّ حكمه مشترك بينهما، وهو جواز النظر إليه؛ لأنّه لو كان الفرق في حكم الوجه أيضاً لكان أولى بالذكر.

ومثلها في الدلالة خبر السكوني عن أبي عبد اللَّه (علیه السلام)، قال: (قال رسول اللَّه (صلی الله علیه و آله و سلم): لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهن وأيديهن)(3). وخبر أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب ’، قال: (لا بأس بالنظر إلى رؤوس

ص: 108


1- مجمع البيان: 7/ 243.
2- الكافي: 5/ 524 باب: النظر إلى نساء الأعراب وأهل السواد، ح1.
3- الكافي: 5/ 524 باب: النظر إلى نساء أهل الذمّة، ح1.

أهل الذمّة)(1).

وهذه الروايات وإن كانت كلّ واحدة منها ضعيفة، لكن لتعدّد طرقها عَمَل الفقهاء بها من الزمان الأوَّل إلى يومنا هذا - ما عدا البعض منهم - فيحصل الاطمئنان بصدورها، ولم تذكر واحدة منها الوجه، فلو كان النظر إلى وجه المسلمة حراماً لكان من المناسب أن يقال يجوز النظر إلى وجوه نساء أهل الذمّة - مثلاً - ورؤوسهن.

الرواية السابعة عشرة

عن أمير المؤمنين (علیه السلام): أنّه كان جالساً في أصحابه فمرّت بهم امرأة جميلة فرمقها القوم بأبصارهم. فقال (علیه السلام): (إنّ أبصار هذه الفحول طوامح، وإنّ ذلك سبب هبابها، فإذا نظر أحدكم إلى امرأة تعجبه فليلامس أهله فإنّما هي امرأة كامرأته)(2).فدلّت على جواز الكشف للمرأة على الأقل عن وجهها، ولو لم يكن جائزاً لزجرها، أو وبّخ الرجال على إذنهم لنسائهم بالخروج كاشفات الوجه، وكذلك لم يزجرهم عن النظر إليها؛ لعلمه بأنّ نظرهم لم يكن بقصد الشهوة والتلذّذ.

ولكنّها ضعيفة السند فتكون مؤيّدة للمطلوب.

الرواية الثامنة عشرة

خبر البزنطي عن أبي الحسن (علیه السلام)، قال: (مرّ أبو جعفر (علیه السلام) بامرأة مُحرِمة قد استترت بمروحة فأماط المروحة بنفسه عن وجهها)(3).

وغيرها من الروايات التي دلّت على لزوم كشف المُحرِمة بعض الوجه، وعلى رجحان كشف كلّه، مثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: مرّ أبو جعفر (علیه السلام)

ص: 109


1- قرب الإسناد: 62.
2- نهج البلاغة: رقم: 420ص: 550، تحقيق صبحي صالح.
3- الكافي:4/ 347 باب: ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب والحلي وما يكره لها من ذلك، ح9.

بامرأة متنقّبة وهي مُحرِمة، فقال: (أحرمي وأسفري وأرخي من فوق رأسك فإنّك إن تنقّبتِ لم يتغيّر لونكِ)، فقال رجل: إلى أين ترخيه؟ قال: (تغطي عينيها). قال: قلت: تبلغ فمها؟ قال: (نعم)(1).

فهي دلّت على أنّ عامّة النساء لم تكن متنقّبة في أيام الحج، وأمر المتنقّبة بالإسفار: أيّ الكشف عن الوجه، ثُمَّ رجّح الإمام (علیه السلام) أوّلاً أن يكون إرخاء الثوب إلى حدّ العينين، ثُمَّ لمّا سأله رجل عن إرخائه إلى الفم أجازه.

وكذا صحيحة ابن ميمون، عن جعفر، عن أبيه (علیه السلام)، قال: (المُحرِمة لا تتنقّب؛ لأنّ إحرام المرأة في وجهها وإحرام الرجل في رأسه)(2).

فهي واضحة الدلالة على لزوم كشف المرأة عن وجهها ولو في الجملة.

وكذا صحيحة يحيى بن أبي العلاء، عن أبي عبد الله (علیه السلام): (أنَّه كره للمُحرِمة البرقع والقّفازين)(3).

فلو كان الكشف عن الوجه واليدين أمام الأجانب محرّماً في الإسلام لما جوّز في حالة الإحرام أبداً، كما لا يخفى؛ ولذا لم يأمر الشارع المرأة بالكشف عن رأسها في الإحرام مع أمره به للرجال.

هذه مجموعة روايات تدلّ على جواز كشف المرأة وجهها وكفّيها، وكذلك على جواز نظر الأجنبي إليها، وهناك روايات أخرى يمكن الاستدلال بها على الجواز، ولكنّا تركناها خوف الإطالة، وهذه الروايات وإن كان بعضها ضعيفاً، ولكن كثيراً منها

ص: 110


1- الكافي: 4/ 344 باب: ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب والحلي وما يكره لها من ذلك، ح3.
2- الكافي: 3/ 345 باب: ما يجوز للمحرمة أن تلبسه من الثياب والحلي وما يكره لها من ذلك، ح7.
3- من لا يحضره الفقيه: 2/ 344 ح2630.

صحيح، وإذا نظر الناظر في مجموعها أوجبت الاطمئنان بالحكم إن لم توجب القطع به.

الدليل الثالث: السيرة

ادّعى غير واحد إطباق الناس في كلّ عصر على خروج النساء المسلمات على وجه يحصل ظهور الوجه والكفّين بدون أن ينكر عليه أحد(1).

ويشكل على هذه الدعوى بالقطع بعدم خروج نساء كثير من العوائل المتديّنة إلَّا مستورات الوجه، فلم تثبت سيرة كلّ المتشرعة على الجواز.

ولكن يمكن أن يجاب عنه: بأنّ ستر الوجه للنساء عند بعض البيوت - كبيوت العلماء - لا ينافي سيرة عامّة المتشرعة على الكشف وعدم إنكار أحد عليهم، فما ذكر في الاعتراض لا يمنع الدعوى الأولى؛ لأنَّه من الممكن أن يكون الالتزام بستر الوجه من نساء بعض البيوت لا من جهة إلزام شرعيّ، بل لمرغوبيّته عند الشارع قطعاً، وللاحتياط في حفظ العرض عن تعرّض الأجانب لرؤية وجوههن.

وإن أبيتَ وجود مثل هذه السيرة فعلى الأقل يمكن الدعوى وبكل وثوق أنّ النساء لم يكن يلتزمن غالباً - حتّى من البيوت الشريفة وبيوت العلماء - بستر وجوههن أمام غير المحارم من أقربائهن، مثل: ابن العمّ والعمّة، أو ابن الخال أو الخالة، أو أخ الزوج، أو زوج الأخت وأمثالهم. وهذه سيرة المتشرعة في كلّ عصر متّصلة بزمن الأئمة ’، وهذا كافٍ في إثبات المطلوب.

ويمكن تأييد وجود السيرة على كشف الوجه ببعض الشواهد:

الأوَّل: نقل الشيخ المفيد كلاماً لعلي (علیه السلام) في مقام حثّ أصحابه على القتال مع أهل الشام لمّا سمع إغارتهم على منطقة الأنبار، قال (علیه السلام): (إنّ العصبة من أهل الشام كانوا

ص: 111


1- يلاحظ: نهاية المرام: 1/ 56، كشف اللثام: 7/ 26.

يدخلون على المرأة المسلمة والأخرى المعاهدة، فيهتكون سترها، ويأخذون القناع من رأسها)(1).

فيستفاد من هذا الكلام أنّ حجاب المرأة كان في ذاك العصر في ستر رأسها؛ ولذا اعتبر الهتك في أخذ القناع عن الرأس.

الثاني: مرسلة نهج البلاغة التي تقدّمت في أدلّة الجواز؛ فإنّها ظاهرة في أنّ السائد آنذاك هو كشف الوجه.

الثالث: عدم وجود لفظ في الروايات يعبّر عن ستر الوجه، وكلّ ما ورد فيها ممّا تستر به المرأة هو ممّا يستر غير الوجه، مثل: الخمار، والجلباب، والقناع، والمقنعة، والملحفة.

الرابع: هناك روايات تاريخيّة تدلّ على حضور النساء في المعارك، كمعركة أُحد، وكربلاء، وغيرهما من الساحات التي فيها الرجال وهي مكشوفة الوجه قطعاً؛ لأنّ كلّ واحدة منهنّ كانت تُعرف من وجهها أنّها فلانة.

الخامس: أنّ من لاحظ روايات الباب يجد أنّ أصحاب الأئمّة لم يسألوهم عن حكم الوجه، بل وقع السؤال منهم دائماً عن الرأس و الشعر والذراع.

السادس: هناك روايات متعدّدة تحكي حضور بعض النساء عند المعصوم للسؤال عن شيء وهي كاشفة الوجه؛ لأنّ الحضور قد عرفها في المجلس، مثل: رواية الخثعميّة التي تقدّمت في أدلّة الحرمة.

وعلى هذا يحصل الاطمئنان بوجود سيرة عند نساء المسلمين على كشف الوجه واليدين ولاسيّما أمام أقربائهن بدون فرق بين المحارم وغير المحارم.

ص: 112


1- الإرشاد: 1/ 283.

إلى هنا قد اتّضح جليّاً تماميّة أدلّة القول الثاني كتاباً وسُنّة وسيرة.

أدلّة القول الثالث: وهو أنَّه يجوز للمرأة الكشف عن وجهها وكفّيها لقيام الأدلّة عليه، ولكنّه لا يجوز نظر الأجنبي إليها

والوجه فيه: أنّهم قالوا بتماميّة أدلّة جواز كشف المرأة عن وجهها وكفّيها، وأمّا بالنسبة إلى الرجل فالتامّ هو دليل الحرمة، لا الجواز، وهي نفس الأدلّة التي تقدّم ذكرها في القول الأوَّل.

أقول: مضافاً إلى عدم تماميّة أدلّة حرمة نظر الرجل إلى الأجنبيّة - كما تقدّم -، ووجود ملازمة عرفيّة بين جواز الكشف للمرأة وجواز نظر الرجل إليها، فما يحرم النظر إليه من جسد المرأة يجب عليها ستره، وما يجوز لها كشفه من جسدها أمام الأجانب يجوز للرجل النظر إليه بدون شهوة وقصد تلذّذ، ويشير إلى هذا التلازم بين الحكمين قوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ أي يجوز أن يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ الظَاهر مِنْها، والإبداء - كما تقدّم - هو الإظهار للغير، وفي الفهم العرفي جواز الإظهار للغير يلازم جواز نظر الغير إليه، ولاسيّما بقرينة ذيل الآية: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ عُلِم منه أنّ الإبداء الأوَّل - وهو إبداء ما ظهر منها - كان للجميع.

مضافاً إلى هذا وذاك قد تمّت بعض الأدلّة الناصّة على جواز النظر، مثل: صحيحة علي بن سويد، وصحيحة أبي حمزة الثمالي، وصحيحة البزنطي، وبعض الروايات الأخرى المتقدّمة في أدلّة القول الثاني.

ويمكن أن يقال: إنّ هذا قول مستبعد في حدّ نفسه؛ فإنّه خلاف مقتضى الطبع الذي خلق الله تبارك وتعالى عليه البشر من ذكر وأنثى، فإنّ الرجل بالنظر إلى خلقته

ص: 113

الطبيعيّة والوظائف التي كلّف بها يُبتلى بالخروج كثيراً إلى الأسواق ومحلّ العمل والأمور الأخرى الفرديّة والاجتماعيّة، والمرأة بالعكس قد رجّح لها شرعاً البقاء في داخل المنزل مهما أمكن، فإذا جوّز للمرأة الكشف عن وجهها وكفّيها وحرّم على الرجل النظر إليها - ولو بدون شهوة ولذّة - لزم منه الضيق على الرجل الذي يحتاج إلى رفع القيود عنه مع الإمكان بمقتضى عمله، ولزم توسعة الشارع على المرأة التي لا تحتاج إليها بمقدار حاجة الرجل إليها.

ولذا يمكن دعوى أنّ هذا القول خلاف مقتضى السنن الكونيّة في الظاهر، وخلاف مرتكزات المتشرّعة وإن ذهب إليه بعض أعلام المذهب، مثل: صاحب الجواهر (قدس سره). نعم، لو قام عليه دليل واضح وجب الالتزام به، ولكنّك عرفت أنّ الدليل على خلافه.

أدلّة القول الرابع: وهو أنّه يجوز للرجل أن ينظر مرّة ولا يجوز التكرار

ومستند هذا القول الروايات التي حذّرت من تكرار النظر، وهي الطائفة الرابعة من طوائف الروايات التي استدلّ بها للقول الأوَّل، فهي دلّت على جواز النظرة الأولى، وحرمة النظرة الثانية والثالثة.

أقول: هذا القول غير واضح مفهوماً ومستنداً.

أمّا مفهوماً فلم يتّضح مقصود القائل من النظرة الأولى وكذا من النظرة الثانية، فهل مقصوده من النظرة الأولى هي النظرة الاتّفاقيّة فقط، أو حتّى العمديّة؟ وكذلك هل مقصوده من النظرة الثانية هي نظره بشهوة، أو مطلقاً حتّى بدون شهوة؟

فإن كان المقصود من النظرة الأولى الاتّفاقيّة فقط فحينئذ رجع هذا القول إلى

ص: 114

القول الأوَّل تماماً. وعلى هذا التقدير يتعيّن أن تكون النظرة الثانية حراماً مطلقاً حتّى بدون شهوة.

وإن كان المقصود من النظرة الأولى أعمّ لتشمل العمديّة أيضاً فحينئذٍ إن كان المراد من الثانية هي نظرة شهوة وتلذّذ رجع إلى القول الثاني تماماً، وإن كان المراد مطلقاً، أي حتّى بدون قصد التلذّذ فحينئذٍ لا بُدَّ أن نقول - حتّى يكون قولاً قبال الأوَّل والثاني - إنّ المقصود من النظرة الأولى هي أعمّ من العمديّة، والمراد من الثانية أعمّ من الشهويّة، فالأولى جائزة مطلقاً، أي حتّى مع القصد والتعمّد، والثانية وما بعدها حرام مطلقاً حتّى بدون شهوة ولذّة.

وأمّا مستنداً فهذا القول استند إلى أربع روايات - تقدّمت في الطائفة الرابعة من أدلّة القول الأوَّل - وقد ناقشناها جميعاً من جهة ضعف سندها ما عدا الأولى منها، وهذه الأولى غير ظاهرة في الحرمة. وتقدّم الكلام في مفادها، وأنّها لا تثبت الحرمة، فلا تصلح لمعارضة أدلّة الجواز.

أدلّة القول الخامس: هو جواز كشف المرأة للقدمين أيضاً مضافاً إلى الوجه والكفّين

ومستند هذا القول في الوجه والكفّين هو ما تقدّم في القول الثاني من الأدلّة على الجواز. وأمّا القدمان فاستندوا فيهما إلى مرسلة مروك المتقدّمة التي سأل فيها الراوي أبا عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت له: ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال: (الوجه والكفّان والقدمان)(1).

ص: 115


1- الكافي: 5/ 521 باب ما يحل النظر إليه من المرأة، ح2.

لكن فيه:

أوَّلاً: أنّ هذا الخبر ضعيف سنداً؛ لإرساله.

وثانياً: خلو بقيّة روايات الباب - التي بعضها صحاح - عن القدمين يؤكّد ضعفها.

وثالثاً: أنّها غير صالحة لتقييد ما دلّ على حرمة الكشف عمّا عدا الوجه والكفّين، فيبقى إطلاقها هو المعمول به.

ورابعاً: قد ادّعى جماعة إجماع المسلمين على عدم استثناء غير الوجه والكفّين، منهم: فخر المحقّقين في الإيضاح، والمحقّق الكركي في جامع المقاصد، والشهيد الثاني في المسالك، والمحقّق السبزواري في الكفاية، والفاضل الهندي في كشف اللثام، والسيّد الطباطبائي في الرياض (قدس سرهم) (1).

ولكن ناقش مفصّلاً في دعاوي الإجماع السيّد الزنجاني (دام ظله) (2)، وقرّب أنّ رأي الكليني والصدوق على استثناء القدمين أيضاً.

وعلى كلّ حالٍ لا يمكن الالتزام باستثناء القدمين؛ لعدم وجود مستند واضح له، وفي قباله قد تمّ ما يدلّ - ولو بالإطلاق - على حرمة الكشف عن القدمين.

فرع

للمسألة فروع نذكر فرعاً واحداً منها لأهمّيّته..

وهو أنّ الحكم بجواز كشف المرأة عن وجهها للأجانب مقيّد ببعض القيود نذكر بعضها:

ص: 116


1- يلاحظ: إيضاح الفوائد: 3/ 6، جامع المقاصد: 12/ 38، مسالك الأفهام: 7/ 46، الكفاية في الفقه: 2/ 86، كشف اللثام: 7/ 25، رياض المسائل: 2/ 74.
2- يلاحظ: كتاب النكاح: 2/ 583 باللغة الفارسية.

الأوَّل: أن لا يكون وجهها مزيّناً بزينة خارجيّة وإلّا لوجب ستره؛ لأنّ المستثنى من حرمة الإبداء هو ما ظهر بمقتضى الطبيعة، وهو الوجه الطبيعيّ، وأمّا إذا زيّن بالمكياج فيدخل في عموم ﴿لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾(1).

ولمّا أصبح في العصر الراهن مكياج الوجه جزءاً من حياة المرأة الذي لا يتجزأ انتفى موضوع جواز خروج المرأة كاشفة للوجه إلّا بالنسبة إلى بعض المؤمنات، حيث تتعرّض لنظر الأجانب، ولا يجوز لها أن تبرّر فعلها والحال هذه بفتوى الفقهاء وأنّهم لا يوجبون ستر الوجه؛ فإنّ الإقرار بالذنب أهون من التحايل على الدين وتحريف مفاهيمه، فإنّ الفقهاء الذين جوّزوا خروج المرأة من البيت كاشفة وجهها قيّدوا هذا الحكم بهذا الأمر المذكور.

إن قلت: إنّ استثناء الكحل والخاتم عن الحكم بوجوب الستر يدلّ على أنّ الزينة الخارجيّة للوجه واليدين لا يجب سترها عن الأجانب، فهو داخل في قوله سبحانه وتعالى: ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾وإنَّما ذكر الكحل والخاتم في الروايات كالمصداق البارز لتزيين الوجه واليدين في ذاك الزمان، وإلَّا فالمراد هو مطلق ما يزيّن به هذان العضوان.

قلت: هذا خلاف ظاهر الروايات؛ فإنّ ظاهرها أنّها ذكرت الكحل والخاتم على نحو الحصر، وأنّهما موضوع الحكم بالجواز، وهذا هو المطابق للقاعدة العامّة في كلّ كلام ذكر فيه الحكم متعلقاً بعنوان، فإنّه يحمل على أنّ هذا العنوان هو موضوع الحكم، لا أنَّ الموضوع الحقيقي هو شيء آخر وما ذُكر مصداق له، فإنّ هذا يحتاج إلى قرينة واضحة لارتكاب خلاف الظاهر.

فالإشكال المذكور مبنيّ على دعوى أنّ الموضوع الحقيقي للجواز هو كلّ ما يتزيّن

ص: 117


1- سورة النور: 31.

به الوجه والكفّان يجوز للمرأة إبداؤه، وذكر الكحل والخاتم كمثال له.

ولكن - كما قلنا - ظاهر الكلام أنّ الجواز مختصّ بهما؛ ولذا لم يذكر في روايةٍ شيء آخر مع وجود أنواع ممّا كانت النساء يزينّن به الوجه والكفّين، مثل استخدام مساحيق التجميل والمكياج وتلوين الأظافر وغيرها، بل حتّى الكحل والخاتم لو لم يكن عليه نصّ لقلنا بحرمة إظهارهما؛ لأنّهما ليسا ممّا هو ظاهر بطبيعة الحال، بل هو إظهار للزينة؛ لأنَّه لو لم تتزيّن بهما المرأة لا يظهر أنّ الشكّ في استثناء غيرهما شكّ في تخصيص زائد، فيبقى تحت عموم ﴿لَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾.

الثاني: أن لا تكون المرأة خائفة من وقوعها في الفتنة، وكذلك لا تقصد إيقاع الآخرين فيها، وإلَّا فإن علمت بمقتضى الحال التي تعيش فيها أنّها إذا خرجت كاشفة الوجه تتعرّض للمضايقة والإيذاء؛ لأنّها فائقة الجمال - مثلاً - أو خرجت وهي قاصدة هذا الأمر فلا يجوز حينئذٍ أن تخرج سافرة الوجه؛ لأنّها لو خرجت - والحال هذه - تكون من مصاديق المتعاونة على الإثم والعدوان، وموجبة لإحداث فتنة حرّم الله إيقاعها، كما قيّد جواز النظر للرجل أن لا يكون قاصداً به التلذّذ والشهوة، ولم يكن خائفاً من الفتنة، وإلَّا فلا يجوز.

ومحصّل ما حرّر في البحث: أنّ مقتضى الأدلّة هو صحّة القول الثاني، وهو جواز نظر الرجل إلى وجه المرأة الأجنبية وكفّيها في حدّ نفسه، كما يجوز لها كشف هذين الموضعين من جسمها أمام الأجانب مع بعض الشرائط والقيود.

والحمد لله ربِّ العالمين، وهو وليّ التوفيق.

* * *

ص: 118

المصادر

القرآن الكريم

1. إثبات الحجاب (باللغة الأرديّة)، السيّد علي نقي النقويّ، الناشر: مصباح الهدى لاهور باكستاني، المطبعة: معراج الدين، 1411ﻫ.

2. أحكام القرآن، أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصّاص (ت370ﻫ)، تحقيق: عبد السلام محمّد عليّ شاهين، الناشر: دار الكتب العلميّة، ط الأولى، 1415ﻫ.

3. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّيّ)، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ حسن مصطفوي، الناشر: دانشكاه - مشهد، ط الأولى، 1409ﻫ،

4. إرشاد الأذهان إلى أحكام الإيمان، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: الشيخ فارس الحسون، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين، ط الأولى، 1410ﻫ.

5. إرشاد الأذهان في تفسير القرآن، الشيخ محمّد بن حبيب السبزواريّ، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، ط الأولى، 1419ﻫ.

6. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان (قدس سره)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، المطبعة: خورشيد، ط الأولى،1390ﻫ.

7. إشارة السبق إلى معرفة الحقّ، الشيخ أبو الحسن علي بن الحسن بن أبي المجد الحلبيّ (قدس سره) (ت ق6)، تحقيق: جماعة من المحقّقين من مؤسّسة الإمام الصادق (علیه السلام)،

ص: 119

الناشر: مكتب انتشارات إسلامي - قم، ط الأولى، 1414ﻫ.

8. الأصفى في تفسير القرآن، المولى محمّد محسن الفيض الكاشاني (قدس سره) (ت1091ﻫ)، تحقيق: محمّد حسين الدرايتي ومحمّد رضا النعمتي، الناشر: مركز مكتب انتشارات إسلامي - قم، ط الأولى،

1418ﻫ.

9. الإقناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع، عبارته مأخوذة من نسخته الموجودة على موقع www.al-islam.com

10. الأمالي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، الناشر: دار الثقافة - قم، ط الأولى، 1414ﻫ.

11.الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت885ﻫ)، تحقيق محمّد حامد الفقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط الأولى، 1419ﻫ.

12.إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، فخر المحقّقين الشيخ أبو طالب محمّد ابن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت770ﻫ)، تعليق: السيّد حسين الموسوي الكرماني، الشيخ علي پناه الأشتهاردي، الشيخ عبد الرحيم البروجردي، المطبعة العلميّة - قم، ط الأولى، 1387ﻫ.

13.بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أبو الوليد محمّد بن أحمد بن محمّد بن أحمد بن رشد القرطبيّ الأندلسيّ (ابن رشد الحفيد) (ت595ﻫ)، تنقيح وتصحيح: خالد العطّار، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، سنة الطبع: 1415ﻫ.

14.البرهان في تفسير القرآن، السيّد هاشم البحراني (قدس سره) (ت1107ﻫ)، تحقيق: قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة - طهران، ط الأولى، 1416ﻫ.

ص: 120

15. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد (علیهم السلام)، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن فروخ الصفّار (قدس سره) (ت290ﻫ)، تصحيح وتعليق: الحاج ميرزا حسن كوجه باغي، الناشر: مكتبة آية الله المرعشيّ - قم، ط الثانية، 1404ﻫ.

16. البلاغ في تفسير القرآن بالقرآن، الشيخ محمّد الصادقيّ الطهرانيّ، الناشر: المؤلّف - قم، ط الأولى، 1419ﻫ.

17. تاج العروس من جواهر القاموس، محبّ الدين أبو فيض السيّد محمّد مرتضى الحسينيّ الواسطيّ الزبيديّ الحنفيّ (ت1205ﻫ)، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت، ط الأولى، 1414ﻫ.

18. تبيان الصلاة، تقريرات السيّد حسين البروجرديّ (قدس سره) (ت1380ﻫ)، بقلم الشيخ علي الصافي الكلبايكانيّ، الناشر: كنج عرفان للطباعة والنشر، ط الأولى، 1426.

19. التبيان في تفسير القرآن، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، الناشر: مكتب الإعلام الإسلاميّ، ط الأولى، 1409ﻫ.

20. تحرير الأحكام الشرعيّة على مذهب الإماميّة، الشيخ جمال الدين أبو منصور الحسن بن يوسف المطهّر المشهور ب-(العلّامة الحلّيّ) (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسّسة الإمام الصادق (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد - قم، ط الأولى، 1420ﻫ.

21. تذكرة الفقهاء، الشيخ جمال الدين أبو المنصور الحسن بن يوسف بن المطهّر المشهور ب-(العلّامة الحلّيّ) (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: مهر - قم، ط الأولى، 1414ﻫ.

22. بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاسانيّ الحنفيّ، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، 1982.

ص: 121

23. تفسير القمي، الشيخ أبو الحسن علي بن إبراهيم القمي (قدس سره)، تصحيح وتعليق: السيّد طيّب الموسويّ الجزائريّ، الناشر: مؤسسة دار الكتاب للطباعة والنشر - قم، ط الرابعة، 1367ﻫ.

24. تفسير المراغي، أحمد بن مصطفى المراغي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.

25. تفسير جوامع الجامع، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسيّ (قدس سره) (ت548ﻫ)، الناشر: مؤسسة انتشارات دانشكاه - طهران، ط الأولى، 1377ﻫ ش.

26. تفسير شاهي أو آيات الأحكام،

السيّد الأمير أبو الفتح الجرجاني (ت976ﻫ)، علّق عليه: الميرزا وليّ الله الأشراقي، الناشر: انتشارات نويد - طهران، ط الأولى، 1404ﻫ.

27. تقرير بحث السيد حسين البروجرديّ (قدس سره)، تقرير: الشيخ علي پناه الأشتهاردي، (ت1383ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الأولى، 1416ﻫ.

28. تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد هاشم رسولي المحلّاتيّ، الناشر دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط الرابعة، 1407ﻫ.

29. تهذيب اللّغة، أبو منصور محمّد بن أحمد بن الأزهر بن طلحة الأزهريّ الهرويّ، (ت370ﻫ)، تحقيق: محمّد عوض مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ، ط الأولى - بيروت.

30.ثواب الأعمال وعقاب الأعمال، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّيّ (قدس سره) (ت381ﻫ)، تقديم: السيّد محمّد مهدي السيّد حسن الخرسان، الناشر: منشورات الشريف الرضيّ - قم، المطبعة: أمير، ط الثانية،

ص: 122

1406ﻫ.

31.جامع الأخبار، الشيخ محمّد بن محمّد الشعيري (قدس سره) (ت ق 6)، الناشر: المطبعة الحيدرية - النجف الأشرف، ط: 1.

32.جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي (قدس سره)، (ت940ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط الثانية، 1414ﻫ.

33.الجامع للشرائع، الشيخ يحيى بن سعيد الحلّيّ (قدس سره) (ت689ﻫ)، تحقيق: جمع من الفضلاء، الناشر: مؤسسة سيّد الشهداء العلمية، المطبعة العلمية - قم، ط الأولى، 1405ﻫ.

34.جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنّة، محمّد ناصر الدين الألبانيّ، الناشر: المكتبة الإسلامية - عمان، ط الأولى، 1423ﻫ.

35.جمهرة اللّغة، أبو بكر محمّد بن الحسن بن دريد الأزديّ، (ت321ﻫ) الناشر: دار العلم للملايين - بيروت، ط الأولى.

36.جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمّد حسن النجفيّ (قدس سره) (ت1266ﻫ)، حقّقه وعلّق عليه: الشيخ عباس القوجانيّ، نهض بمشروعه الشيخ علي الآخونديّ، الناشر: دار إحياء التراث العربيّ، ط السابعة، 1404.

37.الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني (قدس سره) (ت1186ﻫ)، تصحيح: الشيخ محمّد تقي الإيرواني، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين - قم، ط الأولى، 1405ﻫ.

38.الخصال، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي الصدوق (قدس سره)، (ت381ﻫ)، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرسين - قم، 1403ﻫ.

ص: 123

39.خلاصة الأقوال في معرفة أحوال الرجال، العلّامة الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد صادق بحر العلوم، الناشر: دار الذخائر - النجف الأشرف، ط الثانية، 1411ﻫ.

40.الخلاف، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد علي الخراسانيّ والسيّد جواد الشهرستانيّ والشيخ مهدي طه نجف والشيخ مجتبى العراقيّ، الناشر: مكتب انتشارات إسلاميّ، ط الأولى، 1407ﻫ.

41.رجال ابن داود، تقي الدين الحسن بن علي بن داود الحلي (قدس سره) (ت707ﻫ)، الناشر: دانشكاه - طهران (منشورات الرضي)، ط الأولى، 1342ﻫ ش.

42.رجال الطوسي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الثالثة، 373 ﻫ ش.

43.الرجال، الشيخ أحمد بن الحسين بن عبيد الله بن إبراهيم أبي الحسين الواسطيّ البغداديّ (ابن الغضائريّ) (قدس سره) (ت ق5)، تحقيق: السيّد محمّد رضا الجلالي، الناشر: دار الحديث، المطبعة: سرور، ط الأولى، 1422ﻫ.

44.رسائل الشهيد الثاني، الشيخ زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني) (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق: الشيخ رضا مختاري والسيد حسين شفيعي، الناشر: مركز انتشارات إسلاميّ - قم، ط الأولى، 1421ﻫ.

45.الرسائل الفقهيّة، الشيخ محمّد إسماعيل بن الحسين بن محمّد رضا المازندرانيّ الخاجوئيّ (قدس سره) (ت1173ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الناشر: دار الكتب الإسلاميّ - قم، المطبعة: سيّد الشهداء (علیه السلام)، ط الأولى، 1411ﻫ،

46.روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، السيّد محمّد الآلوسيّ، تحقيق: علي عبد الباري عطيّة، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، ط الأولى، 1415ﻫ.

ص: 124

47. رياض المسائل، السيّد علي الطباطبائيّ (قدس سره) (ت1231ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) - قم، ط الأولى، 1418ﻫ.

48. الزاهر في معاني كلمات الناس، أبو بكر محمّد بن القاسم بن محمّد بن بشار بن الأنباري (ت328ﻫ)، تحقيق: الدكتور حاتم صالح الضامن، الناشر: مؤسّسة الرسالة - بيروت، ط الأولى، 1992ﻫ.

49. زبدة البيان في أحكام القرآن، الشيخ أحمد بن محمّد (المقدّس الأردبيلي) (قدس سره) (ت993ﻫ)، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفرية - طهران، ط الأولى.

50. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّيّ (قدس سره) (ت598ﻫ)، تحقيق: لجنة التحقيق، طبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط الثانية، 1410ﻫ.

51. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن (المحقّق الحلّيّ) (قدس سره) (ت676ﻫ)، تصحيح: عبد الحسين محمّد علي البقّال، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان، ط الثانية، 1408ﻫ.

52. الشرح الكبير على متن المقنع، شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة (ت682ﻫ)، تحقيق جماعة من العلماء، الناشر: دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع - بيروت، الطبعة الجديدة بالأوفست.

53. شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم، نشوان بن سعيد الحميري (ت573ﻫ)، تحقيق: مطهّر بن علي الإرياني ويوسف محمّد عبد الله وحسين بن عبد الله العمريّ، الناشر: دار الفكر - دمشق، ط الأولى.

54. الصحاح تاج اللّغة وصحاح العربيّة، إسماعيل بن حمّاد الجوهريّ، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطّار، الناشر: دار العلم للملايين - بيروت ط الرابعة، 1987ﻫ.

ص: 125

55. العروة الوثقى المحشّى، تصحيح: الشيخ أحمد المحسنيّ السبزواريّ، الناشر: انتشارات إسلاميّ - قم، ط الأولى، 1419ﻫ.

56. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائي اليزديّ (قدس سره) (ت1337 ﻫ)، الناشر: مؤسسة كاشف الغطاء.

57. علل الشرائع، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ (الصدوق) (قدس سره) (ت381ﻫ)، الناشر: كتابروشي داوري - قم، ط الأولى سنة 1385ﻫ ش.

58. عيون أخبار الرضا، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ (الصدوق) (قدس سره) (ت381ﻫ)، تحقيق مهدي الحسيني اللاجوردي، الناشر: نشر جهان - طهران، ط الأولى، 1378ﻫ.

59. غريب الحديث، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمّد ابن الجوزي، تحقيق: الدكتور عبد المعطي أمين القلعجي، دار الكتب العلمية - بيروت، ط الأولى، 1985.

60. الفائق في غريب الحديث، جار الله محمود بن عمر الزمخشريّ (ت583ﻫ)، مع حواشي إبراهيم شمس الدين، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، ط الأولى.

61. فقه القرآن، قطب الدين أبو الحسين سعيد بن هبة الله الراونديّ (ت573ﻫ)، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ، الناشر: مكتبة آية الله العظمى النجفيّ المرعشيّ، ط الثانية، 1405ﻫ.

62. فقه اللّغة، عبد الملك بن محمّد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي، (ت430ﻫ)، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، ط الأولى.

63. فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي)، الشيخ الجليل أبو العباس أحمد

ص: 126

ابن علي بن أحمد بن العباس النجاشي الأسدي الكوفي (قدس سره) (ت450ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، ط السادسة، 1365ﻫ ش.

64.الفهرست، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق السيّد عبد العزيز الطباطبائي، الناشر: مكتبة المحقّق الطباطبائي - قم، ط الأولى، 1420ﻫ.

65.القاموس الفقهي لغة واصطلاحاً، سعدي أبو حبيب، الناشر: دار الفكر - دمشق، ط الثانية، 1408ﻫ.

66.القاموس المحيط، مجد الدين أبي طاهر محمّد بن يعقوب بن محمّد بن إبراهيم بن عمر الشيرازي الفيروز آبادي، (ت817ﻫ)، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، ط الأولى.

67.قرب الإسناد، الشيخ أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري (قدس سره) (ت304ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، ط الأولى، 1413ﻫ.

68.قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام، الشيخ أحمد الجزائري (ت1151ﻫ)، الناشر: مكتبة النجاح، مطبعة الآداب - النجف الأشرف.

69.قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف ابن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الأولى، 1413ﻫ.

70.الكافي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني الرازي (قدس سره) (ت329ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاريّ، نهض بمشروعه: الشيخ محمّد الآخونديّ، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، ط الرابعة، 1407ﻫ.

71.كتاب الصلاة، تقريرات السيّد محمّد باقر المشهور ب-(المحقّق الداماد) (قدس سره)،

ص: 127

(ت1041ﻫ)، تقرير: الشيخ عبد الله الجواديّ الطبريّ الآمليّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الثانية، 1416ﻫ.

72.كتاب العين، أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد الفراهيديّ، تحقيق: الدكتور مهدي المخزوميّ والدكتور إبراهيم السامرائيّ، الناشر: مؤسّسة دار الهجرة - قم، ط الثانية.

73.كتاب النكاح (بالفارسي)، السيّد موسى الشبيريّ الزنجانيّ، تحقيق: جماعة من المؤسّسة، الناشر: مؤسّسة بژوهشي راي برداز - قم، ط الأولى، 1419ﻫ.

74.كتاب النكاح، الشيخ مرتضى الأنصاريّ (قدس سره) (ت1281ﻫ)، الناشر: المؤتمر العالميّ بمناسبة الذكرى المئويّة الثانية لميلاد الشيخ الأنصاريّ، المطبعة: باقري - قم، ط الأولى، 1415ﻫ.

75.الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، (ت538ﻫ)، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، ط الثالثة، 1407ﻫ.

76.كشف اللثام والإبهام عن قواعد الأحكام، الشيخ بهاء الدين محمّد بن الحسن الأصفهاني (الفاضل الهندي) (قدس سره) (ت1137ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، ط الأولى،1416ﻫ.

77.كفاية الفقه ب-(كفاية الأحكام)، الشيخ محمّد باقر السبزواريّ (قدس سره) (ت1090ﻫ)، تحقيق: الشيخ مرتضى الواعظيّ الأراكيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الأولى، 1423ﻫ.

78.كنز العرفان في فقه القرآن، الشيخ جمال الدين المقداد بن عبد الله السيوري (قدس سره)، (ت826ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد القاضي، الناشر: مجمع جهاني تقريباً مذاهب

ص: 128

إسلاميّ، ط الأولى، 1419ﻫ.

79. لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين محمّد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، الناشر: دار الفكر للنشر والتوزيع - بيروت، ط الثالثة.

80. اللّمعة الدمشقيّة، الشيخ محمّد بن جمال الدين مكّي العامليّ (الشهيد الأوّل) (قدس سره)، تحقيق الشيخ رضا مختاري والسيّد حسين الشفيعي، الناشر: دار التراث، الدار الإسلاميّة، ط الأولى، 1410ﻫ.

81. مباني العروة الوثقى كتاب النكاح، السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره)، نشر: مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي، ط الثالثة، 1428ﻫ.

82. المبسوط في فقه الإماميّة، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسيّ (قدس سره)، (ت460ﻫ)، تصحيح وتعليق: السيد محمّد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضويّة لإحياء الآثار الجعفريّة، المطبعة الحيدريّة - طهران، ط الثالثة، 1387ﻫ.

83. متشابه القرآن ومختلفه، الشيخ محمّد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (قدس سره)، الناشر: انتشارات بيدار - قم، ط الأولى، 1410ﻫ.

84. مجمع الأمثال، أبو الفضل أحمد بن محمّد النيسابوري (الميداني)، تحقيق: محمّد محي الدين عبد الحميد، الناشر: دار المعرفة - بيروت.

85. مجمع البحرين، الشيخ فخر الدين الطريحيّ (قدس سره) (ت1085ﻫ)، تحقيق: السيّد أحمد الحسينيّ الأشكوريّ، الناشر: المرتضويّ، ط الثالثة، 1375ش.

86. مجمع البيان، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسيّ (قدس سره) (ت548ﻫ)، تحقيق مع مقدّمة الشيخ محمد جواد البلاغي، الناشر: انتشارات ناصر خسرو - طهران، ط الثالثة، 1372ﻫ ش.

87. المجموع شرح المهذَّب، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النوويّ (ت676ﻫ)،

ص: 129

الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر.

88. المحاسن، الشيخ أبو جعفر أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (قدس سره) (ت274ﻫ)، تحقيق: السيّد جلال الدين الحسينيّ (المحدّث)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - قم، ط الثانية، 1417ﻫ.

89. المحكم والمحيط الأعظم، أبو الحسن علي بن إسماعيل المرسي المشهور ب-(ابن سيده)، تحقيق: عبد الحميد هنداوي، الناشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، ط الأولى، 2000.

90. المحلّى، أبو محمّد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم (ت456ﻫ)، الناشر: دار الفكر، الطبعة المصحّحة بمقابلتها على النسخة التي صحّحها الأستاذ الشيخ أحمد محمّد شاكر.

91. المحيط في اللّغة، إسماعيل بن عبّاد بن العبّاس المشهور ب-(الصاحب بن عبّاد)، (ت385ﻫ)، تحقيق: محمّد حسن آل ياسين، الناشر: عالم الكتب - بيروت، ط الأولى،.

92. المخصَّص، أبو الحسن علي بن إسماعيل النحويّ اللّغويّ الأندلسيّ (ابن سيده)، (ت458ﻫ)، تحقيق ونشر: دار إحياء التراث العربيّ - بيروت.

93. مدارك العروة، الشيخ علي پناه الاشتهاردي، دار الأسوة للطباعة والنشر - طهران، ط الأولى، سنة 1417ﻫ

94. مرآة العقول، العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسيّ (قدس سره) (ت1111ﻫ)، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان (قدس سره)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: مروي، ط الثانية، سنة 1404ﻫ.

95.مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، الشيخ جواد الكاظميّ (قدس سره) (ت ق11)، علّق

ص: 130

عليه وأخرج أحاديثه: الشيخ محمّد باقر شريف زاده، الناشر: المكتبة المرتضويّة، المطبعة: چاپخانه حيدريّ، ط الثانية، 1365ﻫ ش.

96.مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشيخ زين الدين بن علي العامليّ (الشهيد الثاني) (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قم، المطبعة: بهمن، ط الأولى، 1413ﻫ.

97.مستمسك العروة الوثقى، السيّد محسن الطباطبائيّ الحكيم (قدس سره) (ت1404ﻫ)، الناشر: مؤسّسة دار التفسير - قم، ط الأولى 1416ﻫ.

98.مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الشيخ أحمد بن محمّد مهدي النراقي (قدس سره) (ت1245ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: ستارة - قم، ط الأولى، 1415ﻫ.

99.المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، أحمد بن محمّد بن علي المقري الفيّوميّ (ت770ﻫ)، الناشر: مؤسّسة دار الهجرة - قم، ط الثانية.

100. معجم مقاييس اللّغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا (ت395ﻫ)، تحقيق: عبد السلام هارون، الناشر: مكتبة الإعلام الإسلاميّ - قم، ط الأولى.

101. المغرب في ترتيب المعرب، ناصر الدين بن عبد السيّد أبي المكارم ابن علي المطرزي المشهور ب-(أبي الفتح)، (ت610ﻫ)، تحقيق: محمود فاخوري عبد الحميد المختار، الناشر: مكتبة أسامة بن زيد - حلب، ط الأولى.

102. مفردات ألفاظ القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمّد المشهور ب-(الراغب الأصفهانيّ)، (ت425ﻫ)، تحقيق: صفوان عدنان داوودي، الناشر: دار العلم - بيروت، ط الأولى.

103. المقنع، الشيخ أبو جعفر الصدوق محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّيّ (قدس سره)

ص: 131

(ت381ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة الإمام الهادي (علیه السلام)، المطبعة: اعتماد، ط الأولى، 1415ﻫ.

104. المقنعة، الشيخ أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبريّ البغداديّ (المفيد) (قدس سره) (ت413ﻫ)، الناشر: كنكرة جهاني هذاره الشيخ مفيد، ط الأولى، 1413ﻫ.

105. مكارم الأخلاق، الشيخ رضي الدين أبو نصر الحسن بن الفضل الطبرسيّ (قدس سره) (ت548ﻫ)، الناشر:

منشورات الشريف الرضي - قم، ط الرابعة سنة 1412ﻫ.

106. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمّيّ (قدس سره) (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاريّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الثانية، 1413ﻫ.

107. منتهى الطلب من أشعار العرب، محمّد بن مبارك البغداديّ.

108. المهذَّب، الشيخ عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسيّ (ت481ﻫ)، إعداد مؤسّسة سيّد الشهداء العلميّة، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم، ط الأولى، 1406ﻫ.

109. المؤتلف من المختلف بين أئمّة السلف، الشيخ فضل بن الحسن الطبرسيّ (قدس سره) (ت548ﻫ)، تحقيق: جمع من الأساتذة، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة، ط الأولى، 1410ﻫ.

110. موسوعة السيّد الخوئي (قدس سره)، تحقيق ونشر: مؤسّسة إحياء آثار الإمام الخوئي (قدس سره) - قم، ط الأولى، 1418ﻫ.

111. الميزان في تفسير القرآن، السيّد محمّد حسين الطباطبائي (قدس سره)، (ت1402ﻫ)، تحقيق: جماعة من المؤسّسة، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلامي - قم، ط الخامسة،

ص: 132

1417ﻫ.

112. النجعة في شرح اللمعة: الشيخ محمّد تقي التستريّ (قدس سره)، (ت1416ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة البعثة، الناشر: كتابفروشي صدوق - طهران، ط الأولى، 1406ﻫ.

113. النكت العصرية في أخبار الوزراء المصريّة، عمارة بن علي بن الدين، المصحّح: هرتويغ درلبرغ، الناشر: مطبعة قرشق - شالون باريس، 1897م.

114. نهاية التقرير، السيّد حسين الطباطبائيّ البروجرديّ (قدس سره) (ت1383ﻫ)، تقرير: الشيخ محمّد فاضل الموحديّ اللنكرانيّ، الطبع سنة 1428.

115. نهاية المرام، السيّد محمّد العامليّ (صاحب المدارك) (قدس سره) (ت1009ﻫ)، تحقيق: الشيخ مجتبى العراقيّ، الشيخ علي پناه الاشتهارديّ، الشيخ حسين اليزديّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الأولى، 1413ﻫ.

116. النهاية في غريب الحديث والأثر، مجدّ الدين ابن الأثير، (ت606ﻫ)، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، محمود محمّد الطناحي، الناشر: مؤسّسة إسماعيليان - قم، ط الرابعة، 1367ش.

117. النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، الناشر: دار الكتاب العربي، ط الثانية، 1400ﻫ.

118. نهج البلاغة من كلام مولانا أمير المؤمنين، جمع: أبو الحسن السيّد محمّد بن الحسين بن موسى المشهور ب-(الشريف الرضي)، (ت406ﻫ)، تحقيق: صبحي صالح، الناشر: دار الكتاب المصري، ط الرابعة.

119. الوافي، الشيخ محمّد محسن (الفيض الكاشاني) (قدس سره) (ت1091ﻫ)، تحقيق: ضياء الدين الحسينيّ، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) - أصفهان، ط الأولى، 1406ﻫ.

ص: 133

120. تفصيل وسائل الشيعة إلى مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (قدس سره) (ت1104ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، ط الأولى، 1409ﻫ.

121. وسيلة النجاة (مع حواشي السيّد الخمينيّ)، الناشر: مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخمينيّ، ط الأولى 1422ﻫ.

ص: 134

حجّيّة الوجدان - الشّيخ محمّد أمجد رياض (دام عزه)

اشارة

إنّ لموضوع البحث أهميّة تأتي من كثرة استخدام الوجدان في المباحث الأصوليّة والفقهيّة، وكونه بشكل يُشعر بالتسالم على حجّيّته.

وما بين يديك - عزيزي القارئ - يبحث في حقيقة الاستدلال بالوجدان وحجّيّته.

ص: 135

ص: 136

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربّ العالمين والصّلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وعلى آله الطّيّبين الطّاهرين واللّعنة الدّائمة على أعدائهم أجمعين.

وبعد، فإنّ ما دفعني للبحث عن (حجّيّة الوجدان) هو أهمّيّته الناشئة من كثرة استخدام الوجدان في المباحث الأصوليّة والفقهيّة، وكون استخدامه بشكل يشعر بالتسالم على حجّيّته، مع ما انقدح في نفسي من تساؤل حول المسألة بفضل تنبيهات بعض أساتذتي. وبدأت أخوض في المسألة وأعيد فيها الفكر وألاحظها عند مطالعتي لكتب الفقه والأصول حتّى استقرّ في الذهن شيءٌ أردتُ أن لا يكون حاسماً حتّى أبحث المسألة بحثاً مستقلّا ً مستقصياً ما يمكن تعلّقه بها؛ لكي يكون ما أتبنّاه فيها عن بحثٍ وافٍ بالموضوع، والله وليّ التوفيق.

وقبل الدخول في صلب البحث لا بُدَّ من توضيح وتحرير محلّ البحث، وذلك في مقدّمتين:

الأولى: توضيح مفردات عنوان البحث لغةً واصطلاحاً.

الأخرى: في الاستخدام الأصوليّ للوجدان.

ص: 137

المقدّمة الأولى: توضيح مفردات عنوان البحث..

يتضمّن عنوان البحث مفردتين هما: (الحجّيّة) و(الوجدان).

والمراد من (الحجّة) لغة: (وجه الظفر عند الخصومة، الفعل حاججته فحججته، واحتججت عليه بكذا)(1).

وأمّا المعنى الاصطلاحي فإنّ لهم إطلاقات متعدّدة:

منها: المنجِّز والمعذِّر، كما في قولهم: (القطع حجّة) أي أنّه معذّر للعبد في علاقته مع مولاه، ومنجّز للمولى في إلزامه به.

ومنها: الكاشفيّة المعتبرة في مثل قولهم: (العام المخصَّص حجّة في غير مورد التخصيص)، أو (أنّ أصالة الظهور حجّة).

والذي نريده من الحجّيّة هنا هو المعنى الثاني، أي هل الوجدان كاشف معتبر أم لا؟ وسيأتي بيان وجه هذا الاختيار.

وأمّا (الوجدان) فالمراد منه لغة الإصابة، قال الخليل: (الوجدان والجِدَة من قولك: وجدت الشيء، أي أصبته)(2). وفسَّر الزبيديّ الإصابة بأنّها: (الوجدان)(3).

وأمّا المعنى الاصطلاحي فله معنيان نتعرّض لهما إجمالاً:

1. الإحراز الوجداني الذي يستخدم في قبال الإحراز التعبّديّ، والمقصود منه الإحراز بطريق القطع الحقيقيّ في قبال الإحراز بالأمارات ونحوها، كما ذكره السيّد

ص: 138


1- العين: 3/ 10.
2- العين: 6/ 169.
3- تاج العروس: 2/ 154.

الصدر (قدس سره): (فالمعروف بين المحقّقين أنَّه متى كان الموضوع مركّباً وافترضنا أنَّ أحد جزئيه محرز بالوجدان أو بتعبّدٍ ما فبالإمكان إجراء الاستصحاب في الجزء الآخر)(1).

2. وهو إجمالاً ما يجده الشخص من نفسه عند مراجعتها في أمر ما، كما لو عُرِض عليه مسألة ادّعي تحقّقها عرفاً فيراجع وجدانه، فيرى - بالاستناد إلى وجدانه - أنّها عرفيّة، وهذا المعنى هو الذي يشيع استخدامه في علم الأصول، خصوصاً في مقام ذكر الأدلّة على المسائل(2).

ثُمَّ إنّ للوجدان نحوين، وجدان شخصيّ، وهو ما مرّ بيانه، ووجدان عام، وهو إجمالاً الوجدان الذي يشترك فيه نوع البشر أو المتحاورون أو العرف، وسيأتي بيانٌ تفصيليٌّ لحقيقته.

المقدّمة الأخرى: الاستخدام الأصوليّ للوجدان

اشارة

وهي في بيان كيفيّة استخدام الوجدان، وبيان موارد استخدامه والاستناد إليه عند الأصوليين، وهي مقدّمة دخيلة في تصوّر موضوع البحث، تساعد على الوصول إلى صورة أوضح عن التطبيق العملي لهذا الدليل، ويقع الكلام في ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: في بيان كيفيّة استخدام الوجدان

يستخدم الوجدان الشخصيّ كدليل محرِز يُحرَز به الوجدان النوعيّ تارة، وعناوين كحكم العرف أو الظهور أو التبادر أو حكم العقل من تحسين أو تقبيح تارة أخرى.

ص: 139


1- دروس في علم الأصول: 3/ 201. ويلاحظ أيضاً: مقالات الأصول: 2/17، فوائد الأصول: 3/ 383، درر الفوائد: 2/ 331.
2- يلاحظ: هداية المسترشدين: 1/ 226، الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 20، فرائد الأصول: 1/ 521، كفاية الأصول: 97، مقالات الأصول: 1/ 334.

ولبيان ذلك نقول: إنّ الأساليب الإحرازيّة بشكل عامّ متنوعة..

منها: الإحراز الحسّيّ، كما لو أردت معرفة هطول المطر، فتستخدم الحاسّة الباصرة أو السامعة.

ومنها: الإحراز بالاستقراء، كما لو أردت معرفة تأثير مادّة معيّنة في جسم الإنسان، فتستقرئ موارد استخدامها.

ومنها: الإحراز المنطقيّ، كما في موارد استخدام الأقيسة المنطقيّة؛ لاستخراج القواعد الكلّيّة.

هذا بشكل عامّ، وأمّا في محلّ كلامنا وهو إحراز المواضيع التي نحتاج لإحرازها فهناك أساليب متعدّدة له، فلإحراز الظهور الشخصيّ - مثلاً - يمكنك أن تعرض الكلام على شخص فترى ما يستظهره، ويمكنك أن تستخدم وجدانك فتعرف الظهور الشخصيّ، فتقول: هذا ما أجده في وجداني من ظهور لهذا الكلام.

وكذا في إحراز حكم العرف في مورد ما مثلاً، فكما يمكن أن تستخدم القرائن وقوانين الأحكام العرفيّة والشواهد يمكنك أن تستخدم وجدانك لمعرفة حكم العرف، فقد تُسأل في مورد عن حكم أنّه ما أدراك أنّ العرف يحكم بذلك؟ فتجيب: الوجدان، ولمكان استخدامه كمحرِز يقع في بعض تعبيراتهم - كما سنعرضها فيما يأتي - التعبير عن الوجدان ب-(الحسّ الباطنيّ).

ومن ثَمَّ فإنّ الوجدان حين يستخدم تارة يعبّر عنه بشكل صريح. وأخرى يستخدم ويعبّر عنه باسم (المحرز)، فيذكر أنّ العرف يحكم وأنّ الظاهر كذا، والمستخدم في الحقيقة هو الوجدان، وتدلّ على ذلك قرائن سيأتي تفصيلها.

ص: 140

القسم الثاني: في موارد استخدام الوجدان

والاستخدام الأصوليّ للوجدان شائع جدّاً بشكل صريح، أو غير صريح فيعبّر عنه بتعبيرات أُخر كما أسلفنا، وموارد الاستعمال عديدة منها..

أ. استخدام الوجدان في إحراز الواقع، كوجود أمر في نفس الإنسان، وإحراز الأمور العرفيّة كالاختلاف بين شيئين، وطريقة العرف في التعامل مع أمر.. وما إلى ذلك. وعادة ما يذكر بشكل صريح في هذه الاستخدامات.

قال صاحب الفصول (قدس سره): (وحيث إنّ المطلوب بالمقدّمة مجرّد التوصّل بها إلى الواجب وحصوله فلا جرم يكون التوصّل إليه وحصوله معتبراً في مطلوبيّتها، فلا تكون مطلوبة إذا انفكّت عنه، وصريح الوجدان قاضٍ بأنّ من يريد شيئاً لمجرّد حصول شيء لا يريده..)(1)، وغيرها من الموارد(2).

ب. استخدام الوجدان في الشؤون اللفظيّة، كإحراز الظهور في بعض موارد الاستعمال، وكذا في مفاد الصيغ ونحوها، وكذا في إحراز المعنى الوضعيّ، فيستخدم تارةً: ويذكر بشكل صريح كما ذكره السيّد الخوئي (قدس سره) بقوله: (من أنَّ أخذ مفهوم الشيء في المفاهيم الاشتقاقيّة يستلزم تكرّر الموضوع في قضيّة زيد قائم، والإنسان كاتب وما شاكلهما، والتكرّر خلاف الوجدان والمتفاهم عرفاً من المشتقّات عند استعمالاتها في الكلام)(3).

وتارةً أخرى: يستخدم في إحراز التبادر أو لإحراز الظهور العرفيّ للكلام حيث

ص: 141


1- الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 86.
2- يلاحظ: الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 299، فرائد الأصول: 1/ 521، 579، 378.
3- محاضرات في أصول الفقه: 1/ 306.

يذكر بعنوان (الُمحرَز)، كما أشار إلى هذا النوع السيّد الصدر (قدس سره) في بحوثه(1).

ولا يبعد كون هذا النوع من أساليب الإحراز المعروفة في علم الأصول، وسيأتي تفصيل الكلام في هذه النقطة(2).

ج. استخدام الوجدان في موارد التحسين والتقبيح العقليّين، أي في إحراز كون شيء واجباً أو قبيحاً أو ممّا يحسن فعله أو ممّا يذمّ فاعله، كما قال المحقّق الآخوند (قدس سره): (لا شبهة في أنّ القطع يوجب استحقاق العقوبة على المخالفة والمثوبة على الموافقة في صورة الإصابة، فهل يوجب استحقاقها في صورة عدم الإصابة على التجرّي بمخالفته واستحقاق المثوبة على الانقياد بموافقته أو لا يوجب شيئاً؟ الحقّ أنَّه يوجبه لشهادة الوجدان بصحّة مؤاخذته وذمّه على تجرّيه)(3).

القسم الثالث: في نوع الوجدان المستخدم

إنّ الوجدان الذي يشيع استخدامه في الأصول والفقه هو الوجدان الشخصيّ، وحين يطلق الوجدان فإنّ المستخدَم يكون الشخصيّ منه - إذ يجوز أن يقصد منه الوجدان النوعيّ عند الإطلاق - هذا كأصل أوّلي، إلّا إذا قامت قرينة على خلاف ذلك.

لكن قد يتساءل فيقال: لعلّهم حين ذِكر الوجدان يقصدون الوجدان النوعيّ ويكون إحرازه على عهدتهم، أي ما الذي يدلّ على كونهم يستخدمون وجدانهم

ص: 142


1- يلاحظ: بحوث في علم الأصول: 1/ 292-293، 4/ 166-167.
2- يلاحظ: لاستخدام الوجدان في الشؤون اللفظيّة عموماً الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 93، 198، 209، درر الفوائد: 1/60، مقالات الأصول: 1/ 87، 90.
3- كفاية الأصول: 259. ويلاحظ غيرها من الموارد: فرائد الأصول: 2/ 125، كفاية الأصول: 268، 343، مقالات الأصول: 2/ 13.

الشخصيّ في تلك الموارد التي يدّعون قيام الوجدان فيها؟

فيجاب ب-: أنّ الذي يظهر كونه المستخدم حين الاستدلال بالوجدان - بحسب الحالة الأوّليّة - هو الوجدان الشخصيّ، وكذا في موارد ادّعاء حكم العقل والعرف والظهور والتبادر - بدون ذكر دليل - فإنّه وإن لم يصرّح بكون الدليل هو الوجدان الشخصيّ في هذه الموارد إلّا أنّه ظاهراً كذلك، وتدلّ على ذلك قرائن، هي:

1- إنّ الاحتمال المقابل لرجوعه إلى وجدانه الشخصيّ هو الرجوع لقرائن، أو الرجوع إلى المتابعة والاستقراء لتحصيل الظهور أو حكم العرف وما إلى ذلك، إلّا أنّ مثل ذلك ممّا لا يترك ذكره عادة، فالملاحظ أنّهم يشيرون إلى القرائن والشواهد عند تحصيلها ممّا يدلّ على أنّهم لو لم يذكروها رجعوا إلى وجدانهم.

قال السيّد المجدّد الشيرازيّ (قدس سره): (ونحن لمّا علمنا من وجداننا ومن العرف - أيضاً - جواز سلب الضارب عمّن انقضى عنه الضرب..)(1) ممّا يدلّ على أنّه زيادة على مراجعة وجدانه راجع العرف، وذكر صاحب الفصول (قدس سره): (فإن قيل: يمكن العلم بصحّة الاستعمال على الوجه المذكور بمراجعة الوجدان، أو بملاحظة محاورات أهل اللسان)(2) والعطف ب-(أو) دليل المغايرة، وكذا ما ذكره المحقّق الخراساني (قدس سره) في (الجهة الثالثة: لا يبعد كون لفظ الأمر حقيقة في الوجوب لانسباقه عنه عند إطلاقه ويؤيّده قوله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾، وقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): (لولا أن أشقّ على أمّتي لأمرتهم بالسواك)، وقوله (صلی الله علیه و آله و سلم): لبريرة بعد قولها: أتأمرني يا رسول الله؟ (لا بل إنَّما أنا

ص: 143


1- تقريرات المجدّد الشيرازيّ: 1/ 266.
2- الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 38.

شافع) إلى غير ذلك، وصحّة الاحتجاج على العبد ومؤاخذته بمجرّد مخالفة أمره وتوبيخه على مجرّد مخالفته كما في قوله تعالى: ﴿مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ﴾)(1) حيث إنّه (قدس سره) استدلّ بالتبادر وأيّده بشواهد من الآيات والروايات وأمثلة أخرى(2).

2. إنّ السيّد الصدر (قدس سره) قال: (أو كان من باب الخلاف في استظهارات عرفيّة قد لا يمكن تخريج نكات موضوعيّة لها كما نصنع ذلك في أكثر الاستظهارات) بعد أن ذكر (أنَّ جملة من الخلافات ترجع إلى نكات ذاتيّة)(3) وهو يدلّ على أن أكثر الاستظهارات هي عبارة عن استظهارات شخصيّة - والتي هي استخدام للوجدان الشخصيّ في إحراز الظهور كما سيتبيّن(4) - لا ترجع إلى أمور موضوعيّة من قبيل الاستقراء أو مراجعة فهم العقلاء بطرق معيّنة. وسيأتي التعرّض لكلامه (قدس سره) بشيء من التفصيل.

3. ما يُذكر تفسيراً لبعض التعبيرات، مثل (العرف ببابك) ونحوها ممّا يدلّ على أنّ المراد بالعرف وأشباهه من استخدامات الوجدان ما هي إلّا مراجعة الشخص لنفسه، قال المحقّق النائينيّ (قدس سره): (بل العرف ببابك، فهل ترى من نفسك اختلاف تصدّي نفسك وحملتها نحو ما كان في منتهى درجة المصلحة...)(5) حيث شرح قوله: (العرف ببابك) بإرجاع الأمر إلى نفس المخاطب - أي وجدانه الشخصيّ - مع أنّه لو كان المقصود هو المراجعة الاستقرائيّة لما كان هنالك وجه للإرجاع إلى النفس.

ص: 144


1- كفاية الأصول: 63.
2- وكذا يلاحظ: كفاية الأصول: 344.
3- بحوث في علم الأصول: 4/ 19.
4- سيأتي في صفحة: 155.
5- فوائد الأصول: 1-2/ 135.

4. ما ذكر في وقاية الأذهان في مناقشة المحقّق الخراسانيّ (قدس سره): (فهل يشكّ المنصف الذي لم يفسد وجدانه بمزاولة الشبهات)، وكذا قوله: (فراجع وجدانك وأنصف)(1) ممّا يدلّ على نسبة الوجدان إلى الشخص يقتضي أن يكون المناط في تحقيق دليل الوجدان هو الوجدان الشخصيّ. ونحوه ما ورد في مواضع أُخر من وقاية الأذهان(2)، وغيرها(3).

والظاهر أنَّ المقصود بالوجدان عند إضافته إلى المخاطب هو نفس الوجدان عند إطلاقه؛ إذ يستخدم في نفس موارد استخدام الوجدان المطلق، ولو كان له معنى مغاير لتعرّض له.

5. ما ذكره صاحب المنتقى (قدس سره) في مناقشة بعض الأدلّة: (أمّا الوجه الأوَّل والثاني فهما وجهان يرجعان إلى تحكيم الوجدان؛ لذلك كانت المناقشة فيهما سهلة، لإمكان إنكار التبادر وصحّة السلب ودعوى العكس، وأنّ المتبادر هو الأعمّ كما حدث فعلاً؛ فقد جاء في استدلال الأعمّي على دعواه ادعاء التبادر وعدم صحّة السلب. وعليه فالالتزام بأحد الطرفين ممّا لا يمكن الجزم به وفرضه، بل أمر يوكل إلى ما يلمسه وجدان كلّ فرد من أهل العرف)(4). وهذا المقطع قويّ الدلالة على ما ذكرناه؛ حيث ذكر أنّ مناقشة الوجه الوجدانيّ أمر سهل، إذ يقابل وجدان المدّعي بوجدان المناقِش، ممّا يعني أنّ الوجه الوجدانيّ المراد به وجدان المدّعي. وكذا ما ذكره من إحالة الأمر إلى

ص: 145


1- وقاية الأذهان: 262 و265.
2- يلاحظ: وقاية الأذهان: 112، 375.
3- يلاحظ: مصباح الفقيه: 3/ 113، فوائد الأصول: 1-2/ 124، أجود التقريرات: 2/ 359.
4- منتقى الأصول: 1/ 261.

وجدان كلِّ فرد، فإنّه يفيد أنّ المعتبر في الاستدلال بالوجدان ما يلمسه صاحب الوجدان.

6. إنّه من المستبعد أن يكون المقصود بالوجدان هو الدليل الاستقرائي، أو أيّ نحو آخر غير الرجوع إلى الوجدان الشخصيّ؛ إذ لم يظهر أنّ التعبير بالوجدان عن الدليل الاستقرائي أو أي نحو آخر أنّه تعبير متعارف، حتّى يستخدم ويعوّل في فهمه على معهوديّته في الأذهان، مع ما عرفت فيما سبق أنّ مثل المتابعة والظفر بالشواهد والمؤيّدات ممّا لا يترك ذكره عادة كي نفترض أنّهم يذكرون الوجدان فقط ويريدون به ذلك.

وحاصل الأمر: أنّ المستخدم في إحراز العرف والظهور والوجدان والتحسين والتقبيح ونحوه من التعبيرات هو الوجدان الشخصيّ ما لم تقم على خلاف ذلك قرينة.

تحرير محلّ النزاع..

بعد أن تمّ بيان معاني (الحجّيّة) و(الوجدان)، وأنواعه، واستخدامه العلميّ، لا بُدَّ من بيان المراد والمقصود في محلّ البحث فنقول..

إنّ محلّ البحث هل أنّ الوجدان الشخصيّ كاشف معتبر أم لا؟ وبتعبير آخر هل هو طريق معتبر للوصول إلى الواقع أم لا؟

ومعنى ذلك أنّا اخترنا من معاني الوجدان: الشخصيّ، ومن معاني الحجّيّة: الكاشفيّة.

ووجه الاختيار الأوّل: أنّه قد مرّ أنّ للوجدان نوعين: وجدان شخصيّ وآخر عامّ، وحيث إنّ الوجدان العام يمثّل تطابق وجدان عامّة البشر أو نوعهم على أمرٍ، كتطابقهم على مفاد صيغة معيّنة - مثلاً - فيستشعرون بوجدانهم أمراً مشتركاً فيمثّل هذا الأمر

ص: 146

المشترك حينئذٍ الظهور العرفيّ للصيغة، وكذا لو استشعروا قبح أمرٍ ما فيكون قبيحاً عند العقلاء، فالوجدان العام المتعلق بأمرٍ ما يمثّل الموضوع المراد إحرازه كالعرف والظهور والقبح والحسن - حيث إنّ ما يجدونه من أنفسهم هو الموضوع، أي إمّا عرفيّة الشيء أو قبحه أو ظهوره - فلا محلّ للبحث عنه هنا.

ووجه الاختيار الآخر - وهو الكاشفيّة من معاني الحجّيّة، حيث إنّه قد مرّ أنَّ لها معنيين، وهما: المنجّزيّة والمعذّريّة، والكاشفيّة - أنّ حجّيّة الوجدان لو تمّت فهي من قبيل الطرق والأدلّة المحرزة، فالبحث عن حجّيته هو البحث عن أنّ كاشفيّته معتبرة أو غير معتبرة، ولذا فإنّ التقريبات التي سنذكرها تركّز على اعتبار كاشفيّة الوجدان.

وبتعبير آخر: إنّ المنجّزيّة والمعذّريّة لو ثبتت للوجدان فهي تثبت من جهة اعتبار كاشفيّته فيعود الأمر بالأخير للحجّيّة بمعنى الكاشفيّة؛ وذلك لأنّ الدليل على حجّيته يكون مفيداً لاعتبار كاشفيّة الوجدان وكونه دليلاً محرزاً معتبراً.

القول بالحجّيّة وتقريباته

اشارة

إنّ الوجدان مع كثرة الاستناد إليه والاستدلال به - كما مرّ بعض شواهده - لم أجد من صرّح بحجّيّته، وكأنّهم متسالمون على حجّيته، والاستدلال به شائع، بل لم أقف على من صرّح بعدم حجّيّة الوجدان.

وقبل الخوض في التقريبات ومناقشتها لا بُدَّ من بيان أمرين لهما دخالة في فهم المناقشات..

الأمر الأوَّل: إنّ الشواهد التي أذكرها بخصوص الوجدان في المناقشات مبنيّ على أنّ المستخدم فيها هو الوجدان الشخصيّ - على ما مرّ بيانه -. نعم، الموارد التي كنت أشكّ في كون الوجدان المذكور فيها شخصيّاً لم أذكرها؛ لاحتفافها بقرينة أو بمحتمل

ص: 147

القرينيّة.

الأمر الآخر: إنّ المناقشات المذكورة على نحوين..

1 - المناقشة في التقريب بأنّه لا يبرّر استخدامات الأعلام العمليّة - أي الاستخدامات التي تقع منهم في الاستدلال في مختلف المطالب - للوجدان، فيكون الدليل أخصّ من المدّعى؛ إذ لو ثبت استخدام الأعلام للوجدان في موردٍ ما فإنّه يكشف عن التزام ضمني بكونه صالحاً كحجّة في ذلك المورد، فإذا تبيّن عدم وفاء التقريب بحجّيّة الوجدان في ذلك المورد كان التقريب أخصّ فيما يثبته من الحجّيّة الملتزَمة من قبل الأعلام.

2 - عدم مطابقة الدليل للواقع، بالخدشة في مقدّماته أو شواهده.

ويمكن ذكر عدّة تقريبات لهذا القول:

التقريب الأوّل

اشارة

تقريب حجّيّته من باب كونه يفيد القطع..

فعند مراجعة المرء لوجدانه الشخصيّ عند تحقيق حال أمر من كونه حسناً أو قبيحاً، أو في تحقيق حكم العرف في مسألة ما، أو في ظهور لفظ ما يحصل له القطع بأنّ ما قام عليه وجدانه هو الواقع، فلو راجع وجدانه عند البحث عن دلالة صيغة الأمر على الوجوب يجد أنّها تدلّ على ذلك، فيقطع بكونه هو الواقع، أي أنّ الظهور العرفيّ للصيغة هو الوجوب؛ لأنّ هذا الوجدان لا ينشأ من فراغ.

وهذا التقريب وإن لم يُصرّح به إلّا أنّه يمكن أن يستفاد من كلمات بعض علماء الأصول:

ص: 148

منها: ما ذكره المحقّق التقي (قدس سره) بعد ذكر أحد الأدلّة: (أنّه ليس ذلك من الفطريّات ولا من الوجدانيّات ونحوهما حتّى يدّعى الضرورة فيه)(1)، وهو يشير إلى أنّ الوجدانيّات ممّا يقطع العقل بالضرورة بها حتّى أنّه عطفها على الفطريات، وكذا قال (قدس سره): (إفاضة العلوم الضروريّة؛ إذ هي منحصرة بحسب الاستقراء في ثلاثة: الفطريّات والوجدانيّات وذوات الأسباب..)(2).

ومنها: ما ذكره الشيخ آل راضي (قدس سره)، حيث قال: (لأنّ الوجدانيّات من الأمور الضروريّة)(3). وفي موضع آخر عدّد أقسام الضروريات فذكر: (أو الحسّ الباطنيّ كالوجدانيّات وهي ككون أنَّ لنا علماً بكذا..)(4).

وما قد يستفاد من السيّد المجدّد الشيرازيّ (قدس سره)، حيث قال: (ونحن لمّا علمنا من وجداننا ومن العرف - أيضاً - جواز..)(5)، فإنَّه يشير إلى استفادة العلم بواسطة الوجدان.

نعم، قد يقال: بأنّ مقصوده حصول العلم من العرف والوجدان معاً. ولكن الظاهر بمقتضى قوله (أيضاً) إرادة حصول القطع من كلٍّ منهما بالاستقلال.

والمحقّق العراقيّ (قدس سره) حيث أفاد: (إذ بداهة الوجدان قاضٍ بأنَّه لا مدخليّة لعنوان الإيصال والترتّب..)(6) بناءً على تفسير نسبة البداهة للوجدان بكونها من قبيل نسبة

ص: 149


1- هداية المسترشدين: 2/ 356.
2- هداية المسترشدين: 3/ 518.
3- بداية الوصول: 9/ 317.
4- بداية الوصول: 5/ 25.
5- تقريرات المجدّد الشيرازيّ: 1/ 266.
6- نهاية الأفكار: 1-2/ 338.

المعلول إلى علّته، أي الوضوح الناشئ من الوجدان كما في قولنا: ضوء الشمس وحرارة الجو. وله تفسير آخر يأتي بيانه في التقريب الأخير.

وقد يستفاد من بعض الكلمات إفادته الاطمئنان، كما ذكر المحقّق الهمدانيّ (قدس سره): (فإنّا إذا راجعنا وجداننا لا نستبعد إطلاق الكرّيّة على الماء..)(1).

وهذا التقريب يبرّر ويعالج كلّ استخدامات الوجدان الشخصيّ الإحرازيّة التي مرّ الكلام عنها، وهي استخدامه في إحراز الشؤون اللفظيّة (التبادر والظهور)، وأحكام العرف وحكم العقل؛ وذلك لأنَّ مرجع التقريب إلى كون الوجدان مسبّباً للقطع الذي يكون حجّة مطلقاً.

ويمكن أن يعترض عليه بعدّة اعتراضات:

الاعتراض الأوَّل

أنّ هذا التقريب يبتني على مقدّمة مطويّة، وهي موضوعيّة هذا الإحراز، أي أنّ استخدام الوجدان الشخصيّ في إحراز الوجدان العامّ موضوعيّ، فمجرّد قيام الوجدان الشخصيّ يوجب القطع بشكل موضوعي بواقع الوجدان العامّ.

إلَّا أنّ الذي يظهر عدم موضوعيّة هذا الإحراز؛ فإنّ هذا الإحراز لا يطابق الأساليب الموضوعيّة، وذلك أنّ الوجدان النوعيّ هو عنوان ينتزع من تطابق الوجدانات الشخصيّة على شيء، وليس الوجدان النوعيّ وجداناً حقيقيّاً، بل هو من قبيل العناوين الانتزاعيّة كالتقدّم والتأخّر.

وعليه فالاستدلال بالوجدان الشخصيّ بدعوى مطابقة ما يقوم عليه للوجدان النوعيّ، كدعوى مطابقة الفرد لعنوان الأُمّة. فهل يعدّ الاستدلال على كون الأُمّة سعيدة أو الشعب غنيّاً بالنظر إلى كون المستدلّ يرى نفسه غنيّاً أو سعيداً موضوعيّاً! بل

ص: 150


1- مصباح الفقيه: 1ق1/ 24.

من الواضح أنّ هكذا استدلال ليس موضوعيّاً، وإلَّا لم تكن حاجة للاستقراء؛ لاستغنائنا بمثل هذه الطريقة في الاستدلال.

والسرّ في عدم موضوعيّته: أنّ الترتيب المنطقيّ لهذا الاستدلال مخدوش؛ فإنّ المدّعى هو كون الوجدان النوعيّ محكوماً بالحكم (أ)، والمعطى الذي يحصل عليه عند إحرازه الوجدان النوعيّ بوجدانه الشخصيّ هو كون وجدانه الشخصيّ محكوماً بالحكم (أ)، فحقّانيّة المعطى لا علاقة لها بحقّانية المدّعى، فكما أنّ الاستدلال على أنّ العين النابعة دامعة بأنّ العين البصريّة دامعة خاطئ وغير موضوعيّ، وهو لا يحتاج لأكثر من ذلك لكي يقال بأنّه ليس بحجّة؛ وذلك لكونه من سنخ المغالطة، والقياس مختلف الحدّ الأوسط قياس فاسد، فكذلك يجري الإشكال في الاستدلال بالوجدان الشخصيّ، حيث إنَّ الاستدلال على أنَّ الوجدان يقتضي (أ) هو بالنحو التالي: (أ) يقتضيه الوجدان الشخصيّ، والوجدان النوعيّ حجّة، واتّصاف بعض أجزاء منشأ الانتزاع لا يلازم اتّصاف العنوان المنتزع بنفس ذلك الوصف، فإنّ كون وجدان الشخص قائماً على شيء لا يعني كون الوجدان النوعيّ قائماً عليه، فإنّ الوجدان النوعيّ ينتزع من تطابق الوجدانات الشخصيّة على شيء، فليس منتزعاً من وجدان الشخص بحدّ ذاته حتى يتطابقا.

قد يقال: كيف! وأنّا نجد أنّ وجداننا يتطابق مع الاستقراء في بعض الموارد، كما في الوجدانات غير المختلف فيها، كظهور صيغة الأمر في الوجوب.

فيقال: وكذا فيما قيس عليه فإنّ المستدلّ على أنّ الشعب حزين، قد يستدلّ بأنّه يرى من نفسه أنّه حزين ويطابق ذلك مؤدّى الاستقراء؛ فإنّ الطرق المخدوشة والأساليب غير الموضوعيّة لا يمتنع أن تصيب الواقع في بعض الموارد، لكن ذلك لا

ص: 151

يخرجها عن عدم الموضوعيّة.

ثُمَّ إنَّه قد يقال في الدفاع عن الاستدلال بالوجدان الشخصيّ بما ذكره سيّدنا الأستاذ (دامت برکاته) - في جواب إيرادٍ على حجّيّة استخدام الوجدان - (إنّ وجود البعد الوجدانيّ للأفعال والمعاني النفسيّة بطبيعته يقتضي إمكان التعويل عليه مع الاستيثاق من وجوده مع امتلاك أدوات تحليليّة دقيقة، والتفتيش عن مناشئ الزيف المحتمل في هذا الشعور والتحرّز عنها، وإعطاء توجيه قريب لدعوى الشعور الوجدانيّ على عكس ذلك.

وليس وقوع الخطأ في دعوى الوجدان أو نفيه بالذي يقتضي رفع اليد عن الاستهداء به تماماً، فإنّ مثل هذا الخطأ ممّا يتّفق في سائر أنواع الأدلّة كالأدلّة الاستنباطيّة والاستقرائيّة والحسّيّة، ولو كان مثله عائقاً عن الاعتماد على الدليل لزم السفسطة، كما استند القائلون بها إلى مثل هذه الحجّة. فالمنهج الصحيح الاعتبار بالأخطاء في ترشيد الاستدلال ومزيد الدقة فيه لا إبطال التعويل عليه رأساً)(1).

إلَّا أنَّه قد يُتساءل:

أوَّلاً ب-: أنّ أوّل ما ذكره (دامت برکاته) لم يُقِم عليه دليلاً، فلِمَ افترض أنّ هذا البعد الوجدانيّ يكون التمسّك به تمسّكاً موضوعياً حتّى مع ما ذكر من الاستيثاق.

ويمكن الجواب عنه: بأنَّه (دامت برکاته) كان في محلّ جواب إيراد عن استخدام الوجدان بكلا نحويه الخفيّ والجليّ، فهذا الأمر أُخذ مسلَّماً من المُورِد ومنه (دامت برکاته)، ولذا لم يُقِم عليه دليلاً حيث إنّ محلّ كلامهم كان هو في الاستدلال بحدود الوجدان لا في الاستدلال بأصله.

وثانياً ب-: أنَّ هذا الجواب لا يثبت حجّيّة الوجدان كما هو محلّ البحث؛ فإنّ البحث

ص: 152


1- مباني الأصول: 10/ 98 - 99.

عن الوجدان وصحّة التمسّك به كدليل، لا البحث عن الوجدان مع وجود تقريب لما قام عليه ومع قيد التفتيش عن مناشئ الزيف، وكون المستدلّ لديه من الأدوات ما يميّز له الوجدانات الدقيقة ويرجع كلّا ً منها إلى أسبابه؛ فإنّ كلّ هذه القيود خارجة عن موضوع البحث، وهو الوجدان من غير أيّ قيد، فإنّ التمسّك بالوجدان - إذا لم يقم على موضوعيّته دليل - مع هذه الأمور هو في الحقيقة تمسّك بها لا به.

والسرّ في ذلك: أنَّ التقييد في كلامه (دامت برکاته) يوجب أن يُتمسّك بالوجدان في هكذا موارد مع مثل تلك القيود، ومن ثَمَّ لو لاحظت فإنّ تلك القيود ممّا يمكن التمسّك بها لو خلت عن الوجدان، فإنّ التوجيه الذي يبيّن سبب حصول شعور وجدانيّ على خلاف وجدان صاحب التوجيه بما يقدّم من قرائن ونحوها ممّا يمكن التمسّك به - بعد فرض كونه موضوعيّاً - دون الوجدان، وذلك أنَّه لو كان هنالك وجدانان شخصيّان، كلّ منهما يدّعى أنَّه هو الواقع وهو الوجدان النوعيّ، فإن وجد توجيه يبيّن الزيف في أحد الوجدانين الشخصيّين يكون بنفسه دليلاً على الوجدان النوعيّ لكفايته بذلك من غير حاجة لوجود الوجدان، أي لو لم يكن لديك وجدان في أمرٍ وكان لديك توجيه يبيّن زيف الوجدان الشخصيّ المدّعى في الأمر فإنَّه يُبيّن بذلك الوجدان المطابق للواقع، وكذا باقي القيود كما سيتمّ بيانه ضمن الكلام. فالحقّ أنّ التمسّك بهذا الدليل المركّب من الوجدان والقيود هو - في الحقيقة - تمسّك بها، إذ تلك القيود يصحّ التمسّك بها من دون وجود الوجدان بخلافه، فعدمه ووجوده لا يغيّران شيئاً في التمسّك بهذا الدليل.

وثالثاً ب-: أنَّ ما ذكره (دامت برکاته) من أنّ الخطأ يقع في الحسّ ونحوه والاعتماد على هذا الأمر موجب للسفسطة، فهو مشكل من جهتين..

الأولى: أنّ نسبة الأخطاء في الوجدان كبيرة بشكل لا يظهر أنّها مقاربة لنسبة

ص: 153

الأخطاء في الحسّ ونحوه، كما سيتبيّن.

والأخرى: أنّ لزوم السفسطة لا يكون إلّا مع انحصار السبيل إلى الواقع بالوجدان الشخصيّ، وهو مشكل لما هو واضح من وجود السُبل الأُخر، كالاستقراء والتحليل لإحراز الواقع، كما ستعرف تفصيله في التنبيه الثاني.

ثُمَّ إنّه يمكن أن يقال: إنَّ ممّا يبتني عليه ما أفاده (دامت برکاته) - من توجيهٍ لحجّيّة الوجدان - هو أنّ الوجدان الشخصيّ يمكن بالنظر إليه منفرداً انتزاع وجدان نوعيّ وذلك بإزالة الحالة الشخصيّة له، وذلك أنّه (دامت برکاته) افترض أنّ الوجدان متكوّن من نوعين من الأمور: أمور هي مناشئ للزيف، وأخرى حقّة، فعلينا أن نتفحّص الوجدان فنتّجه إلى الأمور الصائبة، ونتحرّز عن الزائفة.

ولكن هذا - مع مخالفته لما مرّ ذكره في كيفيّة انتزاع الوجدان النوعيّ - مشكل من حيث إنّ الوجدان الشخصيّ ليس أمراً مركباً، بل هو حالة من حالات النفس البسيطة، أو كما عبّر عنه (دامت برکاته) بالشعور - كالخوف والقلق وغيرها من الأمور التي لا تكون مركّبة -، فكما أنّ حقيقة خوفك من أمرٍ ما حقيقة بسيطة ثابتة في نفسك بغضّ النظر عن أسبابها فكذا الوجدان على أمرٍ شعور بسيط، فهو نتاج أمور إلّا أنّ الناتج بسيط ينتفي بزوال جزء علّته فالوجدان الناتج عن الأسباب الحقة فقط غيرُ الوجدان الناتج عن المجموع منها ومن الزائفة، فبمجرّد اكتشاف الزيغ في أحد مناشئ الوجدان وإزالة أثره عن الوجدان يتغيّر الناتج بعد إزالة هذا المؤثّر، فلا يبقى الاستدلال بمثل هذا الناتج استدلالاً بالوجدان، بل بشيء جديد.

والحاصل: أنّ الوجدان الشخصيّ هو عبارة عن هذه الحالة النفسيّة المتشخّصة في أفق النفس الناتجة عن كلّ تلك الأسباب، فأيّ تصرّف في هذه الأسباب لا يكون الناتج

ص: 154

عين السابق، فلا تكون مستدلّا ً بالوجدان.

إلّا أن يقال: إنّه بعد اكتشاف أحد مناشئ الزيف لا يعدّ الوجدان حجّة.

ثُمَّ إنّ هنالك أمراً لا بُدَّ من التعرّض له: وهو أنّ هنالك غموضاً وطويّاً لمقدّمةٍ، وهي ما هو معنى الزائف والصائب الذي هو مقتضى الدقّة؟

والجواب عنه: هو أنّ مقتضى التأمّل أن يكون المنشأ الزائف هو ما يوجب جعل الوجدان شخصيّاً غيرَ كاشف عن الوجدان النوعيّ، والمنشأ الصحيح هو ما يجعل الوجدان يقوم على ما قام عليه الوجدان النوعيّ؛ لأنّ المناط هنا هو إحراز الوجدان النوعيّ.

فإذا تمّ ذلك يقال: إنّ الوجدان الشخصيّ بما له من مناشئ فاسدة وصحيحة هو بكلّ تلك المناشئ وجدان شخصيّ خارجاً، فكما أنّ وجود الطبيعي في الأفراد - كما حقّق في محلّه - بنحو الآباء والأبناء - لا بنحو ما ينسب للرجل الهمدانيّ - فإنّ الإنسان في زيد ليس عين الإنسان في عمرو. نعم، ينتزع منهما صورة مشتركة، فكذا المبرّر الذي يدّعى كونه صحيحاً ونوعيّاً (صائباً) ليس بنوعي بل هو منشأ شخصيّ أيضاً بوجوده النفسي، فأنت حين ترجع إلى وجدانك تجد المناشئ كلّها شخصيّة لا أنّك تجد مناشئ شخصيّة ونوعيّة لتجري عليها ما تجده من تعديل مناسب.

فإن قيل: كيف إذن يصحّ أن يقال: إنّ هذا الكلام منشؤه أمر شخصيّ، وذاك منشؤه أمر موضوعيّ نوعيّ بعد ما ذكر؟

فيقال: إنّ سبب هذا التوصيف هو مقايسة المناشئ واستقراؤها، فما تطابق عليه من بين المناشئ يكون نوعيّاً وما تفرّد به يكون شخصيّاً، إلّا أنّ هذا مع المحافظة على كونها في مقام وجودها الخارجيّ متشخّصة في أفق النفس، كما في انتزاع الكلّيّ من الأفراد

ص: 155

الخارجيّة، حيث كلّ طبيعيّ خارجيّ مغاير للطبيعيّ الآخر.

وعليه فإيجاد مناشئ الزيف هو بالاستقراء ونحوه ممّا يكشف كشفاً موضوعيّاً عن كون المنشأ شخصيّاً، فبذلك نعود إلى الاعتماد على الاستقراء في إحراز الوجدان النوعيّ ولا نعتمد على الوجدان الشخصيّ؛ ولذا لو كان مؤدّى الاستقراء كاشفاً عن نتيجة مباينة للوجدان الشخصيّ للمُستقرِئ لم يعبأ به؛ لأنّه لا قيمة له بحالته الشخصيّة. مع أنّ هذه النتيجة قد تخالف ما يُفهم من كلامه (دامت برکاته) حيث إنّه افترض أنّك تحافظ على وجدانك بشكله الجديد بعد افتراض إيجاد مناشئ الزيف والتحرّز عنها.

ثُمَّ إنّ ما ذكره (دامت برکاته) من التفتيش قد لا يمكن تطبيقه عمليّاً.

بيان ذلك: أنّ الأشياء على قسمين:

قسم يكون نتاجاً واضحاً لأسباب واضحة، أو يمكن بسهولة اكتشاف أسبابه، كاحتراق الورقة الذي يعرف منشؤه وسببه.

وقسم يكون نتاجاً عن جملة من الأسباب بنحو معقّد، فينتج من عدّة أسباب طوليّة أو عرضيّة.

والوجدان الشخصيّ من قبيل القسم الآخر، فالظاهر أنّه حالة (شعور) ناتجة عن ظروف عديدة وملابسات وخبرات شخصيّة قد تكون بعضها حادثة، وأخرى قديمة الوجود، ولا أقلّ من أنّه يحتمل رجوعه لمثل هكذا أسباب، ولمّا كان البحث عن مناشئ الزيف لا بُدَّ أن يشمل كلّ ما يحتمل تأثيره، فلا بُدَّ من شموله لمثل هذه الأسباب.

ومن ثَمَّ لمّا كانت هذه الأسباب لا تنحصر في كونها أسباب قريبة ومباشرة بل تكون بعضها قديمة، أو مجهولة مزروعة في طبيعة الإنسان أو إرثه، فلا يستطيع تمييزها فيصبح البحث عن مناشئ الزيف في الوجدان: إمّا متعسّراً؛ لعدم قدرة صاحبه على

ص: 156

الإحاطة بكافّة المناشئ، أو متعذّراً إذا لاحظنا أنّ الكلام عامّ في كلّ وجدان يُراد الاستدلال به، وقد عرفت أنّ الاستدلال بالوجدان كثير جدّاً.

ثُمَّ إنّه مرّت الإشارة إلى كلام السيّد الصدر (قدس سره) ولا بُدَّ هنا من التعرّض له شرحاً، ولتأييده لما ذكرنا من عدم موضوعيّة إحراز الوجدان النوعيّ بالشخصيّ، فإنّه قال: (إنّ جملة من الخلافات ترجع إلى نكات ذاتيّة غير قابلة للحلّ بالبحث، كما إذا كان من باب القطع الوجدانيّ الحاصل من مزاج في فهم الأدلّة، والتعدّي من مدلولها أو الجمود عليها، أو كان من باب الخلاف في استظهارات عرفيّة قد لا يمكن تخريج نكات موضوعيّة لها، كما نصنع ذلك في أكثر الاستظهارات، أو يرجع الخلاف إلى الخلاف في فهم الذوق العقلائيّ وارتكازاتهم في باب العقود والمعاملات)(1).

وهو يشير إلى أنّ القطوع المستندة إلى الوجدان شخصيّة ليست قابلة للبحث، أي أنّها ليست موضوعيّة، ولا بُدَّ هنا أن نشير إلى أمرين:

الأوّل: الظاهر أنّ المقصود من المزاج ليس مجرّد الاستحسان والمناسبة الشخصيّة، بل هو الذوق والمزاج الذي يحصل للباحث بالنظر إلى ممارسة النصوص الشرعيّة، والإحاطة بجوانبها، ومعرفة ذوق الشارع في عموم تشريعاته، وهذا الذوق قد يختلف من شخص إلى آخر، ثُمَّ إنّ مجرّد كون الذوق مستنداً إلى ممارسة شخصيّة ووجدانٍ، ولو كان ذلك الوجدان متأثراً في ضمن المناشئ المُحدِثة له بأمور من قبيل الممارسة في النصوص الشرعيّة، إلّا أنّ هذا لا يخرجه عن كونه ممارسة شخصيّة متفاعلة بباقي المؤثّرات الشخصيّة، وقد تقدّم الكلام عن هذا الأمر.

والآخر: إنّه قد يتوهم أنّ في كلامه (قدس سره) تناقضاً، حيث إنّه صرّح أنّ جملة من

ص: 157


1- بحوث في علم الأصول: 4/ 19.

الاستظهارات لا يمكن إيجاد نكات موضوعيّة لها، ثُمّ ذكر أنّا (نصنع ذلك في أكثر الاستظهارات).

لكنه يندفع بما سيأتي نقله عنه تفصيلاً(1) من أنَّه (قدس سره) يعتقد بوجود أصل عقلائيّ يبرّر الاعتماد على الظهور الشخصيّ في إحراز الظهور النوعيّ.

لكن قد يقال: إنّ هنا فهماً آخر لكلامه، وهو أنّ مقصوده (طاب ثراه) من قوله: (كما نصنع ذلك في أكثر الاستظهارات) أي أنّنا نخرِّج لاستظهاراتنا نكات موضوعيّة، لا أنّ استظهاراتنا تكون بناءً على نكات شخصيّة.

فيقال: بأنّ هذا الاحتمال لا يناسب غرض كلامه وسياقه، وذلك..

1- إنّ محلّ كلامه (قدس سره) هو وجود خلافات ليست قابلة للحلّ، فذِكر كون أكثر استظهاراته من قبيل ما يمكن حلّه - بناءً على هذا التفسير - هو خلاف المراد إبلاغه من وجود جملة من تلك الخلافات، فيكون كلامه أشبه بنقض الغرض.

2- إنّ سوق الكلام هو عن ادّعاء وجود استظهارات لا يمكن تخريج نكات موضوعيّة لها فكأنّه (قدس سره) أراد أن يبعد توهم أنّ هذه دعوى بلا دليل، أو أنّ هذه الاستظهارات تحصل في موارد قليلة، فأتى بهذه الجملة التي تكون كالدليل على وجود هذا النوع من الاستظهارات. وأمّا لو فسّرنا هذه الجملة بالتفسير الثاني كانت جملة اعتراضية لا علاقة لها بالكلام والمقصود؛ لأنَّ مفادها هو كون استظهاراته (قدس سره) في أكثرها موضوعيّة وهو لا ربط له بما يريده بكلامه، ولعلّ الأنسب أن يكون الكلام مترابطاً، والله العالم.

وعلى أي حال فليس هذا هو صلب الأمر.

ص: 158


1- سيأتي في صفحة: 164.

هذا تمام الكلام في الاعتراض الأوّل.

الاعتراض الثاني

أنَّه لا ينبغي للمتأمّل حصول مثل هذا القطع بعد الاطّلاع على كافّة الاعتبارات في المسألة، خصوصاً بعد الاطّلاع على نسب الاختلافات الحاصلة في دعاوى قيام الوجدان، إذ إنّ من المظنون أنّ المتتبع لموارد استخدام الوجدان الشخصيّ لا يخفى عليه حجم الاختلافات في دعوى قيام الوجدان على أمرٍ، فإنّنا أخذنا من كتب علم الأصول والفقه وبشكل عشوائي (47) مورداً من موارد كثيرة جدّاً استُعمل فيها الوجدان، ثُمَّ قارنا بينها فوجدنا أنّ موارد الاختلاف وعدم الاتّفاق في دعوى الوجدان حول أمر واحد (31) مورداً، وأنّ في (16) مورداً لم نجد دعوى الخلاف فيها. فحال النسبة في الوجدان المستخدم 66% منه فيه اختلاف، و33% لم يتمّ العثور فيها على دعوى الخلاف.

ولا بُدَّ لنا أن نشير إلى أنّ الاختلاف لا يشمل فقط موارد استخدام الوجدان الشخصيّ في المساحات الضبابيّة، بل يشمل موارد قد يُعتقد بكونها مسلّمة أو جليّة، ولك منها مثال هو أنّ سيدنا الأستاذ (دامت برکاته) أنكر شهادة الوجدان على وجوب المقدّمة(1) مع ما يتكرّر من بعض الأعلام دعوى قيام الوجدان عليه(2).

هذا كلّه في الاستخدام الصريح للوجدان.

أمّا استخداماته الأُخر في إحراز التبادر والظهور ونحوه فهي في اختلافاتها لا تقلّ عن الوجدان، بل قد تزيد عليه في بعضها كاستخدامه في إحراز الظهورات، وأعني بالاختلافات ليس مطلق الاختلافات، بل هي المستندة إلى استخدام الوجدان الشخصيّ

ص: 159


1- يلاحظ: مباني الأصول: 10/ 99.
2- يلاحظ: كفاية الأصول: 126، مقالات الأصول: 1/ 333، فوائد الأصول: 1-2/ 284.

فقط، لا المستندة إلى الاختلاف في القواعد اللغويّة ونحوه من الأمور الموضوعيّة.

ولمزيد بيان وتفصيل في الموارد راجع الملحق.

الاعتراض الثالث

أنَّ لازم اتّخاذ هذا المنهج في الاستدلال على حجّيّة الأدلّة أن نقبل به في كافّة الأدلّة غير المعتبرة فيدّعى الركون إلى القياس - المنهي عنه - بدعوى حصول القطع من القياس! فيُستدلّ به في المسائل عمليّاً لأجل هذه الدعوى، وهذا ممّا لا يتوقّع التزامهم به، كيف! وتراهم يوسمون الاستدلالات - في مختلف المطالب - بكونها من القياس(1)، فإنّ الظاهر من كلماتهم إبطال القياس بقولٍ مطلقٍ دون التفصيل بين ما يفيد القطع وما لا يفيده، بل إنّ بعضهم كصاحب الجواهر (قدس سره) أشار إلى أنّ القطع من القياس لا يعتمد عليه(2)، وذكر السيّد صاحب العروة (قدس سره) أنّه حتّى مع دعوى القطع لا يعتمد عليه ما دام قياساً(3)، حيث يظهر من قوله: (عدم خصوصيّة للعبد في ذلك، بل المناط الشروع حال عدم الوجوب لعدم الكمال ثُمَّ حصوله قبل المشعر. وفيه: أنَّه قياس) أنّ مدّعى المستدلّ القطع بالمناط، ومع ذلك أُجيب بكونه قياساً، فالمستفاد منه أنّ القطع الناتج من الأدلّة التي ليست بمعتبرة لا يعتمد عليه، كما أنّ ما ورد في صحيحة أبان بن تغلب: قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام): ما تقول في رجل قطع إصبعاً من أصابع المرأة كم فيها؟ قال: (عشر من الإبل). قلت: قطع اثنين؟ قال: (عشرون). قلت: قطع ثلاثاً؟ قال: (ثلاثون). قلت: قطع أربعاً؟ قال: (عشرون). قلت: سبحان الله! يقطع

ص: 160


1- يلاحظ: تذكرة الفقهاء: 2/ 236، 10/ 235، جامع المقاصد: 5/ 216، مسالك الأفهام: 7/ 258، مستند الشيعة: 8/ 163.
2- يلاحظ جواهر الكلام: 1/ 228.
3- يلاحظ: العروة الوثقى: 4/ 351.

ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون! إنّ هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله، ونقول الذي قاله شيطان. فقال: (مهلاً يا أبان، هكذا حكم رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) إنّ المرأة تقابل الرجل إلى ثلث الدية، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف، يا أبان إنّك أخذتني بالقياس، والسُّنّة إذا قيست محق الدين)(1)، لا يبعد ظهوره في كون أبان (رحمة الله) كان قاطعاً أو مطمئنّاً بكون الحكم غير صحيح، حتّى أنّه نسبه إلى الشيطان مستنداً إلى حكم القياس، كما أنّ جواب الإمام (علیه السلام) ممّا يدل على أنّ القياس لا ينفع صاحبه وإن ولّد القطع له.

والحاصل: أنّ كلّ دليل لا بُدَّ أن يثبت موضوعيّة الاحتمال الناتج منه كالاطمئنان الذي يحصل من ضمّ قرائن إلى أمارة ظنّيّة، أو أن تثبت حجّيته بنحو التعبّد كخبر الثقة - بناءً على دلالة الآيات على حجّيّته - أو إمضاءً لاعتبار العقلاء له كحجّيّة الظهور، وليس مجرّد حصول القطع منه كافياً في إثبات حجّيّته، فلا يمكن التعويل عليه في مقام الاحتجاج أو البحث العلميّ.

الاعتراض الرابع

أنّه لا يصحّ أن يحتجّ بالوجدان في مقام الاحتجاج والنقاش؛ وذلك لأنّه لا إلزام به للخصم، فإنّه قطع شخصيٌّ ناشئ من الوجدان الشخصيّ، فهو غير قابل للإثبات والنفي بين المتخاصمين، مع أنّ الملاحظ أنّهم يستدلّون به، وأمّا القول بأنّهم يستدلّون به لأنفسهم ولا يريدون به الإلزام فبعيدٌ ولو في جملة من الموارد، كما فيما ذكره المحقّق العراقي (قدس سره) (2)؛ إذ فيها يستخدم الوجدان في قبال بعض الآراء

ص: 161


1- الكافي: 7/ 299-300، باب الرجل يقتل المرأة والمرأة تقتل الرجل، وفضل دية الرجل على دية المرأة في النفس والجراحات، ح 6.
2- يلاحظ: نهاية الأفكار: 1-2/ 43، 3/ 76.

ومناقشتها، وكما يدلّ على ذلك ملاحظة أنّه يُذكر مع باقي الأدلّة، ويناقش دون فرض كونه مسوقاً لإقناع النفس، بل ما ذكر من مناقشة الوجدان في كلام السيّد الروحانيّ (قدس سره) (1) شاهد على أنّ دعوى الوجدان ظاهرة في إلزام الطرف الآخر، ويدلّ عليه أيضاً أنّ ذكر المؤيّدات - التي ستأتي مواردها - شاهد على محاولة الإقناع بالوجدان؛ ذلك أنّه حسب الفرض موجب لحصول القطع لدى صاحبه، فلا وجه للمؤيّدات لو كانت مسوقة للنفس.

والحاصل: أنّ اللازم إمّا أن نقول بأنّ الوجدان يصلح كدليل لنفس المستدلّ، فنلتزم بعدم ذكره في المناقشات والمناظرات، وهو ما لا أعتقد أنّهم يستطيعون الالتزام به، بل قد عرفت أنَّه يُستند إليه في مقام الاحتجاج، أو أن نلتزم بورود الإشكال على التقريب.

لكن قد يقال: إنّ ذكر الوجدان الشخصيّ يراد منه تنبيه الخصم وإلفاته، فلعلّه حين ذِكر مقتضى الوجدان يلتفت الخصم إلى وجدانه الشخصيّ فيجد قوله مخالفاً للوجدان، فيكون ذِكره منبّهاً للوجدان الشخصيّ للخصم.

فيقال: إنّ هذا لو سُلّم ينفع في تبرير ما يقع من الأعلام، إلَّا أنّه لا ينفي أنّه لا يجوز استخدام الوجدان بنحو الاستدلال والإلزام.

على أنّه لا يجري في موارد انكشاف الخلاف، أي لو تبيّن اختلاف وجدان المُستدلّ عن وجدان المراد تنبيهه فإنَّه حينئذ لا إلزام به. نعم، لو أوجب بيان الوجدان الشخصيّ أن يزول القطع لدى الخصم الناتج عن وجدانه فإنّ ذلك يبرّر الإشارة إليه، إلَّا أنّه لا

ص: 162


1- يلاحظ: منتقى الأصول: 1/ 261.

يُجوز الاستدلال به وإلزام الخصم به؛ لأنّه قطع شخصيّ - كما مرّ بيانه -.

الاعتراض الخامس

إذا كان الوجدان موجباً للقطع فأيّ وجه لدعمه بالشواهد والمؤيّدات؟ إذ إنّه بوجوده منفرداً كافٍ لحصول القطع، فلا معنى لذكر المؤيّدات والشواهد ما دامت لا تضيف أيّ شيء لكفاية الوجدان، مع أنّه يؤتى به مع الشواهد(1).

لا يقال: إنّه أيّ مانع من تعدّد الأدلّة على مسألة واحدة، فهل يمتنع أن يُستدلّ بدليلين قطعيّين على أمرٍ واحد؟

لأنّه يقال: إنّ هنالك فرقاً بين ما يُذكر من أدلّة على شيء بنحو الاستقلال، فيقوم كلّ دليل بنفسه مستغنياً عن صاحبه، وبين ما يذكر دعماً وتحشيداً لدليل آخر لإتمام دلالته وتمكينه من النفس، ممّا يكشف عن التعامل مع دلالته بنحو يشوبها النقصان لتحتاج إلى الشواهد.

ولكن يمكن القول: إنّ الإتيان بالشواهد أحياناً يكون لأجل التنبيه والإيقاظ لا للتتميم كما فيما يذكر من أمور وأمثلة، لكي يخرج الوجدان من مرحلة الارتكاز والإجمال إلى مرحلة الوضوح والتفصيل، فيكون من قبيل ما يقال: الأدلّة على البديهيّات إنَّما هي منبّهات لا أدلّة.

وهذا صحيح، فإنّه يبرّر ما وقع من الأعلام، إلّا أنّه لا ينفي أنّ اللازم - بعد الالتزام بحجّيّة الوجدان بهذا التقريب - عدم صحّة إحضار الشواهد والأدلّة لتتميم دليليّة الوجدان بعد قيامه.

وحاصل الكلام: أنَّه لا يصحّ الإتيان بشواهد لتتميم دليليّة الوجدان. نعم، المنبّهات ونحوها من الأمور التي غايتها إيضاح الوجدان لا يمسّها الإشكال.

ص: 163


1- يلاحظ: كفاية الأصول: 162، 344، مقالات الأصول: 1/ 194، فوائد الأصول: 1-2/ 108.
الاعتراض السادس
اشارة

ما يمكن بيانه بمقدّمات..

المقدّمة الأولى

ادّعاء أنَّ الوجدان الشخصيّ يفيد القطع بالوجدان النوعيّ، يعني أنّ مجرّد وجود الوجدان الشخصيّ منشأ للقطع بحدّه.

المقدّمة الثانية

يقع من الأعلام التنازل عن الوجدان لقيام البرهان على خلافه، كما وقع ذلك في ما نقله صاحب الوقاية من قول المحقّق الخراسانيّ (قدس سره): (إنّ معك الوجدان ومعي البرهان)(1) الذي يدلّ على أنَّه حتى مع قيام الوجدان فإنَّه يتمسّك بالبرهان.

المقدّمة الثالثة

أنّه بناءً على المقدّمة الأولى ينبغي أن لا يكون هنالك مبرّر لذلك، فإنّ الوجدان بوجوده علّة تامّة للقطع، فكيف مع وجوده يتنازل عنه لوجود البرهان! فإنّه على هذا التقريب لا يوجد ما يبرّر ذلك، فتأمّل.

هذا تمام الكلام في التقريب الأوّل.

التقريب الثاني

اشارة

أنَّه قد مرّ أنّ للوجدان استخدامات عديدة، ومرّ أنّ من ضمنها استخدامه في إحراز التبادر وفي إحراز الظهور العرفيّ.

وقد ذكر السيّد الصدر (قدس سره) ما يبرّر هذا الاستخدام لإثبات حجّيّة الوجدان في هذه الموارد، وحاصل ما ذكره - مع مزيد تقريب وبيان - يتألف من مقدّمات..

مقدّمات
المقدّمة الأولى

أنّ المقصود بالظهور الذي يكون حجّة، والتبادر الذي يدلّ على الوضع هو الظهور النوعيّ والتبادر لدى العرف. وهذه المقدّمة أُخذت كأصل موضوعيّ، فإنّ لها محلّا ً آخر في الإثبات.

ص: 164


1- وقاية الأذهان: 262-265.
المقدّمة الثانية

أنّه يمكن إحراز التبادر لدى العرف والظهور النوعيّ بالظهور الشخصيّ والتبادر الشخصيّ تعبّداً، أي أنّ الظهور الشخصيّ وكذا التبادر أمارة عقلائيّة على الظهور النوعيّ والتبادر لدى العرف.

والذي يدلّك على هذه الأماريّة هي أنّ السيرة جارية على اكتفاء الشخص بالظهور والتبادر المتحقّق عنده، وعدم جريان العادة على مراجعة الآخرين لمعرفة استظهاراتهم والمتبادر عندهم، بل يكتفون في إحراز الظهور النوعيّ والتبادر لدى العرف بما لديهم من ظهور وتبادر، ويمكن التعبير عن هذه الأمارة بأصالة التطابق بين الظهور الشخصيّ والنوعيّ.

المقدّمة الثالثة

أنّ التبادر والظهور الشخصيّين يتمّ إحرازهما بالوجدان الشخصيّ؛ لأنّ كلا الحالتين ممّا يكون السبيل لمعرفتهما لدى الشخص هو وجدانه الشخصيّ، فتكون حجّيّة الوجدان وجواز التعويل على ما يجده المستظهر من ظهور، والمتبادر من تبادر هو بالوجدان، من جهة كون وجدانه كاشفاً معتبراً باعتبار عقلائيّ.

وقد ذكر هذا التقريب (قدس سره) - بأصله - في مواضع لكنّه لم يعبّر بالوجدان الشخصيّ(1).

وهذا التقريب يمكن الاستفادة منه وتوظيفه في الاستدلال على الوجدان في موارد إحراز الحالات العرفيّة بأخذ المقدّمة الثانية بشكل رئيس والتي يكون مؤدّاها أنّ السيرة قامت على أنّ الناس عند حاجتهم إلى إحراز أمر عرفيّ يرجعون إلى أنفسهم، ثُمّ يأخذون نتيجة هذا الرجوع ويضعونها كحكم العرف، فيكون ذلك من باب أنّهم يرون ذلك طريقاً صالحاً للإحراز.

ص: 165


1- يلاحظ: مباحث الأصول: ق1 ج1/ 274، ق2 ج2/ 256، بحوث في علم الأصول: 1/ 167، 4/ 292.

إلَّا أنّ من خصوصيّات هذا التقريب أنّه لا يصحّح ولا يعالج استخدام الوجدان في إحراز حكم العقل؛ وذلك لوضوح أنّ إحراز الأحكام العقليّة لا يتمّ بالأمارات بل بطرق عقليّة، فالتعبّد لا يجري في مواضع حكم العقل.

ويمكن أن يعترض على هذا التقريب بعدّة اعتراضات..

الاعتراض الأوَّل

أنَّ هذه الأماريّة المدّعاة بحسب التقريب دليلها السيرة، وهي دليل لبّيّ يقتصر به على القدر المتيقّن، وعليه لا يُعلم شمول السيرة لاستخدام الوجدان في إحراز التبادر وإن سُلِّم قيامها على استخدامه في إحراز الظهور.

ذلك أنّ السيرة يلحظ فيها موارد المحاورات العرفيّة والتي تعتمد على الظهور الشخصيّ لا التبادر، فإنّ تعيين المعنى الحقيقي لا يحتاجه العرف، بل يعتمد على ظاهر الكلام ولو كان مجازيّاً، فإنّ من يحتاج لإحراز التبادر والبحث عن حاله هو من يريد معرفة المعنى الحقيقيّ، وعليه لا يُحرَز أنّ العرف يعتمد على ما يجده الشخص بوجدانه من تبادر - الذي هو التبادر الشخصيّ - في إحراز التبادر العرفيّ، ذلك لعدم وجود حالات بمقدار من الكثرة لكي يُنظر لموقف العرف باتجاه هذا الأمر.

وبعبارة أخرى: لا يوجد حاجة للتبادر فلا يوجد عمل وموقف من العقلاء باتّجاه التبادر لانتفاء الحاجة.

والحاصل: أنّ استخدام الوجدان في إحراز التبادر العرفيّ لا يُعلم شمول السيرة له، وهي دليل لبّيّ، فلا تُثبت إلّا القدر المتيقّن منها، فلا ينتج من هذا التقريب المدّعى ولا يثبت إلّا استخدام الوجدان في موارد الظهور الشخصيّ، فالدليل لا يفي بكلّ ما يُدّعى شمول التقريب له.

لكن يمكن أن يقال: إنّ البحث عن المعنى الحقيقي ومحاولة إحرازه لا يَتمّ بصورة

ص: 166

صريحة وكظاهرة منفردة، إلّا أنَّه يحصل في سياق إحراز الظهورات؛ وذلك أنَّ الوضع يمثّل منشأ من مناشئ الظهور، فإحرازه قد يوجب إحراز الظهور؛ ولذا يتمّ بصورة ضمنيّة كخطوة سابقة على إحراز الظهور، فليتأمّل.

الاعتراض الثاني

أنَّ السيرة لمّا قامت على موارد المحاورات العرفيّة التي يعتمد فيها المحاور على الظهور الشخصيّ لديه، فإنّه يمكن أن يقال: إنّ الموارد التي تحصل في الخارج خالية عن الخلاف في الاستظهار الشخصيّ بين المتحاورين، فلا يُعلم شمول السيرة للموارد التي يكون الاختلاف فيها كبيراً وظاهراً، ولا أقلّ من كون الموارد الخالية من الخلاف هي القدر المتيقّن من موارد قيام السيرة، فإنَّه لا يبعد كونها الغالب في موارد المحاورات.

وهذا التقريب يسعى لإثبات الاعتماد على ما يجده الشخص بوجدانه من ظهور - الذي هو الظهور الشخصيّ - في الإحراز بشكل مطلق، بينما المقدار الذي يثبت منه هو الاعتماد على ما يجده الشخص في نفسه من ظهور في الموارد التي لا تعارضه فيها ظهورات شخصيّة أُخر.

الاعتراض الثالث

أنّ السيرة قائمة في باب المحاورات على اعتماد المحاور على ما يجده في نفسه من ظهور - أي الظهور الشخصيّ - والاكتفاء به دون النظر إلى شيء آخر، فأيّ مبرّر لما يرد في كلمات الأعلام بتخصيص الذوقِ بالسليم أو الوجدانِ بالمستقيم أو الخالي عن الشُبه(1)، فإنَّه لا يظهر أنّ السيرة قائمة على اعتبار الظهور الشخصيّ السليم

ص: 167


1- يلاحظ: الحدائق الناضرة: 3/ 75، 7/130، 11/253، مفتاح الكرامة: 11/ 224، رياض المسائل: 3/385، الفصول الغرويّة: 68، مشارق الشموس: 1/11، هداية المسترشدين: 2/ 199، مقالات الأصول: 1/ 62.

أو المستقيم، بل الظهور الشخصيّ لأيٍّ كان، وهو ظاهر إطلاق المدّعي للسيرة، والمناسب لحال العرف من عدم لحاظ الخصوصيّات، ولذا فإنّ مَن يحصل لديه ظهور بوجدانه لا يتوقّف عن العمل به إلى حين التأكّد من كون وجدانه سليماً.

الاعتراض الرابع

أنَّ لازم كون الوجدان حجّة من باب الأمارات هو جريان أحكامها عليه، ومن ضمنها أنّه إذا اختلف وجدان شخصين، أو ظهور شخصين المستند إلى وجدانهما فإنّه يُدرج ذلك في باب تعارض الأمارات، فيرجع: إمّا إلى المرجّحات، أو إلى التساقط مع فقدها.

وهذا الأمر ممّا لا يمكن أن يُلتزم به، كما أنّه مخالف للتمسّك بالوجدان الشخصيّ دون النظر إلى وجدان الآخرين؛ لأنّه يكون من باب التمسّك بالأمارة دون الفحص عمّا يعارضها.

وهذا التمسّك بالوجدان دون النظر إلى وجدان الآخرين ممّا يقع ظاهراً من الأعلام في موارد الاستدلال بالوجدان الشخصيّ؛ حيث إنّهم يذكرون وجدانهم فقط، بل اكتفاء بعضهم بوجدانه وظهوره الشخصيّ في الردّ على وجدان الآخر دليلٌ على عدم اعتنائهم بوجوده عند الآخرين.

وكذا مخالف لما يصدر من العلماء من مجرّد منع الوجدان باستخدام الوجدان الشخصيّ(1)، حيث إنّ الوجدان إن كان أمارة لزم إقامة التعارض بينه وبين ما يدّعى من وجدان في قباله، كما يحصل ذلك في الأخبار فهل يمكن أن يُرَدّ خبر بمجرّد وجود خبر يخالفه دون النظر إلى المرجّحات!

ص: 168


1- يلاحظ: مستند الشيعة: 6/ 357، جواهر الكلام: 28/ 156، حاشية أغا رضا الهمدانيّ: 465، مصباح الفقيه: 14/ 680، الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة: 56، الكفاية مع حواشي المشكينيّ: 1/ 309.

والحاصل: أنّ الملاحظ أنّهم يعتمدون على وجدانهم الشخصيّ بلا اهتمام بوجدان الآخرين، أو في مقابلة وجدان الآخرين دون إعمال مرجّحات، أو جعلهما متعارضين. نعم، قد يذكرون بعض المؤيّدات لوجدانهم.

وعليه إنّ هذا اللازم - من جريان أحكام الأمارات على الوجدان - مخالف لسيرة جملة من العلماء، وممّا لا يمكن الالتزام به.

إن قيل: إنّ أماريّة الوجدان قد أخذ في موضوعها شخص الذي قام عنده الوجدان فيكون معناها أنّ الوجدان الشخصيّ حجّة لمن قام عنده الوجدان، فلا يكون حجّة على من لم يقم لديه الوجدان، فتكون نتيجة ذلك أنّ الذي يجد معارضاً لوجدانه من وجدانٍ آخر فليس ملزماً بشيء؛ إذ إنَّ الوجدان الآخر ليس بحجّة عليه، بل هو حجّة على من حصل عنده.

فيقال في الجواب عنه..

أ - إنّ هذا خلاف إطلاق التقريب الذي لم يدّعِ سوى كونه أمارة فلمْ يخصّصه بشخص الذي قام عنده.

ب - إنّ هذا التقريب ذُكر في جواب إشكال على التبادر، ومن المعلوم أنّ للتبادر نحوين: الأوّل تبادر الشخص نفسه، والآخر التبادر الذي يحصل عند العالم باللغة فيرجع إليه الجاهل بها، وهذا النحو الآخر لا يمكن تصحيحه بناءً على هذا التخصيص المقترح؛ حيث إنّه يفترض حجّيّةً للرجوع لوجدان شخص آخر - وهو وجدان العالم باللغة - مع أنّ الفرض المتقدّم أنّ الوجدان الذي يقوم عند شخص لا يكون حجّة على غيره.

ج - إنّ هذا التخصيص ليس بسليم، حيث إنّ هذه الأمارة ليست تعبّديّة، بل هي أمارة عقلائيّة يفترض أن يكون منشؤها الكشف - كما قد يُفهم من كلام السيّد الصدر (قدس سره) عند تقريبه -، فلا وجه حينئذ لإدخال هذا القيد؛ لأنّ الكشف في الوجدان الشخصيّ لا

ص: 169

يفرق بين شخص الذي قام عنده أو شخص غيره بعد خلوّهما عن المرجّحات الموضوعيّة، فإنّ كلامنا في الموارد التي لا تقوم فيها قرائن خاصّة على عدم كاشفيّة وجدان الشخص الآخر، فإنّ الوجدان الشخصيّ لو كان أمارة لكان كاشفاً، ولم يكن فيه فرق بين من قام عنده أو قام عند غيره.

والظاهر خروج بعض أفراد الوجدان عن محلّ الكلام، وهي الوجدانات التي يقوم الدليل على كونها غير كاشفة، وقد استندت إلى أسباب شخصيّة، فإنّ هذه الأفراد خارجة عن تقريب الأماريّة كما لا يخفى.

والحاصل: أنّ التقريب يثبت الحجّيّة للوجدان بشكل مطلق - أي على من قام لديه ومن لم يقم لديه - فيلزم اللازم الذي ذكرناه.

الاعتراض الخامس

أنَّ مقتضى كون الوجدان أمارة أن لا يُرجع إليه إلّا بعد استفراغ الوسع في البحث عن كلّ الأدلّة الأخرى الموجبة للقطع والاطمئنان كالاستقراء والقرائن ونحوها كما في سائر الأمارات، وهو مخالف لما جروا عليه في الرجوع إليه مباشرة، بل قد يُرجع إليه ويجعل الأساس ويُؤيّد بالقرائن(1)، وقد يظهر ذلك من المحقّق العراقي (قدس سره) (2) أيضاً، بل ذكر صاحب الفصول (قدس سره) في مسألة الصحيح والأعم: (نقول معيار الفرق والتمييز في نظائر المقام إنَّما هو بالوجدان، ونحن إذا رجعنا إلى وجداننا..)(3)، وكذا ما ذكره السيّد الحكيم (قدس سره): (إذ الظهور وعدمه من الوجدانيّات

ص: 170


1- يلاحظ: كفاية الأصول: 70، الفصول الغرويّة: 212، بحوث في علم الأصول: 3/ 170، نهاية الأفكار: 1-2/ 109، المحكم في أصول الفقه: 1/ 532.
2- يلاحظ: مقالات الأصول: 1/ 484.
3- الفصول الغرويّة: 46.

التي لا يرجع فيها إلّا إلى الوجدان..)(1)، إلَّا أنّ مقتضى كونه أمارة أن يجب عليك قبل العمل بما لديك من ظهور أو وجدان البحث عن وجود أيّ دليل قطعي، فإن لم تجد جاز لك أن ترجع إلى وجدانك.

الاعتراض السادس

أنَّ السيرة المدّعى قيامها إن أقيم دليل على ثبوتها - كالاستقراء أو تحشيد القرائن على ذلك - فلا إشكال، لكنّي لم أجد من فعل ذلك، وإن كانت مُحرزَة بالخبرة الشخصيّة - كما قد يظهر من التقريب حيث ادّعيت وأيّدت بشاهد فقط - فسيأتي الكلام في ذلك.

الاعتراض السابع

أنَّ الموارد التي يظهر نظر المستدلّ إليها - والتي هي القدر المتيقّن - هي موارد المحاورات الشخصيّة ونحوها، أمّا موارد إحراز الظهورات النوعيّة للصيغ ونحوها من الموارد فلا يعلم شمول السيرة لها، بل قد يقال بعين ما قيل في الإشكال الأوّل من كون عامّة الناس لا يحتاجون لمثل هذه الأمور ليبدوا موقفاً منها إلّا قليلاً، فهل رأيت من المتحاورين من العقلاء - بما هم عقلاء لا بما هم متخصّصون - مَن يبحث عن كون صيغة الأمر ظاهرة في الوجوب، أو كون الأوامر في المركّبات الارتباطيّة محمولة على الإرشاد، ويستدلّ بوجدانه الشخصيّ؟ فلا حاجة تدعوهم للبحث عن مثل هذه الكبريات، لكي يتّخذوا وجدانهم سبيلاً للإحراز، مع أنّ الأعلام يستدلّون بوجدانهم أحياناً في مثل هذه الموارد(2)، بل إنّه وقع من السيّد الصدر (قدس سره) (3)، فلا بُدَّ من الالتزام بالوجدان في موارد إحراز ظهور المفردات والجمل في المحاورات،

ص: 171


1- حقائق الأصول: 1/ 569.
2- يلاحظ: كفاية الأصول: 63، منتقى الأصول: 1/ 393.
3- يلاحظ: بحوث في علم الأصول: 2/ 382، 122، 3/ 171، 214.

وعدم الاستناد إليه في إحراز الأصول اللفظيّة والظهورات النوعيّة؛ لعدم العلم بشمول السيرة لها، وهو خلاف ما يقع منهم.

الاعتراض الثامن

أنَّ الاعتماد على ما يجده الشخص في نفسه - الوجدان الشخصيّ - من ظهور من قِبل العرف والسيرة عليه يمكن أن يكون بنحوين:

الأوّل: أن يكون الاعتماد بنحو الأداة العمليّة لكي يسهل التفاهم في المحاورات، لا أن يكون الاعتماد على ما يجده الشخص في نفسه من ظهور من باب كونه كاشفاً عن الظهور النوعيّ، فهو معتبر لأجل تسهيل عمليّة المحاورة، لا لأجل الكشف، فيكون جري العقلاء عليه بنفسه لا باعتبار كاشفيّته.

والآخر: أن يكون الاعتماد بنحو الكاشف عن الظهور النوعيّ، فيجعل كاشفاً عنه ومسبّباً لحصول درجة اعتقاديّة بالظهور النوعيّ فيكون معتبراً بنكتة الكاشفيّة.

والفرق في مقامنا بين النحوين: هو أنّ الأوّل إن سُلّم جريان السيرة عليه فإنّ هذا لا يُثبت كونه كاشفاً، بل مجرّد أداة عمليّة، فمتى ما لم يكن هنالك مورد عمليّ - كما في المباحث التخصّصيّة - أو كان هنالك غرض مهمّ جدّاً لم يجز الاعتماد على هذه الأداة؛ لأنّ الأدوات العمليّة لا تجري في المباحث التخصّصيّة التي مناطها كشف الواقع والذي يحصل بالكواشف المعتبرة إمّا تعبّداً أو إحرازاً؛ وذلك أنّ ما تجري السيرة عليه من جهة كونه طريقاً عمليّاً لا لأجل كونه يعطي كاشفيّة معتبرة لا يمكن أن يُؤخذ كطريق محرز؛ لعدم الجري عليه كذلك من قبل العقلاء، فلا يكون أمارة.

ولمّا كان الدليل لبّياً فلا معيِّن لكشف أحد النوعين، بل قد يدّعى أنّ الأنسب لوضع العقلاء هو كونه أداة عمليّة؛ وذلك لأنَّ هذا المقدار هو المحتاج إليه بحسب أغراض العقلاء، حيث إنّهم لا يحتاجون غالباً أن يحرزوا الواقع، بل أن يتفاهموا بما يلبّي

ص: 172

أغراضهم، ولما ورد في كلام السيّد الصدر (قدس سره) من قوله: (إنّه قد لا تتاح للإنسان فرصة علاج من هذا القبيل..) - بعدما ذكر أنّ طرد هذا الاحتمال ممكن بسؤال أشخاص آخرين مختلفين ومن بيئات مختلفة - ممّا يدل على ارتباط المسألة بصعوبة الفحص، وكون هذه الأمارة سبيلاً للتسهيل على المكلّفين.

وعلى أيّة حال يكفينا لبّيّة الدليل وعدم تعيُّن أحدهم في نقض التقريب.

الاعتراض التاسع

أنّه لا يعلم أنّ السيرة قائمة على أن يعتمد المحاور على وجدانه الشخصيّ فقط، فقد يقع من أهل المحاورة الاعتماد على أصول لفظيّة، أو على تفسير الكلام بعضه ببعض، أو طرق أخرى، إلَّا أنَّه قد يقال: إنّ وقوع ذلك لا يخدش في قيام السيرة على الاعتماد على الوجدان الشخصيّ؛ فإنّه لم يثبت أنّ ما يقع من أهل المحاورة من الاعتماد على غير الوجدان يكون بنحوٍ يشكّل سيرة على عدم الاكتفاء بالوجدان.

هذا تمام الكلام في التقريب الثاني.

التقريب الثالث

اشارة

وهو أن نلتزم بأنّ موضوع الحجّيّة في الظهور، والعلاميّة في التبادر، والعرف في المواضيع التي يرجع فيها إليه، وحكم العقل هو ما يجده الشخص من ظهور أو من تبادر أو من حكم عقل أو من حكم عرف، فيكون الرجوع إلى الوجدان الشخصيّ من باب الرجوع إلى واقع الشيء، فيكون ما تجده من نفسك - الذي هو الوجدان الشخصيّ - هو واقع تلك المواضيع، فحين تقول إنّ التبادر حجّة تقصد به تبادرك الشخصيّ أي ما وجدته في نفسك من تبادر، فلإحراز وجود الموضوع ترجع إلى نفسك فإمّا تجده أو لا تجده، فيكون الرجوع إلى الوجدان كالنظر إلى اللوح لمعرفة ما فيه.

ص: 173

ويشير إلى هذا التقريب بعض كلماتهم، كما قد يستفاد من كلام المحقّق العراقيّ (قدس سره) (1) من أنّ المقصود بموضوع حجّيّة حكم العقل هو الوجدان الشخصيّ المتمثّل بحكم عقل صاحب الوجدان، ومن هنا يقال: إنّ حكم العقل مقام ثبوته إثباته.

وما أشار إليه السيّد الصدر (قدس سره) حيث قال: (فهذا ظهور فعلي في طلب الحيوان المفترس، وهو الذي قال عنه الأصوليّون المتأخّرون أنَّه هو موضوع الحجّيّة..)(2). والذي يقصده بالظهور الفعليّ هو الظهور الشخصيّ، والذي يدلّ على مراده هذا عبارته التالية في الموضع المشار إليه، حيث نسب إلى الأصوليّين أنّ موضوع الحجّيّة هو ما يجده الشخص من ظهور عنده، فعليه يكون ما تجده من نفسك من ظهور هو مصداق لموضوع حجّيّة الظهور.

وكذا ما مرّت الإشارة إليه من كلام المحقّق العراقيّ (قدس سره) حيث قال: (إذ بداهة الوجدان قاضٍ بأنَّه لا مدخليّة..)(3)، إذا فسّرنا بداهة الوجدان بالوجدان الجليّ الذي يظهر بجلاء ووضوح، كما ذُكر أنّ في الوجدان ما هو جليّ وخفيّ(4).

ووجه دلالته بناءً على هذا التفسير - لا ما مرّ في التقريب الأوَّل -: أنَّه يقصد أنّ هذا الشيء واضح وجليّ من الوجدان، فيكون كمن يقول إنّ عدم وجود زيد في البيت جليّ وواضح، فإنّ هذا التعبير يفترض أنّ الوجدان لوح وواقع، فيه ما هو جليّ للنظر وما هو

ص: 174


1- يلاحظ: نهاية الأفكار: 4 ق1/ 24، حيث قال (قدس سره): (بل من جهة الجزم بانتفائه حينئذٍ... وبهذه الجهة نفرّق بين سنخي الحكم العقلي في باب التخطئة والتصويب أيضاً).
2- مباحث الأصول: 2 ق2/ 255.
3- نهاية الأفكار: ج1-2/ 338.
4- يلاحظ: مباني الأصول: 10/ 98.

ليس كذلك.

والحاصل: أنّ هذه الكلمات تدلّ على أنّ المعتبر في تحقيق المواضيع التي تتّصف بالحجّيّة - كحكم العقل كما فيما نقلناه أوَّلاً، أو الظهور كما فيما نقلناه ثانياً - هو ما يجده الشخص من نفسه من حكم عقل أو من ظهور، وما يجده الشخص من نفسه هو الوجدان الشخصيّ.

إلّا أنّ هذا التقريب لإثبات الحجّيّة لا يفيد الحجّيّة بالمعنى الذي هو محلّ النزاع، أي إثبات الحجّيّة بمعنى كون الوجدان الشخصيّ كاشفاً معتبراً، وهذا التقريب يبتني على تغيير المواضيع المراد كشفها، فلا يقدّم هذا التقريب تبريراً لاستخدام الوجدان الشخصيّ كمحرز، بل يجعل الوجدان الشخصيّ هو المكشوف والمُحرَز. وعليه فجعل هذا التقريب ثالثاً من جهة أنَّه يجتمع مع سابقيه في النتيجة العمليّة، وهي صحّة الرجوع إلى الوجدان إلَّا أنّ الأوّلين يتمحوران حول تصحيح كاشفيّة الوجدان الشخصيّ، والأخير يقوم على جعله هو المأخوذ في المواضيع التي يهتمّ بإحرازها.

ويمكن أن يعترض على هذا التقريب بعدّة اعتراضات:

الاعتراض الأوَّل

أنّه يترتّب على كون الوجدان الشخصيّ هو المعتبر في تحقيق تلك المواضيع أن لا يكون هنالك وجه لذكر الوجدان في مقام الاحتجاج، كما قد يكون الظاهر الأوّليّ هو ذكره بهذا النحو؛ حيث إنّ الأدلّة إذا ذكرت في موارد الخلاف يكون المقصود بها الإلزام والاحتجاج كما يظهر من مناقشتهم للظهورات - كما مرّ في شواهد الاكتفاء بالمنع -، إذ لو لم يروا أنّ الدليل موجّه لهم لما تصدّوا لمناقشته، وكذا من المناقشة في الأدلّة التي تطرح في عموم المطالب بكونها مبنائيّة، فإنّ هذا يكشف عن أنّ المفروض كون الدليل ليس بمبنائيّ، فإنّ المعتبر حينئذٍ حصول الوجدان الشخصيّ فإن لم يحصل

ص: 175

فأيّ وجه للاحتجاج بوجدان المُستدِلّ على أمرٍ مادام المعتبَر هو وجدان المُستدَلّ له لا وجدان المُستدِلّ، وكذا لا وجه لذكر الملاكات في باب الحسن والقبح(1)؛ إذ هذه الملاكات لا تصلح للوقوف في وجه الوجدان الشخصيّ لو قام على خلافها ما دام هو المعتبَر، وكذا لا وجه لذكر القوانين والأصول العقلائيّة في الظهور العرفيّ، كظهور الأوامر في الإرشاد إلى الجزئية ونحوها في المركّبات الارتباطيّة، وظهور صيغة الأمر في الوجوب، حيث إن حصل الظهور الشخصيّ على خلافها لم يبقَ اعتبار لها، فإنّ ذكرها يصحّ لو كان المعتبَر هو الوجدان النوعيّ، حيث إنّها سوف تكون وسائل لإحراز ذلك الوجدان النوعيّ.

الاعتراض الثاني

أنَّ الوجدان الشخصيّ لا يصلح أن يكون المقصود من هذه العناوين، وهي الظهور والتبادر وحكم العقل والعرف؛ لأنَّ معنى ذلك أن يكون اعتمادك على هذه العناوين اعتماداً على الوجدان الشخصيّ؛ إذ كيف يجوز الاعتماد عليه مع ما عرفت من كثرة الاختلافات فيه وكونه مرتبطاً بشخص الإنسان! فمثلاً كيف يعتمد عليه في الشؤون اللفظيّة؟ مع أنّ السبيل إلى إحراز مراد المتكلّم والمتبادر لدى العرف لا بُدَّ أن يكون كاشفاً له مقدار من الاحتمالية، مع أنّ الاعتماد على الوجدان الشخصيّ يلزم أن لا تصل مرادات المتكلّمين إلى المخاطَبين - كما يريدون - في جملة من الموارد لتأثير الوجدان الشخصيّ للمخاطَبين في فهم الخطابات، ومن ثَمَّ فكيف تراعى وجداناتهم في الخطابات العامّة لو أراد المتكلّم محاولة إحراز وصول مراده إليهم.

والحاصل: أنّ الوجدان الشخصيّ غير صالحٍ لكي يكون سبيلاً لإحراز مراد

ص: 176


1- يلاحظ: هداية المسترشدين: 1/ 549، فرائد الأصول: 1/ 116، نهاية الأفكار: 1-2/ 550، بداية الوصول: 3/ 14، مصباح الأصول: 3/257، المحكم في أصول الفقه: 2/301.

المتكلّمين ولا لتنظيم أمورهم في موارد حكم العرف، أو تحديد ما ينبغي أو ما لا ينبغي في موارد حكم العقل؛ لكثرة الاختلافات فيه، وتأثّره بشخص صاحبه المقتضي لعدم انضباطه وعدم صلاحيّته ليكون سبيلاً للإحراز.

الاعتراض الثالث

أنَّ الاستدلال بالعرف سيكون مشكلاً(1)؛ وذلك لأنّه مادام المعتبَر هو الوجدان الشخصيّ فإنَّه وإن سلّم قيام العرف على شيء، فأيّ ملزم في ذلك لصاحب الوجدان الشخصيّ إن قام وجدانه على خلاف العرف؟ بعد فرض أن ما يُعتبر هو وجدانه، لا ما يقوم عليه العرف.

الاعتراض الرابع

أنّه إذا كان الوجدان الشخصيّ هو الحجّة باعتبار كونه هو المعتبَر في تحقيق العناوين المتّصفة بالحجّيّة، فأيّ حاجة للبحث عن مبحث الظهورات وتنقيح الأصول اللفظية والتعامل الصحيح مع القرائن وما إلى ذلك! فإنّ كلّ تلك القواعد غير نافعة مع قيام الوجدان الشخصيّ على خلافها، فيكون ثبوتها وعدمه سواء، والبحث عن تنقيح حالها بلا ثمرة، لعدم دخولها وتأثيرها في موضوع الحجّيّة، مع أنّ ذكر هذه المباحث ممّا لا يحتاج إلى شاهد.

الاعتراض الخامس

أنّ جعل الوجدان الشخصيّ هو الحجّة مشكل من جهة أنّ في ذلك قبولاً لدخول المؤثّرات والملابسات والأذواق في تكوين الظهورات وفي تطبيق أحكام العرف، ولك مثال لترى أثر ذلك فلو كان هنالك عبد بطبعه ميّال للتهرّب من المسؤوليات الملقاة على عاتقه، فعندما يُطرح عليه فعل أمر بصيغة الأمر يَفهم منه الاستحباب ويكون وجدانه الشخصيّ قائماً على ذلك، وحينئذٍ يَترك امتثال الأمر، مع

ص: 177


1- يلاحظ: قوانين الأصول: 77، نهاية الأفكار: 5/ 62، مقالات الأصول: 1/ 484، أجود التقريرات: 1/ 37، مصباح الأصول: 3/ 164، محاضرات في أصول الفقه: 5/ 367.

إقراره أنّ الفهم العرفيّ هو الوجوب من هذه الصيغة، لكن وجدانه - صادقاً - قام على الاستحباب، فإنّا بذلك لا حقّ لنا في معاقبته؛ لأنَّ الحجّة هو ما قام عليه وجدانه.

وكذا لو أنّ شخصاً بطبيعته لا يحترم الآخرين فإنّه حين إقدامه على تصرّف في حقّ شخص لا يجد من وجدانه الشخصيّ - صادقاً في ذلك حسب الفرض - أنّ ذلك إهانة، مع علمه بأنّ العرف يعدّه إهانة، فيلزم أيضاً أن لا يكون معرّضاً للعقاب؛ لأنَّ المناط هو وجدانه في تحديد أحكام العرف.

وفتح هذا الباب - بناءً على الالتزام بهذا بالتقريب - مشكل جداً؛ لدخول كلّ الملابسات الشخصيّة فيما يتعلّق بالأمور الشرعية - كتكوين الظهورات من الخطابات الشرعيّة - والقبول بفهمِ ما يناسب الذوق الشخصيّ للمتتبّع للنصوص.

نعم، إنّ ما قد يخطر في بعض الأذهان من مصاديق الملابسات الذهنيّة ذات التأثير الخفيف الذي قد لا يوجب أثراً ملموساً، مُوهمٌ لعدم تأثير هذا التقريب لمثل هذه النتيجة، لكن - كما يعلم - أنّ السماح للوجدان الشخصيّ بكونه هو الموضوع موجب لاعتباره مطلقاً مع أيّ ملابس بلا فرق بين أنواع الملابسات، وقد مرّ تفصيل الكلام في ذلك.

الاعتراض السادس

أنّ اعتبار الوجدان هو الموضوع للأحكام العقليّة يعني أنّه حين يحكم العقل بالحسن يكون عقل الشخص هو الذي يحكم، والذي يجب عليه متابعته من أحكام العقل العملي هو ما يراه الشخص حسناً، ولازم ذلك أن يكون الشيء الواحد حسناً وقبيحاً في آنٍ واحدٍ، فهو حسن عند زيد، فيكون ممّا يجب فعله واقعاً، وهو قبيح عند عمرو وممّا يجب تركه، مع كونه شيئاً واحداً، فكيف يلحقه حكمان!!

ص: 178

ولا يتوهّم أنّا نقول: إنّ له في صقع الواقع حكماً واحداً لكن الأنظار اختلفت فيه؛ لأنّ ذلك مبنيّ على أنّ الحكم العقليّ النوعيّ هو الموضوع، أمّا على هذا التقريب - الذي يعتبر أنّ الحسن ما حسّنه عقل الشخص - فهو يعتبر الحكم العقليّ الشخصيّ هو الموضوع، فيختلف الحكم وتتعدّد المواضيع باختلاف العقول الذي يلزم منه التناقض واتّصاف الشيء الواحد بحكمين مختلفين، لا من جهتين، بل من جهة واحدة. وكذا يلزم أنّ الكذب - مثلاً - لو حسّنه شخص في عقله نتيجة لتأثير ظروف، أو على الأقلّ لم يحكم بقبحه يكون ليس ممّا ينبغي تركه واقعاً؛ لأنّ حكم عقله هو الموضوع، فإنْ لم يحكم عقله لم يكن هنالك حكم في الواقع، مع أنّ لازم ذلك أن لا يذمّ من قبل العقلاء، وأنّه لم يفعل ما ينبغي تركه، فهل يلتزم بمثل هذا اللازم؟!

ثُمَّ إنّ هنا أمراً يجب التنبيه عليه: وهو أنّه وقع في ضمن ما ذكر من المناقشات مع التقريب الأخير وصف الوجدان الشخصيّ بالحجّة، مع أنّه بناءً على هذا التقريب يكون الوجدان هو موضوع الحجّيّة؛ حيث هو المعتبر في تحقيق العناوين المتّصفة بالحجّيّة، وليس دليلاً، لكي يوصف بالحجّيّة.

ووجه وصف الوجدان بالحجّة ليس لأجل اعتباره كاشفاً، بل لأنّ مقتضى كون الوجدان الشخصيّ المعتبر في تلك العناوين هو أن يكون حجّة على مَن يحرزه، لكون هذه العناوين موضوعاً للحجّيّة.

هذه خلاصة الوجوه في تقريب حجّيّة الوجدان التي حاولتُ استخراجها بالنظر إلى كلمات الأعلام.

ص: 179

القول بعدم الحجّيّة وأدلّته

اشارة

وقبل بيان هذا القول وإثباته نقول: إنّ هنالك قاعدة معروفة مفادها أنّ الشكّ في الحجّيّة يساوق القطع بعدم الحجّيّة(1)، لذا فإنّه يكفي في إثبات عدم الحجّيّة نقض الأدلّة القائمة على الحجّيّة، فعند عدم ثبوت ما يصلح لإثبات الحجّيّة يثبت ما ندّعيه.

وقد مرّ بيان المناقشة في التقريبات، ونتعرّض الآن لمحاولة الاستدلال على عدم الحجّيّة..

وتقريبه: أنّ بملاحظة حجم الاختلافات الموجودة في الوجدانات يحصل لدينا علم إجمالي بأنّه: إمّا الوجدان الذي قام لدينا أو الوجدان الآخر كاذب، فإنّه في مثل هذه الحالة يتنجّز العلم الإجماليّ، وحتّى مع كون الوجدان أمارة - لو قيل بهذا التقريب - فإنَّه لا يمكن العمل بالأمارات بعد أن علم كذبها إجمالاً، فيكون هذا التقريب مفيداً لعدم الحجّيّة، حتّى لو سلّم إفادة التقريب الثاني لحجّيّة الوجدان.

وبيان ذلك يمكن أن يكون بوجهين:

الأوّل: أنّه حين يتعارض وجدانان في مسألةٍ فإنّ أحد الوجدانين كاذب في كشفه عن الوجدان النوعيّ لا محالة، فيحصل علم إجمالي بكذب أحدهما، فلا يجوز العمل بهما، ولا مرجّح في أحدهما للعمل به على الآخر؛ لأنّهما وجدانان شخصيّان لا مزيّة لأحدهما على الآخر، وفي فرض وجود مرجّح فإنَّه يكون الاستدلال - في الحقيقة - بذلك المرجّح كما مرّ بيانه.

ص: 180


1- يلاحظ: كفاية الأصول: 279، محاضرات في أصول الفقه: 3/ 276، دروس في علم الأصول: 2/ 46.

والآخر: أنّه بملاحظة حجم الاختلافات يحصل علم بالنظر إلى الوجدانات المدّعاة أنّ بينها كاذباً، فكيف نعمل ببعضها دون بعض آخر؟ كما لو علم بكذب سبعة أخبار من عشرة فلا يمكن العمل بأحدها، إلّا أنَّه قد يدّعى - بالقياس على ما يقال في باب الأمارات - أنّ هنالك انحلالاً للعلم الإجماليّ بحصول علم بكذب سبعة معيّنة منها، فينحلّ العلم ويجوز العمل بالثلاثة الباقية.

لكن يقال: إنّ هذه الدعوى لا بُدَّ أن تجتاز كُلّا ً من المرحلتين التاليتين:

الأولى: أنّ كشف وتعيين الكاذب من الوجدانات المطروحة يكون: إمّا بنفس الوجدان الشخصيّ، وهو غير ممكن؛ حيث إنّ ذلك يندرج في إثبات الشيء لحجّيّة نفسه. وإمّا يُكشف الكاذب بكاشف آخر، وحينئذٍ يكون هو المتّبع، ونخرج عن الاستدلال بالوجدان كما مرّ بيانه.

والأخرى: أن يثبت أنّ مقدار المكشوف بالعلم الجديد مطابق لمقدار المعلوم كذبه، فإنَّه لو عَلم تفصيلاً بخمسة من الأخبار الكاذبة لم ينفع ذلك في دعوى الانحلال، لبقاء خبرين من الخمسة الباقية كاذبة بلا تعيين بالنسبة إلى المقيس عليه في الفرض. وعلى المدّعي عهدة إثبات اجتياز الدعوى للمرحلتين معاً.

والحاصل: أنّ العلم الإجمالي منجّز، بل قد يقال: بأنّ الالتفات إلى مثل هذا العلم - كما ينبغي ذلك عند البحث قضاءً لحقّ استقصاء كافة جهات المسألة - موجب لتزلزل الوجدان الشخصيّ الحاصل عند الشخص.

إلّا أنّه تجدر الإشارة إلى أنّ هذا الاستدلال لا يجري بناءً على التقريب الثالث من تقريبات حجّيّة الوجدان.

بيان ذلك: أنّه بناءً على هذا التقريب يكون نفس الوجدان الشخصيّ هو الواقع،

ص: 181

فمن يقوم لديه وجدان يرى أنَّه مُحرز للواقع وإنْ عارضه وجدانُ آخر، ولا قيمة لوجدان الآخر، فلا يحصل علم إجماليّ لديه بكذب وجدانه، أو الوجدان الآخر.

ص: 182

والمتحصَّل من البحث أمور..

الأوّل: أنّه لم تثبت للوجدان حجّيّة موجبة للعمل به، كما يظهر من الاعتراضات على وجوه حجّيته المحتملة، فلا يجوز الاستدلال به، فالمختار هو القول الثاني وإن لم أجد من التزم به.

الثاني: أنّه لو سلّمت حجّيته من باب التقريب الأوّل أو الثاني فإنَّه لا يكون من المنهج العلميّ الاستدلال به، إلّا على التقريب الثاني بعد استفراغ الوسع في عدم إيجاد دليل قطعي محرز.

الثالث: أنّه يمكن إقامة دليل على عدم حجّيته.

ص: 183

تنبيهان

اشارة

وهما في التعرّض لبعض الأمور التي قد لا يمكن إدخالها في ضمن فصول البحث، أو يُحتاج إلى التعرّض لها استقلالاً..

التنبيه الأوّل: الوجدان والسيرة

يمكن استخدام الوجدان في إحراز السيرة بنوعيها، فيقال - حين التعرّض للسيرة -: إنّ هذه السيرة ثابتة بالرجوع إلى ما تجده من نفسك من جري العقلاء وسلوكهم، إلّا أنَّ ذلك يكتنفه شيء من الغموض، حيث إنّ السيرة هي سلوك وجري عمليّ، والوجدان هو شعور وإدراك نفسيّ، فكيف يعقل الرجوع إليه في إحراز السيرة!

إلَّا أنَّه يمكن أن يقال: إنّه يمكن الرجوع إلى الوجدان في مقامنا بنحوين:

الأوّل: أن ينظر في السلوك المطلوب أو المدّعى قيام السيرة عليه، فيطبّقه على سلوكه الخارجيّ، فيرى بوجدانه إذا ما كان يصدر منه أو لا، ومن ثَمَّ يأخذ النتيجة ويعمّمها على العقلاء.

والآخر: أن يرجع إلى خبرته الشخصيّة مع العقلاء بحسب ما عاشه معهم بأن يرجع إلى خبرته الشخصيّة المتضمّنة لتفاعله مع تلك الحوادث بشكل إجمالي، فهو لا ينظر لنفسه في السيرة، بل إلى تجربته مع العقلاء، على أن لا يكون رجوعه بشكل استقرائيّ، كأنْ يرجع إلى ذاكرته لكي يجد الحوادث المرتبطة بالموضوع، ومن ثَمَّ يحاول جعلها قرائن أو مفردات للاستقراء.

نعم قد يقال: لا يعدّ الرجوع إلى الخبرة الشخصيّة رجوعاً إلى الوجدان، ولذا لم يعهد في موارد الاستدلال بالسيرة ذكر الوجدان.

إلَّا أنَّه يمكن أن يقال: إنّه لا أثر كبير لتحقيق كون هذا الرجوع إلى الخبرة الشخصيّة

ص: 184

من الرجوع إلى الوجدان، بل المهمّ هو تصوير البحث بتقريباته وإشكالاته في الرجوع إلى الخبرة الشخصيّة في السيرة.

وكلا النحوين يشملهما الخدش الذي مرّ، وكذا يمكن أن تشملهما التقريبات لإثبات الحجّيّة، والأمر يحتاج إلى مزيد نظر.

التنبيه الآخر: البديل للوجدان

قد يُتساءل: إذا لم يكن الوجدان حجّة، فما السبيل لإحراز الظهورات ونحوها من الشؤون اللغويّة والعرفيّة؟

والجواب: أنّ في المسألة عدّة سبل، فهنالك الاستقراء والتحليل والقرائن والمؤيّدات، فليس السبيل لإحراز الوجدان النوعيّ منحصراً باستخدام الوجدان الشخصيّ، كما أشار إلى ذلك السيّد الصدر (قدس سره): (إحرازه وجداناً وبالتحليل، وذلك بملاحظة ما ينسبق من اللفظ إلى الذهن من قبل أشخاص متعدّدين مختلفين في ظروفهم الشخصيّة بنحو يطمئن بحساب الاحتمالات أنّ انسباق ذلك المعنى الواحد من اللفظ عند جميعهم إنَّما كان بنكتة مشتركة هي قوانين المحاورة العامّة لا القرائن الشخصيّة؛ لأنَّ هذا خُلف اختلافهم في الملابسات الشخصيّة)(1).

وكذا ذكر سيّدنا الأستاذ (دامت برکاته): (..بل التبادر إلى ذهن الجميع، وهو اختبار ذهني يمكن التحقّق منه بالنظر إلى ما يخطر في أذهان الآخرين..)(2)، لذا فأسلوب الاستقراء ونحوه من السبل الممكنة، وهو ليس بغريب عن علماء الأصول.

ص: 185


1- بحوث في علم الأصول: 4/ 293.
2- مباني الأصول: 3/ 266.

ملحق: في رصد الاختلافات وعدمها في دعاوى الوجدان على موضوع واحد الاختلافات

1. فوائد الأصول: 1-2/ 131: الاختلاف في أنَّ الوجدان قاضٍ بوجود صفة وراء الإرادة وعدمها.

2. وقاية الأذهان: 265: نقل دعوى الوجدان على كلّ من القول بالمقدّمة الموصلة أو مع قصد التوصل، والقول بالمقدّمة مطلقاً.

3. حقائق الأصول: 1/ 70: الاختلاف حول وجدانيّة تبادر الصحيح، حيث قال (قدس سره): (دعوى التبادر دعوى وجدانيّة لا برهانيّة. والإنصاف أنّه لا يساعدها الوجدان).

4. بحوث في علم الأصول: 3/ 31: الاختلاف بين المصنّف (قدس سره) وبين المقرّر - في مبحث اجتماع الأمر والنهي - حول وجدانيّة تلازم بين شعورين.

5. بحوث في علم الأصول: 5/ 243: اختلاف آخر، ففي المورد الأوّل نقل الاختلافات في دعوى الوجدان في بعض مسائل انحلال العلم الإجماليّ، وفي المورد الثاني ذكر (قدس سره) وجدانه مخالفاً لما سبق ذكره من وجدان.

6. بحوث في شرح مناسك الحج: 8/ 256: الاختلاف في شهادة الوجدان حول الانحلال في بعض أصناف الخطابات.

7. منتقى الأصول: 2/ 333: الاختلاف حول وجوب المقدّمة.

8. نهاية الدراية: 1/ 329: بحوث في علم الأصول: 3/ 154، الاختلاف حول أداة الشرط.

ص: 186

9. دراسات في علم الأصول: 1/ 253، مباني الأصول: 10/ 522: في الدراسات القول بأنّ الوجدان قاضٍ بنفي الوجوب الغيريّ للأجزاء، وفي المباني نقل اعترافاً بوجود هذا الوجوب في الوجدان.

10. منتقى الأصول: 1/ 270، مطارح الأنظار: 1/ 73: الاختلاف في الوجدان أنَّه قاضٍ أن الوضع للصحيح أو الأعم.

11. كفاية الأصول: 126، مباني الأصول: 10/ 99: الاختلاف حول أصل وجوب المقدّمة.

12. كفاية الأصول: 259، بحوث في شرح مناسك الحج: 1/ 291: اختلاف في ما يقتضيه الوجدان في التجرّي.

13. نهاية الأفكار: 1-2/ 481، بحوث في علم الأصول: 3/ 172، الخلاف حول ما يقتضيه الوجدان في دلالة الجملة الشرطيّة على اللزوم والعلّيّة من عدمهما.

14. الفصول الغروية: 86، نهاية الأفكار: 1-2/ 338: اختلاف حول اعتبار الإيصال في معروض الوجوب الغيريّ.

موارد عدم وجود دعوى الخلاف:

1. كفاية الأصول: 138.

2. الهداية في الأصول: 2/ 176.

3. كفاية الأصول: 258.

4. الفصول الغرويّة: 23.

5. الفصول الغرويّة: 56.

ص: 187

6. كفاية الأصول: 13.

7. مقالات الأصول: 1/ 484.

8. معالم الدين: 78.

9. وقاية الأذهان: 170.

10. بحوث في علم الأصول: 2/ 363.

11. بحوث في علم الأصول: 3/ 14.

12. بحوث في علم الأصول: 3/ 214.

13. بحوث في علم الأصول: 3/ 409.

14. بحوث في علم الأصول: 5/ 336.

15. دراسات في علم الأصول: 2/ 241.

16. الهداية في علم الأصول: 2/ 398.

17. وقاية الأذهان: 312.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على محمّد وعترته الطّاهرين.

* * *

ص: 188

المصادر

1. أجود التقريرات، أبحاث الميرزا محمّد حسين الغرويّ النائيني (قدس سره)، (ت1355ﻫ)، بقلم السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) (ت1413ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، المطبعة تيز هوش - قم، ط الأولى، 1419ﻫ.

2. بحوث في علم الأصول، أبحاث السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره) (ت1400ﻫ)، بقلم السيّد محمود الشاهروديّ، الناشر: مؤسّسة دائرة معارف الفقه الإسلاميّ، المطبعة فروردين، ط الثالثة، 1417ﻫ.

3. بحوث في مناسك الحج، أبحاث السيد محمّد رضا السيستانيّ (دامت برکاته)، بقلم الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، المطبعة: دار المؤرّخ العربي - بيروت، ط الأولى.

4. بداية الوصول في شرح كفاية الأصول، الشيخ محمّد طاهر آل الشيخ راضي (قدس سره) (ت1400ﻫ)، الناشر: أسرة آل الشيخ راضي، مطبعة ستاره، ط الأولى، 1425ﻫ.

5. تاج العروس من جواهر القاموس، محبّ الدين أبو فيض السيّد محمّد مرتضى الحسينيّ الواسطيّ الزبيديّ الحنفيّ، دراسة وتحقيق: علي شيري، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.

6. تذكرة الفقهاء، العلامة الشيخ حسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط الأولى، 1414ﻫ.

7. تقريرات آية الله المجدّد السيّد الشيرازي (قدس سره) (ت1312ﻫ)، بقلم الشيخ علي الروزدري (ت1290ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط الأولى.

8. جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي (قدس سره) (ت940ﻫ)،

ص: 189

تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم المشرّفة، المطبعة: المهدية - قم، ط الأولى، 1408ﻫ.

9. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، الشيخ محمّد حسن النجفي (قدس سره) (ت 1266ﻫ)، حقّقه وعلّق عليه: الشيخ عباس القوچاني، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، 1365 ش.

10. حاشية كتاب المكاسب، آقا رضا الهمدانيّ (قدس سره) (ت1322ﻫ)، تحقيق: محمّد رضا الأنصاريّ القمّيّ، المطبعة: ستاره - قم، ط الأولى، 1420 ﻫ.

11. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحرانيّ (قدس سره) (ت1186ﻫ)، الناشر: الشيخ علي الآخوندي، مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم.

12. حقائق الأصول، السيّد محسن الطباطبائيّ الحكيم (قدس سره) (ت1390ﻫ)، الناشر: مكتبة بصيرتي - قم.

13. دراسات في علم الأصول، أبحاث السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) (ت1413ﻫ)، بقلم السيّد علي الهاشميّ الشاهروديّ (قدس سره)، الناشر: مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، المطبعة: محمد، ط الأولى، 1419ﻫ.

14. درر الفوائد، الشيخ عبد الكريم الحائريّ اليزديّ (قدس سره) (ت1355ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد مؤمن القمّيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الخامسة.

15. دروس في علم الأصول: السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره) (ت1400ﻫ)، ط الثانية، النشر: 1406.

16. رياض المسائل في بيان أحكام الشرع بالدلائل، السيّد علي الطباطبائيّ (قدس سره) (ت1231ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط الأولى، 1412ﻫ.

ص: 190

17. العروة الوثقى، السيّد محمّد كاظم الطباطبائيّ اليزديّ (قدس سره) (ت1337ﻫ)، تحقيق وطبع: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط الأولى، 1417ﻫ.

18. العين، الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170ﻫ)، الناشر: مؤسّسة دار الهجرة، 1409ﻫ، ط الثانية.

19. فرائد الأصول، الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (قدس سره) (ت1281ﻫ)، تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، ط الأولى، 1419ﻫ، المطبعة: باقري - قم.

20. الفصول الغرويّة في الأصول الفقهيّة، الشيخ محمّد حسين بن عبد الرحيم الطهرانيّ الحائري (قدس سره) (ت1250ﻫ)، الناشر: دار إحياء العلوم الإسلاميّة، 1404ﻫ. المطبعة: نمونه - قم.

21. فوائد الأصول، أبحاث الميرزا محمّد حسين الغرويّ النائينيّ (قدس سره) (ت1355ﻫ)، بقلم الشيخ محمّد علي الكاظميّ الخراساني (قدس سره) (ت1365ﻫ)، تعليق: الشيخ آغا ضياء الدين العراقيّ (قدس سره)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، 1404ﻫ.

22. قوانين الأصول، الميرزا أبو القاسم القمّيّ (قدس سره) (ت1231ﻫ)، النسخة الموجودة في قرص مكتبة أهل البيت (علیهم السلام) الإصدار الثاني.

23. الكافي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (قدس سره) (ت328 - 329ﻫ)، تحقيق وتعليق: علي أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، ط الخامسة، 1384ﻫ ش، المطبعة: حيدري.

24. كفاية الأصول، الآخوند الخراسانيّ (قدس سره) (ت1328ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، 1409ﻫ، ط الأولى.

25. مباحث الأصول، أبحاث السيّد محمّد باقر الصدر (قدس سره) (ت1400ﻫ)، بقلم السيّد

ص: 191

كاظم الحائري (دام ظله)، الناشر: دار البشير، ط الأولى، 1428ﻫ، المطبعة: ظهور - قم.

26. مباني الأصول: أبحاث السيد محمّد باقر السيستانيّ (دامت افاداته)، بقلم الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، نسخة أوّليّة محدودة التداول، 1434ﻫ.

27. محاضرات في أصول الفقه، أبحاث السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره) (ت1413ﻫ)، بقلم الشيخ محمّد اسحاق الفياض (دام ظله)، طبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم المشرّفة، ط الأولى.

28. المحكم في أصول الفقه: السيّد محمّد سعيد الطباطبائيّ الحكيم (دام ظله)، مؤسّسة المنار، ط الأولى 1414ﻫ، المطبعة: جاويد.

29. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام: الشيخ زين الدين بن علي العامليّ (الشهيد الثاني) (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، ط الأولى، 1413ﻫ، المطبعة: چاپ وگرافيك بهمن - قم.

30. مستند الشيعة في أحكام الشريعة، الشيخ أحمد النراقي (قدس سره) (ت1245ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - مشهد المقدّسة، ط الأولى، 1415ﻫ، المطبعة: ستارة - قم.

31. مشارق الشموس في شرح الدروس (ط. ق)، الشيخ حسين بن جمال الدين محمّد الخوانساري (قدس سره) (ت 1099ﻫ)، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

32. مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني (قدس سره) (ت1322ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد الباقريّ والشيخ نور علي النوريّ والشيخ محمّد الميرزائيّ، الناشر: المؤسّسة الجعفريّة لإحياء التراث، ط الأولى، 1417ﻫ، المطبعة: ستارة - قم.

33. مطارح الأنظار: أبحاث الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري (قدس سره) (ت1281ﻫ)، بقلم

ص: 192

الميرزا أبو القاسم الكلانتريّ الطهرانيّ (قدس سره) (ت 1292ﻫ)، تحقيق: مجمع الفكر الإسلاميّ، ط الأولى، 1425ﻫ، المطبعة شريعت - قم.

34. معالم الدين وملاذ المجتهدين، الشيخ جمال الدين الحسن نجل الشهيد الثاني زين الدين العاملي (قدس سره) (ت1011ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم المشرّفة.

35. مفتاح الكرامة، السيّد محمّد جواد العامليّ (قدس سره) (ت1226ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد باقر الخالصيّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم المشرّفة، ط الأولى، 1419ﻫ.

36. مقالات الأصول، آقا ضياء العراقي (قدس سره) (ت1361ﻫ)، تحقيق: الشيخ محسن العراقي، السيّد منذر الحكيم، الناشر: مجمع الفكر الإسلاميّ، ط المحقّقة الأولى، 1414ﻫ، المطبعة: باقري.

37. منتقى الأصول، أبحاث السيّد محمّد الروحانيّ (قدس سره) (ت1418ﻫ)، بقلم السيد عبد الصاحب الحكيم (قدس سره) (ت1403ﻫ)، ط الثانية، 1416ﻫ، المطبعة: الهادي.

38. نهاية الأفكار، أبحاث الشيخ آغا ضياء الدين العراقيّ (قدس سره) (ت1361ﻫ)، بقلم الشيخ محمّد تقي البروجرديّ النجفيّ (قدس سره) (ت1391ﻫ)، طبع ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط الخامسة، 1431ﻫ.

39. نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ محمّد حسين الغرويّ الأصفهانيّ (قدس سره) (ت1361ﻫ)، تحقيق وتعليق: الشيخ مهدي أحدي أمير كلائي، الناشر: انتشارات سيّد الشهداء - قم، ط الأولى، 1374ﻫ ش المطبعة: أمير - قم.

40. هداية المسترشدين في شرح أصول معالم الدين، الشيخ محمّد تقي الرازي النجفيّ الأصفهانيّ (قدس سره) (ت1248ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط الثانية، 1429ﻫ.

ص: 193

41. الهداية في الأصول، أبحاث السيّد أبو القاسم الخوئيّ (قدس سره) (ت1413ﻫ)، بقلم الشيخ حسن الصافي الأصفهانيّ (قدس سره) (ت 1416ﻫ)، ط الأولى، 1417ﻫ، المطبعة: ستاره - قم.

42. وقاية الأذهان: الشيخ محمّد رضا النجفيّ الأصفهانيّ (قدس سره) (ت1362ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، ط الأولى، 1413ﻫ، المطبعة: مهر - قم.

ص: 194

نَظَريَّةُ الحُكُومَة (الحلقة الثَّانية) - الشَّيخ نجم التُّرابيّ (دام عزه)

اشارة

إنّ من الأهمّيّة بمكان معرفة مقاصد المتكلّم من خلال كلامه، إذ قد يعتريه شيء من الإجمال، أو ما قد يبدو أنّه تنافٍ في الكلام، وإنّ لرفع هذا الإجمال أو التنافي طرقاً عقلائيّة تُنتج الكشف عن المراد النهائيّ من مجموع كلمات المتكلّم.

والبحث - الَّذي بين أيدينا - يُسلّط الضوء على إحداها، وهي نظريّة الحكومة، حيث يتناول أركانها وميزان قرينيّتها وأهمّ شؤونها في عدّة فصول، مستنيراً بكلمات الأعلام وتحقيقاتهم مع الإشارة إلى موارد التأمّل.

ص: 195

ص: 196

بسم الله الرحمن الرحیم

الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على رسوله محمَّد وآله الميامين.

وبعد، تعرضَّنا في الحلقة السَّابقة للفصول الثَّلاثة الأُول، وكان أوَّلها في ضابط الحكومة، وثانيها في النظر ومُهمّ شؤونه، وثالثها في ميزان القرينيَّة في الحكومة. وسنتعرَّض في هذه الحلقة للفصل الرَّابع في رتبة الحكومة بالنِّسبة إلى باقي أبواب التَّعارض، والخامس في تقسيمات الحكومة، ثمَّ خاتمة لمقارنة الحكومة مع الجمع العرفيّ والورود.

الفصل الرَّابع: رتبة الحكومة بالقياس إلى باقي أبواب التَّعارض

اشارة

إذا دار الأمر بين الحكومة من جهةٍ والورود أو الجمع العرفيّ أو التَّعارض المستقرِّ من جهة أُخرى فأيُّهما يقدَّم؟

وفي المسألة ثلاثة أنحاء متصوَّرة للدوران المذكور، وهي:

النَّحو الأوَّل

أن يكون هناك خبران، أحدهما مشتمل على مزيّة تجعله ناظراً وحاكماً على الآخر، والخبر الآخر مشتمل على ما يجعله وارداً على الأوَّل، أو أقوى منه ظهوراً،

ص: 197

أو واجداً لمرجِّح من مرجِّحات التَّعارض المستقرّ دون الأوَّل.

النَّحو الثَّاني

أن يكون نفس الخبر الأوَّل الواجد للمزيّة الموجبة لنظره للآخر واجداً أيضاً لما يجعله وارداً على الآخر، أو أقوى ظهوراً منه، أو واجداً لمرجِّح من مرجِّحات التَّعارض المستقرِّ.

النَّحو الثَّالث

اشارة

أن يكون هناك ثلاثة أخبار: الخبر (أ) مثلاً حاكم على الخبر (ج) هذا من جهة، ومن جهة أخرى الخبر (ب) وارد على الخبر (ج) أو أقوى ظهوراً منه، أو واجدٌ لمرجِّح من مرجِّحات التَّعارض المستقرِّ بالقياس إلى (ج) غير الواجد لها.

هذا مع كون الجهتين مرتبطتين بموردٍ واحدٍ، بحيث يدور الأمر بين هذا العلاج وبين ذاك العلاج الآخر، وأمَّا إذا كان كلٌّ منهما في موردٍ فلا يندرج في المقسم من دوران الأمر بين هذه الوجوه.

والكلام يقع في جانبين:

الجانب الأوَّل

في معقوليَّة اجتماع الحكومة مع الورود، أو الجمع العرفيّ، أو التَّعارض المستقرِّ في الأنحاء الثَّلاثة المذكورة آنفاً وعدم معقوليَّته.

ولا كلام في اجتماع الحكومة والجمع العرفيّ، وإنَّما الكلام في اجتماعها مع الورود ومع التَّعارض المستقرِّ.

أمَّا اجتماع الحكومة والورود التَّضييقيّين فإنَّه لا يعقل؛ لأنَّه في الحكومة - كما اتَّضح من قبل - يكون مدلول الحاكم متنافياً مع مدلول المحكوم، بخلافه في الورود، فإنَّه لا تنافي في المدلول بين الوارد والمورود؛ لأنَّ الدليل الوارد يتعرَّض لموضوع الدليل المورود بأن يُخرج فرداً منه، وأمَّا الدليل المورود فإنَّه لا يتعرَّض لموضوعه إثباتاً ولا نفياً؛ لكونه على نهج القضيَّة الحقيقيَّة التي عرفنا رجوعها إلى قضيَّة شرطيَّة مفادها ثبوت الجزاء على تقدير ثبوت الشَّرط من غير تعرُّض لإثبات الشَّرط أو نفيه، فلا يتَّحد

ص: 198

الموضوع، ومن المعلوم أنَّ من شرائط التَّعارض وحدة الموضوع، فإذا فرضنا أنَّ أحد الدليلين حاكم فلا بدَّ أن يكون الآخر محكوماً؛ لأنَّهما من قبيل المتضايفين، وكذلك في طرف الورود، ومن ثَمَّ يكون هذان الدَّليلان متنافيين من جهة الحكومة دون جهة الورود، وهو محال.

فتحصّل: أنَّه لا يعقل اجتماع الحكومة والورود على سبيل النَّحوين الأوَّل والثَّاني. نعم، يبقى النَّحو الثَّالث وما كان على سبيل التَّوسعة من النَّحوين الأوَّل والثَّاني، حيث لا يجري فيها البيان المذكور، فلا مانع من اجتماعهما.

وأمَّا اجتماع الحكومة والتَّعارض المستقرِّ فقد يقال: إنَّه لا يعقل اجتماعهما أيضاً؛ لأنَّه في التَّعارض المستقرِّ لا بدَّ من استقرار التَّنافي، وفي الحكومة يكون التَّنافي بدويّاً.

ولكن يرد عليه:

أوَّلاً: أنَّ هذا البحث يأتي بعينه في دوران الأمر بين الجمع العرفيّ والتَّعارض المستقرِّ، فما يقال هناك يقال هنا.

وثانياً: أنَّ حقيقة هذا الدَّوران هو أنَّ أدلّة اعتبار أحكام التَّعارض المستقرِّ - وهي مفاد الأخبار العلاجيَّة - ومقتضى القاعدة هل تعمُّ موارد الحكومة، أو أنَّ أدلّة اعتبار الحكومة تخرجها عن كونها من موارد التَّعارض المستقرِّ وتعدُّها أسبق رتبة منها؟

والبناء على اختصاص مفاد الأخبار العلاجيَّة ومقتضى القاعدة بموارد التَّعارض المستقرِّ أوَّل الكلام، والتَّعبير عنه ب-(المستقرِّ) بحسب ما يأتي في نهاية المطاف من نتيجته.

الجانب الآخر

في تكييف تأخُّر الحكومة عن الورود، وتقدُّمها على الجمع العرفيّ.

ولا خلاف في تأخُّر الحكومة عن الورود، وتقدُّمها على الجمع العرفيّ، والتَّعارض

ص: 199

المستقرِّ، وإنَّما الكلام في توجيه ذلك وتخريجه.

أمَّا بالنِّسبة للحكومة والورود فإنَّه:

(تارةً) لا مانع من جريانهما معاً، وذلك في حال اختلاف مصبِّهما.

و(أُخرى) قد لا تكون أهميَّة لتحديد أيٍّ منهما هو الَّذي يجري، كما لو كان كلاهما على نحو التَّضييق وفي مصبٍّ واحد.

(ثالثة) لا بدَّ من تحديد أيِّهما المتقدِّم رتبة كما في النَّحو الثَّالث فيما لو كان أحدهما على سبيل التَّضييق بالنِّسبة للدليل الثَّالث، والآخر على نحو التَّوسعة، وأحدهما يبطل العمل والآخر يصحِّحه.

والوجه في تقديم الورود على الحكومة هو أن يقال: إنَّ إخراج فرد من الطَّبيعيّ في الحكومة التضييقيَّة لمّا كان إخراجاً حكميَّاً اعتباريَّاً فإنَّه مبنيّ على بقاء الفرد تحت الطبيعيّ حقيقة وتكويناً، وإلَّا يكون الإخراج الاعتباريّ بنحو السَّالبة بانتفاء الموضوع، وهذا يعني أنَّه بجريان الورود لا يعقل جريان الحكومة، وبجريان الحكومة لا مانع من جريان الورود، فالورود جارٍ على كلِّ حالٍ، والحكومة جارية على تقدير عدم جريان الورود. ولمَّا كان الدَّليل الوارد متقدِّماً على الدَّليل المورود - والَّذي هو الدَّليل الثَّالث - دائماً وأبداً فلا معنى لجريان الحكومة، وهذا يعني تقدُّم الورود على الحكومة بنفس آليّة تقدُّم الوارد على المورود، والحاكم على المحكوم وفق رأي المحقِّق النَّائيني (قدس سره).

وبعين هذا البيان نثبت تقدُّم الورود على الجمع العرفيّ من التَّخصيص والتَّقييد ونحوهما.

وأمّا بالنِّسبة لتقدُّم الحكومة على الجمع العرفيّ فقد أفاد السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) (1) أنَّ

ص: 200


1- يلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 6/ 343.

الحكومة تفسير مباشر من قبل شخص المتكلّم؛ لأنَّها بإعداد منه، في حين أنَّ الجمع العرفيّ على أساس جعل العرف وقراره، فيكون أُسلوباً عامَّاً. والتَّفسير المباشر من قبل شخص المتكلّم يكون أقرب إلى الواقع وأضمن، ومن هنا كانت الحكومة أقوى من الجمع العرفيّ، ومقدَّمة عليه.

وذكر (قدس سره) في تقرير بحثه الآخر(1): أنَّ تقديم أقوى الظُّهورين - وهو الجمع العرفيّ - إنَّما هو على أساس نظامٍ عامٍّ لفهم المراد من الكلام عند العرف والعقلاء، وتقديم الحاكم على المحكوم يكون على أساس نظامٍ خاصٍّ فرضه المتكلّم لفهم مراده، وطبعاً النِّظام الخاصُّ الَّذي يفرضه المتكلّم لفهم مراده متقدِّم على النِّظام العامِّ.

وأمَّا بالنِّسبة لتقدُّم الحكومة على التَّعارض المستقرِّ فإنَّه يمكن أن يستدلّ له - على الإجمال - بنفس الوجوه التي تذكر لتقدُّم الجمع العرفي على التَّعارض المستقرِّ، من جهة أنَّ القرينيَّة في الحكومة لا تقلُّ عنها في الجمع العرفيّ، بل هي أوضح فيها كما عرفت. وعليه فكما لا يستقرُّ التَّعارض في موارد الجمع العرفيّ فإنَّه لا يستقرُّ في موارد الحكومة بطبيعة الحال.

ثُمَّ إنَّ بعض الإيرادات على جريان أحكام التَّعارض المستقرِّ في مورد الجمع العرفيّ لو تمَّت في موارد الجمع العرفيّ فإنَّه لا وجه لها في موارد الحكومة، كدعوى رادعيَّة الأخبار العلاجيَّة، كما لا يخفى.

بيان ذلك: أنَّ ما يحتجّ به على عدم جريان أحكام التَّعارض في موارد الجمع العرفيّ، ومن ثمَّ في موارد الحكومة وجهان:

الوجه الأوَّل: لا ريب أنَّ جري العقلاء على أنَّه إذا أمكن التَّوفيق بين كلمات

ص: 201


1- يلاحظ: مباحث الأُصول: ق2ج5/ 581.

المتكلّم وفق ما يرتضيه من أساليب - سواء جعلها هو لنفسه كما في الحكومة والأساليب الخاصَّة بزعماء الملل والسياسة والمجتمع، أو اتَّبع ما عليه العرف العامُّ ولو بارتكازه كما في الموارد الواضحة للجمع العرفيّ - فإنَّه لا يصحُّ التَّعدِّي عنه، والبناء على عدم وضوح مراده، واستقرار التَّنافي بين كلماته وإجراء أحكام التَّعارض عليها.

وهذا الوجه تامٌّ، وهو يجري في موارد الحكومة والجمع العرفيّ جميعاً.

الوجه الآخر(1): طوائف من النّصوص تقتضي إعمال الجمع العرفيّ، وهي تعمُّ بإطلاقها موارد الحكومة، بل لا يبعد أن تكون الحكومة من أكمل مصاديقها.

الطَّائفة الأولى

الرِّوايات التي تحثُّ الشِّيعة على فهم مراد الأئمَّة (علیهم السلام) من الأجوبة المختلفة التي يلقونها حول موضوع واحد:

منها: معتبرة الأحول، عن أبي عبد الله (علیه السلام): (أنتم أفقه النَّاس ما عرفتم معاني كلامنا، إنَّ كلامنا لينصرف على سبعين وجهاً)(2).

ومنها: ما في معاني الأخبار عن أبي عبد الله (علیه السلام): (حديث تدريه خير من ألفٍ ترويه، ولا يكون الرجل منكم فقيهاً حتَّى يعرف معاريض كلامنا، وإنَّ الكلمة من كلامنا لتنصرف على سبعين وجهاً، لنا من جميعها المخرج)(3).

ولا يخفى أنَّ من فقاهة الرَّجل ودرايته للحديث الالتفات إلى الجمع العرفيّ والحاكم والمحكوم، فلا يصير بمجرد التَّنافي إلى استقراره وإجراء أحكام التَّنافي المستقرِّ.

ص: 202


1- يلاحظ: فرائد الأُصول: 4/ 67- 68،72، تعارض الأدلّة واختلاف الحديث:2/ 329، كتاب التعارض للسيّد الطَّباطبائيّ اليزديّ (قدس سره): 144، الأُصول في علم الأُصول: 447.
2- يلاحظ: بصائر الدرجات: 349، ح6، معاني الأخبار: 1، ح1.
3- معاني الأخبار: 2، ح3.

الطَّائفة الثَّانية

الرِّوايات الدالَّة على لزوم الأخذ بالمحكم وردِّ المتشابه إليه، كما ورد عن الإمام الرِّضا (علیه السلام) قال: (من ردَّ متشابه القرآن إلى محكمه هُدي إلى صراط مستقيم). ثمَّ قال (علیه السلام): (إنَّ في أخبارنا متشابهاً كمتشابه القرآن، ومحكماً كمحكم القرآن، فردُّوا متشابهها إلى محكمها، ولا تتّبعوا متشابهها دون محكمها فتضلُّوا)(1).

قال السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) ما لفظه: (وليعلم أنَّ القرينة الشَّخصيَّة كما تتحقَّق في حالات الحكومة عن طريق نظر أحد الدَّليلين إلى الآخر كذلك قد تتحقَّق على أساس تعيين أحد الدليلين للقرينيَّة بموجب قرار شخصيٍّ عامٍّ من المتكلّم، كما إذا عيَّن الشَّارع المحكمات التي هي أُمّ الكتاب للقرينيَّة على المتشابهات وتحديد المراد النهائي منها)(2).

وقد ذكر الشَّيخ الأنصاري (قدس سره) (3) أنَّ المراد بالمتشابه هو الظَّاهر الَّذي أُريد خلافه، فيكون المراد من أحاديث إرجاع المتشابه إلى المحكم هو إرجاع الظَّاهر إلى النَّصِّ أو الأظهر، وهو يشمل موارد الحكومة؛ لأنَّ الدَّليل الحاكم يُبيِّن أنَّ المراد الجديّ من الدَّليل المحكوم على خلاف ظاهره، فيكون في هذه الحالة متشابهاً.

الطَّائفة الثَّالثة

الرِّوايات التي تحثُّ على معرفة الناسخ من المنسوخ، كمعتبرة منصور بن حازم عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: قلت: فأخبرني عن أصحاب رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) صدقوا على محمّد (صلی الله علیه و آله و سلم) أم كذبوا؟ قال: (صدقوا). قلت: فما بالهم اختلفوا؟ قال: (أمَا تعلم أنّ الرجل كان يأتي رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) فيسأله عن المسألة فيجيبه فيها بالجواب، ثمَّ

ص: 203


1- جامع أحاديث الشِّيعة: 1/ 186- 187، باب حجيَّة ظواهر الكتاب بعد البحث عن المخصِّص والمقيِّد، ح12.
2- بحوث في علم الأُصول: 7/ 169.
3- فرائد الأُصول: 4/ 72.

يجيئه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب، فنسخت الأحاديث بعضها بعضاً)(1).

وشمول هذه الطائفة للحكومة بالنَّظر إلى أنَّ من الجائز ورود الدَّليل الحاكم على سبيل النسخ للدليل المحكوم، فيُبيِّن عدم كونه مراداً جديّاًَ بإطلاقه الأزمانيّ.

وقد يُضاف إلى ذلك أنَّ النَّسخ في كلمات الصَّحابة والتَّابعين ومَن بعدهم كان يراد منه ما هو أوسع من النَّسخ الاصطلاحيّ الَّذي يعني انتهاء أمد الحكم، وعليه فيشمل موارد الجمع العرفيّ والحكومة التَّضييقيَّة، قال السَّيِّد الخوئي (قدس سره): (النَّسخ في الفقه:... وقد كثر استعماله في هذا المعنى في ألسنة الصَّحابة والتَّابعين، فكانوا يطلقون على المخصِّص والمقيِّد لفظ النَّاسخ)(2).

وذكر الشَّاطبي في الموافقات: (إنَّ الَّذي يظهر من كلام المتقدِّمين أنَّ النَّسخ في الإطلاق أعمُّ منه في كلام الأُصوليّين، فقد يطلقون على تقييد المطلق نسخاً، وعلى تخصيص العموم بدليل متّصل أو منفصل نسخاً، وعلى بيان المبهم والمجمل نسخاً، كما يطلقون على رفع الحكم الشَّرعيّ بدليل شرعيّ متأخِّر نسخاً)(3).

وكما أشرنا من قبل إنَّ موارد الحكومة كانت في كلماتهم مندرجة تحت العامِّ والخاصِّ والمطلق والمقيَّد ونحوهما، وعليه لا يصحُّ بمجرَّد التَّنافي البناء على استقراره، بل لا بدَّ من التَّأمُّل والفحص عن الأدلّة المتنافية هل هي من قبيل المحكم والمتشابه، أو من قبيل النَّاسخ والمنسوخ، ومن ثُمَّ الحاكم والمحكوم فيحمل المحكوم على الحاكم، وعلى ضوئه يُحدَّد مراد المتكلم.

ص: 204


1- الكافي: 1/ 65، باب اختلاف الحديث، ح3.
2- البيان في تفسير القران: 275، 286.
3- الموافقات: 3/ 344.

وقد يقابَل ذلك بإطلاق الأخبار العلاجيَّة للمتعارضين، وهما يصدقان على موارد الجمع العرفيّ وكذلك الحاكم والمحكوم، ولكنَّه ضعيف خاصَّة في شأن موارد الحكومة.

وفي المقام بعض الأخذ والرَّدِّ نوكله إلى محلِّه من مباحث الجمع العرفيّ.

الفصل الخامس: تقسيمات الحكومة

اشارة

ذُكرت في كلمات الأعلام عدَّة تقسيمات للحكومة أعمّ من كونها تقسيمات أوَّليَّة أو ثانويَّة:

التَّقسيم الأوَّل

اشارة

ما عن المحقِّق النَّائيني (قدس سره) (1)، حيث قسَّم الحكومة بحسب المتصرَّف فيه إلى قسمين:

القسم الأوَّل

أن يكون المتصرَّف فيه عقد الوضع من الدَّليل المحكوم، والمراد بعقد الوضع ما يعمُّ موضوع الحكم ومتعلّقه؛ ذلك أنَّ عقد الوضع يراد به ما يكون موضوعاً في المادّة القانونيَّة في مقابل عقد الحمل فيها والَّذي هو الحكم.

القسم الآخر

أن يكون المتصرَّف فيه عقد الحمل من الدَّليل المحكوم، ومثاله حكومة (لا ضرر) على إطلاقات أدلّة الأحكام الأوَّليَّة وعموماتها، بناءً على تفسيرهم للضرر المنفي في الحديث ب-(الحكم الضَّرريّ).

وأورد بعض الأعاظم (دام ظله العالی) على هذا التَّقسيم بوجوه ثلاثة(2):

ص: 205


1- يلاحظ: فوائد الأُصول: 4/ 593.
2- يلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 239، تعارض الأدلّة واختلاف الحديث: 1/ 33.

أوَّلها: أنَّ اعتبار القسم الثَّاني من قبيل الحكومة مبنيٌّ على ما هو المعروف من أنَّ ضابط الحكومة هو النَّظر إلى دليل آخر، لا على مختاره (دام ظله العالی) من أنَّ ضابط الحكومة أن يكون لسان الدليل الحاكم لسان مسالمة وملاءمة مع الدليل المحكوم إن كان؛ حيث لا يشترط في الحكومة على مبناه (دام ظله العالی) النَّظر إلى عامٍّ أو مطلقٍ.

ثانيها: أنَّ القسمة غير حاصرة، حيث سيأتي في أقسام الحكومة التَّنزيليَّة أنَّ المنظور إليه قد يكون معلولاً للحكم في الخارج ك-(لا حرج في الدِّين)، بناءً على أنَّ الحرج أثرُ الحكم وليس وصفاً له لكي يفيد نفي الحكم الحرجيّ، فلا يكون المتصرَّف فيه من قبيل عقد الحمل، ولا من قبيل عقد الوضع في المادَّة القانونيَّة.

ثالثها: ليس هناك معيارٌ محدّد لوقوع الشَّيء موضوعاً أو محمولاً في مختلف القضايا، فقد يكون الشَّيء الواحد كالحجِّ - مثلاً - موضوعاً في قضية مثل: (الحجُّ واجب على المستطيع)، ولا يقع موضوعاً في قضية أُخرى مثل: (إن استطعت وجب الحجُّ).

ويمكن الجواب:

أمَّا الإيراد الأوَّل فقد تقدَّم الكلام فيه في الحلقة الأُولى.

وأمَّا الإيراد الثَّاني - من عدم حاصريَّة القسمة - فإنَّه يحتمل(1) أنّ المحقِّق النَّائيني (قدس سره) لا يريد أنَّ مصبَّ التَّعرُّض والتَّصرُّف المباشر عقد الوضع أو عقد الحمل، بدليل أنَّه اعتبر الأمارات حاكمةً على الأُصول العمليَّة الشَّرعيَّة، مع أنَّه ليس هناك تصرُّف مباشر في موضوع الأُصول العمليَّة، بناءً على مبناه في حجيَّة الأمارات من جعل الطَّريقيَّة على سبيل الاعتبار المتأصِّل - كما مضت الإشارة إليه -، فالتَّصرُّف في الموضوع يعمُّ ما ينتهي إلى الموضوع. ويمكن أن نقول مثله في جانب الحكم من أنَّه الحكم أو ما يكون مسبَّباً

ص: 206


1- يُلاحظ: أُصول الفقه: 12/ 21 وما بعدها.

عنه.

وأمَّا بالنِّسبة للإيراد الثَّالث فيحتمل أنَّ المقصود من عقد الحمل ليس ما يكون محمولاً في نصِّ الدَّليل، وإنَّما الحكم في القضيَّة الإنشائيّة، وهو عادة المحمول في المادَّة القانونيَّة - التي هي مفاد الدَّليل لا نصَّ الدَّليل - لتأخُّره رتبة عن الموضوع والمتعلَّق.

وبهذا تتّضح حدود المقصود من عقد الوضع وعقد الحمل.

هذا، وقد ذكر المحقِّق النائيني (قدس سره) هذا التَّقسيم في قاعدة لا ضرر(1) بنحو آخر حيث أفاد: أنَّ الحكومة على أقسام:

منها: ما يتعرَّض لموضوع المحكوم، كما لو قيل: (زيد ليس بعالم)، بعد قوله: (أكرم العلماء).

ومنها: ما يتعرَّض لمتعلَّق الحكم الثَّابت في المحكوم، كما لو قيل: (إنَّ الإكرام ليس بالضِّيافة).

ومنها: ما يتعرَّض لنفس الحكم، كما لو قيل: (إنَّ وجوب الإكرام ليس في مورد زيد).

ومن الواضح أنَّ الإيراد الثَّالث المذكور لا يرد على هذا البيان.

التَّقسيم الثَّاني

اشارة

ما عن المحقِّق النَّائيني (قدس سره) (2) أيضاً من أنَّ التَّصرُّف في عقد الوضع - المتمثِّل بالقسم الأوَّل من التَّقسيم الأوَّل - على قسمين:

القسم الأوَّل

ما يكون التَّصرُّف فيه لا على سبيل إعدام الموضوع في عالم التَّشريع، وإنَّما بتوسعة دائرته أو تضييقه، وذلك بإدخال ما يكون خارجاً عنه، أو بإخراج ما

ص: 207


1- يُلاحظ: منية الطَّالب في شرح المكاسب: 3/ 408.
2- يُلاحظ: فوائد الأُصول: 4/ 595.

يكون داخلاً فيه، كما لو قيل: (المتّقي عالم)، أو (العالم الفاسق ليس بعالم) عقيب قوله: (أكرم العلماء).

القسم الآخر
اشارة

ما يكون فيه التَّصرُّف المذكور على سبيل إعدام الموضوع في عالم التَّشريع مع بقائه في عالم التكوين، كحكومة الأمارات مطلقاً على الأُصول الشرعيَّة، بناءً على رأيه (قدس سره) من أنَّ المجعول في باب الأمارات هو تتميم الكشف، لا على سبيل التنزيل، وإنَّما على نحو الاعتبار المتأصِّل.

وقد أفاد بعض الأعاظم (دام ظله العالی) (1): أنَّ هذا التَّقسيم بلحاظ المراد الاستعماليِّ للدليل الحاكم، فإنَّه في القسم الأوَّل يكون على سبيل الاعتبار الأدبيِّ التَّنزيليِّ، وفي القسم الثَّاني على سبيل الاعتبار المتأصِّل القانونيِّ، وأمَّا المراد التَّفهيميّ ففي كليهما واحد، وهو ثبوت الحكم أو نفيه، ثمَّ تأمَّل (دام ظله العالی) في اعتبار القسم الثَّاني من الحكومة.

وهنا أمران:

الأمر الأوّل

أشرنا فيما سبق أنَّ سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) بنى على أنَّ التَّنزيل ينقسم إلى تنزيلٍ أدبيٍّ، وآخر قانونيٍّ، ولذا يناسب أن يجعل القسم الأوَّل في التَّنزيل من دون أن يقيَّد بالأدبيِّ حتّى يشمل كلا قسمي التَّنزيل. ومنه ينشأ تقسيم جديد للحكومة التَّنزيليَّة، وهو أنَّ التنزيل فيها: إمَّا على سبيل التنزيل الأدبيِّ، أو على سبيل التَّنزيل القانونيِّ.

ثمَّ إنَّه لمّا كان التَّنزيل في التَّنزيل القانونيِّ دخيلاً في المراد التَّفهيميِّ فإنَّه لا بدَّ أن يكون ملاك التَّقسيم أعمَّ من المراد الاستعماليِّ والمراد التَّفهيميِّ.

الأمر الآخر

أنَّه لا بدَّ في صحَّة التَّقسيم من إثبات وجود الأقسام، والقسم الأوَّل

ص: 208


1- يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 233، تعارض الأدلّة واختلاف الحديث: 1/ 28.

لا خلاف في ثبوته؛ إذ إنَّ أغلب موارد الحكومة من قبيل الحكومة التَّنزيليَّة هذه، وإنَّما الخلاف في القسم الآخر حيث - كما ذكرنا - تأمَّل فيه بعض الأعاظم (دام ظله العالی)، وكذلك السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) (1)؛ حيث اعتبر هذا التَّقسيم من قبيل الورود لا الحكومة. وتحقيق الحال فيه نوكله إلى محلّ آخر.

التَّقسيم الثَّالث: تقسيم الحكومة إلى واقعيَّة وظاهريَّة

اشارة

باعتبار أنَّ المتصرَّف فيه (تارةً) هو الحكم الواقعيُّ، و(أُخرى) الحكم الظاهريُّ. وقد اختُلف في ميزان هذا التَّقسيم وصحَّته، ومن ثَمَّ نوقع الحديث في جانبين:

الجانب الأوَّل: في ميزان هذا التَّقسيم
اشارة

بمعنى القيود التي تؤدِّي إلى أنَّ الحاكم بحكومته يتصرَّف في الحكم الواقعيّ.

وهناك تقريبان في ما نحن فيه:

التَّقريب الأوَّل

ما ذكره المحقِّق النَّائيني (قدس سره) من أنَّ ميزان الحكومة الواقعيَّة مؤلَّف من شقّين: ثبوتيٍّ وإثباتيٍّ(2):

أمَّا الشّقُّ الثبوتيّ فبأن يكون الحكم المذكور في الدَّليل الحاكم مجعولاً في عرض الحكم المدلول عليه بالدَّليل المحكوم، فمثلاً في التَّخصيص - والَّذي هو عين الحكومة ثبوتاً - يُجعل حكم الخاصِّ في عرض جعل حكم العامِّ من دون أن يكون بين الجعلين طوليَّة وترتُّب، وعندئذٍ تكون دائرة تصرُّف الحكم المفاد بالدَّليل الحاكم هي نفس دائرة الحكم في الدَّليل المحكوم فيوجب توسعته أو تضييقه.

وهذا بخلاف ما لو كان المجعول في الدَّليل الحاكم في رتبة متأخِّرة عن المجعول

ص: 209


1- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 6/ 342.
2- يُلاحظ: فوائد الأُصول: 1-2/250، أجود التقريرات: 1/ 288.

في المحكوم، فإنَّ تصرُّفه سيكون في تلك الرُّتبة المتأخِّرة عن المجعول لا نفس المجعول.

والحالة الأولى إنَّما تكون بين الأحكام الواقعيَّة، وأمَّا بين الأحكام الظاهريَّة والواقعيَّة فمن الواضح اختلاف الرُّتبة بين جعليهما، حيث يكون المجعول الظاهريُّ في طول المجعول الواقعيِّ؛ لأنَّه يجعل في رتبة الشَّكِّ في المجعول الواقعيِّ.

وأمَّا الشّقُّ الإثباتيّ فبأن لا يؤخذ الشَّكُّ في المحكوم - والَّذي هو الحكم الواقعيُّ - في موضوع الدليل الحاكم، فإنَّه إذا كان دليل الحكم الظاهريِّ حاكماً على دليل الحكم الواقعيِّ - ولا يكون حاكماً إلَّا في حال الشَّكِّ في الحكم الواقعيِّ - فإنَّ تصرُّفه يكون في مرتبة الشَّكِّ هذا، لا في مرتبة الواقع المشكوك.

التَّقريب الآخر
اشارة

ما ذكره المحقِّق الشيخ حسين الحلِّي (قدس سره) (1) من أنَّ الحكومة الواقعيَّة إنَّما تحصل في حال تحقُّق أمرين:

أحدهما: أن يكون ما يتضمَّنه الدَّليل الحاكم حكماً واقعيَّاً، وأمَّا إذا كان حكماً ظاهريَّاً فإنَّ الحكومة ستكون ظاهريَّة سواء كان الدَّليل المحكوم واقعيَّاً أم ظاهريَّاً.

والآخر: أن لا يؤخذ الشَّكُّ في المحكوم في موضوع الدَّليل الحاكم، وهو عين الشّقِّ الإثباتيِّ المذكور آنفاً.

وأمَّا الاتّحاد الرُّتبيّ بين المجعولين ثبوتاً فلا يعتبره (قدس سره) في الحكومة الواقعيَّة، بل يعتبر بديله - كأمرٍ ثالثٍ - وهو تأخُّر جعل الحاكم عن المحكوم مرتبة؛ باعتبار كون الحكم في الدَّليل الحاكم متفرِّعاً عن أصل الحكم في المحكوم، ففي حكومة (لا شكَّ لكثير الشَّكِّ) على (متى شككت فابنِ على الأكثر) إذا لم يكن حكم الشَّكِّ هو البناء على الأكثر لم يتوجَّه نفي الشَّكِّ عن كثير الشَّكِّ بمعنى نفي حكمه عنه.

ص: 210


1- يُلاحظ: أُصول الفقه:2/ 388.

وفي كلام العلمين (قدس سرهما) أمران:

الأمر الأوَّل

أنَّ بين العلمين اختلافاً في كيفيَّة التَّشريع ثبوتاً فيما إذا كانت النِّسبة بين الحكمين العموم المطلق سواء أكان بلسان التَّخصيص أم الحكومة.

فالمحقِّق النَّائيني (قدس سره) يرى أنَّه لا طوليَّة بين الجعلين، وإنَّما يوضع الموضوع الخاصّ إلى جنب الموضوع العامِّ المقيَّد بغير الخاصّ، ويُجعل حكمٌ لهذا وحكمٌ لذاك، فمثلاً قوله: (لا شكّ لكثير الشَّكِّ) يكون حاكماً على قوله: (متى شككت فخذ بالأكثر) إثباتاً، ومخصِّصاً له ثبوتاً، ففي المثال المذكور يكون عنوان (كثير الشَّكِّ) إلى جانب عنوان (غير كثير الشَّكِّ)، ويجعل حكم هذا وحكم ذاك.

في حين أنَّ المحقِّق الشَّيخ حسين الحلِّي (قدس سره) يرى أنَّه لو لم يكن حكم الشَّكِّ - وهو البناء على الأكثر - مجعولاً في الرُّتبة السَّابقة لم يتوجَّه نفي حكم الشَّكِّ هذا عن كثير الشَّكِّ.

ويبدو أنَّ الصَّحيح ما عليه المحقِّق النَّائينيّ (قدس سره)؛ لأنَّه في مقام الجعل يفترض أن يكون موضوع الحكم منقّحاً في الرُّتبة السَّابقة على الجعل، وفي هذه الرُّتبة يصنِّف المقنِّنُ الشَّاكَّ إلى (كثير الشَّكِّ) و(غير كثير الشَّكِّ)، ويجعل لكلٍّ من الصِّنفين حكمه ولو كان أحد الصِّنفين حكمه عدم حكم الصِّنف الآخر، وإلَّا لغى التَّصنيف، لا أنَّه يجعل الحكم على الموضوع العامِّ من دون تصنيف، ثمَّ يستثنى منه الخاصُّ، ويحتاج هذا الأمر إلى مزيد تحقيق. وسيأتي في الأمر الآخر أنَّ هذا الاختلاف لا يغيِّر من واقع المسألة المبحوث عنها.

الأمر الآخر

في تحديد المقصود من الاتّحاد والاختلاف الرُّتبيِّ بين الجعلين عند المحقِّق النَّائيني (قدس سره) في الشّقِّ الثبوتيِّ.

وظاهر كلامه (قدس سره) هو أنَّ الاتّحاد الرُّتبيّ بين الجعلين وكونهما في عرض واحد هو أن لا يكون أحد الجعلين مأخوذاً في موضوع الجعل الآخر. وأمَّا إذا أُخذ فإنَّهما يختلفان في

ص: 211

مرتبة الجعل؛ حيث إنَّ الجعل الآخر هذا لا يحصل إلَّا بعد تحقُّق الجعل الأوَّل.

ولكنَّ المحقِّق الشيَّخ حسين الحلِّي (قدس سره) فَهمَ من الاتّحاد والاختلاف الرُّتبيِّ غير ما ذُكر - كما أوضحناه -، ولذا أنكر تأثيره في الحكومة الواقعيَّة، ومن الغريب أنَّ الشّقَّ الإثباتيّ الَّذي قَبِلَه المحقِّق المذكور إنَّما يحكي الشّقَّ الثَّبوتيّ في بيان المحقِّق النَّائينيّ (قدس سره).

الجانب الآخر: في صحَّة هذا التَّقسيم

لم يرتضِ بعض الأكابر (قدس سره) التَّقسيم المذكور، فقال: (وأمَّا تقسيم الحكومة بالظاهريَّة والواقعيَّة - كما صنعه بعض أعاظم العصر - فممَّا لا ملاك له كما لا يخفى؛ لأنَّ تقديم دليل على دليل آخر إذا كان على نحو الحكومة وتحت الضَّابط المتقدِّم فلا يكون مختلفاً حتَّى يكون التَّقسيم صحيحاً، واختلاف النَّتيجة لا يصحِّح التَّقسيم، فتقدُّم (لا شكَّ لكثير الشَّكِّ) على أدلّة الشُّكوك كتقدُّم (لا تنقض...) على أدلّة الأُصول - إلى أن قال - وبالجملة: لا يكون نحو تقدُّم الأدلّة الحاكمة في الأحكام الواقعيَّة مخالفاً لنحو تقدُّم الأدلّة الحاكمة في الأحكام الظاهريَّة حتَّى يصحّ التَّقسيم)(1).

وانقدح بما تقدَّم في الجانب الأوَّل ضعف ما ذُكر؛ لاختلاف الأثر والثَّمرة بين القسمين كما هو معلوم في بحث الإجزاء. مضافاً إلى اختلاف نحو التَّصرُّف من أنَّه في الأدلّة الواقعيَّة يكون على نحو التَّوسعة والتَّضييق، وأمَّا في الأدلّة الظاهريَّة فقد يكون على نحو التَّوسعة والتَّضييق، وقد يكون بإعدام الموضوع كليَّاً في عالم التَّشريع.

التَّقسيم الرَّابع

اشارة

التَّقسيم الرَّابع(2): تقسيم الحكومة إلى الحكومة على سبيل التَّوسعة والحكومة على

ص: 212


1- الرسائل للسَّيّد الخميني: 1/ 241.
2- يُلاحظ: فوائد الأُصول: 4/ 595، قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 235، بحوث في شرح مناسك الحج: 6/ 397.

سبيل التَّضييق، باعتبار نحو تصرُّف الدَّليل الحاكم من أنَّه: إمَّا يوجب توسعةً في الدليل المحكوم، أو تضييقاً فيه.

القسم الأوّل: الحكومة على سبيل التَّوسعة

وهي تحصل في أغلب الدَّوالّ على النَّظر وفي جميع أقسام الحكومة السَّابقة حتَّى في الحكومة بملاك النَّظر إلى عقد الحمل، حيث يمكن للمقنّن أن يقول: (إنَّ وجوب الإكرام في "أكرم العلماء" ثابت للمتَّقي غير العالم).

وهي ثبوتاً بمعنى واحد في جميع الأقسام، وهو أنَّ الدَّليل الحاكم يثبت حكماً جديداً مسانخاً للحكم الَّذي يتضمَّنه الدَّليل المحكوم للأفراد الجديدة كالمتَّقي غير العالم في المثال المذكور.

وإنَّما تختلف إثباتاً وبحسب اللسان، ففي:

الحكومة التَّنزيليَّة - وهي لا تحصل إلَّا في موضوع الحكم دون نفس الحكم - يكون إثبات الحكم الجديد هذا بلسان إثبات موضوعه، فلسان الدَّليل الحاكم ليس هو إثبات حكمٍ إضافيٍّ إلى جنب الحكم الَّذي يتضمَّنه الدليل المحكوم، وإنَّما هو مبيِّن لبعض أفراد موضوعه تنزيلاً وادِّعاءً، فيكون شمول الحكم الَّذي يتضمَّن الدَّليل لتلك الأفراد قهريَّاً من باب ثبوت الحكم بثبوت موضوعه.

وفي الحكومة على سبيل الاعتبار المتأصِّل - بقطع النَّظر عن تماميَّة المبنى - أيضاً يتأتّى إثبات الحكم الجديد على هذا السَّبيل، كما في حكومة أدلّة حجّيَّة الأمارات - بناءً على أنَّ مفادها هو جعل العلميَّة للأمارات على سبيل الاعتبار المتأصِّل - على أدلّة جواز الإخبار عمَّا يعلم؛ إذ توسِّعها إلى ما يعلم وجداناً وما يعلم قانوناً.

ص: 213

القسم الآخر: الحكومة على سبيل التَّضييق

وهي كقسيمها تحصل في أغلب الدَّوالّ على النَّظر، وفي جميع أقسام الحكومة.

وهي ثبوتاً عين التَّخصيص والتَّقييد بلا أدنى فرق(1)، فالدليل الحاكم مخصِّص للدليل المحكوم، ومبيِّن أنَّ المراد الاستعماليّ فيه أوسع دائرة من المراد الجديِّ.

وأمَّا إثباتاً ففي الحكومة التَّنزيليَّة يكون نفي الحكم بلسان نفي موضوعه، فلسان الدَّليل الحاكم مبيِّن لكميَّة موضوع الدليل المحكوم، وأنَّ بعض أفراده التَّكوينيَّة - وهي التي يتضمَّنها الدَّليل الحاكم - ليست من أفراده تنزيلاً وادِّعاءً، فينتفي الحكم عن تلك الأفراد قهراً من جهة انتفاء موضوعه.

وأمَّا الحكومة على سبيل الاعتبار المتأصِّل فهي كحكومة الأمارات - على مبنى المحقِّق النَّائيني (قدس سره) - على الأُصول العمليَّة الشَّرعيَّة كما مضى بيانه.

وهناك تقسيمات أُخر نكتفي بالإشارة إليها:

منها: ما أفاده بعض الأعاظم (دام ظله العالی) (2) حيث ذكر مفصَّلاً أقسام الحكومة التَّنزيليَّة ومواردها، واختلاف مؤدَّى الدَّليل الحاكم بحسبها.

ومنها: تقسيم الحكومة التَّنزيليَّة إلى ما يكون التَّنزيل فيها إمَّا على سبيل التَّنزيل الأدبيِّ، أو على سبيل التَّنزيل القانونيِّ، وتتوقّف صحَّة هذا التَّقسيم على إثبات التَّنزيل القانونيِّ(3).

ص: 214


1- هذا بناءً على أنَّ التَّنزيل حالة أدبيَّة دائماً، وأمَّا إذا كان حالة قانونيَّة - كما يظهر من كلمات المحقِّق النَّائيني (قدس سره) - فقد يختلف، ولذا جعل ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه في الحكومة النَّاظرة إلى عقد الوضع.
2- يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 236.
3- يُلاحظ: مباني الأُصول: 2/ 504 وما بعدها.

ومنها: تقسيم الحكومة بحسب الدَّوالّ على النَّظر كما أفاده السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) (1).

الخاتمة: في شؤون الحكومة وأحكامها من خلال مقارنتها مع شبيهيها من الجمع العرفيّ والورود

اشارة

والحديث يقع في جهتين:

الجهة الأولى: في الحكومة والجمع العرفيّ من التَّخصيص والتَّقييد ونحوهما

اشارة

ونتكلم (تارة) في ذاتيهما، و(أُخرى) في أحكامهما.

أمَّا من حيث ذاتيهما فالحكومة التَّضييقيَّة خاصَّة من قبيل الجمع العرفيّ ثبوتاً على وجه التَّخصيص والتَّقييد، ففيما إذا كانت النِّسبة بين الحاكم والمحكوم هي العموم والخصوص المطلق، فإنَّ الدَّليل الحاكم يكشف عن أنَّ المراد الاستعماليّ للدليل المحكوم - وهو العموم - غير مراد جدّاً، ولذا يكون أوسع من المراد الجدّيّ.

وإنَّما يختلفان إثباتاً وبحسب اللسان، فالحكومة بالقياس إلى الجمع العرفيّ تمتاز بخصوصيّتين:

أولاهما: خصوصيَّة النَّظر، وهي متحقِّقة في جميع أقسام الحكومة.

والأخرى: خصوصيَّة مسالمة الدَّليل الحاكم للدليل المحكوم من جهة أنَّ الحاكم إنَّما ينفي الحكم بنفي موضوعه لا مباشرة وبلسان المعارضة كما في الجمع العرفيّ، وهذه الخصوصيّة متحقِّقة في الحكومة التَّنزيليَّة بملاك النَّظر إلى عقد الوضع في الدَّليل

ص: 215


1- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 7/ 168.

المحكوم، دون الحكومة بملاك النَّظر إلى عقد الحمل.

هذا بالنِّسبة إلى ما يتعلَّق بالحكومة والجمع العرفيّ من حيث ذاتيهما.

وأمَّا من حيث أحكامهما فهل أنَّ الأحكام الثَّابتة للتخصيص والجمع العرفيّ تثبت بعينها للحكومة، أو أنَّهما يفترقان فيها؟

ومهمُّ هذه الأحكام هي:

1. (الحكم الأوَّل) في التَّخصيص

إنَّ دائرة تأثير المخصِّص المتّصل، بل أيّ قرينة، هو ظهور العامّ، ودائرة تأثير المخصِّص المنفصل هي حجيَّة ذاك الظهور، ولا شكَّ في أنَّ الحاكم المتَّصل رافعٌ للظهور أيضاً، وإنَّما يقع الكلام في الحاكم المنفصل، فهل هو بحكم المخصِّص المنفصل أو لا؟

وقد اختلف الأعلام في ثبوت هذا الحكم في موارد الحكومة وعدمه، وفي وجه الثُّبوت على تقديره.

فقد ذهب المجدِّد الشِّيرازيّ (قدس سره) (1) إلى أنَّ الحكم المذكور غير ثابت لموارد الحكومة؛ وذلك لأنَّ ميزان الحكومة عنده هو أن يكون الحاكم أوَّلاً وبالذات مفسِّراً للمراد من المحكوم عليه، والمقصود من كونه مفسِّراً له أوَّلاً وبالذات أن يكون كالقرائن المتَّصلة من حيث كونه موجباً لظهور المحكوم عليه في اختصاص الحكم الَّذي تضمَّنه بغير مورد الحاكم ابتداءً.

وفرَّع على ذلك ثمرتين:

إحداهما: أنَّه لا تعارض بين الحاكم والمحكوم في حال انفصالهما بخلاف المخصِّص

ص: 216


1- يُلاحظ: تقريرات المجدِّد الميرزا الشيرازي (قدس سره): 4/ 178.

المنفصل بالنّسبة إلى العامِّ.

ووجهه: أنَّ المخصِّص المنفصل لا يوجب ظهور العامِّ في اختصاص حكمه بغير مورد التَّخصيص، بل العامّ مع وجود المخصِّص المنفصل ظاهر في تعميم الحكم بالنِّسبة إلى مورد المخصِّص، ومن ثَمَّ يكونان متعارضين.

نعم، يقدَّم الخاصُّ لترجيح ظهوره على العامِّ، وهذا بخلاف الحاكم والمحكوم؛ فإنَّ المحكوم - العامّ - لا ظهور له في عموم حكمه بالنِّسبة إلى مورد الحاكم، بل ظاهر في اختصاصه بغير ذلك المورد، فلا معارضة في البين(1).

أُخراهما: أنَّ الحاكم المنفصل يقدَّم على المحكوم حتَّى وإن كان من أضعف الظُّهورات بخلاف الظَّاهرين؛ فإنَّ تقديم أحدهما على الآخر منوطٌ بكون ظهوره أقوى من ظهور الآخر.

هذا، والمحقِّق العراقيّ (قدس سره) (2) لم يرتضِ مساوقة الحكومة والتَّخصيص في الحكم المذكور، حيث يرى أنَّ الحاكم لمكان تكفُّله شرح مدلول المحكوم يكون بمنزلة القرينة المتَّصلة.

وفرَّع عليه: أنَّه لا يخرج سند المحكوم عن الاعتبار حتَّى في حال اقتضاء الحاكم طرح ظهوره تماماً، بحيث لا يبقى تحت ظهوره شيء من مدلوله؛ لأنَّ طرحه هذا عين شرحه وبيان المراد منه، ومن ثَمَّ ينتهي إلى العمل به، لكن بتوسُّط شارحيَّة الحاكم هذه.

ص: 217


1- يختلف هذا الوجه في إثبات عدم التَّنافي بين الحاكم والمحكوم عن الوجه الَّذي حكيناه عن الشَّيخ الأنصاري (قدس سره) في أنَّه لا يكتفي بعنوان المفسِّريّة والنَّظر، وإنَّما يعتمد على أنَّ المفسِّريَّة المذكورة تفضي إلى صيرورة الحاكم دائماً بمثابة القرينة المتَّصلة.
2- يُلاحظ: نهاية الأفكار: 4ق 2/ 136.

وهذا بخلاف موارد الجمع العرفيّ حيث إنَّ طرح ظهور الدليل بالمرَّة يفضي إلى خروج سنده عن الاعتبار؛ لأنَّ التَّعبُّد بالسَّند حكم ظاهريٌّ يعتبر في مصحِّح جعله ترتُّب أثرٍ عمليٍّ عليه - وهو العمل به - وهو لا يتيسَّر مع طرحه، فيكون كالمجمل المعلوم عدم التَّعبُّد بسنده.

وفي المقابل ذهب السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) (1)، وبعض الأعاظم (دام ظله العالی) (2) إلى ثبوت الحكم المذكور في موارد الحكومة، واستدلّ السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) لذلك بأنَّ الحاكم في نهاية المطاف قرينة، وكونها شخصيَّة لا يغيِّر في المقام شيئاً، فيكون حكمه حكمها من الجهة المبحوث عنها بلا أدنى فرق.

وأمَّا بعض الأعاظم (دام ظله العالی) فقد ذكر ضابطاً عامَّاً يجري أيضاً في الأحكام القادمة.

وتوضيحه: أنَّه بعد أن عرفنا أنّ الحكومة عين التَّخصيص ثبوتاً وغيره إثباتاً - من جهة أنَّ لسانها لسان المسالمة لا لسان المعارضة كما هو في التَّخصيص -، فإنَّ أحكام التَّخصيص بعضها منوط بخصوصيَّة مقام إثباته، وبعضها منوط بخصوصيَّة مقام ثبوته، فما يكون منوطاً بمقام ثبوته يثبت للحكومة لوحدة المناط، وما يكون منوطاً بمقام إثباته لا يسري إلى الحكومة لاختلاف المناط.

والصَّحيح سريان الحكم المذكور إلى موارد الحكومة، وأنَّ التَّفسير والنَّظر إنَّما يوجب التَّقديم الخاصَّ - كما سيأتي في طيِّ هذه الأحكام -، ولا يوجب صيرورة الحاكم المنفصل بمثابة القرينة المتَّصلة، بل حاله حال سائر القرائن كما أفاد السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره). هذا أوَّلاً.

ص: 218


1- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 7/ 171.
2- يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 254.

وثانياً: لا يكون هذا الحكم منوطاً بمقام الإثبات ونوع القرينة من أنَّها متَّصلة أو منفصلة على ما أفاده بعض الأعاظم (دام ظله العالی)، وإنَّما منوط بمقام الثُّبوت؛ لأنَّ تصرُّف أحد الدَّليلين في مدلول الآخر فرع معارضتهما، وهي ثبوتيَّة لا إثباتيَّة كما مضى، ومن ثَمَّ لا يتمُّ جواب السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) وإن كان صحيحاً في نفسه.

هذا بالنسبة إلى أصل هذا الحكم.

وأمَّا ما فرَّعه المجدِّد الشِّيرازي (قدس سره) فيُلاحظ عليه:

أوَّلاً: إنَّه ينبغي أن يريد من القرائن المتَّصلة ما يكون من قبيل التَّقييد، مثل: (أكرم العالم العادل)، أو الاستثناء مثل: (أكرم العالم إلَّا الفساق)؛ لأنَّه في مثل: (أكرم العالم ولا تكرم العالم الفاسق)، أو (ولا تكرم الفاسق) مع كونه متَّصلاً إلَّا أنَّه يقع تعارضٌ فيه كما في المنفصل تماماً.

وثانياً: إنَّ الحاكم ولو كان من أضعف الظُّهورات يتقدَّم على المحكوم، ولكنَّ هذا لأجل النَّظر والتَّفسير، لا لكونه بمثابة قرينة متَّصلة كما سيأتي.

وأمَّا ما فرَّعه المحقِّق العراقي (قدس سره) - من أنَّه إذا طرح مدلول المحكوم بالمرَّة لا يسقط سنده عن الاعتبار بخلافه في موارد الجمع العرفيّ - فيلاحظ عليه:

أنَّه على تقدير تماميَّة ما قيل في الحكومة فهو يثبت أيضاً في موارد الجمع العرفيّ على ما أفاده بعض الأعاظم (دام ظله العالی)؛ لكونه منوطاً بمقام ثبوتها لا إثباتها.

2. (الحكم الثَّاني) في إجمال المخصِّص

والمعروف بين الأعلام التَّفريق بين المخصِّص المتَّصل والمخصِّص المنفصل، وكذلك يفرِّقون بين ما إذا كان نحو الإجمال دائراً بين الأقلِّ والأكثر أو المتباينين، فهل الموقف في موارد الحكومة عينه في موارد التَّخصيص، أو أنَّهما يفترقان في ذلك؟

ص: 219

ذهب المحقِّق العراقي (قدس سره) (1) إلى أنَّ الحاكم المنفصل حكمه حكم المخصِّص المتَّصل؛ لعين ما ذكره في الحكم الأوَّل، ويناسب ذلك أيضاً كلام المجدِّد الشِّيرازي (قدس سره).

وفي المقابل ذهب السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) وبعض الأعاظم (دام ظله العالی) إلى مساوقة الحكومة والتَّخصيص في الحكم المذكور؛ لعين ما أفاده في الحكم الأوَّل، والكلام هو الكلام.

3. (الحكم الثَّالث) في ميزان القرينيَّة في الجمع العرفيّ
اشارة

وهو يدور مدار أمرين:

الأوَّل: الأقوائيَّة في الظُّهور، فلا يُقدَّم الأضعف ظهوراً على الأقوى ظهوراً.

الآخر: بعض المزايا الدِّلاليَّة التي يستفاد منها في التَّوفيق بين العامَّين من وجه. وهذا إذا لم ترجع هذه المزايا إلى الأقوائيَّة في الظُّهور، كما هو أحد الاحتمالين فيها.

وكلا الميزانين في كثير من الأحيان يتوقَّفان على ملاحظة النِّسبة بين الدَّليلين المتعارضين.

وتوضيح ذلك: أنَّ النِّسبة بين الدَّليلين المتعارضين: إمَّا التباين، أو العموم المطلق، أو العموم من وجه.

فإذا كانت من قبيل الأوَّل فلا مورد للجمع العرفيّ بالتَّخصيص وأمَّا غيره فلا، كما في حمل الدَّليل الظَّاهر في الإلزام على الاستحباب بقرينة ما دلَّ على التَّرخيص.

وإذا كانت على سبيل العموم المطلق فإنَّه عادةً يُقدَّم الخاصُّ على العامِّ: إمَّا لأنَّ الخاصَّ عند العقلاء يمثِّل قرينةً نوعيَّةً للتصرُّف في العامِّ وإن لم يفضِ إلى الأقوائيَّة كما عليه المحقِّق النَّائيني والسَّيِّد الشَّهيد (قدس سرهما) وآخرون. وإمَّا لأنَّ الخاصَّ أقوى ظهوراً من العامِّ؛ لتمركز ظهوره في مورده، بخلاف العامِّ، أو لأضعفيَّة العامِّ من جهة كثرة

ص: 220


1- يُلاحظ: نهاية الأفكار: 4 ق2/ 136.

التَّخصيصات حتَّى قيل ما من عامٍّ إلَّا وقد خُصَّ.

وأمَّا إذا كانت النِّسبة بين المتعارضين العموم من وجه فإنَّه يأتي دور الميزان الثَّاني السَّالف الذِّكر، ويكون لملاحظة النِّسبة دور في التَّقديم، كما إذا لزم من تقديم أحد العامَّين على الآخر في مورد الاجتماع التَّخصيص المستهجن، كأنْ لا يبقى للعامِّ الآخر مورد أصلاً، أو يحمل على الفرد النَّادر، فإنَّه في مثل هذه الحالة يُقدَّم العامُّ الآخر في مورد الاجتماع، وكذلك إذا لزم من تقديم أحد العامَّين سقوط العنوان المأخوذ في العامِّ الآخر عن الموضوعيَّة بالمرَّة دون العكس، فإنَّه يُقدَّم الآخر في مورد الاجتماع أيضاً.

هذا كلُّه في الجمع العرفيّ.

وأمَّا في الحكومة فقد عرفنا أنَّ ميزان القرينيَّة فيها لا يتوقَّف على الأقوائيَّة في الظُّهور وإنَّما يُقدَّم الحاكم وإن كان من أضعف الظُّهورات على المحكوم وإن كان من أقوى الظُّهورات حتَّى لو كان المحكوم عامَّاً يأبى التَّخصيص لمكان قوَّة لسانه(1)، كما قيل به في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا﴾(2)، وقوله (علیه السلام): (ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشَّكِّ أبداً)(3)؛ وذلك لأنَّ لسان الحاكم مسالم مع العامِّ المذكور حيث ينفي حكمه عن مورد الخاصِّ بلسان نفي كونه - أي الخاصِّ - من أفراد ذلك العامِّ، وهذا بخلاف التَّخصيص حيث إنَّه أُسلوبٌ معارضٌ مع العامِّ، فيكون في مقام كسر قوَّة لسانه، والمفروض أنَّ لسانه ممَّا لا يقبل الكسر.

وعليه فهل الموقف عينه في الحكومة بالنِّسبة للمزايا المذكورة في العامّين من وجه،

ص: 221


1- يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 256.
2- سورة يونس: 36.
3- يُلاحظ: تهذيب الأحكام: 1/ 421 - 422، باب تطهير البدن والثّياب من النجاسات، ح8.

ومن ثَمَّ ملاحظة النِّسبة أم لا؟ قولان:

القول الأوَّل

ما أفاده بعض الأعاظم (دام ظله العالی) (1) من أنَّ بعض تلك المزايا - كاللَّتين ذكرناهما آنفاً - تأتي في الحكومة، وتحول دون تقديم الحاكم على المحكوم، ومن ثَمَّ يجب ملاحظة النِّسبة بينهما مقدِّمةً لتلك المزايا كما اتَّضح ممَّا ذكرناه.

القول الآخر

ما عليه المحقِّق النَّائيني والسَّيِّد الشَّهيد(2) (قدس سرهما) من أنَّه لا حاجة لملاحظة النِّسبة بين الحاكم والمحكوم. نعم، اختلف العلمان (قدس سرهما) في وجه عدم الملاحظة، فذهب المحقِّق النَّائيني (قدس سره) إلى أنَّ عدم المعارضة بين الحاكم والمحكوم هو السَّبب في عدم ملاحظة النِّسبة، وأمَّا السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) فلمكان النَّظر والمصادرة العقلائيَّة التي ذكرناها في الفصل الثَّالث.

ولعلَّه يمكن أن يقال: إنَّ لازم ذلك بناء العلمين (قدس سرهما) على عدم جريان المزايا المذكورة في الحكومة، وإن كان يضعفه احتمال أنَّ العلمين (قدس سرهما) ناظران إلى ملاحظة النِّسبة الدَّخيلة في قوَّة الظُّهور لا مطلقاً.

والصَّحيح ما أفاده بعض الأعاظم (دام ظله العالی)؛ وذلك لأنَّ مزايا الحكومة مقارنة بالجمع العرفيّ ليس إلَّا النَّظر والتَّفسير ولسان المسالمة، وهذه المزايا تعرَّفنا على آثارها في الفصول السَّابقة وفي هذا الفصل، وليس من آثارها أنَّ المتكلّم وإن كان من حقِّه أن يبيِّن كلامه بالطَّريقة التي تناسبه، ولكن لا تصل حدود هذه المصادرة إلى الخروج عن القواعد العقلائيَّة والأساليب العرفيَّة في مجال بيان التَّشريعات، فيحتاج لو أراد الخروج

ص: 222


1- يُلاحظ: قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 261.
2- يُلاحظ: فوائد الأُصول: 4/ 714 - 715، بحوث في علم الأُصول: 7/ 172.

عن الأساليب العرفيَّة - التي ظاهر حاله متابعتها - أن يقيم علامة على ذلك لا تفي بها المصادرة المذكورة ولا النَّظر ولا المسالمة.

4. (الحكم الرَّابع) في أنَّ الأدلّة يمكن أن تصنَّف بأحد الاعتبارات إلى أدلّة لفظيَّة أو لبِّية شرعيَّة كالإجماع والشهرة، أو لبِّية عقلائيَّة كالسِّيرة والارتكاز، أو أدلّة عقليَّة
اشارة

ولا محذور في أن يكون الخاصُّ أيَّاً من الأنحاء المذكورة، وكذلك العامُّ الَّذي يراد تخصيصه إلَّا في حال كونه حكماً عقليَّاً.

وسرُّه(1): أنَّ التَّخصيص يرجع إلى أنَّ مقام الإثبات والمراد الاستعماليّ للدليل العامِّ أوسع من مقام ثبوته، وهذا يستدعي أن يكون مقام الإثبات مغايراً لمقام الثُّبوت، ومثل هكذا تغاير وتعدُّد لا معنى له في الأحكام العقليَّة، وإنَّما يندكُّ أحدهما في الآخر؛ لأنَّ حقيقة الأحكام العقليَّة حضورها بحدودها عند العقل(2)، أمَّا من جهة محمول تلك الأحكام فلأنَّه حكم عقليّ، وأمَّا من جهة موضوعها فإنَّه بمثابة العلَّة التَّامَّة للحكم العقليِّ، فإذا نقصت بعض حدودها صارت علَّة ناقصة، فلا حكم عقليّ، والمفروض أنَّ هناك حكماً عقليَّاً. نعم، قد يكون عقليَّاً آخر فيما إذا كان عقليَّاً اقتضائيَّاً.

لا يقال: إنَّه يمكن تصوير مرحلتين في الأحكام العقليَّة كما في قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، فإنَّ بعض الظُّنون الخاصَّة قبل صدور دليل اعتبارها لا تعدُّ بياناً، فهنا تحصل مرحلة، ثُمَّ بعد صدور دليل الاعتبار تكون مرحلة أُخرى. وشاهد التَّعدُّد أنَّها أضيق من المرحلة الأولى.

فإنَّه يقال: هذا التَّفكيك كلُّه في دائرة العقل، وهو مسلَّط على المرحلتين، ويحصل

ص: 223


1- قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 254.
2- يُلاحظ: تعارض الأدلّة واختلاف الحديث:1/ 44.

منها إدراك واحد وهو الواقع، فهي أشبه بمقدِّمات القياس المنطقيّ التي يرتّبها الذِّهن، فلا يقال إنَّهما مرحلتان. وهذا هو مقصود بعض الأعاظم (دام ظله العالی) من قوله: (إنَّ العقل حينما يدرك أنَّ العامّ جميعه ليس بمراد، ومقام الإثبات أوسع من مقام الثُّبوت فهو يدرك الواقع بصورته)(1).

ولكن قد يُنقض على ما ذُكر بالأحكام العقلائيَّة؛ فإنَّ موطنها العقل بجنبته العقلائيَّة، فهو محيط بمراحلها فلا يكون مقام إثباتها مغايراً لمقام ثبوتها، ومع ذلك لا خلاف بين الأعلام في أنَّ الأحكام العقلائيَّة تُخصَّص من خلال ردع الشَّارع عن بعض حدودها، فما الفارق من الجهة المبحوثة لنا بين الموردين؟ويبدو أنَّ الفارق بينهما هو ما ذكرناه آنفاً من أنَّ موضوعات الأحكام العقليَّة بمثابة العلَّة التَّامَّة للإدراك العقليِّ، وهذا بخلاف موضوعات الأحكام العقلائيَّة حيث إنَّها لا تكون علَّة تامَّة لها؛ لأنَّها تكون مبنيَّة على رعاية ملاكات مقدَّرة من قبل العقلاء حسب مؤونة نفسيَّة وخارجيَّة يقدرونها(2)، وعلى هذا يكون وجود مقامين إثباتيٍّ وثبوتيٍّ متفرِّعاً على هذه النُّكتة. وفي المقام مزيد تدقيق نوكله إلى محلِّه.

هذا كلُّه بالنِّسبة إلى الجمع العرفيّ، وهل يشمل هذا التَّصنيف أدلّة الحكومة؟

لا خلاف بين الأعلام في تحقُّق الحكومة التَّضييقيَّة فيما إذا كان الحاكم والمحكوم كلاهما دليلاً لفظيَّاً، وكذلك لا خلاف في عدم تحقُّقها في الأدلّة العقليَّة حاكماً ومحكوماً، وإنَّما الخلاف في تحقُّقها في الأدلّة اللّبّيَّة، فالبعض ذهب إلى أنَّه لا حكومة في اللّبّيَّات(3)،

ص: 224


1- الاستصحاب: 717.
2- يُلاحظ: العلم الإجمالي حقيقته ومنجزيَّته عقلاً: 333 وما بعدها.
3- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 7/ 172، درر الفوائد: 639، المحكم في أُصول الفقه: 6/ 71.

وفي مقابل ذلك ذهب المحقِّق النَّائيني (قدس سره) (1) إلى تأتّي الحكومة في اللّبّيَّات، وظاهره مطلق اللّبّيَّات شرعيَّة كانت أو عقلائيَّة، في حين أنَّ بعض الأعاظم (دام ظله العالی) (2) فصَّل بين اللّبّيَّات العقلائيَّة فبنى على تأتّي الحكومة فيها دون الأدلّة اللّبّيَّة الشَّرعيَّة.

والكلام نوقعه في موضعين:

الموضع الأوَّل

في الأدلّة التي تذكر لبيان أنَّه لا يصحُّ أن يكون الدَّليل الحاكم ولا الدَّليل المحكوم من قبيل الأدلّة العقليَّة.

ويستدلّ على عدم صحَّة كون الحاكم دليلاً عقليَّاً بما أفاده السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) (3) من أنَّ الحكومة ليست إلَّا النَّظر الَّذي هو من شؤون الأدلّة اللفظيَّة وخصائصها، سواء أكان نظراً تفسيريَّاً أم تنزيليَّاً أم بمناسبات الحكم والموضوع؛ فإنَّ التَّفسير أُسلوب من أساليب التَّعبير والتَّنزيل لا واقع له إلَّا في عالم التَّعبير، ومناسبات الحكم والموضوع وإن كانت عقلائيَّة ارتكازيَّة - ومن ثَمَّ قد يقال بتأتّي الحكومة في الأدلّة اللّبّیَّة العقلائيَّة - إلَّا أنَّها تُنشئ ظهوراً في الدَّليل اللفظيِّ، فيصبح ذاك الظهور حجَّة، وليست هي حجَّة مستقلّة.

وما أفاده (قدس سره) صحيح لولا مساواته بين النَّظر والتَّنزيل من جهة، والأدلّة اللفظيَّة من جهة أُخرى كما سيأتي في الموضع الآخر، فإنَّ النَّظر والتَّنزيل - وهو إعطاء حدِّ شيء لشيء آخر، أو سلب حدِّه عنه والَّذي يحصل بالكناية والاستعارة - لا معنى لهما في الأدلّة العقليَّة.

هذا بالنِّسبة لعدم تأتّي كون الحاكم دليلاً عقليَّاًَ.

ص: 225


1- يُلاحظ: فوائد الأُصول: 4/594. كما هو كلُّ مَن يبني على حكومة الأمارات على الأُصول العمليَّة التَّشريعيَّة، وكذلك حكومة بعض الأمارات على بعض كحكومة الأظهر على الظَّاهر فيما إذا كان دليل اعتبارها بناء العقلاء، والأدلّة اللفظيَّة إن كانت فهي مرشدة إليها.
2- قاعدة لا ضرر ولا ضرار: 257، الاستصحاب: 718.
3- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 7/ 172.

وأمَّا عدم صحَّة كون المحكوم دليلاً عقليَّاً فأيضاً أفاد السَّيِّد الشَّهيد (قدس سره) (1): بأنَّ الحكومة إنَّما تتصوَّر بلحاظ أحكام مشرِّع واحد، بأن يحكِّم دليل تشريع من تشريعاته على دليل تشريعه الآخر، ولا تتصوَّر بين أدلّة أحكام مشرِّع بالنسبة لأحكام العقل العمليِّ.

وما ذكره (قدس سره) هو ما اعتبره أحد الشَّرائط العامَّة للتَّعارض غير المستقرِّ(2)، حيث اعتبره (قدس سره) في الجمع العرفيّ والحكومة والورود فيما إذا كان بلحاظ الجنبة الإنشائيَّة للدليل الوارد دون ما إذا كان بلحاظ جنبته الإخباريَّة(3)، والدَّليل على اعتبار هذا الشَّرط في الحكومة هو أنَّ الجمع بها مبنيٌ على الإعداد الشَّخصيّ للدليل الحاكم كي يكون قرينة على تفسير المراد من الدليل المحكوم، ولا يَعلم المراد منه - بأن يضيِّقه أو يوسِّعه - إلَّا من صدر منه، وهذا يعني أنَّه لا بدَّ من وحدة مصدر الدَّليلين، أو كان بحكم الواحد، كما هو الحال مع المعصومين (علیهم السلام).

وهذا الشَّرط على تقدير صحَّته ينبغي عليه أن يجيب عن تخصيص الأدلّة العقلائيَّة - كالسِّيرة -، وتحديد تشريعات مشرِّع من قبل مشرِّع آخر، كما حصل بين المشرِّع الإسلاميِّ والمشرِّع الجاهليِّ، وبيان فرقها عن الأدلّة العقليَّة.

ويمكن أن يجاب: بأنَّ إمضاء الأدلّة العقلائيَّة وإضفاء الحجِّيَّة عليها يصيّرها كأنَّها

ص: 226


1- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 4/ 74.
2- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 7/ 207.
3- وهذا يعني أنَّ كلَّ تصرُّف في الأدلّة العقليَّة إنَّما يكون على سبيل الورود بلحاظ الجنبة الأخباريَّة، بأن يكون الوارد متكفّلاً للإخبار عن عدم انطباق موضوع الدليل المورود على فرد، حيث إنَّ في هذه الحالة لا يعتبر وحدة المصدر للدليلين الوارد والمورود.

من تشريعاته، ومثله يجري في تشريعات مشرِّع آخر، وهذا بخلافه في الأدلّة العقليَّة لمكان كونها قطعيَّة.

ولكن مع ذلك يمكن بذل عناية تكون بموجبها الأدلّة العقليَّة القطعيَّة كأنَّها صدرت من نفس المشرِّع الَّذي صدر منه الدَّليل الآخر.

وذلك: إمَّا بالبناء على بعض المباني في حقيقة أحكام العقل العمليِّ - وهو ما ذهب إليه بعض الأعاظم (دام ظله العالی) - من أنَّها قوانين فطريَّة أودعها الله تعالى في باطن الإنسان يدركها من خلال قوَّة خاصَّة تسمَّى ب-(الضَّمير والوجدان)(1)، وبالتالي فهي أمور جعليَّة مقنَّنة جُهِّز بها الإنسان في داخله، وبهذا يكون المشرِّع هو المكوِّن.

وإمَّا على أساس قبولها من قبل المتكلّم كما هو ظاهر حاله والاتكاء عليها في مقام بيان مقاصده، ولذا لا يعتبر المشرِّع في هذه الموارد مؤسِّساً، وإنَّما يُحمل كلامه على الإرشاد إليها، وهذا المقدار يكفي لصيرورة المشرِّع بحكم الواحد.

وإمَّا لأنَّ الأحكام الشَّرعيَّة إنَّما جاءت للكشف عن الأحكام العقليَّة التي لا يستطيع أن يصل إليها العقل حتى قيل: (إنَّ الأحكام الشَّرعيَّة ألطافٌ في الأحكام العقليَّة).

ويمكن أن يُتأمّل فيما ذُكر: بأنّه لو صار الحكم العقليّ بالإرشاد ونحوه لنفس المشرّع لأمكن أن يتصرّف فيه، فيجعله في هذا المورد وينفيه عن ذاك المورد، وواضح أنّ هذا لا يتأتّى في الأحكام العقليّة؛ لأنّ الجعل والاعتبار لا يُعقل إلّا فيما يقبله، وهذا معناه: إمّا أنّه بالإرشاد ونحوه لا يصبح بمثابة أنّه من تشريعاته، أو أنّه يصبح من تشريعاته ولكن في مثله لا يتأتّى الجعل والاعتبار، فيكون استثناءً للمقالة المعروفة: (إنّ

ص: 227


1- يُلاحظ: العلم الإجمالي حقيقته ومنجزَّيته عقلاً: 279.

الجعل والاعتبار لا يتعلّق إلّا فيما يقبل الجعل والاعتبار).

ومن هنا يتّضح الفرق بين الأحكام العقليّة والأحكام العقلائيّة فإنّه في العقلائيّة يتأتّى الجعل والاعتبار لأنّها من الأصل اعتباريّة.

والصَّحيح في وجه عدم جواز أن يكون المحكوم دليلاً عقليَّاً هو عين ما ذكرناه في امتناع التَّخصيص في الأحكام العقليَّة؛ باعتبار وحدة المناط بين الحكومة والتَّخصيص بلحاظ مقام الثُّبوت.

الموضع الثَّاني

في إمكان أن يكون الحاكم والمحكوم من الأدلّة اللّبّیَّة وعدم إمكان ذلك.

واستُدلّ لعدم إمكان كون الحاكم دليلاً لُّبِّياً (تارةً) بتحديد النَّظر بأنَّه مدلول لفظيّ، وأنَّ الدَّوالّ على النَّظر جميعها من قبيل الألفاظ، والحال أنَّ الأدلّة اللّبّیَّة من مقولة المعنى لا اللفظ.

و(ثانيةً) من جهة أنَّ الشَّرح والتَّفسير والنَّظر لا يعقل في غير الألفاظ(1).

و(ثالثةً) من جهة أنَّ المنظور في الأدلّة اللّبّیَّة هو واقع الحكم، من دون أن يكون ذات لسان صالح للشَّرح والبيان بالإضافة إلى الأدلّة الأُخر(2).

ويُدفع ما ذكر في أوَّل هذا البيان بأنَّ ضابط الحكومة ليس إلَّا النَّظر، وهو لا يقتضي أن يكون مدلولاً لفظيَّاً(3).

ص: 228


1- يُلاحظ: بحوث في علم الأُصول: 7/ 172.
2- يُلاحظ: المحكم في أُصول الفقه: 6/ 71، 112.
3- يُلاحظ: تقريرات المجدِّد الشِّيرازي (قدس سره): 4/ 177، نهاية الأفكار: 4ق 2/ 144.

وأمَّا ما ذكر في أوسطه وذيله فيدفع:(1) بأنَّ التَّنزيل - الَّذي هو أهمُّ الدَّوالّ على النَّظر - من مقولة المعنى لا اللفظ، وذلك لأنَّه أمر اعتباريّ وفعَّاليَّة ذهنيَّة تخيُّليَّة محتواها إعطاء الذِّهن حدَّ شيءٍ لشيءٍ آخر، أو سلب حدِّه عنه، ودور اللّفظ فيه أنَّه مبرز لتلك الفعَّاليَّة وذاك الاعتبار، هذا من جهة.

ومن جهة ثانية أنَّ جري العقلاء خارجاً بما هم عقلاء إنَّما يكون على أساس بناء وارتكاز وفكرة ذهنيَّة تكون بمثابة العلَّة لذاك الجري، بتعبير المحقِّق العراقيّ (قدس سره) (2): أنَّ نسبة الجري الخارجيّ إلى بنائهم إنَّما هي كنسبة الوفاء بنذورهم وعهودهم في كونه إطاعة لبنائهم، وفي مرتبة متأخّرة عن بنائهم، ويكون ذاك الجري مبرِزاً لذلك البناء الذهنيِّ، وكاشفاً عن وجوده.

ومن جهة ثالثة أنَّ هذا البناء والفكرة الذهنيَّة: إمَّا أنَّه أمرٌ اعتباريٌّ دائماً، كما يرى السَّيِّد العلَّامة الطَّباطبائيّ (قدس سره). وإمَّا أنَّه قد يكون اعتباريَّاً، وقد يكون أمراً واقعيَّاً.

ومن جهة رابعة أنَّ الأمر الاعتباريَّ هذا: إمَّا هو تنزيل دائماً؛ لمساوقة الاعتبار للتَّنزيل. وإمَّا أنَّه أعمُّ من التَّنزيل.

إذن، لا مانع من أن يكون البناء الذهنيُّ المتقدِّم على الجري العمليِّ من قبيل التَّنزيل، فمثلاً: إذا كان دليل حجيَّة خبر الثَّقة بناء العقلاء مع عدم الرَّدع فيمكن أن يكون مضمون ذاك البناء هو أنَّ العقلاء يعتبرون العمل على خبر الثَّقة علماً، وينزِّلونه

ص: 229


1- يُلاحظ في شرح هذه الجهات: الاستصحاب: 718، نهاية الأفكار: 4ق2/ 145، أُصول الفلسفة: 1/ 573، 618، وأهمُّها محاضرات سيّدنا الأستاذ (دامت افاداته) حول المبادئ الأحكاميَّة والتي تعرَّض لها في بحثه الشَّريف في علم الأُصول.
2- يُلاحظ: نهاية الأفكار: 5/ 145.

منزلته وإن كانوا يرون أنّ خبر الثَّقة ليس علماً؛ إذ العلم عبارة عن الانكشاف بنسبة المائة في المائة وعدم احتمال النَّقيض، وخبر الثَّقة ليس كذلك، إلَّا أنَّه مع ذلك يمكن أن يعتبروه علماً لمصالح يقدِّرونها، ويجرون على وفقه، وهذا الجري على وفقه مبرِزٌ لاعتبارهم، ولا يعتبر في الاعتباريَّات أن يكون مبرِزه لفظاً.

فتحصَّل: أنَّه لا مانع من أن يكون الحاكم ممَّا بنى عليه العقلاء، ولا يعمُّ تمام أنحاء الأدلّة اللّبّیَّة، بل خصوص العقلائيَّة منها، فلا يتأتّى أن يكون الحاكم إجماعاً أو شهرة وإن صحَّ أن يكون مخصِّصاً.

وأمَّا عدم إمكان كون المحكوم دليلاً لُّبِّياًَ فيستدلّ له بما أفاده بعض الأعلام (دام ظله) (1) من أنَّ الأدلّة اللّبّیَّة قطعيَّة المضمون بنحو لا تقبل البيان والتَّفسير، وكذلك الحال في الأدلّة اللفظيَّة القطعيَّة الدلالة.

ويلاحظ عليه:

أوَّلاً: أنَّ الأدلّة اللّبّیَّة على تقدير أنَّها قطعيَّة المضمون فهي في أصلها لا في حدودها، ولذا جاز تخصيص سيرة العقلاء بالرَّدع عن بعض حدودها.

وثانياً: أنَّ القطعيَّ المضمون والدِّلالة لا يتأتّى فيه التَّخصيص كما مضى، ولكن لا مانع من تخصيصه بلسان الحكومة المسالم لقوَّة الدِّلالة والمضمون، وذلك لأنَّه يكون بلسان نفي الموضوع، فيكون نفي الحكم قهريَّاً من باب انتفاء موضوعه.

الجهة الثانية: في الحكومة والورود

اشارة

والورود هو تصرُّف أحد الدَّليلين في موضوع الدليل الآخر تصرُّفاً حقيقيَّاً بتوسُّط

ص: 230


1- يُلاحظ: المحكم في أُصول الفقه: 6/ 71، 112.

التَّعبُّد، فيقال للمتصرِّف وارد، وللمتصرَّف فيه مورود.

ويفترق عن الحكومة في أنَّ التَّصرُّف في الأخيرة اعتباريٌّ وحكميٌّ، في حين أنَّه في الورود حقيقيٌّ وموضوعيٌّ.

والورود والحكومة قد يكونان على سبيل التَّضييق، وقد يكونان على سبيل التَّوسعة، ومن ثَمَّ يقع الكلام مختصراً في جانبين:

الجانب الأوَّل: الحكومة والورود على سبيل التَّضييق

ولنستعرض بعض ما يفترقان به في نقاط:

1. الحكومة التَّضييقيَّة بحسب المراد الجديّ هي نفي للحكم عن موضوعه، وأمَّا المراد الجديّ في الورود التَّضييقيِّ فهو إخراج أحد أفراد الموضوع من تحته تكويناً. نعم، قهراً يستتبع نفي حكم الدَّليل المورود عن هذا الفرد الخارج من جهة انتفاء الحكم بانتفاء موضوعه، ولكنّ هذا ليس مراداً جدّيّاً للورود.

2. في الحكومة التَّضييقيَّة يوجد تنافٍ بين مدلولي الحاكم والمحكوم، في حين أنَّه لا تنافي بين الدَّليل الوارد والمورود بحسب مدلوليهما، ووجهه عين ما حكيناه عن المحقِّق النَّائيني (قدس سره)؛ لإثبات عدم التَّنافي بين الحاكم والمحكوم، وهو تامٌّ في الورود وإن لم يكن كذلك في الحكومة. نعم، يتحقَّق التَّنافي بين الحكمين في الورود، وهو بمعنى عدم إمكان الاجتماع في مرتبة متأخِّرة عن مدلول الدَّليل - وهي مرتبة فعليَّة المورود - من جهة، ومدلول أو فعليَّة أو وصول أو تنجُّز أو امتثال الدَّليل الوارد من جهة أُخرى، ففي هذه المرحلة يتقدَّم الوارد على المورود كما ذكرنا.

3. الورود يتأتّى في الموضوع الاعتباريِّ، فإذا كان تكوينيَّاً لا بدَّ أن يكون أحد أفراده - والَّذي بلحاظه سيكون الورود - اعتباريَّاً؛ لأنَّه هو الَّذي يقبل النَّفي الحقيقيَّ من

ص: 231

خلال الاعتبار والتَّعبُّد.

وأمَّا موضوع الحكومة فهل يشترط أن يكون أمراً تكوينيَّاً من جهة أنَّه لو كان أمراً اعتباريَّاً فإنّه بمجرَّد الاعتبار يرتفع حقيقة، ويكون على سبيل الورود، ويتحقَّق الغرض المرجو من الحكومة حيث يكون النفي للحكم بلسان نفي موضوعه، إذ سينتفي الحكم قهراً أو لا يُشترط ذلك؟

والصَّحيح أنَّه لا يشترط ذلك فيجوز أيٌّ منهما؛ لأنَّ الاعتبار أمرٌ اختياريٌّ للمعتبِر، فقد يريد نفي بعض أحكام ذاك الموضوع عن هذا الفرد لا جميعها، ومثل هذا لا يحصل بالنَّفي الحقيقيِّ؛ إذ يستلزم نفي تمام الأحكام.

يضاف إلى ذلك: أنَّه إذا بنينا على أنَّ قسماً من موضوعات الأحكام من قبيل الماهيَّات الاعتباريَّة فإنَّه يكون تطبيقها على مواردها إنَّما هو باعتبارٍ خاصٍّ يقال له: (متمِّم الجعل التَّطبيقيِّ)، وهذا يعني أنَّه ليس كلّ اعتبار يؤدِّي إلى الارتفاع أو الثُّبوت الحقيقيِّ.

4. الورود يتأتّى في تمام الأدلّة ما عدا ما إذا كان الدليل الوارد قطعيّ فإنّه لا يكون عندئذ مجال للتعبّد، والحال أنّ الورود رفع حقيقيّ للموضوع بتوسّط التعبّد، فيمكن أن يكون الدَّليل الوارد أو المورود حكماً عقليَّاً، بخلاف الحال في الحكومة - كما سبق -. نعم، لا بدَّ أن يكون ذا فردين حقيقيٍّ واعتباريٍّ حتَّى يتأتّى نفيه بالاعتبار؛ وذلك لأنَّ الورود التَّضييقيَّ غير متقوِّم بعدم تطابق مقام الإثبات مع مقام الثُّبوت كما هو الحال في الحكومة، بل متقوِّم بإخراج بعض الأفراد موضوعيَّاً بمؤونة التَّعبُّد، هذا على بيان بعض الأعاظم (دام ظله العالی). وأمَّا على ما احتملناه فيمكن أن يقال: إنَّه لا يلزم في الورود التَّفكيك بين العلَّة ومعلولها، أي بين الموضوع وحكمه المذكور في الدَّليل المورود؛ لأنَّه على الفرض

ص: 232

خروجٌ حقيقيٌّ من تحت ذاك الموضوع.

الجانب الثَّاني: الحكومة والورود على سبيل التَّوسعة

وأيضاً نستعرض بعض ما يفترقان به في نقطتين:

1. الحكومة على سبيل التَّوسعة بحسب المراد الجدّيّ هي جعل لحكم جديد مسانخ للحكم الَّذي يتضمَّنه الدليل المحكوم بلسان جعل الموضوع فيما إذا كانت بملاك النَّظر إلى عقد الوضع كما سبق بيانه. وأمَّا المراد الجدّيّ للورود على سبيل التَّوسعة فهو توسعة الموضوع، وذلك بإضافة فرد جديد لموضوع الدَّليل المورود. نعم، قهراً يستتبعه ثبوت حكم الدليل المورود لذاك الفرد من جهة ثبوت الحكم بثبوت موضوعه.

2. الورود على سبيل التَّوسعة حاله حال الورود على سبيل التَّضييق من جهة أنحاء الأدلّة التي تجري فيها، والكلام في أنَّ الحكومة على نحو التَّوسعة فيما إذا كان المحكوم دليلاً عقليَّاً(1) هل تلحق بالورود - بمعنى إمكان تأتّي الحكومة - أو تُلحق بالحكومة التَّضييقيَّة من امتناعها؟

ذهب بعض الأعاظم (دام ظله العالی) (2) إلى أنَّه يمكن تحقُّق الحكومة على نحو التَّوسعة في بعض موارد كون الدَّليل المحكوم عقليَّاً.

وتوضيح ذلك: أنَّ الحكومة على نحو التَّوسعة متقوِّمة بركنين:

أحدهما: أن يكون موضوع الدَّليل المحكوم خصوص الماهيَّة التكوينيَّة؛ لأنَّه إذا كان أعمَّ من الماهيَّة التكوينيَّة والاعتباريَّة فبمجرَّد قوله: (الجاهل العادل عالم) يتحقَّق الموضوع، ولا تصل النَّوبة إلى جعل الحكم بلسان جعل الموضوع.

ص: 233


1- وأمَّا إذا كان الحاكم دليلاً عقليَّاً فحكمها حكم الحكومة على سبيل التَّضييق من امتناعها.
2- يُلاحظ: الاستصحاب: 727.

الآخر: أن يكون الحكم المأخوذ في الدليل المحكوم ممَّا تناله يد الجعل الشَّرعيِّ، وأمَّا إذا كان من الأمور التي لا تنالها يد الجعل الشَّرعيِّ فلا يمكن جعل ذلك الحكم بلسان جعل الموضوع والَّذي هو حقيقة الحكومة على نحو التَّوسعة.

فإذا تحقَّق ركنا الحكومة على سبيل التَّوسعة في الدَّليل العقليِّ فإنَّه تتعقّل الحكومة فيه، وإلَّا فلا، ففي بعض الأحكام العقليَّة قد لا يتحقَّق الرُّكن الثَّاني، كما في حال حكم العقل بأنَّ العلم منجِّز ومعذِّر، والبناء على أنَّ المنجِّزيَّة من الأمور الواقعيَّة التي يدركها العقل، وكان موضوعها العلم الوجدانيَّ فحسب، فإنَّه لا يمكن تأتّي الحكومة على سبيل التَّوسعة ولو اعتبر الشارع المقدَّس الأمارة علماً، فإنَّه لا يترتَّب عليه أثر؛ لأنَّ الأثر هو المنجِّزيَّة، وهي بحسب الفرض أمرٌ واقعيٌّ لا يقبل الجعل والاعتبار. ولكن في أحكام عقليَّة أُخرى قد يتحقَّق كلا الرُّكنين، كما في حكم العقل باختصاص عامَّة التَّكاليف الإلزاميَّة بالقادر، بمعنى أنَّ التَّكاليف الإلزاميَّة تُجعل بداعي جعل الدَّاعي بالنِّسبة إلى الفعل، أو بداعي جعل الزَّاجر عن الفعل، وهذا إنَّما يتصوَّر في حقِّ مَن هو قادر على إتيان العمل أو الكفِّ عنه، وأمَّا العاجز فجعل الحكم بالنِّسبة إليه غير صحيح، فالعقل يحكم بتضييق دائرة الأدلّة الدَّالّة على التَّكاليف الشَّرعيَّة، فلا تشمل العاجز. وهنا للشارع أن يقول: (مَن كان العمل بالنِّسبة إليه حرجيَّاً أعتبره عاجزاً)، أو (أنَّ المضطرَّ إلى فعل عمل أو ترك عمل أعتبره عاجزاً) وهكذا، ممَّا يعني أنَّ للشَّارع المقدَّس التَّوسعة في عنوان العاجز، واعتبار المضطر والمكره وأمثالهما عاجزاً، مع أنَّ المدرَك حكمٌ عقليٌّ، والسِّرُّ في ذلك أنَّ المحمول ممَّا تناله يد الجعل، وهو عنوان العاجز.

ص: 234

مهم نتائج البحث

النَّتيجة الأولى

اشارة

اتَّضح من البحث أنَّ في حقيقة الحكومة ثلاثة وجوه، بل أقوال:

القول الأوَّل

المعروف من أنَّها نظر أحد الدَّليلين إلى الدَّليل الآخر أو حكمه، ومن هنا قسِّمت الحكومة إلى ما يكون الحاكم ناظراً إلى عقد الوضع في الدَّليل المحكوم، وإلى ما يكون ناظراً إلى عقد الحمل والحكم في الدَّليل المحكوم.

القول الثَّاني

أنَّ حقيقة الحكومة هي أنَّها نظر مسالم من أحد الدَّليلين إلى الآخر، فتكون أخصَّ من القول الأوَّل؛ إذ لا تشمل الحكومة بملاك النَّظر إلى عقد الحمل، لأنَّه لا يكون تسالم في البين، وإنّما تنافٍ وتعارض.

القول الثَّالث

أنَّ الحكومة منها ما يكون بملاك النَّظر إلى عقد وضع الدَّليل المحكوم، أو عقد حمله كما في القول الأوَّل، ومنها ما يكون بملاك رفع موضوع الدَّليل المحكوم تعبّداً وإن لم يكن نظر.

والصَّحيح هو القول الأوَّل.

النَّتيجة الثَّانية

تبيَّن أنَّ تحديد النَّظر بأنَّه مدلول لفظيٌّ تضمّنيٌّ أوالتزاميٌّ يجعله مختصَّاً بالأدلّة اللَّفظيَّة دون اللّبّیَّة العقلائيَّة، وبحال الاتِّصال دون الانفصال، وبما إذا كان المدلول بيِّناً بالمعنى الأخصِّ، أو على الأكثر بيِّناً بالمعنى الأعمِّ.

والصَّحيح تعقُّل الحكومة في الأدلّة اللّبّیَّة العقلائيَّة كسيرة العقلاء، وتأتّي النَّظر، بل وقوعه بين الأدلّة المنفصلة. وقد يكون النَّظر ممَّا يحتاج إلى تأمُّل ونظر.

النَّتيجة الثَّالثة

انكشف من خلال البحث أنَّ المنظور إليه في الدَّليل المحكوم يمكن أن يكون نفس دلالة الدَّليل، بمعنى مدلول الدَّليل من حيث هو مدلول له. ويمكن

ص: 235

أن يكون مدلول الدَّليل ولكن لا من حيث إنَّه مدلول له، بل من حيث هو مع قطع النَّظر عن كونه مدلولاً للدليل كما في التَّخصيص والتَّقييد.

النَّتيجة الرَّابعة

تجلَّى من البحث أنَّ في الحكومة تنافٍ بمعناه الواسع دون التَّنافي المصطلح عليه بالتَّعارض والتَّنافي المستقرَّ، وأنَّ ملاك القرينيَّة والتَّقديم فيها هو خصيصة النَّظر دون الأقوائيَّة.

النَّتيجة الخامسة

اتَّضح أنَّ الحكومة متقدِّمة رتبة على الجمع العرفيّ والتَّعارض المستقرِّ، ومتأخِّرة عن الورود.

النَّتيجة السَّادسة

عند مقارنة الحكومة مع الجمع العرفيّ من حيث أحكامها اتَّضح أنَّه:

1. إنَّ دائرة تأثير الحاكم المتَّصل - كالمخصِّص المتَّصل - هي ظهور الدَّليل المحكوم، ودائرة تأثير الحاكم المنفصل - كالمخصِّص المنفصل - هي حجّيَّة ذاك الظُّهور، لا أنَّ الحاكم المنفصل يؤثِّر في دائرة الظُّهور كالمتَّصل.

2. ويترتَّب على ذلك الاختلاف في حال إجمال الحاكم فيما لو كان الإجمال دائراً بين الأقلِّ والأكثر، فإنَّه في التَّخصيص والتَّقييد يُتمسَّك بالعامِّ والمطلق في الزَّائد، وأمَّا على التَّعامل مع الحاكم المنفصل كالمتَّصل فإنَّه لا يُتمسَّك بالحكومة في الزَّائد.

3. في الجمع العرفيّ لمّا كان ميزان القرينيَّة هي الأقوائيَّة في الظُّهور فإنَّه يستدعي ملاحظة النِّسبة بين الدَّليلين، وأمَّا في الحكومة فإنَّ المعروف أنَّه لا حاجة إلى ملاحظة النِّسبة. نعم، ذهب بعض الأعاظم (دام ظله العالی) إلى أنَّه أحياناً لا بدَّ من ملاحظة النِّسبة في الحكومة.

4. اتَّضح من البحث أنَّه لا يصحُّ التَّخصيص فيما إذا كان ما يراد تخصيصه حكماً

ص: 236

عقليَّاً، ولا مانع من التَّخصيص فيما لو كان خصوص الخاصِّ حكماً عقليَّاً، أو كان العامُّ والخاصُّ من قبيل الأدلّة اللّبّیَّة عقلائيَّةً كانت أو شرعيَّة تأسيسيَّة.

وأمَّا في الحكومة فإنَّه لا تصحُّ فيما إذا كان الدَّليل الحاكم حكماً عقليَّاً فضلاً عن المحكوم، وأمَّا إذا كان الحاكم دليلاً لُّبِّياً فإنَّ المتعارف على الألسنة أنَّه لا حكومة في اللّبّيَّات؛ على أساس أنَّ التَّنزيل من مقولة اللَّفظ. والصَّحيح أنَّ التَّنزيل من مقولة التَّخيُّل والمعنى، وما اللَّفظ إلَّا مبرِز له، فتتأتّى الحكومة في اللّبّيَّات العقلائيّة دون الشَّرعيَّة التَّأسيسيَّة.

النَّتيجة السَّابعة

تفترق الحكومة عن الورود إذا كانا على سبيل التَّضييق في:

1. إنَّه في الحكومة يوجد تنافٍ بين الحاكم والمحكوم في مقام مدلوليهما الَّذي هو الجعل، ولا تنافي في الورود في هذا المقام.

2. الورود يتأتَّى في الموضوع الاعتباريّ دون التَّكوينيّ، وإذا كان تكوينيَّاً لا بدَّ أن يكون أحد أفراده اعتباريَّاً حتّى يتأتَّى الرَّفع التَّعبُّدي. وأمَّا في الحكومة فلعلَّ السَّائد أنَّه لا بدَّ أن يكون تكوينيَّاً، وأمَّا إذا كان اعتباريَّاً فلا تتأتّى فيه الحكومة؛ لأنَّه لمجرَّد الاعتبار يرتفع الموضوع حقيقة، فيكون وروداً، واحتملنا تأتَّي الحكومة إذا كانت هناك أغراض لا يفي بها الرَّفع الوروديّ.

3. الورود لا يأتي فيما لو كان الدليل الوارد قطعيّ؛ لأنَّها رفع حقيقيّ في طول التَّعبُّد، فإذا لم يكن تعبُّد فلا ورود، وأمَّا في الحكومة فتتأتَّى حتَّى في الأدلّة القطعيَّة؛ لأنَّها رفع تعبُّديّ.

والحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على سيَّدنا محمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين.

ص: 237

ص: 238

المصادر

القران الكريم.

1- أجود التَّقريرات، المحقِّق الميرزا محمّد حسين الناَّئينيّ (قدس سره)، بقلم السَّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (قدس سره)، تحقيق ونشر: مؤسّسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه الشریف)، قمّ المقدَّسة، ط الأولى.

2- الاستصحاب، السَّيِّد عليّ الحُسينيّ السِّيستانيّ (دام ظله العالی)، بقلم السَّيِّد محمَّد علي الرَّباني، النسخة الموجودة في موقع: تقريرات نت.

3- أُصول الفقه، الشَّيخ حسين الحلِّي (قدس سره)، النَّاشر: مكتبة الفقه والأُصول المختصَّة، المطبعة: ستاره - قمّ المقدَّسة، ط الأولى، 1432ﻫ.

4- أُصول الفلسفة والمنهج الواقعيّ، السَّيِّد محمَّد حسين الطَّباطبائيّ (قدس سره)، تقديم وتعليق: الشَّهيد مطهّري، النَّاشر: مؤسّسة أم القرى للتحقيق والنَّشر، لبنان - بيروت، ط الثَّانية، 1322ﻫ.

5- الأُصول في علم الأُصول، الميرزا علي الإيروانيّ (قدس سره)، تحقيق: مركز العلوم والثَّقافة الإسلاميّة، مركز إحياء التُّراث الإسلامي - قمّ المقدَّسة، نشر وطبع: مؤسّسة بستان كتاب، ط الثَّانية، 1430ﻫ - 1387ش.

6- بحوث في شرح مناسك الحج، السيّد محمّد رضا السيستانيّ (دامت برکاته)، بقلم الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، ط الأولى.

7- بحوث في علم الأُصول، السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (قدس سره)، تقرير السَّيِّد محمود الهاشمي، النَّاشر: مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، المطبعة: فروردين، ط الثَّانية، 1417ﻫ.

8- بصائر الدَّرجات، محمَّد بن الحسن الصَّفَّار، تصحيح وتعليق: الحاجّ ميرزا حسن

ص: 239

كوجه باغي، النَّاشر: منشورات الأعلميّ - طهران، المطبعة: الأحمدي - طهران، 1404ﻫ - 1362ش.

9- البيان في تفسير القران، السَّيِّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره)، ضمن موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره).

10- تعارض الأدلّة واختلاف الحديث، السيّد علي الحسينيّ السيستانيّ (دام ظله العالی)، بقلم السَّيِّد هاشم الهاشمي، النسخة الموجودة في موقع: تقريرات نت.

11- تقريرات المجدِّد السّيّد محمّد حسن الشِّيرازي (قدس سره)، بقلم الشيخ عليّ الرّوزدري، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التُّراث - قمّ المقدَّسة، ط الأولى، 1409ﻫ.

12- جامع أحاديث الشِّيعة، السَّيِّد حسين البروجردي (قدس سره)، المطبعة: العلميَّة - قمّ المقدَّسة، 1399ﻫ.

13- دراسات في علم الأُصول، السَّيِّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره)، بقلم السَّيِّد علي الشَّاهرودي، تحقيق ونشر: مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، المطبعة: محمَّد، ط الأولى، 1419ﻫ - 1998م.

14- الرسائل الأُصوليّة، الشيخ محمّد باقر الوحيد البهبهانيّ (قدس سره)، تحقيق ونشر مؤسّسة العلّامة المجدّد الوحيد البهبهانيّ، ط الأولى، قم المشرّفة، 1416 ﻫ.

15- الرسائل، السيّد روح الله الخمينيّ (قدس سره)، مكتبة الداوري.

16- العلم الإجماليّ حقيقته ومنجزيته عقلاً، السّيّد محمّد باقر السّيستانيّ (دامت برکاته)، طبعة أوليّة محدودة التداول.

17- فرائد الأُصول، الشَّيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره)، تحقيق وإعداد: لجنة تحقيق تُراث

ص: 240

الشَّيخ الأعظم (قدس سره)، النَّاشر: مجمع الفكر الإسلاميّ - قم المقدّسة، المطبعة: باقري - قمّ المقدَّسة، ط الأولى، 1419ﻫ.

18- فوائد الأُصول، المحقِّق الميرزا محمّد حسين النَّائيني (قدس سره)، تقرير الشَّيخ محمَّد علي الكاظمي مع تعليقات المحقِّق العراقيّ (قدس سره)، طبع ونشر: مؤسّسة النَّشر الإسلاميّ التَّابعة لجماعة المدرّسين - قم المقدَّسة، سنة الطَّبع: 1404ﻫ.

19- قاعدة لا ضرر ولا ضرار، تقرير بحث السَّيِّد علي الحسينيّ السِّيستانيّ (دام ظله العالی)، النَّاشر: مكتب السَّيِّد السِّيستانيّ (دام ظله العالی) في قم المقدَّسة، المطبعة: مهر - قمّ المقدَّسة، ط الأولى، 1414ﻫ.

20- الكافي في أصول الفقه، تأليف السَّيِّد محمّد سعيد الحكيم (دام ظله)، المؤسّسة الدوليّة للدراسات والنشر، ط3.

21- الكافي، ثقة الإسلام محمَّد بن يعقوب الكُلينيّ (رحمة الله)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، النَّاشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: حيدري، ط الخامسة، 1363ش.

22- كتاب التَّعارض، السَّيِّد محمّد كاظم الطَّباطبائيّ اليزديّ (قدس سره)، تحقيق وتعليق: الشَّيخ حلمي عبد الرَّؤوف السّنان، النَّاشر: مؤسّسة انتشارات مدين، 2005م.

23- كفاية الأُصول، الشيخ محمَّد كاظم الخراسانيّ الآخوند (قدس سره)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، المطبعة: مهر - قمّ، ط الأولى، 1409ﻫ.

24- مباحث الأُصول، السَّيِّد محمَّد باقر الصَّدر (قدس سره)، تقرير السَّيِّد كاظم الحائري، الناشر: دار البشير، المطبعة: شريعت - قمّ، ط الثَّانية، 1425ﻫ.

25- مباني الأُصول، السَّيِّد محمَّد باقر السِّيستاني (دامت برکاته)، بقلم: الشيخ أمجد رياض والشيخ

ص: 241

نزار يوسف، نسخة محدودة التَّداول، سنة الطَّبع: 1434ﻫ.

26- مجلَّة دراسات علميَّة، مجلّة نصف سنوية تصدر عن المدرسة العلميّة الآخوند الصغرى النجف الأشرف، ط الأولى.

27- المحكم في اصول الفقه، السَّيِّد محمَّد سعيد الحكيم، النَّاشر: مؤسسة المنار، ط2.

28- مصباح الأُصول، السيّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره)، بقلم السّيّد محمّد سرور الواعظ البهسودي، ضمن موسوعة الإمام الخوئي (قدس سره).

29- مطارح الأنظار، الشَّيخ الأعظم مرتضى الأنصاريّ (قدس سره)، بقلم الميرزا أبي القاسم النُّوريّ الطَّهرانيّ، تحقيق: علي الفاضلي، النَّاشر: معهد الإمام الخمينيّ والثَّورة الإسلامية للتَّحقيق والدِّراسات العليا، المطبعة: مؤسّسة العروج، ط الأولى 1386ﻫ. ش - 1428ﻫ. ق.

30- معاني الأخبار، الشيخ أبو جعفر محمَّد بن علي بن الحسين بن بابويه (الصَّدوق) (رحمة الله)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، النَّاشر: مؤسّسة النَّشر الإسلاميّ - قمّ المقدَّسة، 1379ﻫ - 1338ش.

31- من لا يحضره الفقيه، الشَّيخ أبو جعفر محمَّد بن علي بن الحسين بن بابويه (الصَّدوق) (رحمة الله)، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة، ط السَّابعة، 1387ﻫ. ش.

32- منتقى الأُصول، السَّيِّد محمَّد الحُسيني الرَّوحانيّ (قدس سره)، تقرير السَّيِّد عبد الصَّاحب الحكيم، المطبعة: الهادي، ط الثَّانية، 1416ﻫ.

33- منية الطَّالب في شرح المكاسب، المحقِّق الميرزا محمّد حسين النَّائينيّ (قدس سره)، تقرير الشَّيخ موسى بن محمّد النجفيّ الخوانساريّ، تحقيق ونشر: مؤسّسة النَّشر الإسلاميّ التَّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ المقدَّسة، ط الأولى، 1418ﻫ.

ص: 242

34- الموافقات، إبراهيم بن موسى الشَّاطبيّ، تعليق وتحقيق: أبو عُبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، النَّاشر: دار ابن عفَّان، ط الأولى، 1417ﻫ - 1997م.

35- نهاية الأفكار، الشّيخ آقا ضياء الدِّين العراقيّ (قدس سره)، بقلم الشيخ محمَّد تقي البروجرديّ، النَّاشر: مؤسّسة النَّشر الإسلاميّ التَّابعة لجماعة المدرّسين - قمّ المقدَّسة، ط الرَّابعة، 1422ﻫ.

36- نهاية النِّهاية في شرح الكفاية، الميرزا علي الإيروانيّ النَّجفيّ (قدس سره)، النَّاشر: مكتب الإعلام الإسلاميّ، ط الأولى، 1370ﻫ.

37- الهداية في الأُصول، السَّيِّد أبو القاسم الخوئي (قدس سره)، تقرير الشَّيخ حسن الصَّافي الأصفهانيّ، تحقيق ونشر مؤسّسة صاحب الأمر (عجل الله تعالی فرجه الشریف) في قمّ المقدَّسة، المطبعة: ستاره - قمّ، ط الأولى، 1417ﻫ.

38- وسائل الشِّيعة، الشيخ محمّد حسن الحرّ العامليّ (قدس سره)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قمّ المشرَّفة، المطبعة: مهر - قمّ، ط الثَّانية، 1414ﻫ.

ص: 243

ص: 244

تطبيق حساب الاحتمالات على ما رواهُ جميلُ بن درّاج عن بعضِ أصحابنا - الشيخ صلاح الرمّاحيّ (دام عزه)

اشارة

(جميل بن درّاج) الراوي الثقة ووجه الطائفة، وهو ممّن أجمعت الطائفة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وتصديقهم لما يقولون وأقرّوا لهم بالفقه. له المئات من الروايات في الكتب الأربعة وغيرها.

وقد وقع الكلام فيما رواه بتعبير (عن بعض أصحابنا), وهي روايات متفرّقة في الأبواب الفقهيّة, والبحث الذي بين أيدينا هو محاولة لإخراج هذه الروايات عن حدِّ الإرسال, لكي لا يُتوقّف في الاحتجاج بها من هذه الجهة.

ص: 245

ص: 246

المدخل

بسم الله الرحمن الرحیم

الإرسال في سند الحديث على مراتب ودرجات؛ إذ قد يكون الإرسال فيه في طبقة واحدة كما لو أخبر الراوي عن رجل عن المعصوم (علیه السلام) , وقد يكون في عدّة طبقات كما لو أخبر الراوي عن بعض أصحابه عن رجل عن المعصوم (علیه السلام) , وقد يكون المرسل من كبار الرواة كمحمّد بن أبي عمير، وقد يكون غير ذلك.

وقد ذهب جمع من الأعلام إلى حجّيّة وقبول الخبر المرسل(1) إذا كان المرسل جليل القدر ولا يرسل إلّا عن ثقة, بمعنى أنّ المقبوليّة للحديث المرسل مشروطة بحصول الاطمئنان - ولو إجمالاً - بكون الواسطة المبهمة من الثقات.

ص: 247


1- قال الشيخ الطوسي (رحمة الله) في العدّة (1/ 154): (وإذا كان أحد الراويين مُسنداً والآخر مرسلاً نُظر في حال المُرسل، فإن كان ممّن يُعلم أنّه لا يُرسل إلاّ عن ثقة موثوق به فلا ترجيح لخبر غيره على خبره، ولأجل ذلك سوّت الطائفة بين ما يرويه محمّد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمّد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عُرفوا بأنّهم لا يروون ولا يُرسلون إلّا عمّن يوثق به، وبين ما أسنده غيرهم، ولذلك عملوا بمراسيلهم إذا انفردوا عن رواية غيرهم - إلى أن قال - فإنّ الطائفة كما عملت بالمسانيد عملت بالمراسيل).

وقد عمل أصحابنا بمراسيل من عُرف عنه أنّه لا يرسل إلّا عن ثقة كابن أبي عمير وصفوان وأحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي وأبي بصير ونظرائهم(1) ولذلك جعلت مراسيلهم بحكم المسانيد, ونجد هذا المعنى أيضاً عند علماء الجمهور بشأن بعض رواتهم، كما أشار إلى ذلك ابن حجر في لسان الميزان حيث ذكر عدّة من رواة الجمهور، وقال: إنّهم أيضاً عُرفوا بأنّهم لا يروون إلّا عن ثقة(2).

وكما يختلف الحال من مرسِل لآخر - بحسب الجلالة والوثاقة - قد يختلف الحال أيضاً بحسب لفظ الإرسال، كما في التعبير تارةً: (عن بعض أصحابنا)، وأخرى: (عن رجاله)، وثالثةً: (عمّن ذكره)، فقد تجد بينها اختلافاً في درجة احتمال الصدور قوّةً وضعفاً(3).

وهناك إشكال يُطرح في المقام يُعرف بإشكال الشبهة المصداقيّة، وحاصله: أنّ احتمالَ اشتمال الواسطة المبهمة - مثل قوله (عن بعض أصحابه)، أو (عن بعض أصحابنا) - على أحد الضعفاء أو غير الموثّقين قائمٌ، ومعه لا يمكن الاعتماد على هذه الأخبار على الرغم من وثاقة الراوي عن تلك الواسطة المبهمة.

ويمكن الجواب عن ذلك بإثبات أنّ احتمال أن تكون الواسطة المبهمة أحد هؤلاء الضعفاء أو المضعّفين هو احتمال ضعيف من خلال اللجوء لحساب الاحتمالات.

هذا, وللراوي الجليل القدر (جميل بن درّاج) عشرات الروايات رواها عن بعض أصحابنا, وقد اهتمّ بها الفقهاء وأوردوها أثناء الاستدلال في مختلف أبواب الفقه من:

ص: 248


1- يلاحظ: مقباس الهداية: 1/252, قوانين الأصول (ط. ق): 478.
2- يلاحظ: لسان الميزان: 1/15.
3- يلاحظ: حاشية منتهى المقال: 1/90.

الطهارة، والصلاة، والزكاة، والحج، والتجارة، والنكاح، والطلاق، والنفقة، والحدود.

وقد تُذكر في المقام عدّة وجوه لتجاوز الإرسال المذكور(1).

منها: اللجوء إلى حساب الاحتمالات للتعرّف على مدى إمكان إخراج هذه المراسيل عن حدّ الإرسال والضعف إلى الإسناد والمقبوليّة، وهو ما يتناوله البحث الذي بين أيدينا.

ويقع الكلام في مبحثين، وخاتمة.

ص: 249


1- منها: مساواة جميل بن درّاج مع المشايخ الثلاثة - ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي - وأضرابهم. ومنها: أنّ المراد ب-(بعض أصحابنا) في الأسانيد المتقدّمة هو زرارة بن أعين أو محمّد بن مسلم، وذلك يبتني على مقدّمتين: الأولى: إنّ أغلب مرويّات جميل عن بعض أصحابنا كانت عن (أحدهما (علیهما السلام)). الثانية: لم تُلحظ هذه الكثرة في استخدام تعبير(عن أحدهما (علیهما السلام)) لغير زرارة ومحمّد بن مسلم. ويؤيّده أنّ أغلب مرويّات جميل بن درّاج المسندة في الكتب الحديثيّة كانت عن زرارة ومحمّد بن مسلم. ومنها: ما قيل من أنّ تعبير الثقة عمّن روى عنه ب (بعض أصحابنا) لا ينسحب عليه حكم الإرسال أصلاً. (لاحظ: الرواشح السماويّة: 260).

المبحث الأوّل

اشارة

وفيه أمور:

الأمر الأوّل: في بيان حال جميل بن درّاج، وأقوال الأعلام فيه، وكتبه

وهو أبو عليّ جميل بن درّاج بن عبد الله النخعيّ, من أشهر مشايخ الرواية، ومن كبار الفقهاء، ووجوه الشيعة، ثقة، جليل، كثير الرواية، وهو من الطبقة الخامسة.

أخذ العلم عن الإمامين الصادق والكاظم (علیهما السلام)، وروى عنهما، وأخذ عن زرارة بن أعين، وكان تلميذه الوفيّ الذي صحبه مدّة طويلة حتى وفاته، وأكثرَ الرواية عنه(1).

وقد نقل الكشّيّ (رحمة الله) أنّه أحد الستّة الثانية - وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) من الطبقة الخامسة - الذين أجمعت الطائفة على تصحيح ما يصحّ عنهم، وتصديقهم لما يقولون، والإقرار لهم بالفقه، حتى نَقَلَ عن أبي إسحاق الفقيه - ثعلبة بن ميمون - أنّ جميل أفقه هؤلاء الستّة(2).

وقال الشيخ (رحمة الله): إنّه كان من الواقفة ثمّ رجع لما ظهر من المعجزات على يدّ الرضا (علیه السلام) الدالّة على صحّة إمامته، فالتزم الحجّة، وقال بإمامته وإمامة مَن بعده من ولده(3).

وأورد الكشّيّ (رحمة الله) روايات عديدة في فضله وإيمانه وعبادته(4).

وقد عدّ النجاشيّ (رحمة الله) لجميل كتباً ثلاثة، أحدها منفرد، والآخر مشترك مع محمّد بن

ص: 250


1- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 126 وما بعدها، معجم رجال الحديث: 5/ 122 وما بعدها.
2- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: 2/ 673 ح 705.
3- يلاحظ: الغيبة: 71.
4- اختيار معرفة الرجال: ح 213، 252، 373، 469.

حمران، والثالث مشترك مع مرازم بن حكيم، وذكر طريقه إلى جميع تلك الكتب(1).

وللشيخ الصدوق (رحمة الله) طريق صحيح للكتابين المشتركين، وأمّا الكتاب المنفرد به فلم يذكر له طريقاً في المشيخة(2).

ويمكن أن يُجاب بأنّ للشيخ الطوسي (رحمة الله) طريقاً صحيحاً لكتاب جميل المنفرد بتوسّط الشيخ الصدوق (رحمة الله)، كما أنّ كتاب جميل من الكتب المعروفة والمشهورة ومسلّمة الانتساب له.

وقد أثبت الشيخ (رحمة الله) لجميل (أصلاً)(3)، ولم يستبعد البعض(4) أنّه نفس (الكتاب) الذي أثبته له النجاشي (رحمة الله) (5)، فتأمّل.

كما نُقل عن النجاشي (رحمة الله) قوله أنّ لجميل كتاباً وأصلاً(6).

ولكن الموجود في النسخ المتداولة من فهرست النجاشي إثبات الكتاب دون الأصل، فراجع.

وقد استطرف ابن إدريس (رحمة الله) من كتاب (جميل) عدّة روايات ذكرها في مستطرفاته(7)، وقد نقلها الحرّ العامليّ (رحمة الله) عنه عن كتاب (جميل) (8).

ص: 251


1- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 127.
2- يلاحظ: من لا يحضره الفقيه: 4/ 431.
3- يلاحظ: الفهرست: 94.
4- يلاحظ: ما جاء تحت عنوان نظرة في أسانيد مستطرفات كتاب جميل (مستطرفات السرائر: 83).
5- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 127.
6- يلاحظ: كتاب الطهارة للسيد الخميني: 3/ 352.
7- يلاحظ: مستطرفات السرائر: 567.
8- يلاحظ: وسائل الشيعة: 12/ 329 ح 6، 405 ح 11، 23/ 390 ح5.

الأمر الثاني: في انصراف لفظ (جميل) عند إطلاقه إلى جميل بن درّاج

ينحصر البحث - بملاحظة الطبقة - في إطلاق لفظ (جميل) بين (جميل بن درّاج وجميل بن صالح) إلّا أنّ الملاحَظ أنّ روايات ابن درّاج أضعاف روايات ابن صالح, والملاحظ - أيضاً - أنّ الإرسال في روايات ابن صالح نادر بخلاف الحال في الإرسال في روايات ابن درّاج فإنَّه متداول كثيراً، فيُظنُّ قويّاً أن يكون المراد ب-(جميل) في محلّ البحث عند إطلاقه في الأسانيد هو ابن درّاج.

هذا من جانب, ومن جانب آخر أنّ اختصار أسماء الرواة في الأسانيد لا يقع عادةً إلّا أن يكون المراد به واضحاً بقرينة الراوي والمروي عنه، أو يكون المراد به المشهور دون المغمور، أو الأشهر دون من هو أقلّ شهرة(1)، ومن المقطوع به أنّ ابن درّاج كان أشهر عند أصحابنا من ابن صالح.

وممّا يؤيّد أنّهم كانوا يعبّرون عن جميل بن درّاج ب-(جميل) مجرّداً هو أنّ بعضهم يصرّح بالاسم واسم الأب، بينما الآخر يكتفي بإطلاق الاسم فقط، هذا في نفس السند الواحد والرواية الواحدة.

فترى أنّ الشيخ الكلينيّ (رحمة الله) في الكافي (7/ 25 ح4) ذكره بعنوان (جميل) بينما الشيخ الصدوق (رحمة الله) في من لا يحضره الفقيه (4/225 ح5531) ذكر الرواية نفسها وعنونه ب-(جميل بن درّاج).

وكذا ترى أنّ الشيخ الكلينيّ (رحمة الله) في الكافي أيضاً (6/ 81 ح5) ذكره بعنوان (جميل) بينما الشيخ الطوسيّ (رحمة الله) في الاستبصار (3/ 298 ح3) ذكر الرواية نفسها

ص: 252


1- هذا الوجه معروف بين الأعلام، وممّن ذكره السيّد الأستاذ (دامت برکاته) في محضر درسه الشريف في شرح مناسك الحج لعام 1436 ﻫ.

وعنونه ب-(جميل بن درّاج).

بل إنّ الشيخ الكلينيّ (رحمة الله) نفسه في الكافي (6/89) عنونه ب-(جميل بن درّاج) في الحديث 2 بينما عنونه ب-(جميل) في الحديث 3، والرواية نفسها(1).

كما روى (رحمة الله) أيضاً في الكافي (7/189) الحديث نفسه تارة عن (جميل) مجرّداً في الحديث 3، وأخرى عن جميل بن درّاج(2) في الحديث 5.

وقد روى الشيخ الكلينيّ (رحمة الله) في الكافي (7/321 ح8) عن جميل بن درّاج، بينما رواه الشيخ الصدوق (رحمة الله) في من لا يحضره الفقيه (4/135 ح5298) عن جميل مجرّداً.

كما ورد عن الشيخ (رحمة الله) في تهذيب الأحكام (1/156 ح20) عن جميل بن درّاج بينما ورد نفسه عن الشيخ نفسه في الاستبصار (1/131 ح4) عن جميل مجرّداً.

وذكر الشيخ الكلينيّ (رحمة الله) في الكافي (1/544 ح8) عن جميل بن درّاج بينما ذكر الشيخ الطوسي (رحمة الله) نفس الخبر في تهذيب الأحكام (4/121 ح2) عن جميل مجرّداً.

وكذا روى الشيخ الكلينيّ (رحمة الله) في الكافي (5/211 ح13) عن جميل بن درّاج، بينما رواه نفسه الشيخ الطوسي (رحمة الله) في تهذيب الأحكام (7/74 ح32) عن جميل مجرّداً.

فمن مجموع ما تقدّم لا يبعد أن يكون المراد من (جميل) مجرّداً في الأسانيد هو جميل ابن درّاج وليس جميل بن صالح(3).

ص: 253


1- وإنْ كانت الرواية الأولى عن زرارة، والرواية الثانية عن محمّد بن مسلم، ولكن لا يبعد اتّحادهما؛ لاستبعاد أن يكون المتن نفسه يرويه جميل بن درّاج تارة وجميل بن صالح أخرى.
2- وإن كانت الرواية الأولى رواها ابن أبي عمير عن جميل، والثانية رواها ابن أبي نجران عن جميل بن درّاج ولكن لا يبعد اتّحادهما للوجه الذي ذكرناه في الهامش السابق.
3- من خلال المراجعة وملاحظة المشايخ والطرق يتّضح أنّ الحسن بن محبوب غالباً ما يروي عن3 4جميل بن صالح...ولم يروِ عن ابن درّاج إلّا نادراً. وكذلك روى جميل بن صالح عن محمّد بن مروان، وسدير، وعبد الملك بن عمرو، وفضيل بن يسار في عدّة موارد، ولم يروِ عنهم ابن درّاج إلّا نادراً. وكذلك من التتبّع تمّ تحديد الموارد التي تنصرف إلى جميل بن صالح دون جميل بن درّاج، وهي: في الكافي (1/84 ح 5)، و(1/170 ح 4)، و(1/220 ح 15)، (1/84 ح 26)، (5/170ح 6)، وفي الاستبصار (3/81 ح5)، وفي التهذيب (3/274 ح 114)، وفي الفقيه (3/94 ح3398).

الأمر الثالث: في استقصاء ما رواه جميل عن بعض أصحابنا

بعد مراجعة الكتب الأربعة - الكافي والفقيه والتهذيب والاستبصار وجدنا أنّ المجموع الكلّيّ لمرويات جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا قد بلغ العشرات، وبعد عمليّة إحصاء هذه الروايات وتتبع أسانيدها لاحظنا ما يلي:

1- أنّ بعض هذه الروايات قد تكرّر في أكثر من واحد من الكتب الأربعة.

2- أنّ التكرار قد يكون على نحو الجزئية بأن يُذكر مقطع من الرواية مع وحدة السند, وأخرى يُذكر تمام الرواية مع ذات السند.

3- أنّ بعضها ورد بعنوان (جميل عن بعض أصحابنا) وهو الأكثر، وبعضها الآخر ورد بعنوان (جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا) وقد مرّ بيان عدم البُعد في اتّحاد العنوانين في المقام.

4- لم نعثر إلّا على روايتين لم تذكرا في الكتب الأربعة.

ذكرت إحداهما في نوادر الأشعريّ (صفحة: 100) بعنوان (عن جميل، عن بعض أصحابنا)، ولكن رواها في الفقيه (3/414 ح4447) عن جميل بن درّاج أنّه سُئل أبو عبد الله (علیه السلام).

ص: 254

والأخرى وردت مرسلة في تفسير العياشيّ (رحمة الله) (2/10) عن جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا, وقد رجّحنا عدم احتسابهما.

5 - قد ورد تعبير (جميل، عن غير واحد من أصحابنا) في روايتين: إحداهما في الكافي في (7/348 ح2), والأخرى في التهذيب (10/272 ح11), والاستبصار (4/296 ح2) وقد ذهب الأكثر إلى اعتبارها سنداً(1)؛ باعتبار تعدّد النقل، فهو كالمستفيض المشتمل على بعض الثقات.

ومحصّل ما كان منها عن جميل بن درّاج (عن بعض أصحابنا) بعد حذف المكرّر منها: ستّ وثلاثون رواية، وهي كما يلي مع الإشارة لمواضع تكرارها:

1. محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 3/41).

2. محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 3/353, تهذيب الأحكام: 2/184).

3. محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن بعض أصحابنا.. الحديث. (الكافي: 3/518, تهذيب الأحكام: 2/6, و4/7).

4. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 4/325, تهذيب الأحكام: 5/61).

5. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 4/330, تهذيب الأحكام: 2/189,

ص: 255


1- يلاحظ: عدّة الرجال (1/135)، مسالك الأفهام (15/25)، الرسائل الرجاليّة (2/148).

و5/316).

6. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 4/386, تهذيب الأحكام: 5/342).

7. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، قال: قال أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 4/424, تهذيب الأحكام: 5/285).

8. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 4/474, تهذيب الأحكام: 2/257, و5/194).

9. عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 4/495, تهذيب الأحكام: 5/220, الاستبصار: 2/272).

10. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا.. الحديث. (الكافي: 4/514).

11. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 5/207, تهذيب الأحكام: 7/60).

12. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 5/215, تهذيب الأحكام: 3/84, و 7/65).

13. محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن

ص: 256

درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 5/280).

14. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 6/83, تهذيب الأحكام: 8/64, الاستبصار: 3/296).

15. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث.

محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا مثله. (الكافي: 6/84).

16. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 6/120, الاستبصار: 3/344, تهذيب الأحكام: 8/149).

17. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 7/25, تهذيب الأحكام: 9/166, الاستبصار: 4/116).

18. محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 7/219, تهذيب الأحكام: 4/250, و10/122).

19. محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 7/320, تهذيب الأحكام: 10/275, من لا يحضره الفقيه: 4/171).

ص: 257

20. عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (الكافي: 7/370, تهذيب الأحكام: 10/179, من لا يحضره الفقيه: 4/172).

21. وفي رواية جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (من لا يحضره الفقيه: 3/217).

22. محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث. (من لا يحضره الفقيه: 4/225).

23. ما أخبرني به الشيخ (أيّده الله تعالى)، عن أحمد بن محمّد، عن أبيه، عن سعد ابن عبد الله، عن أبي جعفر، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر و أبي عبد الله (علیهما السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 1/176، الاستبصار: 1/176).

24. موسى بن القاسم، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. تهذيب الأحكام: (5/60).

25. وعنه [موسى بن القاسم]، عن صفوان، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 5/82).

26. موسى بن القاسم، عن النخعيّ، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 5/118).

27. ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 5/121, الاستبصار: 2/224, من لا يحضره الفقيه: 2/294).

28. ابن قولويه، عن جعفر بن محمّد، عن عبد الله بن نهيك، عن ابن أبي عمير،

ص: 258

عن عليّ، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 6/293, الاستبصار: 3/43).

29. أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 7/25، 373).

30. روى محمّد بن عليّ بن محبوب، عن عليّ بن السنديّ، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 7/285).

31. روى محمّد بن عليّ بن محبوب، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 7/300, الاستبصار: 3/181).

32. الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا.. الحديث. (تهذيب الأحكام: 7/462).

33. الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 7/482).

34. وعنه [الحسين بن سعيد]، عن عليّ بن حديد، عن جميل بن درّاج، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 8/66).

35. عليّ بن الحسن، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن جميل، عن بعض أصحابنا عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 8/127, الاستبصار: 3/332).

36. محمّد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (علیه السلام).. الحديث. (تهذيب الأحكام: 10/129).

ص: 259

الأمر الرابع: في بيان هل أنّ جميل بن درّاج روى عن مشهور بالضعف

اشارة

أو عمّن ضعّفه بعضُ الرجاليّين صريحاً؟ فنقول:

وردت رواية جميل بن درّاج في الكتب الأربعة وغيرها عن جملة من الرواة بلغوا ثلاثة وأربعين راوياً، وأغلبهم من الثقات كزرارة بن أعين ومحمّد بن مسلم وأبي بصير وأبان بن تغلب، كما وردت روايته أيضاً عن بعض المضعّفين وعن الذين لم يوثّقوا صريحاً، وهم:

1. حمزة بن محمّد الطيّار.

2. زكريا بن يحيى الشعيريّ.

3. سلمة بن محرز.

4. عمرو بن الأشعث.

5. عائذ الأحمسيّ.

6. عبد الله بن عطاء.

7. عبد الله بن محرز.

8. عنبسة.

9. علي الأزرق.

10. منصور الصيقل.

11. الحسن بن شهاب.

12. يونس بن ظبيان.

ولكن يمكن القول بأنّ بعض هؤلاء يُشك في رواية جميل عنه، وبعضهم يمكن الاطمئنان بعدم التوقّف في قبول روايته، فنقول:

ص: 260

1. حمزة بن محمّد الطيّار

روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (1/162 ح1).

وسندها هو: محمّد بن يحيى وغيره، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن ابن الطيّار، عن أبي عبد الله (علیه السلام).

والمراد ب- (ابن الطيّار) في السند هو حمزة لا والده، بقرينة أنّ الرواية مرويّة في التوحيد (ص 410) عن ثعلبة بن ميمون عن حمزة بن الطيّار.. الحديث.

وظاهر الرجل كونه إماميّاً(1)، ولم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف.

والروايتان المعتبرتان اللّتان ذكرهما الكشّيّ(2) الدالّتان على حُسن ابن الطيّار وجلالته إنّما هما واردتان بشأن أبيه كما نبّه على ذلك المحققّ التستريّ والسيد الخوئيّ(3).

وربّما يُقال بتوثيقه من جهة رواية صفوان عنه، لكنها غير ثابتة؛ لأنّ الطريق إلى تلك الرواية ضعيف(4).

2. زكريا بن يحيى الشعيريّ

لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، وقد روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (7/24 ح 3).

ص: 261


1- تنقيح المقال: 24/276.
2- الأوّلى: عن هشام بن الحكم قال، قال لي أبو عبد الله (علیه السلام): ما فعل ابن الطيّار ؟ قلت: مات. قال: (رحمه الله) ولقّاه نضرة وسروراً، فقد كان شديد الخصومة عنّا أهل البيت. الثانية: عن أبي جعفر الأحول، ومضمونها مضمون الأوّل. يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: ح 651، 652.
3- يلاحظ: قاموس الرجال: 9/ 346، معجم رجال الحديث: 7/ 294.
4- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/556.

وسندها هو: عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، ومحمّد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان جميعاً، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زكريا بن يحيى الشعيريّ، عن الحكم بن عيينة، قال: كنّا على باب أبي جعفر (علیه السلام)..الحديث.

وليس للرجل ذكر في كتب الرجال(1).

ثمّ إنّ هناك اختلافاً كبيراً في النُسخ في مَن توسّط بين جميل والحكم، ولا يمكن ترجيح احتمال على آخر(2).

وعلى تقدير كون المرويّ عنه هو زكريا بن يحيى فيحتمل أن يكون الواسطيّ الذي وثّقه النجاشيّ(3)؛ فإنّه من الطبقة الخامسة فيصلح أن يروي عنه جميل، وأمّا التميميّ الذي وثّقه النجاشيّ(4) فهو لعلّه من السادسة، فيكون جميل أسبق منه.

3. سلمة بن محرز

من أصحاب الباقر والصادق (علیهما السلام) , والظاهر أنّه سلمة بن محرز القلانسيّ الكوفيّ، ويفهم من بعض رواياته أنّه كان شيعيّاً(5).

وقد اعتمد بعضهم على روايته من حيث كونه من مشايخ ابن أبي عمير(6).

والمتتبِّع للأسانيد يجد أنّ روايات ابن أبي عمير عن رواة الطبقة الرابعة تكون مع

ص: 262


1- يلاحظ: تنقيح المقال في علم الرجال (ط. حديثة): 28/283.
2- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 2/309.
3- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 173.
4- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 173.
5- يلاحظ: منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال: 6/41.
6- يلاحظ: تنقيح المقال في علم الرجال:ج2 ق1 ص51.

الواسطة في سائر الموارد، فكون سلمة من مشايخ ابن أبي عمير محلّ نظر(1).

4. عمرو بن الأشعث

لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، وقد روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (3/238 ح9).

وسندها هو: محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن عليّ بن حديد، عن جميل، عن عمرو بن الأشعث أنّه سمع أبا عبد الله (علیه السلام).. الحديث.

ومع قلّة رواياته فقد رواها عنه ثلاثة من أصحاب الإجماع(2).

ورواية جميل عنه غير ثابتة؛ فإنّ الراوي عن جميل - في السند المشار إليه - هو عليّ بن حديد، وهو مضعّف(3).

5. عائذ الأحمسيّ

روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (3/487 ح3).

وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن عائذ الأحمسيّ، قال دخلت على أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث.

و الظاهر أنّ عائذ الأحمسيّ هو عائذ بن حبيب كما يدلّ عليه كلام الصدوق (رحمة الله) في المشيخة، حيث قال: (وما كان فيه عن عائذ الأحمسيّ فقد رويته - إلى أن قال - عن عائذ ابن حبيب الأحمسيّ)(4).

ص: 263


1- يلاحظ: قبسات من علم الرجال: 1/270.
2- يلاحظ: معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة: 14/84.
3- يلاحظ: الاستبصار: 1/ 40).
4- من لا يحضره الفقيه: 4/ 440.

ولم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف.

6. عبد الله بن عطاء

لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، وقد روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (2/477 ح4).

وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن عبد الله بن عطاء، عن أبي جعفر (علیه السلام).. الحديث.

7. عبد الله بن محرز

لم يرد في حقّه توثيق أو تضعيف، ووردت رواية جميل عنه في التهذيب: (9/321 ح9).

وسندها هو: عليّ بن الحسن بن فضّال، عن جعفر بن محمّد بن حكيم، عن جميل بن درّاج، عن عبد الله بن محرز، عن أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث.

والرواية بنفس الألفاظ - تقريباً - وردت في الكافي: (7/100 ح 2) بسند مغاير، وهو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن عبد الله بن محرز، قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث.

8. عنبسة

روى عنه جميل رواية واحدة وردت في الكافي: (5/512 ح8).

وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، قال: لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين والولد. قال ابن أبي عمير: (قلت لجميل: والمرأة؟ قال: قد روي عن عنبسة، عن أبي عبد الله (علیه السلام)، قال: إذا كساها..) الحديث.

ص: 264

ويمكن القول بوثاقته من خلال رواية صفوان عنه في الكافي: (6/ 143 ح9)، وفي رجال الكشّيّ: (2/579)، ورواية ابن أبي عمير عنه في من لا يحضره الفقيه: (3/420 ح 4463).

وقيل(1) باتّحاده مع عنبسة بن بجاد العابد الذي وثّقه النجاشي في التسلسل (822)(2).

9. عليّ الأزرق

روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في الكافي: (5/284 ح2).

وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن عليّ الأزرق، قال: سمعت أبا عبد الله (علیه السلام).. الحديث.

وعليّ الأزرق هو عليّ بن أبي المغيرة الزبيديّ.

وقد وثّقه العلّامة وابن داود(3)، ولكن لا يمكن البناء على ذلك، ولعلّ منشأ توثيقهما عبارة النجاشيّ (رحمة الله) في ترجمة ابنه الحسن(4)، حيث قال: (الحسن بن عليّ بن أبي المغيرة الزبيديّ الكوفيّ، ثقة هو، وأبوه روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله (علیهما السلام)، وهو يروي كتاب أبيه، عنه)، والظاهر أنّ التوثيق في كلام النجاشيّ يرجع إلى الحسن لا إلى أبيه ولا إليهما معاً، كما أوضح ذلك السيّد الخوئي (قدس سره) فراجع(5).

ص: 265


1- يلاحظ: تكملة الرجال: 2/248.
2- يلاحظ: فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 302، ت 822.
3- خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 106، رجال ابن داود: 75.
4- فهرست أسماء مصنّفي الشيعة: 49 تسلسل (106).
5- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 12/ 266 - 267.
10. منصور الصيقل

كوفيٌّ من أصحاب الصادق (علیه السلام)، قاله البرقي(1). وفي بعض الروايات إشعار بأنّه من الشيعة الخلّص(2)، ولم يوثّق. وقد روى عنه جميل خمس روايات.

11. الحسن بن شهاب

روى عنه جميل رواية واحدة، وردت في التهذيب: (2/367 ح59).

وسندها هو: محمّد، عن محمّد بن الحسين، عن صفوان، عن جميل، عن الحسن بن شهاب، قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام).. الحديث.

أقول: لم يرد فيه توثيق، وقد روى عنه بعض الأجلّة غير جميل، كأبان بن عثمان وجعفر بن بشير.

12. يونس بن ظبيان

روى جميل عن يونس رواية واحدة مشتركاً مع حفص بن غياث، وردت في الكافي: (6/473 ح2).

وسندها هو: عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن يونس بن ظبيان، وحفص بن غياث، عن أبي عبد الله (علیه السلام).. الحديث.

وقد وردت أخبار في ذمّه(3)، وأخرى في مدحه(4)، وقد ذهب أساطين علماء الرجال إلى تضعيف الرجل.

ص: 266


1- يلاحظ: الرجال للبرقي: 39.
2- يلاحظ: معجم رجال الحديث: 19/ 385.
3- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: ح673.
4- يلاحظ: اختيار معرفة الرجال: ح675.

ومن الجدير بالذكر أنّ جميل روى هذه الرواية عن يونس بن ظبيان وحفص بن غياث معاً, وحفص من الثقات.

فتحصّل من جميع ما تقدّم:

1. عدم ثبوت رواية جميل بن درّاج عن زكريا بن يحيى، ولا عن عمرو بن الأشعث؛ لضعف السند إلى جميل.

2. أنّ جميل بن درّاج لم يروِ عمّن ثبت ضعفه إلّا في يونس بن ظبيان.

3. أنّ من يمكن القول بوثاقته ممّن مرّ ذكرهم من المشايخ الاثني عشر هو عنبسة ابن مصعب بناءً على وثاقة من روى عنه ابن أبي عمير وصفوان.

4. رواية جميل بن درّاج عن ثمانية من المشايخ الذين لم يرد في حقّهم توثيق أو تضعيف.

ص: 267

المبحث الثاني: في تطبيق حساب الاحتمالات على روايات جميل

اشارة

روى جميل بن درّاج في الكتب الحديثيّة المئات من الروايات.

وكانت تلك الروايات عن (43) شيخاً. وقد قيل بضعف أو عدم ثبوت وثاقة (12) شيخاً منهم، إلّا أنك عرفت - ممّا مرّ بيانه - إمكان القول بوثاقة بعضهم وعدم ثبوت روايته عن البعض الآخر، فيتحصّل أنّ جميل روى عن (41) شيخاً، وكان غير الموثقين منهم (8) مشايخ، والمضعّف صريحاً هو شيخ واحد.

والصحيح في حساب الاحتمالات أن يُجرى وفق عدد الروايات(1), ليحصل كلّ راوٍ على استحقاقه من قيمة الاحتمال بحسب رواياته، إلّا أننا لم نقتصر على ذلك وأجريناه وفق عدد الرواة أيضاً لزيادة في الفائدة لمن طلبها.

ثمّ إنّ المعادلة التي تخرج النسبة المئويّة للثقات والضعفاء مباشرة يكون شكلها كما يلي:

ل1 = العدد الكلي, ل2= العدد المحدّد

% = 100 × (2ل / 1ل )

ص: 268


1- يلاحظ: بحوث في شرح مناسك الحج: 9/561، بحوث فقهيّة: 291.

ولتطبيق هذه المعادلة هناك عدّة حالات وصور:

الحالة الأولى

في حساب المرويّات التي وردت بعنوان (جميل بن درّاج) عن مشايخه في الكتب الأربعة (الكافي والتهذيب والاستبصار والفقيه).

أجرينا التتبّع لجميع مرويات (جميل بن درّاج) في الكتب الأربعة, وبعد حذف المكرّر منها، واستبعاد الروايات الضعيفة السند إلى جميل؛ لأنّها غير منتجة, كانت النتائج كالآتي:

مجموع رواياته: 185

عدد رواياته عمّن لم يوثّق: 6

عدد رواياته عمّن صرّح بضعفه: 1

ولحساب نسبة رواياته عن غير الموثّق عدا ما رواه عن بعض أصحابنا:

3.78% = 100 × (7/185)

فتكون نسبة رواياته عن غير الموثّقين: 3.78%

الحالة الثانية

في حساب المرويّات التي وردت بعنوان جميل - مجرّداً -، عن مشايخه في الكتب الأربعة (الكافي والتهذيب والاستبصار والفقيه).

أجرينا التتبّع لجميع مرويات (جميل) في الكتب الأربعة, وبعد حذف المكرّر منها، واستبعاد الروايات الضعيفة السند؛ لأنّها غير منتجة, كانت النتائج كالآتي:

مجموع رواياته: 137

عدد رواياته عمّن لم يوثّق: 2

ص: 269

عدد رواياته عن ضعيف: 0

ولحساب نسبة رواياته عن غير الموثق عدا ما رواه عن بعض أصحابنا:

1% = 100 × (137/(2))

وإذا أردنا أن ندمج العنوانين (جميل) و(جميل بن درّاج) - كما هو الصحيح - تكون النتيجة:

2.79% = 100 × (322/(9))

الحالة الثالثة

في حساب نسبة الاحتمال لمشايخه غير الموثّقين والضعفاء صريحاً:

أ. مشايخه غير الموثّقين:

19.51% = 100 × (41/(8))

ب. مشايخه الضعفاء صريحاً:

2.43% = 100 × (41/(1))

ج. مشايخه غير الموثّقين والضعفاء صريحاً معاً:

21.95% = 100 × (41/(9))

ص: 270

ومن خلال هذه النتائج - لا سيّما المهم منها وهو دمج الحالتين الأولى والثانية - يمكن أن يحصل الاطمئنان بكون الواسطة المبهمة - بعض أصحابنا - التي بين جميل وبين أحد الإمامين الصادقين (علیهما السلام) ليس سوى أحد مشايخه الثقات(1).

ص: 271


1- لاحظ: مجلّة دراسات علميّة (العدد 5): 249.

الخاتمة: في خلاصة النتائج التي توصّلنا إليها من خلال الطرح المتقدّم

أوّلاً: إنّ جميل بن درّاج من الرواة الثقات المكثرين الذين أجمع الأصحاب الأوائل على جلالته وأقرّوا له بالعلم والفقاهة.

ثانياً: روى جميل بن درّاج في الكتب الأربعة عن واحد وأربعين شيخاً، وجلّهم من الثقات كزرارة ومحمّد بن مسلم وأبان بن تغلب، وأنّه لم يروِ عن ضعيف مصرّح بضعفه إلّا في يونس بن ظبيان كما تقدّم. نعم، روى عن ثمانية ممّن لم يصرّح بوثاقتها.

ثالثاً: إنّ مرويّات جميل بن درّاج عن (بعض أصحابنا) بلغت ستّاً وثلاثين رواية، وقد تكرّرت في الكتب الأربعة.

رابعاً: تبيّن من خلال حساب الاحتمالات أنّ نسبة روايات جميل بن درّاج عن غير الموثقين والمضعّفين () وهي نسبة ضئيلة يمكن إهمالها عند العقلاء ليحصل الاطمئنان بأنّ الواسطة المبهمة - بعض أصحابنا - ليست سوى أحد مشايخه الثقات.

* * *

وعلى ضوء ما تقدّم فإنّه لو اطمأنّ الرجاليّ وفق هذه المعطيات وحكم على أنّ الذي عبّر عنه جميل ب-(بعض أصحابنا) كان أحد مشايخه الثقات لما كان بعيداً عن الصواب.

والحمد لله ربِّ العالمين وصلّى الله على سيدنا محمَّد وآله الطّيّبين الطّاهرين.

ص: 272

المصادر

1. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشّيّ)، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، المطبعة: بعثت - قم، 1404ﻫ.

2. الاستبصار، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: خورشيد، ط الرابعة،1363ش.

3. بحوث فقهيّة، السيّد محمّد رضا السيستانيّ، الناشر: دار المؤرّخ العربيّ - بيروت، ط الثالثة، 1433ﻫ.

4. بحوث في شرح مناسك الحجّ، أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ، بقلم الشيخ أمجد رياض والشيخ نزار يوسف، الناشر: دار المؤرّخ العربيّ - بيروت، ط الثانية، 1437ﻫ.

5. تكملة الرجال، الشيخ عبد النبي الكاظميّ (قدس سره) (ت1256ﻫ)، تحقيق وتقديم: السيّد محمّد صادق بحر العلوم (قدس سره)، الناشر: أنوار الهدى، المطبعة: مهر، ط الأولى، 1425ﻫ.

6. تنقيح المقال في علم الرجال، الشيخ عبد الله المامقانيّ (قدس سره) (ت1351ﻫ)، تحقيق: الشيخ محيي الدين المامقانيّ، الشيخ محمّد رضا المامقانيّ، نشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث.

7. التهذيب، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: السيّد

ص: 273

حسن الموسويّ الخرسان، الناشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، المطبعة: خورشيد، ط الثالثة، 1364ش.

8. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، الشيخ أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسديّ الحلّيّ (قدس سره) (ت726ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، المطبعة: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط الأولى، 1417ﻫ.

9. رجال ابن داود، الشيخ تقي الدين الحسن بن عليّ بن داود الحلّيّ (قدس سره) (ت740ﻫ)، تحقيق: السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، الناشر: منشورات مطبعة الحيدريّ - النجف الأشرف، سنة الطبع: 1392ﻫ.

10. الرجال، الشيخ أحمد بن محمّد بن خالد البرقي (رحمة الله) (ت274ﻫ)، الناشر: انتشارات دانشگاه طهران.

11. الرسائل الرجاليّة، الشيخ أبو المعالي محمّد بن محمّد إبراهيم الكلباسيّ، (ت 1315ﻫ)، تحقيق: محمّد حسين الدرايتيّ، الناشر: دار الحديث، المطبعة: سرور، ط الأولى، 1422ﻫ.

12. الرواشح السماويّة، السيّد محمّد باقر الداماد الحسينيّ الأسترآباديّ (قدس سره) (ت1041ﻫ)، تحقيق: غلام حسين قيصريه ها، نعمة الله الجليليّ، الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر، ط الأولى، 1422ﻫ.

13. عدّة الأصول، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد مهدي نجف، نشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام).

14. عدّة الرجال، السيّد محسن الحسينيّ الأعرجيّ الكاظميّ (قدس سره) (ت1227ﻫ)، تحقيق: مؤسّسة الهداية لإحياء التراث، الناشر: إسماعيليان، ط الأولى، 1415ﻫ.

ص: 274

15. الغيبة، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهرانيّ، الشيخ عليّ أحمد ناصح، الناشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة - قم، المطبعة، بهمن، ط الأولى، شعبان 1411ﻫ.

16. فهرست أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشيّ)، الشيخ أبو العبّاس أحمد بن عليّ ابن أحمد بن العبّاس النجاشيّ الأسديّ الكوفيّ (قدس سره) (ت450ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الخامسة، 1416ﻫ.

17. الفهرست، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدس سره) (ت460ﻫ)، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ، الناشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، المطبعة: مؤسّسة النشر الإسلاميّ، ط الأولى، شعبان 1417ﻫ.

18. الفوائد الرجاليّة، الشيخ محمّد إسماعيل بن الحسين المازندرانيّ الخواجوئيّ (قدس سره)، (ت1173ﻫ)، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، الناشر: مجمع البحوث الإسلاميّة - مشهد، مؤسّسة الطبع والنشر التابعة للأستانة الرضويّة المقدّسة، ط الأولى، 1413ﻫ.

19. قاموس الرجال، الشيخ محمّد تقي التستريّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الأولى، 1419ﻫ.

20. قبسات من علم الرجال، أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ، جمعها ونظّمها: السيّد محمّد البكّاء، الناشر: دار المؤرّخ العربيّ - بيروت، ط الأولى، 1437ﻫ.

21. قوانين الأصول، الميرزا أبو القاسم القمّيّ (قدس سره) (ت1231ﻫ)، الطبعة المتوفّرة في برنامج مكتبة أهل البيت (علیهم السلام).

22. الكافي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ (قدس سره)

ص: 275

(ت329ﻫ)، تصحيح وتعليق: عليّ أكبر الغفاري، الناشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، المطبعة: چاپخانه حيدريّ، ط الخامسة، 1363ش.

23. كتاب الطهارة، السيّد روح الله الخميني (قدس سره) (ت 1410 ﻫ)، تحقيق: مؤسسة تنظيم ونشر آثار الامام الخميني، مطبعة مؤسّسة العروج، ط الثانية، 1427ﻫ.

24. لسان الميزان، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلانيّ (ت852ﻫ)، الناشر: مؤسّسة الأعلميّ - بيروت، ط الثانية، 1390ﻫ.

25. مجلّة دراسات علميّة، العدد الخامس، 1435 ﻫ، مطبعة دار الكفيل - العراق.

26. مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، الشيخ زين الدين بن عليّ العامليّ (الشهيد الثاني) (قدس سره) (ت965ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة المعارف الإسلاميّة، المطبعة: بهمن - قم، ط الأولى، 1413ﻫ.

27. مستطرفات السرائر، الشيخ محمّد بن أحمد بن إدريس الحلّيّ (قدس سره) (ت598ﻫ)، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الثانية، 1411ﻫ.

28. معجم رجال الحديث، السيّد أبو القاسم الخوئيّ (قدس سره) (ت1413ﻫ)، ط الخامسة، 1413ﻫ.

29. مقباس الهداية في علم الدراية، الشيخ عبد الله المامقانيّ (قدس سره) (ت1351ﻫ)، تحقيق: الشيخ محمّد رضا المامقانيّ، الناشر: دليل ما، ط الأولى، المطبعة: نگارش، 1428ﻫ.

30. من لا يحضره الفقيه، الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمّيّ (قدس سره) (ت381ﻫ)، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاريّ، الناشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ - قم، ط الثانية.

31. منهج المقال في تحقيق أحوال الرجال، الميرزا محمّد بن عليّ الأسترآباديّ (قدس سره)

ص: 276

(ت1028ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث، المطبعة: ستاره - قم، ط الأولى، 1430ﻫ.

32. نهاية الدراية في شرح الكفاية، الشيخ محمّد حسين الغرويّ الأصفهانيّ (قدس سره) (ت1361ﻫ)، تحقيق: الشيخ مهدي أحدي أمير كلائي، الناشر: انتشارات سيّد الشهداء (علیه السلام) - قم، المطبعة: أمير - قم، ط الأولى، 1374ش.

33. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمّد بن الحسن الحرّ العامليّ (قدس سره) (ت1104ﻫ)، تحقيق ونشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام) لإحياء التراث - قم، المطبعة: مهر - قم، ط الثانية، 1414ﻫ.

ص: 277

ص: 278

تعليقة على رجالي الطوسيّ والنجاشيّ (رضوان الله تعالی علیهما) للمحقّق الداماد (قدس سره) - السّيّد جعفر الحسينيّ الإشكوريّ (دام عزه)

اشارة

تعليقة على

رجالي الطوسيّ والنجاشيّ

(رضوان الله تعالی علیهما)

تأليف

السيد محمد باقر بن محمد الداماد الحُسَيْنِي الاسترآبادي (قدس سره)

( المتوفى سنة 1041 للهجرة )

تحقيق

السيد جعفر الحسيني الاشكوري (دام عزه)

ص: 279

ص: 280

بسم الله الرحمن الرحیم

مقدّمة التحقيق

اشارة

الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.

وبعد، هذه تعليقات للعلّامة الفقيه الحكيم المتكلّم المحدّث الرجاليّ السيّد محمّد باقر بن محمّد الحسينيّ الأسترآباديّ الشهير ب- (الداماد)، كتبها على النسخة التي كانت في حيازته من كتاب (الرجال) لشيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ، وكتاب (الرجال) لأبي العبّاس أحمد بن علي النجاشيّ الموجودة الآن في ضمن المجموعة المرقّمة (405) في مكتبة مدرسة المروي بطهران.

والنسخة تشتمل على كتب ثلاث: الفهرست للشيخ الطوسيّ، والرجال له أيضاً، ورجال النجاشي، كتبها حسن بن حسين بن حجّي مهدي النجفيّ الخفاجيّ كما أشار إلى اسمه في نهاية الكتاب بلا تصريح منه بسنة الكتابة، وهي من مستنسخات القرن الحادي عشر، بل أواخر القرن العاشر.

وقد فهرسه الشيخ رضا الأستادي في فهرس المكتبة ص280، واحتمل بأنّ التعليقات الموجودة على رجال الطوسيّ والنجاشيّ لعلّها بخطّ المير الداماد، وعلى النسخة تملّك لمحمّد مهدي بن رضي الدين محمّد الهرويّ.

وأمّا الحواشي الموجودة على النسخة فهي بخطّه بلا شكّ، كما لا يخفى على المتمهّر في الفنّ، إضافة إلى تصريح العلّامة الأفنديّ في رياض العلماء (5/43) بأنّ للمير

ص: 281

الداماد حاشية رجال الشيخ وحاشية رجال النجاشيّ، حيث قال: (صرّح بهما في شارع النجاة له)، ولعلّ المير قصد بهما هذه الحواشي التي كتبها على هذه النسخة، والله العالم.

طريقي في العمل

اعتمدت في إيراد كلام الشيخ الطوسيّ في رجاله على النسخة المطبوعة بتحقيق الشيخ جواد القيّوميّ الأصفهانيّ في سنة (1415ﻫ.ق) في مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، والنجاشيّ في رجاله على النسخة المطبوعة في سنة (1416ﻫ.ق) بتحقيق العلّامة الآية السيّد موسى الشبيريّ الزنجانيّ في نفس المكان.

أوردت عبارة المتن الذي للسيّد المير عليه حاشية، مشيراً إلى الصفحة ورقم الترجمة كما في المطبوع بقلم أشدّ سواداً، ثمّ نقلت عبارة المير كما رأيتُ بخطّه، واهتممت في إيراد كلماته كما ضبطه وأعربه حفظاً لما أراد إيصاله للقارئ، ثمّ ذكرت في الهامش المصادر التي ربّما يراجع المحشّي إليها بعض تحقيقاته وتدقيقاته، وفي نهاية الرسالة أوردت فهرساً للمصادر التي استفدت منها في هذا المقال.

وأعرضتُ في هذه المقدّمة عن ترجمة حياة المير الداماد؛ لشهرته، واستغنائه عن التعريف، إضافة إلى ما كتبه أصحاب التراجم في كتبهم عن حياته وآثاره، وما كُتب عن حياته مستقلّا ً، أو في مقدّمات كتبه المطبوعة، والله هو المستعان وعليه التكلان.

النجف الأشرف

السيّد جعفر الحسينيّ الإشكوريّ

صفر المظفر 1440ﻫ.ق

ص: 282

صفحة من التعليقة على رجال الشيخ الطوسيّ (رحمة الله) بخط المؤلّف

ص: 283

صفحة من التعليقة على رجال الشيخ النجاشيّ (رحمة الله) بخط المؤلّف

ص: 284

تعليقة على رجال الطوسيّ (قدس سره)

ص: 285

ص: 286

ص70 الرقم 639: حليف بني مخزوم.

مخزوم - بالمعجمة والزاي - أبو حيّ من قريش(1) (م ح ق).

(وهو مذحج بن أدد) مَذْحِج - بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة وكسر الحاء المهملة والجيم أخيراً - من قبائل الأنصار، ذكره المطرّزيّ في المغرب في (ذح) وهو الصواب(2)، والجوهريّ في الصحاح أورده في باب الجيم وفصل الميم(3)، فكأنّه ظنّ الميم أصليّة.

وبالجملة مَذْحِجٌ أَكمَةٌ ولد بها أبو هذه القبيلة، فسمّي باسمها.

قال الفيروزآباديّ في القاموس في باب الجيم وفصل الذال: مَذْحِجٌ كَمَجلِسٍ أَكمَةٌ ولدت مالكا وطيئا أمُّهما عندها فسمّوا مَذْحِجاً، وذكر الجوهريّ إيّاه في الميم غلط وإن أحاله على سيبويه(4) (م ح ق).

ص: 287


1- كما قال الجوهريّ في الصحاح (5/ 1912): ومخزوم: أبو حيّ من قريش وهو مخزوم بن يقظة بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب.
2- المغرّب: 173.
3- صحاح اللغة (1/ 340) وقال: مذحج مثال مسجد: أبو قبيلة من اليمن وهو مذحج بن يحابر بن مالك بن زيد بن كهلان بن سبأ. قال سيبويه: الميم من نفس الكلمة.
4- القاموس المحيط: 1/ 190.

(رابع الأركان) الحقّ ما قاله الشيخ إنّ رابع الأركان هو عمّار(1)، ومنهم من عدّ حذيفة رابع الأركان مكان عمّار(2)، وقد سبق نقله في باب الحاء (م ح ق).

ص80 الرقم 782: قيس بن عبادة(3) البكري.

قيس بن عباد بضمّ المهملة وتخفيف الموحّدة من تحت (م ح ق).

ص80 الرقم 785: قيس بن عبادة بن قيس بن ثعلبة البكري، ممدوح.

عباد بضمّ المهملة وتخفيف الموحّدة (م ح ق).

روى عنه الحسن البصريّ (م ح ق).

ص85 الرقم 857: هاني بن هاني المرادي.

خ ل: الهَمْدانيّ (م ح ق).

ص 89 الرقم 911: أبو أمامة... وكان معاوية وضع عليه الحرس...

الحَرَس - بفتحتين - جمع حارس، والحَرسيّ واحد حَرَس السلطان، الفرق بين الواحد والجمع بالياء المشدّدة (م ح ق).

ص 131 الرقم 1344: الحسين بن عبد الله الأرّجاني.

سيأتي في أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام): الحسين بن عبد الله الرجّانيّ يروي

ص: 288


1- رجال الطوسي: 70، الرقم 639.
2- كالعلّامة في خلاصة الأقوال: 131، الرقم1، وابن داود في رجاله: 71، الرقم 390، وهما يحسبانه أحد الأركان الأربعة.
3- كذا في المطبوع، وفي الأصل الذي اعتمده المؤلّف (قدس سره) للتعليق عليه: (عباد). وكذا المورد الذي بعده.

عنه صالح بن حمزة(1)، والحسين الأرّجانيّ، وكأنّهما والحسين بن عبد الله الأرّجانيّ هذا جميعاً واحد، وفي كتاب من لا يحضره الفقيه في باب صلاة الجماعة وفضلها: الحسين بن أبي عبد الله الأرّجانيّ، عن أبي عبد الله (علیه السلام) (2) (م ح ق).

ص 133 الرقم 1384: خالد بن بكار أبو العلاء الخفاف الكوفيّ.

ومن رجال الباقر (علیه السلام) أيضاً أبو العلاء الخفّاف بن عبد الملك الأزديّ الكوفيّ، وهو الذي سيذكره الشيخ في باب الكنى(3). وليس هو بأبي العلاء الخفّاف الكوفيّ العامّيّ السَلُوليّ خالد بن طَهْمان المذكور ههنا، فتثبّت (م ح ق).

ص 133 الرقم 1385: خالد بن طهمان الكوفيّ.

وهذا هو أبو العلاء الخفّاف السَلُوليّ العامّيّ الذي ذكره النجاشي وحكى أمره عن البخاريّ وعن مسلم بن الحجّاج(4)، فتعرّف واستقم.

ثمّ إنّ عامّيّة الرجل غير ثابتة عندي، كيف وعمدة محدّثيهم أبو عبد الله الذهبيّ قال في مختصره في أسماء الرجال: خالد بن طهمان أبو العلاء الكوفيّ الخفّاف، عن أنس وعدّة، وعنه الفريابيّ وأحمد بن يونس، صدوق شيعيّ، ضعّفَه ابن معين(5).

ص: 289


1- في المطبوع من رجال الطوسي (184، الرقم 2237): الحسين بن عبد الله البر الأرجانيّ، وقد نقل المحقّق في الهامش بأنّه أخذ هذا العنوان من ابن حجر في لسان الميزان (2/ 288)، وفي خ ل: البرجانيّ.
2- من لا يحضره الفقيه: 1/ 407 ح1210، وفي بعض النسخ: الحسين بن عبد الله.
3- رجال الطوسيّ: 150، الرقم 1672.
4- رجال النجاشي: 151، الرقم 397.
5- الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة: 365، الرقم 1330.

وقد تقرّر عند أصحابنا أنّ من أمارات جلالة الرجل وصحّة حديثه تضعيف العامّة إيّاه بالتّشيّع. ولعلّ مراد شيخنا النجاشيّ أنّه كان من رجال حديث العامّة لا أنّه كان عامّيّ المذهب، والله سبحانه أعلم (م ح ق).

ص 141 الرقم 1516: علي بن رباط.

سيأتي علي بن رباط هذا في أصحاب الصادق (علیه السلام) (1)، وهو عمّ علي بن الحسن بن رباط الآتي في أصحاب أبي الحسن الرضا (علیه السلام) مترجماً بعلي بن رباط(2) نسبةً إلى الجدّ باسقاط الأب من البين، ثقةً بوضوح الأمر لدى المتمهّر فلا تكوننّ من القاصرين (م ح ق).

ص147 الرقم 1632: ناجية بن أبي عمارة.

هو نجيّة بن الحارث(3) القوّاس الآتي في أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) (4)، وسيجيء في أصحاب أبي الحسن الكاظم (علیه السلام) أيضاً نجيّة بن الحارث(5)، فلعلّ الحارث هو المكنّى بأبي عمارة، وناجية بن أبي عمارة الصيداويّ هذا هو أبو حبيب الأسديّ على ما في كتاب من لا يحضره الفقيه(6).

ص: 290


1- رجال الطوسي: 266، الرقم 3817.
2- رجال الطوسي: 362، الرقم 5374.
3- كذا في المصادر، وفي الأصل: الحرث. وكذا في باقي الموارد.
4- رجال الطوسي: 316، الرقم 4705، وليس فيه لفظ: (القوّاس).
5- رجال الطوسي: 345، الرقم 5149.
6- من لا يحضره الفقيه: 4/ 465 - 466.

وصريح كلام الكشّيّ إنّ ناجية هو نجيّة القواس، وإنّ نجيّة بن الحارث شيخ صادق كوفيّ، صديق علي بن يقطين(1).

والحسن بن داود ظنّ أنّ نجبة بن الحارث بالباء الموحّدة بعد الجيم(2)، وأنّه رجل آخر غير ناجية بن أبي عمارة الصيداويّ، فليتثبّت (م ح ق).

ص150 الرقم 1667: أبو الورد.

قال له الصادق (علیه السلام): يا أبا الورد أمّا أنتم فترجعون - يعني عن الحجّ - مغفوراً لكم، وأمّا غيركم فيُحْفَظون في أهاليهم وأموالهم. رواه أبو جعفر الكلينيّ في جامعه الكافي بسند صحيح عن أبي عبد الله (علیه السلام) (3) (م ح ق).ص150 الرقم 1672: أبو العلاء الخفاف.

هذا هو أبو العلاء الخفّاف بن عبد الملك الأَزْدِيُّ الكوفيّ والد الحسين وعلي وعبد الحميد من أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) الوجوه الأعيان، فتثبَّت ولا تتغلَّطْ

(م ح ق).

ص161 الرقم 1818: إسماعيل بن كثير العجلي الكوفي، أبو معمر.

أبو مَعْمَر العجليّ الكوفيّ وهو غير أبي معمر السَنْجَريّ، اسم ذاك عبد الله بن سَنْجَرَة، واسم هذا إسماعيل. وسيجيء أبو معمر الهلاليّ الكوفيّ واسمه سعيد (م ح ق).

ص: 291


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 748، الرقم 852.
2- رجال ابن داود: 195، الرقم 1629.
3- الكافي: 4/ 264 ح46.

ص163 الرقم 1851: إدريس بن عبد الله القميّ.

هو إدريس بن عبد الله بن سعد الأشعريّ القمّيّ، وابنه زكريّا بن إدريس أبو جُرَير القمّيّ. قال النجاشي إنّه(1) روى عن الرضا عليه(2) السلام(3)، وذكره الشيخ في أصحاب الصادق(4) وفي أصحاب الرضا (علیهما السلام) (5).

والحسن بن داود قد التبس عليه الأمر مع وضوحه، فقال في كتابه: إدريس بن عبد الله بن سعد الأشعريّ (لم، جش) ثقة(6). وفيه قصور عن التدبّر في قول النجاشي، وعن نيل مرامه (م ح ق).

ص187 الرقم 2291: حماد بن ضمجة الكوفي، روى عنه وهيب بن حفص، وكان ثقة.

خ ل: ضمخة، صمحة.

(وكان ثقة) أي: وهيب، ويحتمل حمّاد، ولكنّ الأظهر الارجاع إلى وهيب كما يظهر

ص: 292


1- أي: زكريا بن إدريس بن عبد الله القمّيّ.
2- في الأصل: عليهما، وما أثبتناه من المصدر.
3- رجال النجاشي: 104، الرقم 259.
4- رجال الطوسي (210، الرقم 2726) وفيه: زكريا بن إدريس القمّيّ.
5- رجال الطوسي (358، الرقم 5295) وفيه: زكريا بن إدريس بن عبد الله الأشعريّ، قمّيّ، يكنّى أبا جرير.
6- رجال ابن داود: 47، الرقم 149.

من كتاب النجاشي(1)، وحمّاد أيضاً ثقة، بل أوثق وأجلّ من وهيب (م ح ق).

ص 188 الرقم 2316: حفص بن يونس، أبو ولاد الحناط الآجريّ.

أي: البغداديّ من درب آجُرّ، قال في القاموس: درب آجُرّ موضعان ببغداد(2) (م ح ق).

أبو ولّاد الخيّاط حفص بن يونس هو الذي قال ابن فضّال إنّه مخزوميّ، وأمّا أبو ولّاد الحنّاط حفص بن سالم فسيأتي أنّه مولى جعفي(3) (م ح ق).

ص192 الرقم 2375: الحارث بن زياد الشيبانيّ الكوفيّ، أبو العلاء، أسند عنه.

لم يذكره النجاشي ولا العلّامة ولا تقيّ الدين الحسن بن داود، وإسناد حذيفة بن منصور عنه لا يدلّ على صحّته على ما قال ابن الغضائريّ: إنّه غير نقيّ الحديث، يروي الصحيح والسليم(4) (م ح ق).

ص 195 الرقم 2453: الحسين الأرجاني.

قال في القاموس: رَجّان ككتّان(5) واد بنجد ود بفارس ويقال فيه: أرّجان أيضاً،

ص: 293


1- رجال النجاشي: 431، الرقم 1159.
2- القاموس المحيط: 1/ 363.
3- كما في رجال النجاشي (135، الرقم 347)، وفيه: الحناط.
4- رجال ابن الغضائريّ (50، الرقم 30)، وفيه: السقيم.
5- كذا، وفي المصدر: كشداد.

منه أحمد بن الحسن(1)، وأحمد بن أيّوب، وعبد الله بن محمد بن شعيب، وأخوه أحمد الرجّانيّون المحدّثون(2).

وكأنّ الحسين الأرّجانيّ هذا هو الحسين بن عبد الله الرجّانيّ السابق ذكره، وقد سلف في أصحاب أبي جعفر الباقر (علیه السلام) الحسين بن عبد الله الأرّجانيّ. وفي بعض النسخ عبيد الله مكان عبد الله (م ح ق).

ص 198 الرقم 2492: خالد بن نجيح الجوان الكوفي.

نَجِيح - بالنون المفتوحة والجيم المكسورة والياء المثنّاة من تحت والحاء المهملة أخيراً -.

الجَوّان - بفتح الجيم وتشديد الواو والنون أخيراً -، والمضبوط في نسخ هذا الكتاب: الزاي مكان النون. وربّما ضبط بالراء وذلك غلط كما قاله الحسن بن داود في كتابه(3). والصواب النون على ما ضبطه العلّامة في الإيضاح(4).

والرجل صحيح العقيدة، حسن الحال على ما رواه أبو عمرو الكشّيّ وإن كان في ترجمة المفضل بن عمر قد ينسب إلى الارتفاع(5) (م ح ق).

ص 209 الرقم 2720: زكريا بن عبد الله النقّاض الكوفي.

وقد مضى في أصحاب أبي جعفر الباقر (علیه السلام) زكريّا بن عبد الله القصّاص الكوفيّ،

ص: 294


1- كذا، وفي المصدر: الحسين.
2- القاموس المحيط: 4/ 227.
3- رجال ابن داود: 87، الرقم 557.
4- إيضاح الاشتباه: 171، الرقم 247.
5- اختيار معرفة الرجال: 2/ 619، ح592.

روى عنه وعن أبي عبد الله (علیهما السلام) (1) (م ح ق).

ص 215 الرقم 2834: سليمان بن مهران.. الأعمش الكوفي.

الأعمش المشهور أبو محمد سليمان بن مهران الأزديّ، معروف بالفضل والجلالة والتشيّع والاستقامة، والعامّة مطبقون على فضله، مقرّون بجلالته مع اعترافهم بتشيّعه(2). ومن العجب أنّ المتأخّرين كالعلّامة والشيخ ابن داود وغيرهما قد تطابقوا على الاغفال عن ذكره والثناء عليه مع اتفاق الأُمّة على علوّ قدره وعظم منزلته (م ح ق).

ص 222 الرقم 2971: سيف بن عميرة النخعي الكوفي.

وثّقه في الفهرست وقال: ثقة، له كتاب(3). وقال النجاشي: روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام)، له كتاب، يرويه جماعات من أصحابنا(4). وفي معالم العلماء لمحمّد بن شهر آشوب: سيف [بن](5) عميرة ثقة، من أصحاب الكاظم (علیه السلام)، واقفيّ، له كتاب(6).

وكأنّ ما في شرح الإرشاد لشيخنا الشهيد - رحمه الله تعالى - من نقل تضعيفه عن بعض أصحابنا(7) إشارة إلى طعن ابن شهر آشوب فيه بالوقف، ولكنّه غير مؤثّر في

ص: 295


1- رجال الطوسي (136، الرقم 1417)، وفيه: النقاض.
2- كما في معرفة الثقات للعجلي: 1/ 434، تاريخ بغداد: 9/ 7.
3- الفهرست للطوسي: 140، الرقم 333.
4- رجال النجاشي: 189، الرقم 504.
5- ما بين المعقوفين من المصدر.
6- معالم العلماء: 91، الرقم 377.
7- غاية المراد: 3/ 56.

التضعيف بعد توثيقه.

وبالجملة الرجل ثقة ممدوح، والوقف - على تقدير ثبوته - غير مناف للتوثيق، كيف وهو غير ثابت ولو كان لكان في كلام النجاشي على سبيل الحكم به، أو على سبيل النقل عن غيره كما هو المعهود من هجّيراه (م ح ق).

ص 229 الرقم 3101: عبد الله بن الحسين(1) بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) الهاشمي.

هو أخو أبي جعفر (علیه السلام)، كان يلي صدقات رسول الله (صلی الله علیه و آله و سلم) وصدقات أمير المؤمنين (علیه السلام)، وكان فاضلاً فقيهاً، يروي عن آبائه، عن رسول الله أخباراً كثيرة، وحدّث الناس عنه وحملوا عنه الآثار، ذكره المفيد رحمه الله تعالى في إرشاده(2) (م ح ق).

ص231 الرقم 3127: عبد الله بن رباط البجلي الكوفي.

سيأتي في هذا الباب أيضاً علي بن رباط البجليّ أيضاً(3)، فيستبين أنّ عليّاً وعبد الله ويونس إخوة، وهم من أبناء رباط، ومنهم: الحسين أيضاً على ما ذكره الكشّيّ(4)، وإسحاق أيضاً على ما ذكره النجاشي(5)، والحسن وهو معروف. فهم ستّة، والكشّيّ ذكر بني رباط وقال: قال نصر بن الصباح: كانوا أربعة إخوة [الحسن والحسين وعلي ويونس]

ص: 296


1- كذا في المطبوع، وفي متن الأصل الذي اعتمده المؤلّف (قدس سره) للتعليق عليه بدون (بن الحسين)، وفي هامش الأصل تصحيح بما يوافق المطبوع.
2- الإرشاد للمفيد (2/ 169)، وفيه: عبد الله بن علي بن الحسين أخو أبي جعفر (علیه السلام).
3- رجال الطوسي: 266، الرقم 3817.
4- اختيار معرفة الرجال: 2/ 663، الرقم 685.
5- رجال النجاشي: 46، الرقم 94.

كلّهم أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) ولهم أولاد كثيرة من حملة الحديث(1) (م ح ق).

ص234 الرقم 3191: عبيد الله بن الحسين بن علي... أبو علي المدني.

هذا هو عبيد الله الأعرج، وهو وأخوه عبد الله الهاشميّ من أجلّاء أصحاب الحديث (م ح ق).

ص253 الرقم 3559: عمر بن مسلم الهراء، كوفي.

عمر بن مسلم الكوفيّ هو أخو معاذ بن مسلم الهَرّاء الكوفيّ النحويّ، قاله أبو عمرو الكشّيّ في كتابه(2) (م ح ق).

ص255 الرقم 3606: عامر بن عبد الله بن جذاعة الأزديّ.

كثيراً ما يقال له: عامر بن جداعة(3)، فغير المتمهّر يتوهّم من ذلك التعدّد (م ح ق).

ص266 الرقم 3817: علي بن رباط مولى بجيلة، كوفيّ.

قد سبق ذكر علي بن رباط هذا في أصحاب الباقر (علیه السلام) (4)، وسيأتي ابن أخيه علي بن الحسن بن رباط في أصحاب الرضا (علیه السلام) مترجماً بعلي بن رباط نسبةً إلى الجدّ(5)، فلا تكن

ص: 297


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 663، الرقم 685، والزيادة منه.
2- اختيار معرفة الرجال (2/ 522، الرقم 470)، وفيه: معاذ وعمر ابنا مسلم كوفيّان.
3- كما في معالم العلماء: 124، الرقم 622.
4- رجال الطوسي: 141، الرقم 1516.
5- رجال الطوسي: 362، الرقم 5374.

من الغافلين (م ح ق).

ص305 الرقم 4497: المثنى بن عبد السلام العبدي.

وفي كتب الأخبار كثيراً عن مثنّى بن عبد السلام قال: قلت لأبي عبد الله (علیه السلام)، ومن ذلك في التهذيب في باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات عن مثنّى بن عبد السلام، عن أبي عبد الله (علیه السلام) قال: قلت له(1).

فقول الحسن بن داود في كتابه: مثنّى بن عبد السلام (لم)(2)، خطأ غير مستند إلى منشأ أصلاً (م ح ق).

ص306 الرقم 4517: معاذ بن مسلم الهرّاء الأنصاري.

كلام الشيخ صريح في أنّ معاذ بن مسلم الهرّاء الكوفيّ النحويّ غير معاذ بن كثير الكسائيّ الكوفيّ النحويّ(3)، وهما من أصحاب مولانا أبي عبد الله الصادق (علیه السلام).

وفي الكشّاف أنّ معاذ بن مسلم الهرّاء أستاذ الفرّاء الكوفيّ النحويّ(4)، فقال صاحب الكشف: إنّ معاذ بن مسلم الهرّاء أخذ عنه الكسائيّ، وأخذ الفرّاء عن الكسائيّ، فيكون الهرّاء أستاذ أستاذ الفرّاء، والفرّاء تلميذ تلميذ الهرّاء وخرّيج خرّيجه.

ولكنّ الصدوق أبو جعفر بن بابويه في كتابه الفقيه في باب نوادر الصيام قال:

ص: 298


1- تهذيب الأحكام: 1/ 255، ح741.
2- رجال ابن داود: 158، الرقم 1259.
3- رجال الطوسي: 306، الرقم 4517 و4518.
4- الكشاف: 2/ 520.

معاذ بن كثير ويقال له: معاذ بن مسلم الهرّاء(1). وكلام الكشّاف مطابق لذلك، فليتدبّر (م ح ق).

ص316 الرقم 4705: نجية بن الحارث.

هو ناجية بن أبي عمارة السالف ذكره في أصحاب أبي جعفر الباقر (علیه السلام) (2) كما في المستبين من كلام الكشّيّ(3) (م ح ق).

ص334 الرقم 4972: الحسين بن المختار القلانسي، واقفي، له كتاب.

وقال النجاشي: أبو عبد الله كوفيّ، مولى أحمس من بجيلة، وأخوه الحسن يكنّى أبا محمد، ذُكِرا فيمن روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (علیهما السلام)، له كتاب يرويه عنه حمّاد بن عيسى وغيره(4).

وقال ابن عقدة عن علي بن الحسن: إنّه كوفيّ ثقة(5).

وفي إرشاد شيخنا المفيد في باب النصّ على الرضا (علیه السلام) أنّه من خاصّة الكاظم وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه، من شيعته(6).

ص: 299


1- من لا يحضره الفقيه: 2/ 169، ح2041.
2- رجال الطوسي: 147، الرقم 1632.
3- اختيار معرفة الرجال: 2/ 478 - 480، الرقم 389.
4- رجال النجاشي: 54، الرقم 123.
5- خلاصة الأقوال: 337، الرقم 1.
6- الإرشاد للمفيد: 2/ 247.

وفي الكافي قال الحسين بن المختار: قال لي الصادق (علیه السلام): رحمك الله(1).

وقد روى جماعة من الثقات عنه نصّاً على الرضا (علیه السلام) (2).

قلت: وذلك يدافع كونه واقفياً، ولذلك لم يحكم به النجاشي ولا نقله عن أحد. وبالجملة الرجل من أعيان الثقات وعيون الأَثبات، والله سبحانه أعلم (م ح ق).

ص 338 الرقم 5029: سعد بن أبي خلف الزّام، ثقة.

سعد بن أبي خلف الزّام ثقة كما وثّقه، ولكن طريقه إليه على ما في الفهرست ضعيف بأبي المفضّل على الأشهر، وبابن بطّة اتّفاقاً(3)، وكذلك طريق النجاشي إليه فيه ابن بطّة(4)، فيكون ضعيفاً (م ح ق).

ص338 الرقم 5034: سعد بن أبي عمران، واقفي، أنصاري.

هو سعد بن موسى الأنصاريّ، وموسى كنيته أبو عمران. وفي أسانيد التهذيب: عن سعد بن موسى الخزرج، عن أبي الحسن (علیه السلام) (5) (م ح ق).

ص343 الرقم 5125: محمد بن خالد الطيالسي.

هذا غير والد عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسيّ، وذاك هو محمد بن خالد

ص: 300


1- الكافي: 1/ 67، ح8.
2- الكافي: 1/ 312 - 313، ح8 و9.
3- الفهرست للطوسي: 308، الرقم 320.
4- رجال النجاشي: 178، الرقم 469.
5- لم أجد هذا السند في التهذيب، ولكن الموجود في المطبوع (3/ 210، ح19): وعنه، عن علي بن إسحاق بن سعد، عن موسى بن الخزرج قال: قلت لأبي الحسن (علیه السلام).

الطيالسيّ الذي يروي عنه حميد بن زياد كثيراً من الأصول كما لا يخفى على المتمهّر، فليتعرّف (م ح ق).

ص347 الرقم 5187: أبو يحيى الطحان، ويقال: حناط.

كأنّ أبا يحيى الطحّان هذا هو أبو يحيى الحنّاط الذي يروي عنه الحسن بن محبوب كتابه على ما في الفهرست(1)، وكذلك الحسن بن محمد بن سماعة على ما في كتاب النجاشي(2)، وكثيراً ما في الأسانيد الحسن بن محبوب، عن أبي يحيى الحنّاط(3) (م ح ق).

ص347 الرقم 5184: أبو خالد الزبالي من أهل زبالة.

في الكافي في مولد أبي الحسن موسى (علیه السلام) ما يدلّ على مدح أبي خالد الزباليّ وحسن عقيدته ومحبّته(4) (م ح ق).

ص352 الرقم 5221: إبراهيم بن هاشم العبّاسي.

إبراهيم بن هاشم العبّاسيّ هو المَشْرفيّ - بفتح الميم وبالشين المعجمة قبل الراء والفاء بعدها - نسبةً إلى مشارف الشام قرى من أرض العرب، إليها تنسب السيوف المشرفيّة.

وقيل: هي التي بين جزيرة العرب وبلاد الريف، تدنو من الريف، قيل لها ذلك

ص: 301


1- الفهرست للطوسي: 276، الرقم 879.
2- رجال النجاشي: 456، الرقم 1236.
3- كما في الاستبصار: 1/ 221، ح780، و2/ 16، ح44.
4- الكافي: 1/ 477، ح3.

لأنّها أشرفت على السواد(1). وربّما صُحِّفَ فضبط بالقاف.

وفي كتاب النجاشي: هاشم بن إبراهيم العبّاسيّ الذي يقال له: المشرفيّ(2)، روى عن الرضا (علیه السلام)، له كتاب ترويه جماعة(3).

وتبعه على ذلك الشيخ تقي الدين الحسن بن داود في قسم الممدوحين من كتابه(4)، وفي قسم المجروحين من الخلاصة للعلّامة: هشام بن إبراهيم العبّاسيّ(5)، والله سبحانه أعلم (م ح ق).

ص362 الرقم 5374: علي بن رباط.

علي بن رباط هذا هو علي بن الحسن بن رباط على ما ذكره الكشّيّ والنجاشي وقالا: إنّه من أصحاب الرضا (علیه السلام) (6).

وفي الفهرست أيضاً: علي بن الحسن بن رباط(7)، وهو غير علي بن رباط السالف ذكره في أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) وفي أصحاب أبي جعفر الباقر (علیه السلام)، بل إنّ ذاك عمّ ذا؛ لصريح قول الكشّيّ في بني رباط: قال نصر بن الصبّاح: إنّهم كانوا أربعة إخوة: الحسن والحسين وعلي ويونس، كلّهم أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام)، ولهم أولاد

ص: 302


1- النهاية في غريب الحديث: 2/ 463.
2- كذا، وفي المصدر المطبوع: المشرقي.
3- رجال النجاشي: 435، الرقم 1168، وفيه: يرويه.
4- رجال ابن داود: 199، الرقم 1668، وفيه: المشرقي.
5- خلاصة الأقوال: 415، الرقم 2.
6- اختيار معرفة الرجال: 2/ 663، الرقم 685، رجال النجاشي: 251، الرقم 659.
7- الفهرست للطوسي: 154، الرقم 387.

كثيرة من حَمَلة الحديث(1).

قيل: وفي بعض النسخ من كتاب النجاشي: عبد الله مكان علي، وإسحاق مكان الحسين.

وما سبق إلى بعض الأوهام أنّ في عبارة الفهرست ما يؤذن باتّحاد علي بن الحسن بن رباط وعلي بن رباط ليس له مطابق ومصداق أصلاً، وليُراجَع في ذلك ما علّقناه على الفهرست (م ح ق).

ص373 الرقم 5523: إدريس القمّي يكنّى أبا القاسم.

أبو القاسم إدريس هذا هو: إدريس بن الحسن القمّيّ من رجال الجواد (علیه السلام)، روى عن أبي إسحاق الكنديّ من أصحاب الكاظم (علیه السلام) وعن غيره من أصحاب الكاظم ومن أصحاب الرضا (علیهما السلام) (م ح ق).

ص384 الرقم 5654: بشر بن بشار النيسابوري، وهو عمّ أبي عبد الله الشاذاني.

أبو عبد الله الشاذانيّ - بالمعجمتين من حاشيتي الألف والنون من بعد الألف - هو محمد بن أحمد بن نعيم الذي أنفذ بما اجتمع عنده من مال الغريم إليه (علیه السلام) وزاده من ماله، فورد عليه الجواب منه (علیه السلام): قد وصل إليّ ما أنفذت إليّ من خاصّة مالك وهو كذا وكذا تقبّل الله منك(2) (م ح ق).

ص: 303


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 663.
2- اختيار معرفة الرجال: 2/ 814، الرقم 1017.

ص387 الرقم 5697: سليمان بن حفصويه (كذا).

سليمان بن حفص المروزيّ كان يروي عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام)، ومن جملة ما يرويه عنه حديث ما يقال في سجدة الشكر على ما ذكره الصدوق في الفقيه(1)، وأورده شيخنا الشهيد في الذكرى(2).

وكان خصيصاً بأبي الحسن الثالث (علیه السلام)، وهو الذي روى قدر صاع النبيّ (صلی الله علیه و آله و سلم) في حديث مقدار ماء الغسل عن أبي الحسن (علیه السلام) (3)، والمراد به أبو الحسن الثاني مولانا الرضا (علیه السلام)، وقد يقال المراد به أبو الحسن الهادي (علیه السلام)، والصدوق رضوان الله تعالى عليه رواه مرسلاً عن أبي الحسن موسى (علیه السلام).

ثمّ إنّ سليمان بن حفص ربّما يروي عن مولانا العسكريّ أبي محمد الحسن (علیه السلام) كما في حديث ذكر سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر للمسافر بعد صلاته المقصورة ثلاثين مرّة(4).

وجلالة الرجل ممّا قد بيّنّاه في مواضع من تعليقاتنا ومعلّقاتنا، فليعرف (م ح ق).

ص391 الرقم 5769: موسى بن عمر بن بزيع.

قال النجاشي في كتابه: موسى بن عمر بن بزيع مولى المنصور، ثقة، كوفيّ(5).

ص: 304


1- من لا يحضره الفقيه: 1/ 332، ح970.
2- ذكرى الشيعة: 3/ 461.
3- الاستبصار: 1/ 121، ح410، تهذيب الأحكام: 1/ 135 - 136، ح374.
4- تهذيب الأحكام: 3/ 230، 594.
5- رجال النجاشي: 409، الرقم 1089.

قلت: آل بزيع كلّهم بيت الجلالة والثقة، وذكر الكشّيّ أنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع وأحمد بن حمزة بن بزيع في عداد الوزراء(1)، وربّما يحسب أنّ موسى بن عمر بن بزيع هو موسى بن حمزة بن بزيع، لأنّ عمر بن بزيع غير معروف، فلعلّه تصحيف حمزة. وهو وهم؛ لأنّ موسى بن حمزة بن بزيع يروي عنه سليمان بن جعفر الجعفريّ فهو يروي عن أبي الحسن الأوّل (علیه السلام) على ما يستبين من الطبقات، وموسى بن عمر بن بزيع من أصحاب أبي الحسن الثالث (علیه السلام)، فليتدبّر (م ح ق).

ص398 الرقم 5838: الحسن بن أحمد المالكي.

وفي الأسانيد في كتب الأخبار: الحسين بن أحمد المالكيّ مصغّراً، عن أحمد بن هلال العبرتائي(2).

والذي يظهر أنّه هو الذي سمّاه الشيخ هنا الحسن، وأمّا حِسْبَان التعدّد وظنّ أنّهما أخوان فممّا لا مستند له.

ثمّ لا يبعد أن يكون هذا الرجل ابن أخي الحسين بن مالك القمّيّ الذي قد سبق في أصحاب أبي الحسن الهادي (علیه السلام) ذكره وتوثيقه(3)، والعلم عند الله سبحانه (م ح ق).

ص400 الرقم 5857: عبد الله بن جعفر الحميري، قمّي، ثقة.

هو عبد الله بن جعفر الحِمْيَريّ شيخ القمّيّين ووجههم، يقال له: أبو العباس الحِمْيَريّ، قَدِم الكوفة سنة نيّف وتسعين ومائتين وسمع أهلها منه.

ص: 305


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 835 - 836، الرقم 1065 و1066.
2- كما في تهذيب الأحكام: 1/ 117، ح308.
3- رجال الطوسي: 385، الرقم 5671.

قال الكشّيّ: كان أستاد أبي الحسن - يعني به أبا الحسن علي بن بابويه -(1)، فتوهّم الحسن بن داود أنّه يعني أبا الحسن الكاظم (علیه السلام) فقال في كتابه: (لم كش)(2)، وهذه من فضايح الأغلاط وكبائر الأغاليط (م ح ق).

ص402 الرقم 5898: محمد بن الحسن الصفار.

وأمّا الصفّار الذي سيذكر في باب (لم) أنّه روى عن الحسن بن موسى الخشّاب(3) وهو محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار المذكور في كتاب النجاشي(4)، فليس ذلك لقبه (م ح ق).

ص409 الرقم 5950: أحمد بن نصر بن سعيد الباهلي.

ويكنّى أبا سليمان، وقد روى عن أبي إسحاق إبراهيم بن إسحاق الأحمريّ على ما في الفهرست(5). ولم يدرك عصر أبي محمد العسكريّ (علیه السلام)، فلا يمكن أن يكون قد روى أيضاً عن إبراهيم بن إسحاق الثقة الذي هو من رجال أبي الحسن الثالث (علیه السلام)، وقد مضى ذكره في أصحابه كما ربّما يسبق إلى بعض الأوهام (م ح ق).

ص: 306


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 864، الرقم 1124.
2- رجال ابن داود: 219، الرقم 61.
3- رجال الطوسي: 420، الرقم 6068.
4- رجال النجاشي: 354، الرقم 948.
5- الفهرست للطوسي: 39، الرقم 9.

ص411 الرقم 5960: أحمد بن إبراهيم بن أبي رافع الصيمري.

هذا هو الصحيح، وكذلك ذكره في الفهرست(1)، وهكذا في آخر كتاب الاستبصار في مَسْنَدَتِهِ(2)، والنجاشي أيضاً سمّاه: أحمد بن إبراهيم(3).

وأمّا ما في باب وجوب الترتيب في أعضاء الوضوء من الاستبصار: أبو عبد الله الحسين بن أبي رافع الصيمريّ(4)، فمن سهو القلم، أو من تحريف الناسخ (م ح ق).

ص413 الرقم 5983: أحمد بن محمد بن عياش.. إلّا أنّه اختل(5)..

أَخْبَلَ أَفْعَلَ من الخَبال أي: صار ذا خَبالٍ، يعني ذا فسادٍ في عقله. والخبال في الأصل الفساد، وأكثر ما يستعمل في العقول والأبدان والأفعال. ومنه في التنزيل الكريم: ﴿لا يَألُونَكُم خبالاً﴾(6) (م ح ق).

ص420 الرقم 6068: الحسن بن موسى الخشاب، روى عنه الصفّار.يعني به: محمد بن الحسن بن فرّوخ الصفّار الذي ذكره النجاشي في كتابه(7)،

ص: 307


1- الفهرست للطوسي: 78، الرقم 34.
2- الاستبصار: (4/ 308 - 309) وفيه: أبو عبد الله أحمد بن أبي رافع الصيمريّ.
3- رجال النجاشي: 84، الرقم 203.
4- الاستبصار: 1/ 73، ح223.
5- كذا في المطبوع، وفي الأصل الذي اعتمده المؤلّف (قدس سره) للتعليق عليه بنقطتين فوقانيتين ونقطة أسفلها إشارة إلى أنّه يقرأ بوجهين: (أخبل) و(اختل).
6- آل عمران: 118، وفي الأصل: لا يألون الناس خبالاً.
7- رجال النجاشي: 354، الرقم 948.

لا محمد بن الحسن الصفّار الذي قد تقدّم ذكره في أصحاب الفقيه أبي محمد العسكريّ (علیه السلام) (1)، فإنّه متقدّم على الحسن بن موسى الخشّاب (م ح ق).

ص422 الرقم 6089: الحسين بن محمد بن الفرزدق.. روى عنه التلعكبري..

وروى عنه أيضاً محمد بن هارون الكنديّ نسخةً لعبد الله بن إبراهيم بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (علیهم السلام) يرويها عن آبائه الطاهرين. روى ذلك شيخنا أبو العبّاس النجاشي عن أبي عبد الله الحسين بن جعفر بن محمد الخزاز، عن محمد بن هارون الكِنديّ(2) (م ح ق).

ص430 - 431 الرقم 6179: علي بن محمد بن الزبير القرشي.. وقد ناهز مائة سنة.

ناهز الصبيّ البلوغ أي: قرب منه وأدناه (م ح ق).

ص432 الرقم 6188: عبد الله بن أحمد بن يعقوب بن نصر الأنباري..

أبو طالب الأنباريّ اسمه عبيد الله، وفي الفهرست(3) وفي كتاب الكشّيّ اسمه عبد الله(4)، وكذلك في كتاب الحسن بن داود(5) (م ح ق).

ص: 308


1- رجال الطوسي: 402، الرقم 5898.
2- رجال النجاشي: 224، الرقم 587.
3- الفهرست للطوسي: 169، الرقم 445.
4- لم أعثر عليه في اختيار معرفة الرجال المطبوع.
5- رجال ابن داود: 115، الرقم 825.

ص440 الرقم 6280: محمد بن إسماعيل يكنّى أبا الحسن، نيسابوري..

هذا هو الذي يروي أبو جعفر الكلينيّ عنه، عن الفضل بن شاذان(1) (م ح ق).

* * *

ص: 309


1- الكافي: 1/ 31 ح8، 32 ح4، 39 ح4، 42 ح5، 47 ح6و...

ص: 310

تعليقة على رجال النجاشيّ (رحمة الله)

ص: 311

ص: 312

ص16 الرقم 18: إبراهيم بن هاشم أبو إسحاق القمّيّ.. حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه إبراهيم بها.

ذكر الشيخ رحمه الله تعالى في أحاديث الخمس من كتاب التهذيب أنّه أدرك أبا جعفر الثاني (علیه السلام)، وأنّ له معه خطاباً في الخمس(1)، وذكر المصنّف في ترجمة محمد بن علي بن إبراهيم بن محمد الهمذانيّ أنّ إبراهيم بن هاشم روى عن إبراهيم بن محمد الهمذانيّ، عن الرضا (علیه السلام) (2).

وإبراهيم بن هاشم أجلّ من أن يحتاج إلى صريح التوثيق، وقد حكم العلّامة بالصحّة على عدّة من أسانيد الفقيه والتهذيب وهو في الطريق(3)، ولذلك عدّ طريق الصدوق إلى كردويه وإلى إسماعيل بن مهران مثلاً من الصحاح(4) (م ح ق).

ص19 الرقم21: إبراهيم بن إسحاق أبو إسحاق الأحمري النهاوندي.. وسمع منه سنة تسع وستين ومائتين.

بل الصحيح: سنة تسع وسبعين ومائتين (م ح ق).

ص: 313


1- تهذيب الأحكام: 4/ 140، ح397.
2- رجال النجاشي: 344، الرقم 928.
3- خلاصة الأقوال: 442، الفائدة الثامنة.
4- خلاصة الأقوال: 437، الفائدة الثامنة.

ص21 الرقم30: إبراهيم بن أبي بكر محمد.. ابن أبي السمال سمعان...

كأنّ سمعان اسم السمّال، وهبيرة هو أبو السمّال (م ح ق).

(هو وأخوه) أي: هو وأخوه رويا عن أبي الحسن (علیه السلام)، لا ثقة هو وأخوه كما توهّمه بعض القاصرين ممّن ليس أهلاً للقوانين الأدبيّة والأساليب العربيّة، فليس فيه توثيق إسماعيل بن أبي السمّال (م ح ق).

(شكّا ووقفا عن القول بالوقف) شكّا ووقفا فعلان على صيغة التثنية، فلا غبار على العبارة كما توهّمه بعض الطلبة القاصرين (م ح ق).

ص30 الرقم62: إسماعيل بن همام بن عبد الرحمن.. ثقة هو وأبوه وجدّه.

فيه توثيق عبد الرحمن بن أبي عبد الله، وابنه همّام بن عبد الرحمن، ونافلته أبي همّام إسماعيل بن همّام (م ح ق).

ص34 - 36 الرقم72: الحسن بن علي بن فضال.. كنّا في جنازة الحسن فالتفت..

الملتفت المبشّر هو محمد بن عبد الله بن زرارة فيما رواه الكشّيّ(1)، فيكون هو ممدوح علي بن الريّان (م ح ق).

(فقال: حرّف محمد بن عبد الله على أبي) محمد بن عبد الله هذا هو محمد بن عبد الله بن زرارة كما يستبين ممّا في كتاب الكشّيّ، وقد قال علي بن الريّان إنّه أصدق لهجة من أحمد بن الحسن، وإنّه رجل فاضل ديّن(2) (م ح ق).

ص: 314


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 836، الرقم 1067.
2- ما وجدت العبارة في الكشّيّ، وإنّما نقله النجاشي في رجاله ص36 في ذيل ترجمة الحسن بن3 4علي بن فضال نقلاً عنه.

ص38 الرقم 78: الحسين بن أبي سعيد هاشم بن حيان المكاري.. كان هو وأبوه وجهين في الواقفة.

لايتوهّمنّ متوهّم من هذه العبارة أنّ أباه أبا سعيد هاشم بن حيّان المكاري كان واقفيّاً، فإنّ كون إنسان وجهاً في طائفة لا يستلزم كونه منهم وعلى مذهبهم، ألا يرى أنّ علي بن الحسن بن فضّال قال النجاشي(1) والشيخ(2) وغيره(3) فيه: إنّه فقيه أصحابنا ووجههم وثقتهم، مع أنّه كان فطحيّاً ومات على الفطحيّة. وكيف يصحّ الوقف فيه وهو من أصحاب الصادق (علیه السلام) ولم يرو عن الكاظم (علیه السلام) ولا كان من أصحابه ولا بقي إلى زمن موته (علیه السلام) حتّى يعلم وقفه عليه، أو قوله بالرضا (علیه السلام). ولذلك أورده الحسن بن داود في الممدوحين(4)، وأبو عمرو الكشّيّ ذكر ابنه الحسين في الواقفة دونه(5) (م ح ق).

ص40 الرقم 84: الحسن بن محمد بن سماعة.

وفي كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الكاظم (علیه السلام): أبو علي(6) كما يرويه المصنّف

ص: 315


1- رجال النجاشي: 258، الرقم 676.
2- الفهرست للطوسي: 156، الرقم 391.
3- معالم العلماء: 100، الرقم 438، خلاصة الأقوال: 177، الرقم 15، رجال ابن داود: 261، الرقم 340.
4- رجال ابن داود: 218، الرقم 46، وفي 200، الرقم 1675:هشام بن حيان الكوفي مولى بني عقيل، أبو سعيد المكاري.
5- اختيار معرفة الرجال: 2/ 765، الرقم 884 - 885.
6- رجال الطوسي: 335، الرقم 4994.

عن حميد بن زياد(1) (م ح ق).

ص46 الرقم94: الحسن بن رباط البجلي كوفيّ.

الذي وجدناه في النسخ الواقعة إلينا من كتاب الكشّيّ في بني رباط على هذه الصورة: قال نصر بن الصبّاح: كانوا أربعة إخوة: الحسن والحسين وعلي ويونس كلّهم أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام)، ولهم أولاد كثيرة من حَمَلة الحديث(2).

وربّما يقال في بعض النسخ إسحاق مكان الحسين، وعبد الله مكان علي كما في هذا الكتاب، ولم أجد ذلك فيما وقع إليّ إلى الآن، والله سبحانه أعلم (م ح ق).

ص52 الرقم 117: الحسين بن أبي العلاء الخفاف.. وكان الحسين أوجههم...

وسيأتي توثيق أخيه عبد الحميد بن أبي العلاء. فإذا كان هو أوجه الإخوة كان جليلاً ثَبتاً عيناً. وقال الشيخ في الفهرست: الحسين بن أبي العلاء له كتاب يعدّ في الأصول، أخبرنا به جماعة من أصحابنا عن محمد بن علي بن الحسين بن بابويه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفّار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن محمد بن أبي عمير وصفوان، عن الحسين بن أبي العلاء(3).

فإذا كان كتابه معدوداً في الأصول، وابن أبي عمير وصفوان بن يحيى يرويانه عنه، والشيخ يرويه عنهما بهذا الإسناد الصحيح العالي الطبقات في أعلى الدرجات، فجلالة أمره إذن من المستبينات.

ص: 316


1- رجال النجاشي: 42، الرقم 84.
2- اختيار معرفة الرجال: 2/ 663، الرقم 685.
3- الفهرست للطوسي: 107، الرقم 204.

وقد ذكر السيّد المعظّم جمال الدين أحمد بن طاوس تزكيته في البشرى(1)، وأورده الحسن بن داود في قسم الموثّقين(2)، والعلّامة لم يذكره في الخلاصة (م ح ق).

ص61 الرقم139: الحسن بن خالد بن محمد بن علي البرقي، أبو علي، أخو محمّد بن خالد..

ذكر محمد بن شهر آشوب في كتاب معالم العلماء إنّ الحسن بن خالد البرقي - وهو أخو محمد بن خالد - من كتبه تفسير العسكريّ من املاء الإمام (علیه السلام)، مائة وعشرون مجلّدة(3).

قلت: وأمّا أبو هلال العسكريّ صاحب التفسير المشهور فليس هو من أصحابنا، ولا تفسيره المعروف هو هذا التفسير المنسوب إلى إملاء الإمام (علیه السلام)، فليعلم (م ح ق).

ص66 الرقم 156: الحسين بن محمد بن عمران بن أبي بكر الأشعري..

جخ لم: الحسين بن محمد(4) بن عامر الأشعريّ، يروي عن عمّه عبد الله بن عامر، و(5) عن ابن أبي عمير، روى عنه الكلينيّ(6) (م ح ق). قد أكثر الكلينيّ الرواية عنه في كتابه الكافيّ(7) (م ح ق).

ص: 317


1- التحرير الطاوسي: 148 - 149، الرقم: 113.
2- رجال ابن داود: 79، الرقم 468.
3- معالم العلماء: 70، الرقم 189.
4- كذا في الأصل، وفي المصدر المطبوع: أحمد.
5- حرف الواو ليس في المصدر المطبوع.
6- رجال الطوسي: 424، الرقم 6106.
7- الكافي: 1/ 46، ح2، 205 ح1، 468 ح4، 537 ح1، 2/ 138، ح2.

ص67 الرقم160: الحسين بن محمد بن الفرزدق.. المعروف بالقطعي..

القُطْعِيّ: - بضمّ القاف وإسكان الطاء - كان يبيع الخِرَقَ - بالخاء المعجمة المكسورة والقاف أخيراً -، وكُلّ من قطع بموت الكاظم (علیه السلام) كان قطعيّاً (إيضاح)(1).

كتب ولد المصنّف على حاشية الايضاح أنّها بفتح القاف لا بالضمّ، وإنّما هو من سهو القلم(2).

ص74 الرقم178: إسحاق بن الحسن بن بكران.. وكان في هذا الوقت علوّاً(3) فلم أسمع منه شيئاً.

غُلَوآءُ - بضمّ العين المعجمة وفتح اللام أو إسكانها - على ما في القاموس(4)، وبألفٍ ممدودة بعد الواو، ومحلّها الرفع على اسم كان التامّة أي: كان في هذا الوقت جُمُوحٌ وسرعةٌ فضاق المجال عن سماع شيء منه، أو كان في هذا الوقت أوّل الشباب وسرعته فلم يتّفق لي أن أسمع منه شيئاً.

قال في الصحاح: الغُلَوآء سرعة الشَباب وأوّله(5). ومثله في القاموس(6).

وقال في مجمل اللغة: الغُلَوآء أن يَمُرَّ على وجهه جامحاً، والغُلَوآء سرعة الشباب

ص: 318


1- إيضاح الاشتباه: 160، الرقم 218.
2- إيضاح الاشتباه: 160، هامش الرقم 4.
3- كذا في المطبوع، وفي الأصل الذي اعتمده المؤلّف (قدس سره) للتعليق عليه: (غُلَوآء).
4- القاموس المحيط: 4/ 371.
5- صحاح اللغة: 6/ 2449.
6- القاموس المحيط: 4/ 371.

وأوّله(1).

وفي أساس البلاغة: خفض من غُلَوآئه وفعل ذلك في غلوآء شَبابه(2).

وفي النهاية الأثيريّة في حديث عليٍّ: شُموخُ أنْفِهِ وغُلَوآءُ شَبَابه، غُلَوآء الشباب: أوّلُه وشِرَّتُهُ(3) (م ح ق).

ص76 - 77 الرقم 182: أحمد بن محمد بن خالد.. البرقي.. قال حدّثنا مؤدبي علي بن الحسين السعدآبادي..

علي بن الحسين السعدآبادي الذي يروي عنه الكلينيّ(4) وهو مؤدّب أبي غالب الزراريّ (م ح ق).

ص80 الرقم 192: أحمد بن محمد بن سيار.. وأخبرنا أبو عبد الله القزويني..

هو أبو عبد الله محمد بن علي أخو أحمد بن علي (م ح ق).

ص81 - 83 الرقم 198: أحمد بن محمد بن عيسى.. بن الأشعر يكنّى أبا جعفر..

إذا قيل في الأسانيد: سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر، فالمراد أحمد بن محمد بن عيسى الأشعريّ القميّ هذا.

وقد يراد به أبو جعفر محمد بن عمر بن سعيد وذلك إذا قيل: عن أبي جعفر، عن

ص: 319


1- مجمل اللغة: 684.
2- أساس البلاغة: 685.
3- النهاية في غريب الحديث: 3/ 383.
4- الكافي: 8/ 170، ح193.

يونس بن يعقوب، بدلالة ما في الكافي في كتاب الحجّة في تاريخ أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (علیه السلام): سعد بن عبد الله، عن أبي جعفر محمد بن عمر بن سعيد، عن يونس بن يعقوب(1).

وقد يعنى أيضاً بأبي جعفر في الأسانيد أحمد بن عيسى العلويّ العمريّ الزاهد الثقة من أصحاب العيّاشيّ، وسيأتي في ترجمة علي بن محمد بن عبد الله أبي الحسن القزوينيّ القاضي أنّه روى كتب العيّاشيّ عن أبي جعفر أحمد بن عيسى العلويّ الزاهد عن العياشيّ وأنّه أوّل من أوردها إلى بغداد(2) (م ح ق).

ص83 الرقم199: أحمد بن هلال أبو جعفر العبرتائي، صالح الرواية..

وكلّ ما يرويه عن الحسن بن محبوب من كتاب المشيخة، وعن محمد بن أبي عمير من نوادره، فهو صحيح معتمد عليه(3) (م ح ق).

ص83 الرقم200: أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد الصيقل.. قرأته أنا وأحمد بن الحسين رحمه الله على أبيه..

يعني به ابن الغضائريّ أبا عبد الله الحسين بن عبيد الله شيخ الشيخ الطوسيّ، ومصنّف كتاب الرجال ابنه أحمد بن الحسين هذا شريك المصنّف في قراءة كتاب النوادر المذكور (م ح ق).

ص: 320


1- الكافي: 1/ 475، ح8.
2- رجال النجاشي: 267، الرقم 693.
3- كما في رجال ابن الغضائري: 111 - 112، الرقم 166، وخلاصة الأقوال: 320، الرقم 6، ورجال ابن داود: 230، الرقم 45.

(وقال أحمد بن الحسين رحمه الله: له كتاب في الإمامة) وهو ابن الغضائريّ مصنّف كتاب الرجال (م ح ق).

ص84 الرقم 204: أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان أبو العبّاس الفامي القمي..

قال العلّامة في الايضاح: أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان - بالشين المعجمة والذال المعجمة - أبو العبّاس الفاميّ - بالفاء والميم بعد الألف -(1).

وفي الخلاصة: القاضيّ القميّ مكان الفاميّ(2)، وكذلك في كتاب الحسن بن داود(3).

وليعلم أنّ أبا عبد الله بن شاذان الذي هو أحد أشياخ المصنّف يروي عنه ويذكره في أسانيده كثيراً، هو محمد بن علي بن الحسن بن شاذان أخو أحمد هذا، يعبّر عنه بأبي عبد الله بن شاذان(4) (م ح ق).

ص87 الرقم 211: أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز وكان قد لقي أبا الحسن علي بن محمد القرشي المعروف بابن الزبير، وكان علوّا(5) في الوقت.

سياق الكلام على ما هو الظاهر من دَيْدَنِه ارجاعه إلى المعروف بابن الزبير كما هو المستبين، يعني: وكان أبو الحسن علي بن محمد القرشيّ المعروف بابن الزبير غَلْواً في

ص: 321


1- إيضاح الاشتباه: 102، الرقم 63.
2- في خلاصة الأقوال المطبوع: 70، الرقم 42: الفاميّ.
3- في رجال ابن داود المطبوع: 40، الرقم 98: الفاميّ.
4- كما في رجال النجاشي: 13 ذيل الرقم 8، 36 ذيل الرقم 72، 37 ذيل الرقم 73، 38 ذيل الرقم 76 و..
5- كذا في المطبوع، وفي الأصل الذي اعتمده المؤلّف (قدس سره) للتعليق عليه: (غَلْواً).

الوقت - بفتح المعجمة واسكان اللام - أي: غايةً بالفضل والجلالة في زمانه، بل أقصى الغاية.

قال في المغرب: يقال: غلا بسهمه غَلْواً، وغالى به غِلآءً: إذا رمى به أبعد ما قدَر عليه(1).

وقال في القاموس: غلا بالسهم والسهم غَلْواً ارتفع في ذهابه وجاوز المَدَى(2).

وقال في مجمل اللغة: وغلا بسهمه غَلْواً إذا رَمَى به أقصى الغاية، وكلّ مَرْماةٍ غَلْوَةٌ. وغلت الدابّة في سيرها غَلْواً، وتغالى النَبْتُ ارتفع وطال، ومنه الغَلْوَة مقدار رَمْيَةٍ. والغُلَوآء - بالضمّ وفتح اللام - أوّل الشباب وشِرّتُه، وغلا السعْرُ غَلآءً - بالفتح - ارتفع، ومنه: أفضل الرقاب أغلاها ثمناً أي: أرفعها، وكلّ شيء بلغ مَدَاه في الارتفاع فهو غَلْوٌ في بابه(3).

وأمّا إذا أرجعنا المضمر إلى صاحب الترجمة - أعني أحمد بن عبدون - فمعنى الكلام أنّه لقي أبا الحسن علي بن محمد المعروف بابن الزبير وقد كان هو - أي أحمد - في أوّل شبابه، أو كان جموحٌ وسرعةٌ في الوقت على مضاهاة ما سلف في ترجمة إسحاق بن الحسن (م ح ق).

(كان غَلْواً في الوقت) أي: غاية في العلم والفضل على أقصى مراتب الجلالة في وقته وزمانه من قولك: غَلَوْتُ بالسهم غَلْواً إذا رميت به أبعدَ ما تقدر عليه. أو كان غلوآء - بالمدّ - أي: أوّل الشباب، أو سرعة الانقضاء في الوقت (م ح ق).

ص: 322


1- المغرّب: 344.
2- القاموس المحيط: 4/ 371.
3- مجمل اللغة: 683 - 684.

ص95- 96 الرقم 237: أحمد بن علي الفائديّ.. أخبرناه إجازة أبو عبد الله القزويني..

أبو عبد الله القزوينيّ هو محمد بن علي أخو أحمد بن علي (م ح ق).

ص101 ذيل الرقم253: أحمد بن العباس النجاشي الأسدي مصنّف هذا الكتاب.

ذكر المصنّف رحمه الله تعالى والده في ترجمة أبي جعفر محمد بن علي بن بابويه رضي الله تعالى عنه، فقال بعد عدّ كتبه: أخبرني بجميع كتبه وقرأت بعضها على والدي علي بن أحمد بن العبّاس النجاشي وقال لي: أجازلي(1) جميع كتبه لمّا سمعنا منه ببغداد(2) (م ح ق).

ص134 الرقم 346: حفص بن غياث بن طلق..

شيخنا الشهيد في الذكرى في باب صلاة الجمعة نقل عن المحقّق في المعتبر أنّ حفصاً عامّيّ، تولّى القضاء من قبل الرشيد بشرقيّ بغداد، ثمّ بالكوفة. ثمّ قال: إنّ ذلك لا يضرّ، لأنّ الشيخ قال في الفهرست: إنّ كتاب حفص يعتمد عليه(3).

قلت: وأيضاً تولّيه القضاء من قبل الرشيد وإن كان يَشينه إلّا أنّه لا يدلّ على عامّيّته كما لا يخفى (م ح ق).

ص: 323


1- كذا، وفي المصدر: أجازني.
2- رجال النجاشي: 392، الرقم 1049.
3- ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة: 4/ 127، المعتبر: 1/ 101، 2/ 298، الفهرست للطوسي: 116، الرقم: 242.

ص136 الرقم 350: حكم بن مسكين.

شيخنا الشهيد في الذكرى نقل عن العلّامة في المختلف في باب صلاة الجمعة(1) أنّه قال: [في] طريق رواية محمد بن مسلم، الحكم بن مسكين، ولا يحضرني الآن حاله، فنحن نمنع صحّة السند.

ثمّ اعترض عليه فقال: قلت: الحكم ذكره الكشّيّ ولم يتعرّض(2) له بذمّ، والرواية لا يطعن فيها كون الراوي مجهولاً عند بعض الناس(3).

ونحن نقول: نعم ذكر الكشّيّ لرجل من دون أن يتعرّض لطعن فيه أو غميزة، آية جلالة الرجل، ولكن ذلك غير مذكور في اختيار الشيخ لكتاب الكشّيّ، فكأنّه قدّس الله لطيفه وجده في أصل الكتاب (م ح ق).

ص142 الرقم 370: حماد بن عيسى أبو محمد الجهني.. قال أحمد بن الحسين رحمه الله: رأيت كتاباً فيه عبر..

يعني به أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائريّ وهو مصنّف كتاب الرجال المقصور على ايراد الضعفاء لا أبوه. والشيخ رحمه الله تعالى ذكره في ديباجة الفهرست ودعا له بالرَحْمَلَة(4) كما المصنّف في هذا الموضع، وفي ترجمة أحمد بن الحسين بن عمر بن

ص: 324


1- مختلف الشيعة: 2/ 365.
2- كذا، وفي المصدر: يعرض.
3- ذكرى الشيعة: 4/ 108.
4- الفهرست للطوسي: 32.

يزيد الصيقل(1)، وذلك في قوّة التنصيص عليه بالتوثيق والمدح كما هو هِجّيراهم، ويظهر من ذلك أنّه كان قد توفّي قبل الشيخ وقبل المصنّف أيضاً رحمهما الله تعالى (م ح ق).

ص151 الرقم 397: خالد بن طهمان أبو العلاء الخفاف السلولي.. كان من العامّة..

وهو غير خالد بن بكّار أبي العلاء الخفّاف الكوفيّ أيضاً من رجال أبي جعفر الباقر (علیه السلام)، ذكرهما الشيخ رحمه الله تعالى باسميهما في كتاب الرجال في أصحاب الباقر عليه [السلام](2).

وأمّا أبو العلاء الخفّاف الأزديّ الكوفيّ من أصحابه (علیه السلام) وهو ابن عبد الملك والد الحسين وعلي وعبد الحميد من أصحاب الصادق (علیه السلام)، فقد ذكره الشيخ في باب الكُنى من أصحاب الباقر (علیه السلام) (3)، وهناك التباسات على غير المتمهّر، فَلْيَتَثَبَّتْ (م ح ق).

(السَلولي) - بفتح المهملة وبلامين عن حاشيتي الواو - نسبة إلى سَلُول قبيلة من هوازن (م ح ق).

لم يثبت عندي كونه من العامّة، كيف وعلماء العامّة اعترفوا بثقته وطعنوا فيه بغميزة التشيّع، قال عمدة محدّثيهم أبو عبد الله الذهبيّ في مختصره في أسماء الرجال: خالد بن طهمان أبو العلاء الكوفيّ الخفّاف عن أنس وعدّة، وعنه الفريابيّ، وأحمد بن يونس،

ص: 325


1- رجال النجاشي: 83، الرقم 200.
2- رجال الطوسي (133، الرقم 1384)، وفيه: خالد بن بكار أبو العلاء الخفاف الكوفي، (الرقم 1385)، وفيه: خالد بن طهمان الكوفي، والزيادة منّا.
3- رجال الطوسي: 150، الرقم 1672.

[صدوق] شيعيّ، وضعّفه ابن معين(1).

ومثل ذلك في شرح صحيح البخاريّ(2).

ولعل المصنّف عنى أنّه من رجال حديث العامّة لا أنّه عامّيّ المذهب، ومن المتقرّر عند أصحابنا أنّ آية جلالة الرجل وصحّة حديثه تضعيف العامّة إيّاه بالتشيّع مع اعترافهم بحسن حاله (م ح ق).

ص158 الرقم 418: داود بن فرقد..

وفي الأسانيد في كتب الأخبار: زكّار بن فرقد(3)، ولم أر أحداً عدّه من إخوة داود بن فرقد (م ح ق).

ص172 الرقم 454: زكريا بن عبد الله الفياض أبو يحيى.

خ ل: النقّاض، كذلك في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله (علیه السلام) (4)، وفي أصحاب أبي جعفر الباقر (علیه السلام): زكريّا بن عبد الله القصّاص الكوفيّ، روى عنه وعن أبي عبد الله (علیهما السلام) (5) (م ح ق).

ص176 الرقم 464: زكّار بن الحسن الدينوري.

زكّار بن فرقد في أسانيد الأخبار، ولم يستبن لي أنّه من إخوة داود بن فرقد.

ص: 326


1- الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة: 1/ 366، الرقم 1330.
2- لم أعثر عليه ضمن المصادر المتاحة بين يدي.
3- الاستبصار: 1/ 21، ح52، تهذيب الأحكام: 1/ 38 - 39 ح104، 416 ح1314.
4- رجال الطوسي: 209، الرقم 2720.
5- رجال الطوسي (136، الرقم 1417)، وفيه: النقاض.

والعلّامة في الخلاصة قال في ترجمة زكّار هذا: زكّار أبو الحسن الدينوريّ(1). فقال بعض شهداء المتأخّرين في معلّقاته عليه: الظاهر أنّ هذه النسخة هي الصحيحة، لأنّ الشيخ في التهذيب روى عنه حديثاً في باب الوضوء وقال: زكّار بن فرقد(2)، وهو ينافي ابن الحسن لا أبو الحسن. وبخط السيّد جمال الدين من كتاب النجاشي: زكّار بن الحسن(3)، وكذلك ابن داود(4).

قلت: ولو كان أبو الحسن مكان ابن الحسن صحيحاً فكون زكّار أبي الحسن الدينوريّ هو زكّار بن فرقد الكوفيّ لا يخلو عن بعد ما، إلّا ان يكون زكّار قد انتقل من الكوفة فصار دينوريّاً بعدما كان كوفيّاً، لكن طبقة الرواية وتاريخ الطبقات لا يساعد ذلك (م ح ق).

ص224 الرقم 588: عبد الله بن طلحة النهدي.. وليس هو أخا يحيى بن طلحة..

في كتب الأخبار: يحيى بن أبي طلحة، عن أبي الحسن (علیه السلام) (5)، وشيخنا النجاشي قال: يحيى بن طلحة باسقاط أبي (م ح ق).

ص251 الرقم 659: علي بن الحسن بن رباط البجلي..

فأمّا عمّه علي بن رباط فمن أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام)، صرّح بذلك

ص: 327


1- خلاصة الأقوال (153، الرقم 3)، وفيه: زكار بن الحسن الدينوري.
2- تهذيب الأحكام: 1/ 38 - 39 ح104، 416 ح1314.
3- حاشية خلاصة الأقوال: 134 - 135.
4- رجال ابن داود: 97، الرقم 634.
5- الاستبصار (1/ 105، ح346)، وفيه: أنّه سأل عبداً صالحاً، وكذا في تهذيب الأحكام: 1/ 122، ح325.

الكشّيّ في ذكر بني رباط(1)، والشيخ أيضاً على طباق ذلك في كتاب الرجال ذكر العمّ في أصحاب أبي عبد الله الصادق وفي أصحاب أبي جعفر الباقر (علیهما السلام) (2)، وذكر ابن الأخ في أصحاب أبي الحسن الرضا (علیه السلام)، إلّا أنّه نسبه إلى جدّه رباط فقال: علي بن رباط باسقاط الوالد من البين(3)، ثقة منه بأنّ المتمهّر لا يخفى عليه الأمر فلا تكوننّ من الغافلين ( م ح ق).

ص254 الرقم 665: علي بن الحسن بن علي المسعودي.. هذا رجل زعم أبو المفضل الشيباني رحمه الله أنّه لقيه..

هو محمد بن عبد الله بن المطّلب الشيبانيّ، ذكره الشيخ في كتاب الرجال في باب (لم) وقال: كثير الرواية إلّا أنّه ضعّفه قوم(4). وكذلك في الفهرست(5). وسيأتي ترجمته في حرف الميم محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن البهلول أبو المفضّل(6)، وذكره هنا والدعاء له بالرَحْمَلَة مدح وتوقير (م ح ق).

ص254 - 255 الرقم 667: علي بن الحسن بن محمد.. المعروف بالطاطري..

علي الطاطريّ متقدّم في الطبقة على علي بن الحسن بن رباط، فما توهّمه بعض

ص: 328


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 663، الرقم 685.
2- رجال الطوسي: 141، الرقم 1516، 266، الرقم 3817.
3- رجال الطوسي: 362، الرقم 5374.
4- رجال الطوسي: 447، الرقم 6360.
5- الفهرست للطوسي: 216، الرقم 610.
6- رجال النجاشي: 396، الرقم 1059.

المتوهّمين من أنّه يروي عنه، غير مستقيم فلا تكوننّ من المتخبّطين (م ح ق).

(وكان يشركه في كثير من الرجال) أي: الحسن بن محمد بن سماعة كان يروي عن أكثر من يروي عنه الطاطريّ، ولم يكن يروي عن الطاطريّ شيئاً وإن كان هو أستاذه ومنه تعلّم مذهب الوقف (م ح ق).

ص257 - 258 الرقم 676: علي بن الحسن بن علي بن فضال.. وذكر أحمد بن الحسين رحمه الله أنّه رأى نسخة..

يعني به أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائريّ وهو مصنّف كتاب الرجال المعروف لا أبوه الحسين (م ح ق).

ص274 الرقم 718: علي بن الحكم بن الزبير النخعي... أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان..

أبو عبد الله بن شاذان هذا غير أبي عبد الله الشاذانيّ، ذاك ابن أخي بشر بن بشّار النيسابوريّ كما ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي الحسن الثالث (علیه السلام) (1) واسمه محمد بن أحمد بن نعيم، وهذا اسمه محمد بن علي بن شاذان أخو أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الفاميّ القمّيّ (م ح ق).

ص275 الرقم 720: علي بن شجرة بن ميمون.

شجرة بن ميمون أخو بشير النبّال، ذكره الكشّيّ وروى حديثاً فيه مدحه ومدح

ص: 329


1- رجال الطوسي: 384، الرقم 5654.

أخيه شجرة(1)، والشيخ في كتاب الرجال في باب الباء من أصحاب أبي جعفر الباقر (علیه السلام) قال: بشر بن ميمون الوابشيّ الهمْدانيّ النبّال الكوفيّ، وأخوه شجرة وهما ابنا أبي أراكة، واسمه ميمون مولى بني وابش، وهو ميمون بن سنجار(2).

وفي باب الشين قال: شجرة أخو بشير النبّال(3).

وفي باب الباء من أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) قال: بشر بن ميمون الوابشيّ النبّال كوفيّ(4).

وفي باب الشين قال: شجرة بن ميمون أبي أراكة النبّال الوابشيّ، مولاهم الكوفيّ(5).

وبالجملة بيت النبّال بيت الثقة والجلالة، وهم كلّهم ثقات أجلّاء، وبشير النبّال أجلّهم وأوجههم. والعلّامة رحمه الله تعالى وأكثر أصحابنا المتأخّرين عن ذلك كلّه من الذاهلين (م ح ق).

ص293 الرقم 794: عامر بن عبد الله بن جداعة الأزدي.

ضبطه بعضهم باعجام الذال بعد الجيم المضمومة(6)، والأصوب الأشهر إهمالها (م ح ق).

ص: 330


1- اختيار معرفة الرجال: 2/ 665، الرقم 689.
2- رجال الطوسي (127، الرقم 1280)، وفيه: بشير بن ميمون.
3- رجال الطوسي: 138، الرقم 1455.
4- رجال الطوسي (169، الرقم 1966)، وفيه: بشير بن... الكوفيّ.
5- رجال الطوسي: 224، الرقم 3018.
6- كما في المطبوع من اختيار معرفة الرجال: 2/ 708، الرقم 764، الفهرست للطوسي: 195، الرقم 556، رجال الطوسي: 255، الرقم 3606، وإيضاح الاشتباه: 232، الرقم 446 و...

(حدّثني إبراهيم بن مهزم، عن عامر بن جداعة بكتبه) يستبين منه أنّ عامر بن جداعة وعامر بن عبد الله بن جداعة واحد، وكذلك من كتاب الكشّيّ، وروى الكشّيّ حديث الحواريّين عن أبي الحسن موسى (علیه السلام) وفيه: إنّ حجر بن زايدة وعامر بن عبد الله بن جداعة من حواريّ محمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق (علیهما السلام) (1)، ورواه عنه (علیه السلام) في ترجمة حجر بن زايدة، والأرجح الأصحّ عندي تعديل الرجل وفاقاً للعلّامة في الخلاصة(2) (م ح ق).

ص303 الرقم 828: العمركي بن علي أبو محمد البوفكي.كذا ذكره العلّامة في الخلاصة في باب العين المهملة(3)، ثمّ في الفائدة الأولى من فوائد الخاتمة قال: أبو عبد الله(4) العمركيّ يروي عن علي بن جعفر، اسمه علي البرمكيّ(5).

والحسن بن داود ذكر أوّلاً مثل ما في الكتاب، إلّا أنّه لم يذكر أنّ كنيته أبو محمد، ثمّ قال: وكان سيّدنا جمال الدين قدّس الله روحه يقول في رواية صحيحة: إنّ اسمه علي بن البوفكيّ(6).

وبالجملة حِسبان التعدّد هناك غلط، والتعويل في تكنيته على ما قاله المصنّف، وفي

ص: 331


1- اختيار معرفة الرجال: 1/ 45، ذيل الرقم 20.
2- خلاصة الأقوال: 218، الرقم 1.
3- خلاصة الأقوال: 227، الرقم 21.
4- كذا، وفي المصدر المطبوع: أبو محمد.
5- خلاصة الأقوال (428، الرقم 17)، وفيه: البوفكي.
6- رجال ابن داود: 147، الرقم 1152.

تسميته على ما قاله السيّد ابن طاوس (م ح ق).

(له كتاب الملاحم أخبرنا أبو عبد الله القزوينيّ) أبو عبد الله القزوينيّ هو محمد بن علي أخو أبي عمرو أحمد بن علي الفايدي القزوينيّ، ومن القاصرين من التبس عليه الأمر فظنّ أنّه أبو عبد الله بن شاذان، فلا تتخبّط (م ح ق).

(وله كتاب نوادر أخبرنا محمد بن علي بن شاذان) محمد بن علي بن شاذان هو من أشياخ المصنّف، وهو أبو عبد الله بن شاذان أخو أبي العبّاس أحمد بن علي بن الحسن بن شاذان الفامي القمّيّ، فلا تتخبّط (م ح ق).

ص314 الرقم 860: القاسم بن عروة.. أخبرنا أبو عبد الله بن شاذان..

أبو عبد الله بن شاذان - بالمعجمتين من حاشيتي الألف والنون أخيراً بعد الألف - هذا ليس هو المعروف بأبي عبد الله الشاذانيّ كما قد نبّهنا عليه مراراً (م ح ق).

ص325 الرقم 886: محمد بن علي بن النعمان.. رأيته عند أحمد بن الحسين بن عبيد الله رحمه الله..

يعني به ابن الغضائري المصنّف لكتاب الرجال المعروف، وهو أحمد بن الحسين بن عبيد الله الغضائري، والحسين أستاد النجاشي، وأحمد شريكه في القراءة على والده (م ح ق).

ص333 الرقم 896: محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين.. أبو جعفر جليل..

وسيأتي أيضاً من شيخنا النجاشي في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيي تعديل أبي جعفر العبيديّ وتوثيقه، والاستدراك على محمد بن الحسن بن الوليد في ادخاله فيمن استثناه

ص: 332

من رجال نوادر الحكمة(1) (م ح ق).

وقد وثّقه وعظّم أمره أبو عمرو الكشّيّ حيث أورد جملةً من الحكايات في محمد بن سنان، ثمّ أردفها بقوله: وقد روى عنه الفضل، وأبوه، ويونس، ومحمد بن عيسى العبيديّ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، والحسن والحسين ابنا سعيد الأهوازيّان [وابنا دندان]، وأيّوب بن نوح وغيرهم من العدول والثقات من أهل العلم(2).

وأيضاً طريق الشيخ إليه على ما ذكره في الفهرست ينتهي إلى أبي علي محمد بن همّام، عنه(3).

وإذا كان أبو علي بن همّام يروي عنه فذلك أعدل شاهد له بالثقة والجلالة.

وبالجملة أمر أبي جعفر العبيديّ في العلم والعدالة عندي أوضح من أن يتطرّق إليه الشكّ بالاستثناء من رجال نوادر الحكمة، مع أن مجرّد ذلك لا يدلّ على الضعف أصلاً؛ لما قد ذكره أبو عمرو الكشّيّ من صغر السنّ وعدم لقائه الحسن بن محبوب(4) (م ح ق)

ص348 الرقم 939: محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران.. الأشعري القمي.. فلا أدري ما رابه فيه..

رَابَه رَيْباً شكّكه، الرِيبَةُ - بالكسر - الشكّ والتهمة، ومنها الحديث: دع ما يَرِيبُكَ إلى ما لا يَرِيبُكَ فإنّ الكذب رِيبَة وإنّ الصدق طمأنينة(5)، أي: دع ما يشكّك ويحصّل فيك

ص: 333


1- رجال النجاشي: 348، الرقم 939.
2- اختيار معرفة الرجال: 2/ 796، الرقم 979، والزيادة منه.
3- الفهرست للطوسي: 216، الرقم 611.
4- اختيار معرفة الرجال: 2/ 817، الرقم 1021.
5- ذكره ابن حنبل في مسنده: 1/ 200، والدارمي في سننه: ج2/ 245، باب دع ما يريبك إلى ما 3 4لا يريبك، والترمذي في سننه: 4/ 77، والحاكم النيسابوري في مستدركه: 4/ 99، والبيهقي في السنن الكبرى: 5/ 335.

الرِيبَة لكونه ممّا فيه بعض الشبهة إلى ما لا يشككك، لكونه ممّا لا شبهة فيه.

قال في المغرب: وهي في الأصل قلق النفس واضطرابها، ألا ترى كيف قابلها بالطمأنينة وهي السكون وذلك أنّ النفس لا تستقرّ متى شكّت في أمر، وإذا أَيْقَنَتْه سكنت واطمأنّت(1) (م ح ق).

ص372 الرقم 1016: محمد بن هارون أبو عيسى الوراق.

ليس هو محمد بن هارون الذي روى عن أبي محمد العسكريّ (علیه السلام)، وروى عنه محمد بن أحمد بن يحيى، وقد سبق ذكره في ترجمة محمد بن أحمد بن يحيى(2).

ولا هو محمد بن هارون بن عمران صاحب حكاية الحوانيت(3).

والعلّامة لم يذكر في الخلاصة أبا عيسى الورّاق هذا، ولا محمد بن هارون صاحب الحوانيت، بل إنّما ذكر الذي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى في قسم المجروحين(4).

والشيخ تقي الدين الحسن بن داود لم يورد صاحب الحوانيت في كتابه، بل إنّما ذكر محمد بن هارون الذي روى عنه محمد بن أحمد بن يحيى في المجروحين(5)، ومحمد بن

ص: 334


1- المغرّب: 203.
2- رجال النجاشي: 348، الرقم 939.
3- الكافي: 1/ 524، ح28.
4- خلاصة الأقوال: 399، الرقم 36، 431 في الفائدة الرابعة.
5- رجال ابن داود: 276، الرقم 489.

هارون أبا عيسى الورّاق في الممدوحين(1)، وذكر الحسن بن محمد بن هارون صاحب حكاية الحوانيت(2) (م ح ق).

ص403 الرقم 1069: محمد بن عبد الملك بن محمد التبان..

هذا هو ابن التبّان الذي تبّانيّات السيّد المرتضى رضي الله تعالى عنه أجوبة مسائله (م ح ق).

ص406 الرقم 1076: موسى بن جعفر بن وهب البغدادي.. أخبرنا محمد بن علي القزويني..

محمد بن علي القزوينيّ هو أبو عبد الله أخو أحمد بن علي (م ح ق).

ص412 الرقم 1098: معاوية بن حكيم بن معاوية بن عمار الدهني..

الدُهْن: دُهْن السِمْسِم وغيره، وبه سمّى دُهْن بَجِيلَةَ حيّ منهم، وإليهم يُنْسَبُ عماّر الدُهْنيّ (مغرب)(3).

ص431 الرقم 1159: وهيب بن حفص أبو علي الجريري.. ووقف..

أي: في الرواية. ويحتمل الوقف في القول بالإمامة. وبعض شهداء المتأخّرين في حواشيه على الخلاصة نقل في ترجمة حمّاد بن ضمخة هذا القول عن المصنّف باسقاط قوله (وكان ثقة)، والحاق لفظة (عليه)(4). ثم بمقتضى ذلك قال: إنّ النجاشي ضعّف

ص: 335


1- رجال ابن داود: 185، الرقم 1521.
2- رجال ابن داود: 78، الرقم 462.
3- المغرّب: 117.
4- حاشية خلاصة الأقوال: 110، الرقم: 125.

وهيب بن حفص بالوقف على أبي الحسن (علیه السلام)، ومثل هذا غريب عن مثله (م ح ق).

ص434 الرقم 1166: هشام بن محمد بن السائب..

هشام بن محمد بن السائب هذا وهو الكلبيّ النسّابة المشهور تلميذ أبي مخنف لوط بن يحيى صاحب كتاب مقتل الحسين (علیه السلام) وصاحبه الخصيص به، وإليه ينتهي طريق المصنّف إلى أبي مخنف كما أورده في ترجمته(1)، وكذلك هو في طريق الشيخ عن أبي مِخْنَف كما ذكره في الفهرست في ترجمة لوط بن يحيى أبي مِخْنَف الأزديّ(2)، وطريقه إليه في رواية أكثر كتبه (م ح ق).

(هشام بن محمد السائب) هذا هو الكلبيّ النسّابة المشهور بالعلم المعروف بمعرفة النسب، وأبوه محمد بن السائب الكلبيّ أيضاً مشهور بالعلم متثقّف في اللغة والقراءة والفقه، وله كتاب معروف في غريب القرآن وشواهده من الأشعار، أورده شيخ الطائفة رحمه الله تعالى في الفهرست في ترجمة أبان بن تغلب وذكر كتابه أيضاً(3)، وهو من رجال مولانا الباقر (علیه السلام) ذكره الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي جعفر الباقر (علیه السلام) (4).

ومهما ذكر في كتب الأخبار الكلبيّ النسّابة(5)، ولا سيّما الكلبيّ النسّابة عن أبي عبد

ص: 336


1- رجال النجاشي: 32، الرقم 875.
2- الفهرست للطوسي: 204، الرقم 204.
3- الفهرست للطوسي: 57، الرقم 61.
4- رجال الطوسي: 145، الرقم 1594.
5- كما في الكافي: 1/ 349 ح6، 221 ح12، 416 ح3، الاستبصار: 1/ 16 ح29، تهذيب الأحكام: 1/ 220 ح629.

الله (علیه السلام) فهو هشام بن محمد بن السائب الكلبيّ هذا لا أبوه محمد بن السائب الكلبيّ، ولا محمد بن مروان الكلبيّ من رجال الباقر (علیه السلام) (1)، ولا الحسن بن علوان الكلبيّ من رجال الصادق (علیه السلام) (2)، ولا أخوه الحسين بن علوان(3)، ولا خلّاد أبو الأسود الكلبيّ الكوفيّ من أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام) (4)، فتثبّت ولا تتخبّط فإنّ ذلك خفيّ على كثير ممّن يدّعي التمهّر في معرفة الرجال والأسانيد (م ح ق).

ص435 الرقم 1168: هاشم بن إبراهيم العبّاسي الذي يقال له المشرقي.

هو بالفاء لا بالقاف نسبةً إلى مشارف الشام قرى من أرض العرب تقرب من المُدُن وهي بين بلاد الريف وجزيرة العرب وتدنو من الريف(5).

والمشرفيّ يقال أيضاً لعبد الله بن قيس على ما ذكره الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه رضي الله تعالى عنه في كتاب التوحيد في باب معنى قوله عزّ وجلّ: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾(6) حيث روى بسنده فقال: حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمد بن الحسن الصفّار، عن محمد بن عيسى، عن المَشرفيّ(7) عبد الله بن

ص: 337


1- رجال الطوسي: 144، الرقم 1573.
2- رجال النجاشي: 52، في ذيل ترجمة أخيه الحسين.
3- رجال النجاشي: 52، الرقم 116.
4- رجال الطوسي: 199، الرقم 2521.
5- النهاية في غريب الحديث: 2/ 463.
6- المائدة: 64.
7- كذا، وفي المصدر المطبوع: المشرقي.

قيس(1)، عن أبي الحسن الرضا (علیه السلام) قال: سمعته يقول: ﴿ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، فقلت له: يدان هكذا وأشرت بيدي إلى يديه(2) فقال: لا، لو كان هكذا كان(3) مخلوقاً(4) (م ح ق).

ص436 الرقم 1170: هيثم بن عبد الله أبو كهمس كوفي.

وقال الشيخ في كتاب الرجال في أصحاب أبي عبد الله الصادق (علیه السلام): الهيثم بن عبيد الشيبانيّ أبو كهمس الكوفيّ، اُسنِد عنه(5).

وكذلك أبو جعفر الكلينيّ رضوان الله تعالى عليه في جامعه الكافي في اضعاف الأسانيد، قال في باب من حفظ القرآن ثمّ نسيه: عن أبي كهمس الهيثم بن عبيد قال: سألت أبا عبد الله (علیه السلام) (6).

وكذلك في الفقيه في باب أحكام السهو: وسأل أبو كهمس أبا عبد الله (علیه السلام) (7).

وفي التهذيب أيضاً مثله(8) (م ح ق).

ص: 338


1- كذا، وفي المصدر المطبوع: المشرقي، عن عبد الله بن قيس، وقد أشار محقّق الكتاب في الهامش بأنّ في بعض النسخ كما في المتن.
2- كذا، وفي المصدر: يداه.
3- كذا، وفي المصدر: لكان.
4- التوحيد للصدوق: 168، ح2.
5- رجال الطوسي: 320، الرقم 4767.
6- الكافي: 2/ 608، ح5.
7- من لا يحضره الفقيه: 1/ 348، ح1014.
8- تهذيب الأحكام: 2/ 335، ح1381.

ص456 الرقم 1236: أبو يحيى الحناط... عن الحسين بن علي.

يعني به الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّيّ على ما سلف منه في ترجمته أنّ الحسين بن عبيد الله يروي عنه(1).

ويحتمل الحسين بن عليّ بن سفيان البزوفريّ على ما قد سلف منه أيضاً أنّه يروي عن الحسين بن عبيد الله، عنه(2).

وكذلك قال الشيخ في باب (لم) من كتابه الرجال في ذكر طريقه إلى الحسين [بن] علي بن سفيان(3).

وأمّا حميد فهو ابن زياد (م ح ق).

* * *

ص: 339


1- رجال النجاشي: 68، الرقم 163.
2- رجال النجاشي: 74، الرقم 179.
3- رجال الطوسي: 423، الرقم 6092.

مصادر التحقيق

القرآن الكريم.

1. اختيار معرفة الرجال (1 - 2)، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ، تحقيق: السيّد مهدي الرجائيّ، نشر: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام)، 1404ﻫ.ق.

2. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد (1 - 2)، الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبريّ البغداديّ، تحقيق: مؤسسة آل البيت (علیهم السلام)، نشر: دار المفيد - بيروت، 1414ﻫ.ق، ط الثانية.

3. أساس البلاغة، جار الله الزمخشري، دار ومطابع الشباب - القاهرة، 1960م.

4. الاستبصار فيما اختلف من الأخبار (1 - 4)، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان، نشر: دار الكتب الإسلاميّة - طهران، 1390ﻫ.ق.

5. إيضاح الاشتباه، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّيّ، تحقيق: الشيخ محمّد الحسّون، نشر: مؤسسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم المشرّفة، 1411ﻫ.ق.

6. تاريخ بغداد أو مدينة السلام (1 - 9)، أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغداديّ، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، نشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، 1417ﻫ.ق.

7. التحرير الطاوسي المستخرج من كتاب حلّ الاشكال، أبو منصور حسن بن زين الدين بن علي العامليّ صاحب المعالم، تحقيق: فاضل الجواهريّ، نشر: مكتبة السيّد المرعشي - قم المقدّسة، 1411ﻫ.ق.

ص: 340

8. تهذيب الأحكام (1 - 4)، شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسيّ، تحقيق: السيّد حسن الموسويّ الخرسان، نشر: دار الكتب الإسلامية - طهران، 1390ﻫ.ق.

9. حاشية خلاصة الأقوال، الشهيد الثاني زين الدين بن عليّ الجباعيّ العامليّ، تحقيق: الشيخ نزار الحسن، نشر: مؤسسة البلاغ، ط الأولى، 1430 ﻫ - 2009م.

10. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، أبو منصور حسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّيّ، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، نشر: مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417ﻫ.ق.

11. ذكرى الشيعة في احكام الشريعة (1 - 4)، الشهيد الأوّل محمّد بن جمال الدين مكّيّ العامليّ، تحقيق: مؤسّسة آل البيت (علیهم السلام)، 1418ﻫ.ق.

12. الرجال (الأبواب)، شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، نشر: مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين بقمّ المقدّسة، 1415ﻫ.ق.

13. الرجال (فهرست أسماء مصنّفي الشيعة)، أبو العبّاس أحمد بن علي بن أحمد النجاشيّ الأسديّ الكوفيّ، تحقيق: السيّد موسى الشبيريّ الزنجانيّ، نشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم المقدّسة، 1416ﻫ.ق.

14. الرجال، تقي الدين حسن بن علي بن داود الحلّيّ، تحقيق: السيّد محمّد صادق آل بحر العلوم، نشر: المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف، 1392ﻫ.ق - 1972م.

15. سنن الترمذي (الجامع الصحيح) (1 - 5)، الحافظ أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق: عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر: دار الفكر للطباعة

ص: 341

والنشر - بيروت، 1403ﻫ.ق - 1983م.

16. سنن الدارمي (1 - 2)، أبو محمد عبد الله بن الرحمن بن الفضل الدارميّ، طبع بعناية: محمّد أحمد دهقان، مطبعة الاعتدال - دمشق، 1349ﻫ.ق.

17. السنن الكبرى (سنن النسائيّ)، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائيّ، تحقيق: عبد الغفار سليمان البنداريّ وسيّد كسروي حسن، نشر: دار الكتب العلميّة - بيروت، 1411ﻫ.ق - 1991م.

18. صحاح اللغة (الصحاح تاج اللغة وصحاح العربيّة) (1 - 6)، أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهريّ، تحقيق: أحمد عبد الغفار عطار، نشر: دار العلم للملايين - بيروت، 1376ﻫ.ق - 1956م.

19. غاية المراد في شرح نكت الارشاد، الشهيد الأوّل محمّد بن جمال الدين مكّيّ العامليّ، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية - المشرف: الشيخ رضا المختاري، الناشر: مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلاميّ، ط الأولى، 1420ﻫ. ق.

20. الفهرست، شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسيّ، تحقيق: الشيخ جواد القيّوميّ الأصفهانيّ، نشر: مؤسسة نشر الفقاهة، 1417ﻫ.ق.

21. القاموس المحيط والقابوس الوسيط (1 - 4)، مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آباديّ، نشر: دار العلم للجميع - بيروت.

22. الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة (1 - 2)، أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبيّ الدمشقيّ، تحقيق: محمد عوامة أحمد محمد نمر الخطيب، نشر: دار القبلة للثقافة الإسلاميّة، جدّة، 1413ﻫ.ق - 1999م.

ص: 342

23. الكافي (1 - 8)، أبو جعفر محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكلينيّ الرازيّ، تحقيق: علي أكبر الغفّاريّ، نشر: دار الكتب الإسلاميّة - تهران، 1388ﻫ.ق.

24. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل (1 - 4)، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الزمخشري، نشر: مطبعة مصطفة البابي الحلبي وأولاده - مصر، 1385ﻫ.ق - 1966م.

25. لسان الميزان (1 - 7)، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلانيّ، نشر: مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية الكائنة في الهند بمحروسة حيدر آباد، 1329ﻫ.ق إلى 1331ﻫ.ق.

26. مجمل اللغة، أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي (ت395ﻫ) الناشر: مؤسّسة الرسالة، بيروت - لبنان، ط2، 1406ﻫ - 1986، دراسة وتحقيق: زهير عبد المحسن سلطان.

27. مختلف الشيعة في أحكام الشريعة (1 - 9)، أبو منصور حسن بن يوسف بن المطهّر العلّامة الحلّيّ، تحقيق ونشر: مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرّسين - قم المقدّسة، 1412ﻫ.ق.

28. المستدرك على الصحيحين (1 - 4)، أبو عبد الله محمّد بن عبد الله النيسابوريّ، بإشراف: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، دار المعرفة - بيروت عن المطبوع في مطبعة دائرة المعارف النظامية في حيدر آباد سنة 1341ﻫ.ق.

29. مسند الإمام أحمد بن حنبل (1 - 6)، أحمد بن محمّد بن حنبل، نشر: دار صادر - بيروت، عن النسخة المطبوعة بالطبعة الميمنية بمصر بإدارة أحمد البابي الحلبيّ في سنة 1313ﻫ.ق.

ص: 343

30. معالم العلماء، أبو عبد الله محمّد بن علي بن شهر آشوب السرويّ المازندرانيّ، تحقيق: السيّد محمد صادق آل بحر العلوم، نشر: المطبعة الحيدريّة، النجف الأشرف، 1380ﻫ.ق - 1961م.

31. المعتبر في شرح المختصر (1 - 2)، نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّيّن تحقيق ونشر: مدرسة الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام) بإشراف ناصر مكارم الشيرازيّ، 1364ﻫ.ش.

32. معرفة الثقات (1 - 2)، الحافظ أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن صالح العجليّ الكوفيّ، تحقيق: عبد الحليم عبد العظيم البستوي، نشر: مكتبة الدار بالمدينة المنوّرة، 1405ﻫ.ق.

33. المُغرّب في ترتيب المعرّب، ناصر بن عبد السيّد بن علي المطرّزيّ (ت616ﻫ)، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان.

34. من لا يحضره الفقيه (1 - 4)، الشيخ الصدوق محمّد بن علي بن بابويه القمّيّ، تحقيق: علي أكبر الغفّاريّ، نشر: جماعة المدرّسين - قم المقدسة، 1392ﻫ.ق.

35. النهاية في غريب الحديث والأثر (1 - 5)، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمّد الجزري ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي ومحمود محمد الطناحي، نشر: مؤسّسة إسماعيليان - قم، 1346ﻫ.ق.

ص: 344

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.